[ ص: 2155 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[95] يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام
يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم أي: محرمون بحج أو عمرة.
قال المهايمي: لأن قتله تجبر. والمحرم في غاية التذلل. انتهى.
وذكر القتل دون الذبح والذكاة، للتعميم. أو للإيذان بكونه في حكم الميتة. ما يصاد مأكولا أو غيره. ولا يستثنى إلا ما ثبت في "الصحيحين" عن والصيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عائشة: . وفي رواية: (الحية) بدل (العقرب). «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور»
قال زيد بن أسلم وابن عيينة: الكلب العقور يشمل السباع العادية كلها. ويستأنس لهذا بما روي عتبة بن أبي لهب قال: «اللهم سلط عليه كلبك» . فأكله السبع بالزرقاء. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا على
ومن قتله منكم أيها المحرمون: متعمدا ذاكرا [ ص: 2156 ] لإحرامه: فجزاء بالتنوين ورفع ما بعده، أي: فعليه جزاء هو: مثل ما قتل من النعم أي: شبهه في الخلقة. وفي قراءة بإضافة (جزاء): يحكم به أي: بالمثل مجتهدان: ذوا عدل منكم لهما فطنة يميزان بها أشبه الأشياء به. وقد حكم ابن عباس وعمر رضي الله عنهم في النعامة ببدنة. وعلي وابن عباس في بقر الوحش وحماره ببقرة. وأبو عبيدة وابن عمر وابن عوف في الظبي بشاة. وحكم بها ابن عباس وغيرهما في الحمام؛ لأنه يشبهها في العب: وعمر هديا حال من (جزاء): بالغ الكعبة أي: يبلغ به الحرم. فيذبح فيه ويتصدق به على مساكينه. فلا يجوز أن يذبح حيث كان: أو عليه: كفارة غير الجزاء. وإن وجده. هي: طعام مساكين من غالب قوت البلد ما يساوي قيمة الجزاء. لكل مسكين مد. وفي قراءة بإضافة (كفارة) لما بعده، وهي للبيان: أو عليه: عدل مثل: ذلك الطعام: صياما يصوم، عن كل مد يوما: ليذوق أي: هاتك حرمة الله: وبال أمره أي: شدة وثقل هتكه لحرمة الإحرام. و (وليذوق) متعلق بالاستقرار في الجار والمجرور. أي: فعليه جزاء ليذوق أو بفعل يدل عليه الكلام. أي: شرع ذلك عليه ليذوق: عفا الله عما سلف من قتل الصيد قبل تحريمه ومن عاد إليه: فينتقم الله منه بطلب الجزاء في الدنيا والمعاقبة في الآخرة. وكيف يترك ذلك: والله عزيز غالب على أمره. ومقتضى عزته الانتقام من هاتك حرمته، فهو لا محالة: ذو انتقام ممن عصاه.
تنبيهات:
الأول: - روى عن ابن أبي حاتم قال: لا يحكم على من أصاب صيدا خطأ، إنما يحكم على من أصابه متعمدا. طاوس
قال وهذا مذهب غريب. وهو تمسك بظاهر الآية. ابن كثير:
ورأيت في بعض تفاسير الزيدية نسبة هذا القول إلى ابن عباس وعطاء ومجاهد وسالم وأبي ثور وابن جبير (في إحدى الروايتين)، والحسن والقاسم والهادي والناصر وغيرهم. انتهى.
[ ص: 2157 ] والجمهور: أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه.
وقال دل الكتاب على العابد. وجرت السنة على الناسي. الزهري:
الثاني: إذا لم يكن الصيد مثليا حكم بثمنه يحمل إلى ابن عباس مكة. رواه البيهقي.
الثالث: ذهب معظم الأئمة إلى التخيير في هذا المقام بين الجزاء والإطعام والصيام، لأنه بلفظ (أو) وحقيقتها التخيير.
وعن بعض السلف أن ذلك على الترتيب. قالوا: إنما دخلت (أو) لبيان أن الجزاء لا يعدو أحد هذه الأشياء، ولأنا وجدنا الكفارات من الظهار والقتل على الترتيب. قلنا: هذا معارض بكفارة اليمين وبدم الأذى، فلا يخرج عن حقيقة اللفظ وهو التخيير.
الرابع: تعلق بظاهر قوله تعالى: ومن عاد فينتقم الله منه من قال: لا كفارة على العائد؛ لأنه تعالى لم يذكرها. هو مروي عن ابن عباس والجمهور: على وجوبها عليه؛ لأن وعيد العائد لا ينافي وجوب الجزاء عليه. وإنما لم يصرح به لعلمه فيما مضى. مع أن الآية يحتمل أن معناها: من عاد بعد التحريم إلى ما كان قبله. وشريح.
الخامس: قال كما دلت الآية على الرجوع إلى ذوي العدل في المماثلة. ففي ذلك دلالة على جواز الاجتهاد وتصويب المجتهدين. وجواز تعليق الأحكام بغالب الظن. وجواز رجوع العامي إلى العالم، وأن عند التنازع في الأمور يجب الرجوع إلى أهل البصر... انتهى. الحاكم:
وقوله تعالى: