القول في تأويل قوله تعالى:
[ 23 ] ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير .
ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له أي: من المستأهلين لمقام الشفاعة [ ص: 4952 ] . كالنبيين والملائكة. وهذا تكذيب لقولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله: حتى إذا فزع عن قلوبهم أي: كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم، بكلمة يتكلم بها رب العزة، في إطلاق الإذن، تباشروا بذلك: قالوا أي: سائلا بعضهم بعضا: ماذا قال ربكم قالوا الحق أي: قال القول الحق، وهو : الإذن بالشفاعة لمن ارتضى وهو العلي الكبير أي: ذو العلو والكبرياء، ليس لملك ولا نبي أن يتكلم إلا بإذنه، وأن يشفع إلا لمن ارتضى.
قال : هذا أيضا مقام رفيع في العظمة، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي. فسمع أهل السماوات كلامه، أرعدوا من الهيبة، حتى يلحقهم مثل الغشي. قاله ابن كثير رضي الله عنه، ابن مسعود ، وغيرهما. ومسروق
قال : فإن قلت: بم اتصل قوله تعالى: الزمخشري حتى إذا فزع عن قلوبهم ولأي شيء وقعت حتى غاية؟ قلت: بما فهم من هذا الكلام، من أن ثم انتظارا للإذن وتوقعا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن، وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان وطول من التربص، ومثل هذه الحال دل عليه قوله عز وجل: رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا أي: وإذا كانت الشفاعة لمن أذن له بهذا الحال، عظمة وسموا من ذي الجلال، فأنى ينالها جماد لا يعقل، لا سيما وهو عدو للكبير المتعال، فتبين كذبهم فيهم أنهم شفعاء، وحرمانهم من مقامها، بأجلى بيان وأفصح مقال.
وفي الآية تأويل آخر، وهو أن معنى قوله تعالى: حتى إذا فزع عن قلوبهم أي: عن قلوب المشركين عند الاحتضار، ويوم القيامة إذا تنبهوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا، ورجعت إليهم عقولهم يوم القيامة، قالوا ماذا قال ربكم؟ فقيل لهم الحق وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا. قال : مجاهد حتى إذا فزع عن قلوبهم أي: كشف عنها الغطاء يوم القيامة. وقال : أي: كشف عما فيها من الشك والتكذيب. وقال الحسن [ ص: 4953 ] : هذا عند الموت، أقروا حين لا ينفعهم الإقرار. واختار عبد الرحمن بن زيد بن أسلم القول الأول، وهو أن الضمير عائد إلى الملائكة. ابن جرير
قال : وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه; لصحة الأحاديث فيه والآثار، أي: ولورود ما يؤيده في آية أخرى، ابن كثير ، وذلك في قوله تعالى: والقرآن يفسر بعضه بعضا ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون نعم، النظم الكريم لا يأبى ما ذكروه، إلا أن مراعاة الأشباه والنظائر هو العمدة في باب فهم التأويل، ما وجد إليها سبيل.