[2] يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب .
يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله أي: معالم دينه. وهي المناسك. وإحلالها أن يتهاون بحرمتها، وأن يحال بينها وبين المتنسكين بها. وقد روى عن ابن جرير [ ص: 1795 ] عكرمة قالا: نزلت في والسدي الحطم، واسمه شريح بن هند البكري. أتى المدينة وحده. وخلف خيله خارج المدينة. ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إلام تدعو الناس؟ قال صلى الله عليه وسلم: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. فقال: حسن. إلا أن لي أمراء لا أقطع أمرا دونهم. ولعلي أسلم وآتي بهم. فخرج من عنده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل منربيعة يتكلم بلسان شيطان. فلما خرج قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ ص: 1796 ] لقد دخل بوجه كافر، وخرج بقفا غادر، وما الرجل بمسلم، فمر بسرح من سراح شريح المدينة فاستاقه وانطلق به وهو يرتجز ويقول:
قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار على ظهر الوضم
باتوا نياما وابن هند لم ينم
بات يقاسيها غلام كالزلم
خدلج الساقين ممسوح القدم
فتبعوه فلم يدركوه. فلما كان العام القابل، خرج حاجا مع حجاج شريح بكر بن وائل، من اليمامة. ومعه تجارة عظيمة. وقد قلد الهدي. فقال المسلمون: يا رسول الله! هذا الحطم قد خرج حاجا فخل بيننا وبينه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد قلد الهدي. فقالوا: يا رسول الله! هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية. فأبى النبي صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله قال هي المناسك. كان المشركون يحجون ويهدون. فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم. فنهاهم الله عن ذلك. ابن عباس:
وعن أيضا: ابن عباس لا تحلوا شعائر الله هي أن تصيد وأنت محرم. ويقال: شعائر الله، شرائع دينه التي حدها لعباده. وإخلالها الإخلال بها. وظاهر أن عموم اللفظ يشمل الجميع.
[ ص: 1797 ] ولا الشهر الحرام المراد به الجنس. فيدخل في ذلك جميع الأشهر الحرم.
وهي أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب. أي: لا تحلوها بالقتال فيها. وقد كانت العرب تحرم في الجاهلية. فلما جاء الإسلام لم ينقض هذا الحكم. بل أكده. كذا في "لباب التأويل". القتال فيها
قال يعني بقوله: ابن كثير: ولا الشهر الحرام تحريمه والاعتراف بتعظيمه، وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه، من الابتداء بالقتال. كما قال تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وقال تعالى: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا وفي صحيح عن البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 1798 ] قال في حجة الوداع: أبي بكرة الحديث. وهذا يدل على استمرار تحريمها إلى آخر وقت. كما هو مذهب طائفة من السلف. «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. السنة اثنا عشر شهرا. منها أربعة حرم...»
وقال علي بن أبي طلحة، عن رضي الله عنه، في قوله تعالى: ابن عباس ولا الشهر الحرام يعني: لا تستحلوا القتال فيه. وكذا قال مقاتل وعبد الكريم بن مالك الجزري. واختاره أيضا. وذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ. وأنه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم. واحتجوا بقوله تعالى: ابن جرير فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم والمراد أشهر التسيير الأربعة.
قالوا: فلم يستثن شهرا حراما من غيره. انتهى. وفي كتاب: "الناسخ والمنسوخ" لابن حزم: إن الآية نسخت بآية السيف. ونقل بعض الزيدية في "تفسيره" عن أنه ليس في هذه السورة منسوخ. وعن الحسن فيها ثماني عشرة فريضة. وليس فيها منسوخ. (انتهى). أبي ميسرة:
وروى عن ابن أبي حاتم ابن عوف قال: قلت نسخ من المائدة شيء؟ قال: لا. للحسن:
وقال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" في "فصل سرية الخبط" كان أميرها وكانت في رجب، فيما ذكره أبا عبيدة بن الجراح، الحافظ بن سيد الناس في "عيون الأثر".
ثم قال في فقه هذه القصة: إن فيها جواز القتال في الشهر الحرام. إن كان ذكر التاريخ فيها برجب، محفوظا. والظاهر -والله أعلم- أنه وهم غير محفوظ. إذ لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غزا في الشهر الحرام، ولا أغار فيه، ولا بعث فيه سرية. وقد عير [ ص: 1799 ] المشركون المسلمين لقتالهم فيه في أول رجب، في قصة فقالوا: استحل العلاء بن الحضرمي، محمد الشهر الحرام. وأنزل الله في ذلك: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ولم يثبت ما ينسخ هذا بنص يجب المصير إليه، ولا اجتمعت الأمة على نسخه. وقد استدل على تحريم القتال في الأشهر الحرام بقوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ولا حجة في هذا. لأن الأشهر الحرم هاهنا هي أشهر التسيير التي سير الله فيها المشركين في الأرض يأمنون فيها. وكان أولها يوم الحج الأكبر، عاشر ذي الحجة. وآخرها عاشر ربيع الآخر. هذا هو الصحيح في الآية لوجوه عديدة، ليس هذا موضعها. انتهى.
وقوله تعالى: ولا الهدي أي: لا تحلوه بأن يتعرض له بالغصب أو بالمنع عن بلوغ محله. والهدي: ما أهدي إلى الكعبة من إبل أو بقر أو شاء. وفي "الإكليل": هذا أصل في مشروعية الإهداء إلى البيت. وتحريم الإغارة عليه. وذبحه قبل بلوغ محله. واستدل بالآية أيضا على منع الأكل منه.
ولا القلائد جمع قلادة. وهي ما يقلد به الهدي. من نعل أو لحاء شجر، ليعلم أنه هدي، فلا يتعرض له. والمراد النهي عن التعرض لذوات القلائد من الهدي. وهي البدن. وعطفها على (الهدي) مع دخولها فيه، لمزيد التوصية بها، لمزيتها على ما عداها. إذ هي أشرف الهدي. كقوله تعالى: وجبريل وميكال عطفا على الملائكة. كأنه قيل: والقلائد منه، خصوصا. أو النهي عن التعرض لنفس القلائد، مبالغة في النهي عن التعرض [ ص: 1800 ] لأصحابها. على معنى: لا تحلوا قلائدها فضلا أن تحلوها. كما نهى عن إبداء الزينة بقوله تعالى: ولا يبدين زينتهن مبالغة في النهي عن إبداء مواقعها. كذا لأبي السعود.
وقال الحافظ ابن كثير: يعني لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام. فإن فيه تعظيم شعائر الله. ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عما عداها من الأنعام.
وليعلم أنه هدي إلى الكعبة. فيجتنبها من يريدها بسوء. وتبعث من يراها على الإتيان بمثلها. فإن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ولهذا لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بذي الحليفة. وهو وادي العقيق. فلما أصبح طاف على نسائه، وكن تسعا. ثم اغتسل وتطيب وصلى ركعتين. ثم أشعر هديه وقلده. وأهل للحج والعمرة، وكان هديه إبلا كثيرة تنيف على الستين، من أحسن الأشكال والألوان كما قال تعالى: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب
[ ص: 1801 ] قال بعض السلف: إعظامها استحسانها واستسمانها. قال علي بن أبي طالب: رواه أهل السنن. وقال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن. ولا القلائد، فلا تستحلوه. وكان أهل الجاهلية إذا خرجوا من أوطانهم في غير الأشهر الحرم. قلدوا أنفسهم بالشعر والوبر. وتقلد مشركو مقاتل: الحرم من لحاء شجره، فيأمنون به. رواه ابن أبي حاتم.
