[ ص: 1843 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[4] يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب .
يسألونك ماذا أحل لهم أي: من المطاعم: قل أحل لكم الطيبات أي: ما ليس بخبيث منها. وهو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنة. و (الطيب) في اللغة هو المستلذ. و (الحلال) المأذون فيه، يسمى طيبا تشبيها بما هو مستلذ. لأنهما اجتمعا في انتفاء المضرة: وما علمتم من الجوارح عطف على (الطيبات) بتقدير مضاف. أي: وصيد ما علمتموه. أو مبتدأ، على أن (ما) شرطية وجوابها (فكلوا). و (الجوارح): الكواسب من سباع البهائم والطير - كالكلب والفهد والعقاب والصقر والبازي والشاهين - لأنها تجرح لأهلها أي: تكسب لهم. الواحدة جارحة. تقول العرب: فلان جرح أهله خيرا، أي: كسبهم خيرا. وفلان لا جارح له؛ أي: لا كاسب. ومنه قوله تعالى: ويعلم ما جرحتم بالنهار أي: كسبتم. وقيل: سميت (جوارح) لأنها تجرح الصيد عند إمساكه. وقوله تعالى: مكلبين أي: معلمين لها أن تستشلي إذا أشليت، وتنزجر إذا زجرت، وتجتنب عند الدعوة، ولا تنفر عند الإرادة، فتصير كأنها وكلاؤكم لتعلمهن. إلا إذا قتلت بأنفسها من غير تعليم، فلا يحل صيدها.
قال (المكلب) مؤدب الجوارح ومضريها بالصيد لصاحبها ورائضها [ ص: 1844 ] لذلك، بما علم من الحيل وطرق التأديب والتثقيف. واشتقاقه من (الكلب) لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب. فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه. أو لأن السبع يسمى كلبا. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: الزمخشري: . (الحديث حسن، أخرجه «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك. فأكله الأسد» أو من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة، يقال: هو كلب بكذا إذا كان ضاريا به. وانتصاب (مكلبين) على الحال من (علمتم). فإذا قلت: ما فائدة هذه الحال وقد استغني عنها ب (علمتم)؟ قلت: فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح نحريرا في علمه، مدربا فيه، موصوفا بالتكليب. وقوله تعالى: الحاكم)، تعلمونهن حال ثانية أو استئناف، وفيه فائدة جليلة. وهي أن على كل آخذ علما أن لا يأخذه إلا من أقتل أهله علما، وأنحرهم دراية، وأغوصهم على لطائفه وحقائقه. وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل. فكم من آخذ، عن غيره متقن، قد ضيع أيامه، وعض عند لقاء النحارير أنامله: مما علمكم الله أي: من علم التكليب، لأنه إلهام من الله ومكتسب بالعقل. أو مما عرفكم أن تعلموه من إتباع الصيد بإرسال صاحبه. وانزجاره بزجره. وانصرافه بدعائه. وإمساك الصيد عليه وأن لا يأكل منه. انتهى.
وقال الناصر في "الانتصاف": وفي الآية دليل على أن البهائم لها علم. لأن تعليمها، معناه لغة تحصيل العلم له بطرقه. خلافا لمنكري ذلك.
فكلوا مما أمسكن عليكم أي: صدن لكم وإن قتلنه بأن لم يأكلن منه: واذكروا اسم الله عليه الضمير يرجع إلى (ما علمتم من الجوارح) أي: سموا عليه عند إرساله، كما بينه حديث أبي ثعلبة الآتي. وجوز رجوعه إلى (ما أمسكن) على معنى: وسموا عليه إذا أدركتم زكاته: وعدي واتقوا الله أي: بالأكل مما فقد فيه شرط من هذه الشرائط استعجالا إليها: إن الله سريع الحساب أي: المجازاة على كل ما جل ودق.
[ ص: 1845 ] تنبيهات:
الأول: روى عن ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين. سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: «يا رسول الله! قد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها» ؟ فنزلت: يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ; قال سعيد: يعني الذبائح الحلال الطيبة لهم; وقال ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه، وهو الحلال من الرزق. وقد سئل مقاتل: عن الزهري فقال: ليس هو من الطيبات، رواه شرب البول للتداوي؟ ابن أبي حاتم.
وقال سئل ابن وهب: عن بيع الطين الذي يأكله الناس؟ فقال: ليس هو من الطيبات. وروى مالك في سبب نزولها أثرا آخر، عن ابن أبي حاتم صلى الله عليه وسلم; أبي رافع مولى رسول الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب فقتلت، فجاء الناس فقالوا: يا رسول الله! ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها، فسكت. فأنزل الله: يسألونك الآية.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أرسل الرجل كلبه وسمى فأمسك عليه، فليأكل مما لم يأكل» .
وعند عن ابن جرير أبي رافع قال: جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذن عليه، فأذن له فقال: قد أذنا لك يا رسول الله! قال: أجل. ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب. قال أبو رافع: فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة. حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها فتركته رحمة لها. ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته. فأمرني فرجعت إلى الكلب فقتلته، فجاءوا فقالوا: يا رسول الله! ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأنزل الله عز وجل: يسألونك » . [ ص: 1846 ] ورواه «جاء في "مستدركه" وقال: صحيح ولم يخرجاه. الحاكم
وروى أيضا عن ابن جرير عكرمة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في قتل الكلاب حتى بلغ العوالي. فجاء أبا رافع عاصم بن عدي وسعيد بن خيثمة وعويمر بن ساعدة فقالوا: ماذا أحل لنا يا رسول الله» ؟ فنزلت الآية: رواه أيضا عن الحاكم وكذا قال عكرمة. في سبب نزولها: أنه في قتل الكلاب - أفاده محمد بن كعب القرظي ابن كثير.
قال بعض المفسرين: لما نزلت الآية، أذن صلى الله عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها، ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها. وأمر بقتل العقور وما يضر. انتهى.
أقول: روى الإمام أحمد عن ومسلم قال: جابر . «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب. حتى أن امرأة تقدم من البادية بكلبها فتقتله، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال: عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين؛ فإنه شيطان»
وروى الشيخان عن ابن عمر: . «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية»
وعن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عبد الله بن المغفل . رواه «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها كلها. فاقتلوا منها كل أسود بهيم» أبو داود وزاد [ ص: 1847 ] والدارمي، الترمذي والنسائي: . «وما من أهل بيت يرتبطون كلبا إلا نقص من عملهم كل يوم قيراط. إلا كلب صيد أو كلب حرث أو كلب غنم»
وظاهر هذه الأحاديث، أنه صلى الله عليه وسلم كان أمر بقتلها كلها. ثم رخص في استبقائها. إلا الأسود فإنه مستحق القتل.
وقول ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب حيث لا ضرر فيها حتى الأسود البهيم - يحتاج إلى برهان. إمام الحرمين:
قال في هذه الأحاديث إباحة ابن عبد البر: اتخاذ الكلب للصيد والماشية.
وكذلك للزرع؛ لأنها زيادة حافظ. وكراهة اتخاذها لغير ذلك. إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر، اتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار قياسا، فمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة، لما فيه من ترويع الناس، وامتناع دخول الملائكة إلى البيت الذي الكلاب فيه.
ثم قال: ووجه الحديث عندي; أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعا، لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها، فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك.
وروي أن المنصور بالله سأل عن سبب هذا الحديث؟ فلم يعرفه. فقال عمرو بن عبيد المنصور: لأنه ينبح الضيف ويروع السائل. انتهى.
وقال معنى قوله صلى الله عليه وسلم: الخطابي: . أنه صلى الله عليه وسلم كره إفناء أمة من الأمم وإعدام جيل من الخلق، لأنه ما من خلق لله تعالى إلا وفيه نوع من الحكمة وضرب من المصلحة. يقول: إذا كان الأمر على هذا، ولا سبيل إلى قتلهن، فاقتلوا أشرارهن وهي السود البهم. وأبقوا ما سواها لتنتفعوا بهن في الحراسة. «لولا أن الكلاب أمة من الأمم... إلخ»
[ ص: 1848 ] وقال الطيبي: قوله: إشارة إلى قوله تعالى: «أمة من الأمم» وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم أي: أمثالكم في كونها دالة على الصانع ومسبحة له. قال تعالى: وإن من شيء إلا يسبح بحمده أي: يسبح بلسان القال أو الحال. حيث يدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته وتنزيهه عما لا يجوز عليه، فبالنظر إلى هذا المعنى، لا يجوز التعرض لها بالقتل والإفناء. ولكن إذا كان لدفع مضرة - كقتل الفواسق الخمس - أو جلب منفعة - كذبح الحيوانات المأكولة - جاز ذلك.
الثاني: ذهب جمهور الصحابة والتابعين والأئمة إلى أن ما قبل التعليم من ذي ناب كالكلب والفهد والنمر، أو ذي مخلب كالطيور المذكورة قبل. قال في "النهاية": حتى الهر إن تعلم، واحتجوا بعموم الآية. الجوارح التي يحل صيدها،
وروى أحمد عن وأبو داود عن مجالد عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عدي بن حاتم . «ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه، فكل ما أمسك عليك. قلت: وإن قتل؟ قال: وإن قتل ولم يأكل منه شيئا. فإنه أمسكه عليك»
[ ص: 1849 ] قال تفرد البيهقي: بذكر الباز فيه، وخالف الحفاظ. مجالد
أقول: روى بالمسند المذكور إلى ابن جرير قال: عدي . وعن «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي؟ فقال: ما أمسك عليك فكل» ابن عمر «لا يحل إلا صيد الكلب فقط» . وروى ومجاهد: بسنده، أن ابن جرير قال: أما ما صاد من الطير (والبزاة من الطير) فما أدركت فهو لك. وإلا فلا تطعمه. وقال ابن عمر كره ابن أبي حاتم: صيد الطير كله، وقرأ قوله: مجاهد وما علمتم من الجوارح مكلبين أي: فإن قوله تعالى: مكلبين يشير إلى قصر ذلك على الكلب. وقال الحسن البصري والنخعي وأحمد يحل من كل شيء إلا الكلب الأسود البهيم. لأنه قد أمر بقتله. وإسحاق:
الثالث: قدمنا أن انتصاب: مكلبين على الحال من: علمتم . قال ويحتمل أن يكون حالا من المفعول وهو (الجوارح) أي: وما علمتم من الجوارح في حال [ ص: 1850 ] كونهن مكلبات للصيد. وذلك أن تصيد بمخالبها وأظفارها. ابن كثير:
فيستدل بذلك، والحالة هذه، على أن الجارح إذا قتل الصيد بصدمته وبمخالبه وظفره، أنه يحل. كما هو أحد قولي وطائفة من العلماء. ولهذا قال: تعلمونهن مما علمكم الله وهو أنه إذا أرسله استرسل، وإذا استشلاه استشلى، وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه، ولا يمسكه لنفسه. ولهذا قال تعالى: الشافعي فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه فمتى كان الجارح معلما وأمسك على صاحبه - وكان قد ذكر اسم الله عليه وقت إرساله - حل الصيد وإن قتله، بالإجماع.
وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة. كما ثبت في "الصحيحين" [ ص: 1851 ] عن قال: عدي بن حاتم . قلت: «يا رسول الله! إني أرسل الكلاب المعلمة وأذكر اسم الله؟ فقال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله، فكل ما أمسك عليك. قلت: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن، ما لم يشركها كلب ليس منها. فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره. قلت له: فإني أرمي بالمعراض الصيد؟ فقال: إذا رميت بالمعراض الصيد فخرق فكله فإن أصابه بعرض، فإنه وقيذ، فلا تأكله»
[ ص: 1852 ] وفي لفظ لهما: . وفي رواية لهما: «إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله. فإن أمسك عليك فأدركته حيا. فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه، فكله وإن أخذ الكلب ذكاته» . فهذا دليل للجمهور أنه إذا «فإن أكل فلا تأكله. فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه» يحرم مطلقا. ولم يستفصلوا. كما ورد بذلك الحديث. وحكي عن طائفة من السلف أنهم قالوا: لا يحرم مطلقا. أكل أو لم يأكل. أكل الكلب من الصيد
[ ص: 1853 ] روى عن ابن جرير سلمان الفارسي قالا: كل وإن أكل ثلثيه. وعن وأبي هريرة «وإن أكل ثلثيه» . وعنه: «وإن لم يبق إلا بضعة» . وعن سعد بن أبي وقاص: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك. أكل أو لم يأكل. وحكاه عن ابن عمر: علي وغير واحد من التابعين. وابن عباس
وروي ذلك مرفوعا أيضا. أخرج عن أبو داود عن أبيه عن جده عمرو بن شعيب أبو ثعلبة، قال: «يا رسول الله! إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها. [ ص: 1854 ] قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان لك كلاب مكلبة، فكل مما أمسكن عليك. فقال: ذكي وغير ذكي، وإن أكل منه؟ قال: نعم. وإن أكل منه. فقال: يا رسول الله! أفتني في قوسي! فقال: كل ما ردت عليك قوسك. قال: ذكي وغير ذكي؟ قال: وإن تغيب عنك ما لم يضل أو تجد فيه أثرا غير سهمك. قال: أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها. قال: اغسلها وكل فيها» . هكذا رواه أن أعرابيا، يقال له وقد أخرجه أبو داود وكذا رواه النسائي. عن أبو داود عن أبي إدريس الخولاني أبي ثعلبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: . «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله، فكل وإن أكل منه، وكل ما ردت عليك يدك»
وقد احتج بما ذكرنا من لم يحرم الصيد بأكل الكلب وما أشبهه، وقد توسط آخرون فقالوا: إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم. لحديث وللعلة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم. وأما إن أمسكه، ثم انتظر صاحبه، فطال عليه، وجاع فأكل منه لجوعه، فإنه لا يؤثر في التحريم. وحملوا على ذلك حديث عدي، أبي ثعلبة. وهذا تفريق حسن، وجمع بين الحديثين، صحيح.
وقد تمنى الأستاذ أبو المعالي الجويني في كتابه "النهاية": أن لو فصل مفصل هذا التفصيل. وقد حقق الله أمنيته، وقال بهذا القول والتفريق طائفة من الأصحاب. أفاده ابن كثير.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": وسلك الناس في الجمع بين حديث عدي طرقا منها للقائلين بالتحريم (الأولى): حمل حديث وأبي ثعلبة أبي ثعلبة الأعرابي على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد فأكل منه، و (الثانية) الترجيح، فرواية في الصحيحين ورواية الأعرابي في غيرهما. ومختلف في تضعيفها. وأيضا، فرواية عدي صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم. وهو خوف الإمساك على نفسه، متأيد بأن الأصل في الميتة التحريم. فإذا [ ص: 1855 ] شككنا في السبب المبيح، رجعنا إلى الأصل ولظاهر الآية المذكورة. فإن مقتضاها أن الذي تمسكه من غير إرسال لا يباح، ويتقوى أيضا بالشواهد من حديث عدي عند ابن عباس أحمد: وأخرجه إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد، فلا تأكل. فإنما أمسك على نفسه. فإذا أرسلته فقتله ولم يأكل، فكل. فإنما أمسك على صاحبه. من وجه آخر عن البزار ابن عباس. من حديث وابن أبي شيبة أبي رافع، نحوه بمعناه. ولو كان مجرد الإمساك كافيا لما احتيج إلى زيادة: (عليكم) في الآية. وأما القائلون بالإباحة، فحملوا حديث على كراهة التنزيه، وحديث الأعرابي على بيان الجواز. قال بعضهم: ومناسبة ذلك أن عدي عديا كان موسرا.
فاختير له الحمل على الأولى. بخلاف أبي ثعلبة، فإنه كان بعكسه. ولا يخفى ضعف هذا التمسك، مع التصريح بالتعليل في الحديث لخوف الإمساك على نفسه. وقد وقع في رواية إن شرب من دمه فلا تأكل؛ فإنه لم يعلم ما علمته. وفي هذا إشارة إلى أنه إذا شرع في أكله، دل على أنه ليس يعلم التعليم المشروط. لابن أبي شيبة:
الرابع: في الآية مشروعية التسمية. قال قوله تعالى: ابن كثير: واذكروا اسم الله عليه أي: عند إرساله له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 1856 ] لعدي بن حاتم: . وفي حديث «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك» أبي ثعلبة المخرج في "الصحيحين" أيضا: . ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة، كالإمام «إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله. وإذا رميت بسهمك» رحمه الله، في المشهور عنه، أحمد لهذه الآية وهذا الحديث. وهذا القول المشهور عند الجمهور أن المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال. كما قال التسمية عند إرسال الكلب والرمي بالسهم وغيره. وقال السدي علي بن أبي طلحة عن في هذه الآية: ابن عباس، «إذا أرسلت جارحك فقل: بسم الله. وإن نسيت فلا حرج» . انتهى.
قال بعض الزيدية: والتسمية هنا كالتسمية على الذبيحة. فمن قائل بوجوبها على الذاكر لا الناسي. لحديث: . ومن قائل بأنها مستحبة. ومن قائل بأنها شرط مطلقا. المشهور عن «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» التفرقة بين الصيد والذبيحة. فذهب في الذبيحة إلى هذا القول الثالث. ثم قال: لقائل أن يقول: يحتمل أن يرجع قوله تعالى: واذكروا اسم الله عليه إلى الأكل. أي: فسموا عند الأكل. فدلالة الآية محتملة في وجوب التسمية. انتهى. وهذا الاحتمال حكاه أحمد ونصه: ابن كثير
[ ص: 1857 ] وقال بعض الناس: المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الأكل. كما ثبت في "الصحيحين"; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ربيبه، فقال: عمر بن أبي سلمة، . وفي "صحيح «سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك» عن البخاري" عائشة; . وقال أنهم قالوا: «يا رسول الله! إن قوما يأتوننا، حديث عهد بكفر، بلحمان، لا ندري أذكر اسم الله عليها أم لا؟ فقال: سموا الله أنتم وكلوا أنتم» حسن صحيح. الترمذي:
الخامس: في الآية جواز لأن التعليم قد يحتاج إلى ذلك. كذا في "الإكليل". وتقدم عن تعليم الحيوان وضربه للمصلحة. الزمخشري والناصر ما في الآية أيضا من الأخذ عن النحرير، وأن البهائم لها علم. واستدل بالآية على إباحة اتخاذ الكلب للصيد وللحراسة، بالسنة: كما تقدم.