القول في تأويل قوله تعالى:
[ 3 ] وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين .
وقال الذين كفروا يعني مشركي مكة : لا تأتينا الساعة أي: ، إنكارا لها: ساعة الجزاء قل بلى وربي لتأتينكم أي: الساعة. رد لكلامهم وتأكيد لما نفوه، باليمين بالله عز وجل: عالم الغيب بالجر صفة، والرفع خبر محذوف، وقرئ ) علام (، بالجر. وفي هذا التوصيف تقوية للتأكيد; لأن ، يؤذن بفخامة شأن المقسم عليه وقوة إثباته وصحته، لما أنه في حكم الاستشهاد على الأمر، لاسيما إذا خص من الأوصاف ما له اختصاص بهذا المعنى; فإن تعقيب القسم بجلائل نعوت المقسم به وأدخلها في الخفية، وأولها مسارعة إلى القلب، إذا قيل عالم الغيب: قيام الساعة من مشاهير الغيوب لا يعزب أي: لا يغيب بضم الزاي وكسرها: عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين أي: ، فالعظام وأجزاء البدن، وإن تلاشت وتفرقت وتمزقت، فهو عالم أين ذهبت وأين تفرقت، ثم يعيدها كما بدأها أول مرة; لسعة علمه وعظم قدرته، جل شأنه. فالجميع مندرج تحت علمه فلا يخفى عليه شيء، وإن تناهى في الصغر
لطائف:
الأولى - عامة القراء على رفع: { أصغر } و: { أكبر } وفيه وجهان:
أحدهما: الابتداء [ ص: 4939 ] والخبر: { إلا في كتاب } والثاني النسق على: { مثقال } . وعلى هذا فيكون قوله: إلا في كتاب تأكيدا للنفي في: لا يعزب كأنه قال: لكنه في كتاب مبين، ويكون في محل الحال.
وقرأ بعض السلف بفتح الراءين، وفيه وجهان: أحدهما – أن { لا } هي لا التبرئة، بني اسمها معها. والخبر قوله: إلا في كتاب والثاني - النسق على: { ذرة } لامتناعه من الصرف.
الثانية - يشير قوله تعالى: ولا أصغر من ذلك إلى أن: { مثقال } لم يذكر للتحديد بل الأصغر منه لا يعزب أيضا.
الثالثة - قال الكرخي : فإن قيل فأي حاجة إلى ذكر ( الأكبر); فإن من علم الأصغر من الذرة لا بد وأن يعلم الأكبر؟ فالجواب: لما كان ، فلو اقتصر على الأصغر لتوهم متوهم أنه يثبت فيه الصغائر لكونها محل النسيان، وأما الأكبر فلا ينسى فلا حاجة إلى إثباته، فأعلم أن الإثبات في الكتاب ليس كذلك; فإن الأكبر مكتوب فيه أيضا. وقوله تعالى: الله تعالى أراد بيان إثبات الأمور في الكتاب