القول في تأويل قوله تعالى:
[3 - 4] ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون
ذلك أي: ما نعي عليهم من مساوئهم بأنهم آمنوا أي: ظاهرا ثم كفروا أي: سرا فطبع على قلوبهم أي: ختم عليها بما مرنوا عليه من التلون والتذبذب ورسوخ الهيئات المنكرة، فحجبوا عن الحق فهم لا يفقهون أي: حقيقة الإيمان، وحكمة الرسالة والدين وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم أي: لتناسب أشكالهم، وحسن مناظرهم وروائهم وإن يقولوا تسمع لقولهم أي: للين كلامهم بما يدهنون فيه كأنهم خشب مسندة أي: في الخلو عن الفائدة؛ لأن الخشب إنما تكون مسندة إذا لم تكن في بناء، أو دعامة لشيء آخر.
قال القاشاني: روي عن بعض الحكماء أنه رأى غلاما حسنا وجهه، فاستنطقه لظنه ذكاءه وفطنته، فما وجد عنده معنى، فقال: ما أحسن هذا البيت لو كان فيه ساكن! وهذا معنى قوله: كأنهم خشب مسندة أي: أجرام خالية عن الأرواح، لا نفع فيه ولا ثمر، كالأخشاب المسندة إلى الجدران عند الجفاف، وزوال الروح النامية عنها، فهم في زوال استعداد الحياة الحقيقة، والروح الإنساني، بمثابتها.
يحسبون كل صيحة عليهم قال : أي: يحسب هؤلاء المنافقون من خبثهم، وسوء ظنهم، وقلة يقينهم، كل صيحة عليهم; لأنهم على وجل أن ينزل الله فيهم أمرا يهتك [ ص: 5809 ] به أستارهم ويفضحهم، ويبيح للمؤمنين قتلهم، وسبي ذراريهم، وأخذ أموالهم؛ فهم من خوفهم من ذلك كلما نزل فيهم من الله وحي على رسوله، ظنوا أنه نزل بهلاكهم وعطبهم. ابن جرير
وقال القاشاني: لأن الشجاعة إنما تكون من اليقين من نور الفطرة، وصفاء القلب، وهم منغمسون في ظلمات صفات النفوس، محتجبون باللذات والشهوات، أهل الشك والارتياب، فلذلك غلبهم الجبن والخور.
هم العدو فاحذرهم قال القاشاني: فقد بطل استعدادهم، فلا يهتدون بنورك ولا تؤثر فيهم صحبتك قاتلهم الله أنى يؤفكون أي: كيف يصرفون عن الحق، مع وضوح مناره. و (قاتل) بمعنى لعن وطرد، وهو دعاء أو خبر.