وقال كانوا يتقلدون من شجر عطاء: الحرم فيأمنون. فنهى الله عن قطع شجره وكذا قال وأمانهم بذلك منسوخ. كما روى مطرف بن عبد الله. عن ابن أبي حاتم قال: نسخ من هذه السورة آيتان: آية القلائد. وقوله: فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم . وبسنده إلى ابن عباس ابن عوف قال: قلت نسخ من المائدة شيء؟ قال: لا. للحسن:
ولا آمين البيت الحرام أي: لا تحلوا قوما قاصدين زيارة المسجد الحرام بأن تصدوهم أو تقاتلوهم أو تؤذوهم، لأنه من دخله كان آمنا. وقوله تعالى: يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا حال من المستكن في: آمين أي: قاصدين زيارته حال كونهم [ ص: 1802 ] طالبين التجارة ورضوان الله بحجهم. ونقل عن ثمانية من سلف المفسرين أنه عنى بالفضل طلب الرزق بالتجارة. قال: كما تقدم في قوله تعالى: ابن كثير ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم وقد ذكر عكرمة والسدي أن الآية نزلت في وابن جرير الحطم بن هند البكري. وتقدمت قصته. وقال ابن طلحة عن كان المؤمنون والمشركون يحجون، فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا من مؤمن أو كافر. ثم أنزل الله بعده: ابن عباس: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا الآية. وقال تعالى: ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله وقال: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر فنفى المشركين من المسجد الحرام. وقال حدثنا عبد الرزاق: عن معمر في قوله: قتادة ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام قال: منسوخ. كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج، تقلد من الشجر، فلم يعرض [ ص: 1803 ] له أحد. فإذا رجع تقلد قلادة من شعر، فلم يعرض له أحد، وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت. فنسخها قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقد اختار أن المراد بقوله: ولا القلائد يعني أن من تقلد قلادة من ابن جرير الحرم، فأمنوه. قال: ولم تزل العرب تعير من أخفر ذلك. قال الشاعر:
ألم تقتلا الحرجين إذ أعوراكما يمران بالأيدي اللحاء المضفرا
أفاده وهذه الروايات توضح أنه عنى: (الآمين): المشركين خاصة. إذا هم [ ص: 1804 ] المحتاجون إلى نهي المؤمنين عن إحلالهم وما يفيده التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم. وكذا الرضوان من تشريفهم، والإشعار بحصول مبتغاهم. فالسر فيه تأكيد النهي والمبالغة في استنكار المنهي عنه. قال ابن كثير. الزمخشري وأبو السعود: قد كانوا يزعمون أنهم على سداد من دينهم، وأن الحج يقربهم إلى الله تعالى. فوصفهم الله تعالى بظنهم. وذلك الظن الفاسد، وإن كان بمعزل من استتباع رضوانه تعالى، لكن لا بعد في كونه مدارا لحصول بعض مقاصدهم الدنيوية، وخلاصهم عن المكاره العاجلة. لا سيما في ضمن مراعاة حقوق الله تعالى وتعظيم شعائره. ونقل الرازي عن أبي مسلم الأصفهاني، أن المراد بالآية، الكفار الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. فلما زال العهد بسورة براءة، زال ذلك الخطر، ولزم المراد بقوله تعالى: فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا انتهى.
وإذا حللتم أي: خرجتم من الإحرام، أو خرجتم من الحرم إلى الحل: فاصطادوا أي: فلا جناح عليكم في الاصطياد: ولا يجرمنكم شنآن قوم أي: لا يحملنكم على الجريمة، شدة بغض قوم: أن صدوكم عن المسجد الحرام . أي: لأن صدوكم عن زيارته والطواف به للعمرة. وقرئ بكسر الهمزة من (إن) على أنها شرطية: أن تعتدوا أي: عليهم. قال أبو السعود: وإنما حذف، تعويلا على ظهوره، وإيماء إلى أن المقصد الأصلي من النهي، منع صدور الاعتداء عن المخاطبين، محافظة على تعظيم الشعائر. لا منع وقوعه على القوم، مراعاة لجانبهم، وهو ثاني مفعولي: يجرمنكم أي: لا يكسبنكم شدة بغضكم لهم، لصدهم إياكم عن المسجد الحرام، اعتداءكم عليهم وانتقامكم منهم للتشفي.
تنبيهات:
الأول: قال لا يحملنكم بغض قوم، قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى ابن كثير: المسجد الحرام، وذلك عام الحديبية، على أن تعتدوا حكم الله فيهم، فتقتصوا منهم ظلما [ ص: 1805 ] وعدوانا، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد. وهذه الآية كما سيأتي من قوله: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى أن: لا يحملنكم بغض أقوام على ترك العدل. فإن العدل واجب على كل أحد، في كل أحد، في كل حال.
وقال بعض السلف: ما عاملت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه. والعدل، به قامت السماوات والأرض. وقال حدثنا أبي حدثنا ابن أبي حاتم: سهل بن عفان، حدثنا عبد الله بن جعفر عن قال: زيد بن أسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية وأصحابه، حين صدهم المشركون عن البيت. وقد اشتد ذلك عليهم. فمر بهم ناس من المشركين من أهل المشرق، يريدون العمرة. فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم. فأنزل إليه هذه الآية.
الثاني: قوله: ولا يجرمنكم نهي عن إحلال قوم من الآمين، خصوا به مع اندراجهم في النهي عن إحلال الكل كافة، لاستقلالهم بأمور ربما يتوهم كونها مصححة لإحلالهم، داعية إليه.
الثالث: لعل تأخير هذا النهي عن قوله تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا مع ظهور تعلقه بما قبله، للإيذان بأن حرمة الاعتداد لا تنتهي بالخروج عن الإحرام، كانتهاء حرمة الاصطياد به، بل هي باقية ما لم تنقطع علامتهم عن الشعائر بالكلية. وبذلك يعلم بقاء حرمة التعرض بسائر الآمين، بالطريق الأولى. أفاده أبو السعود.
الرابع: دلت الآية على أن المضارة ممنوعة. ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: . وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر [ ص: 1806 ] ولا ضرار في الإسلام» . ذكره بعض «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» الزيدية. وفي "الإكليل": في الآية النهي عن الاعتداء وأنه لا يؤخذ أحد بذنب أحد.
الخامس: (جرم) جار مجرى (كسب) في المعنى وفي التعدي إلى مفعول واحد، وإلى اثنين، يقال: جرم ذنبا، نحو كسبه. وجرمته ذنبا، نحو: كسبته إياه، خلا أن (جرم) يستعمل غالبا في كسب ما لا خير فيه. وهو السبب في إيثاره ههنا على الثاني. وقد ينقل الأول من كل منها بالهمزة إلى معنى الثاني. فيقال: أجرمته ذنبا وأكسبته إياه. وعليه قراءة من قرأ: (يجرمنكم) بضم الياء. أفاده أبو السعود.
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان لما كان الاعتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون، أمروا، إثر ما نهوا عنه، بأن يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى. ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى. فدخل فيه ما نحن بصدده من التعاون على العفو والإغضاء عما وقع منهم، دخولا أوليا. ثم نهوا عن التعاون في كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصي. فاندرج فيه النهي عن التعاون على الاعتداء والانتقام بالطريق البرهاني: أفاده أبو السعود.
قال الإثم: ترك ما أمر الله بفعله. والعدوان: جواز ما حد الله في الدين، ومجاوزة ما فرض الله في النفس والغير. وفي معنى الآية أحاديث كثيرة. منها عن ابن جرير: عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: . رواه «الدال على الخير كفاعله» وعن البزار. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي مسعود البدري . رواه «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» مسلم.
وعن [ ص: 1807 ] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة: . رواه «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه. لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه. لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» مسلم.
وعن سهل بن سعد; عليه السلام، يوم خيبر: «فوالله! لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم» لعلي ، متفق عليه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
وعن قال: قال رسول الله صلى الله عليه [ ص: 1808 ] وسلم: أنس بن مالك . رواه الإمام «انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قيل: يا رسول الله، هذا! نصرته مظلوما، فكيف أنصره إذا كان ظالما؟ قال: تحجزه وتمنعه من الظلم. فذاك نصرك إياه» والشيخان. وعن أحمد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحيى بن وثاب ، رواه الإمام «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» أحمد.
وروى الطبراني عن والضياء المقدسي أوس بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ، وعن «من مشى مع ظالم ليعينه، وهو يعلم أنه ظالم، فقد خرج من الإسلام» النواس بن سمعان قال: . رواه «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: البر حسن الخلق. والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» مسلم.
تنبيه: في فروع مهمة.
قال بعض الزيدية: من ثمرات الآية وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأنه [ ص: 1809 ] فيدخل في ذلك تكثير سواد الظلمة بوجه، من قول أو فعل أو أخذ ولاية أو مساكنة. وفي "الإكليل": استدل المالكية بالآية على بطلان لا يجوز إعانة متعد ولا عاص، وأشباه ذلك. انتهى وهو متجه. وقال إجارة الإنسان نفسه، لحمل خمر ونحوه، وبيع العنب لعاصره خمرا والسلاح لمن يعصي به، شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية في كتابه: "السياسة الشرعية": ولا يحل للرجل أن يكون عونا على ظلم؛ فإن التعاون نوعان: نوع على البر والتقوى، من الجهاد وإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وإعطاء المستحقين، فهذا ما أمر الله به ورسوله. ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة، فقد ترك فرضا على الأعيان أو على الكفاية، متوهم أنه متورع. وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع، إذا كان كل منهما كف وإمساك.
والثاني: تعاون على الإثم والعدوان، كالإعانة على دم معصوم، أو أخذ مال معصوم، وضرب من لا يستحق الضرب، ونحو ذلك. فهذا الذي حرمه الله ورسوله. نعم، إذا كانت الأموال قد أخذت بغير حق، وتعذر ردها إلى أصحابها، ككثير من الأموال السلطانية، فالإعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين، كسداد الثغور ونفقة المقاتلة، ونحو ذلك، من الإعانة على البر والتقوى، إذ الواجب على السلطان في هذه الأموال، إذا لم يمكن معرفة أصحابها وردها عليهم ولا على ورثتهم - أن يصرفها مع التوبة، إن كان هو الظالم، إلى مصالح المسلمين. وإن كان غيره قد أخذها فعليه أن يفعل بها ذلك. وكذلك لو امتنع السلطان من ردها، كان الإعانة على إنفاقها في مصالح أصحابها، أولى من تركها بيد من يضيعها على أصحابها وعلى المسلمين. فإن مدار الشريعة على قوله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم [ ص: 1810 ] المفسر لقوله: اتقوا الله حق تقاته وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: . أخرجاه في الصحيحين. «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»
وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتبطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت، كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما - هو المشروع، والمعين على الإثم والعدوان من أعان ظالما على ظلمه. أما من أعان المظلوم على تخفيف الظلم عنه، أو على أداء المظلمة، فهو وكيل المظلوم لا وكيل الظالم. بمنزلة الذي يقرضه أو الذي يتوكل في حمل المال له إلى الظالم. مثال ذلك: ولي اليتيم والوقف، إذا طلب ظالم منه مالا، فاجتهد في دفع ذلك بدفع ما هو أقل منه إليه أو إلى غيره بعد الاجتهاد التام في الدفع - فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل. وكذلك وكيل المالك من المتأدبين والكتاب وغيرهم، الذي يتوكل لهم في العقد والقبض ودفع ما يطلب منهم، لا يتوكل للظالمين في الأخذ. وكذلك لو وضعت مظلمة على أهل قرية أو درب أو سوق أو مدينة، فتوسط رجل محسن في الدفع عنهم بغاية الإمكان، وقسطها بينهم على قدر طاقتهم، من غير محاباة لنفسه ولا لغيره، ولا ارتشاء، بل توكل لهم في الدفع عنهم والإعطاء - كان محسنا. لكن الغالب أن من يدخل في ذلك [ ص: 1811 ] يكون وكيل الظالمين محابيا مرتشيا مخفرا لمن يريد، وآخذا ممن يريد، وهذا من أكبر الظلمة الذين يحشرون في توابيت من نار هم وأعوانهم وأشباههم، ثم يقذفون في النار. انتهى.
واتقوا الله أي: اخشوه فيما أمركم ونهاكم: إن الله شديد العقاب يعني لمن خالف أمره. ففيه وعيد وتهديد عظيم. ثم بين تعالى المحرمات التي أشير إليها بقوله تعالى: إلا ما يتلى عليكم فقال: