القول في تأويل قوله تعالى :
[2 ]
nindex.php?page=treesubj&link=28867_29785_32238_34225_34226_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
أي : هذا القرآن لا شك أنه من عند الله تعالى كما قال تعالى في السجدة :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=2تنـزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين قال بعض المحققين : اختصاص ذلك
[ ص: 33 ] بالإشارة للبعيد حكم عرفي لا وضعي ، فإن العرب تعارض بين اسمي الإشارة . فيستعملون كلا منهما مكان الآخر ، وهذا معروف في كلامهم . وفي التنزيل من ذلك آيات كثيرة ، ومن جرى على أن ذلك إشارة للبعيد يقول : إنما صحت الإشارة بذلك هنا إلى ما ليس ببعيد ، لتعظيم المشار إليه ، ذهابا إلى بعد درجته وعلو مرتبته ومنزلته في الهداية والشرف .
والريب في الأصل : مصدر رابني إذا حصل فيك الريبة . وحقيقتها : قلق النفس واضطرابها . ثم استعمل في معنى الشك مطلقا ، أو مع تهمة . لأنه يقلق النفس ويزيل الطمأنينة .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664812« دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » .
ومعنى نفيه عن الكتاب ، أنه في علو الشأن ، وسطوع البرهان ، بحيث ليس فيه مظنة أن يرتاب في حقيقته ، وكونه وحيا منزلا من عند الله تعالى . والأمر كذلك ، لأن
العرب ، مع بلوغهم في الفصاحة إلى النهاية ، عجزوا عن معارضة أقصر سورة من القرآن . وذلك يشهد بأنه بلغت هذه الحجة في الظهور إلى حيث لا يجوز للعاقل أن يرتاب فيه ، لا أنه لا يرتاب فيه أحد أصلا .
" هدى للمتقين" أي : هاد لهم ودال على الدين القويم المفضي إلى سعادتي الدارين .
قال
الناصر في الانتصاف : الهدى يطلق في القرآن على معنيين : (أحدهما) الإرشاد وإيضاح سبيل الحق ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى وعلى هذا يكون الهدى للضال باعتبار أنه رشد إلى الحق ، سواء حصل له الاهتداء أو لا .
و(الآخر) : خلق الله تعالى الاهتداء في قلب العبد ، ومنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90أولئك [ ص: 34 ] الذين هدى الله فبهداهم اقتده فإذا ثبت وروده على المعنيين فهو في هذه الآية يحتمل أن يراد به المعنيان جميعا . وعلى الأول ، فتخصيص الهدى بالمتقين للتنويه بمدحهم حتى يتبين أنهم هم الذين اهتدوا وانتفعوا به ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=45إنما أنت منذر من يخشاها وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=11إنما تنذر من اتبع الذكر وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم ، منذرا لكل الناس ، فذكر هؤلاء لأجل أنهم هم الذين انتفعوا بإنذاره . وهذه الآية نظير آية :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وننـزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=57يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين إلى غير ذلك ، مما دل على أن النفع به لا يناله إلا الأبرار ، والمراد بالمتقين -هنا- من نعتهم الله تعالى بقوله .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[2 ]
nindex.php?page=treesubj&link=28867_29785_32238_34225_34226_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
أَيْ : هَذَا الْقُرْآنُ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي السَّجْدَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=2تَنْـزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ : اخْتِصَاصُ ذَلِكَ
[ ص: 33 ] بِالْإِشَارَةِ لِلْبَعِيدِ حُكْمٌ عُرْفِيٌّ لَا وَضْعِيٌّ ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُعَارِضُ بَيْنَ اسْمَيِ الْإِشَارَةِ . فَيَسْتَعْمِلُونَ كُلًّا مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِهِمْ . وَفِي التَّنْزِيلِ مِنْ ذَلِكَ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ ، وَمَنْ جَرَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ لِلْبَعِيدِ يَقُولُ : إِنَّمَا صَحَّتِ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ هُنَا إِلَى مَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ ، لِتَعْظِيمِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ ، ذَهَابًا إِلَى بُعْدِ دَرَجَتِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَمَنْزِلَتِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالشَّرَفِ .
وَالرَّيْبُ فِي الْأَصْلِ : مَصْدَرُ رَابَنِي إِذَا حَصَلَ فِيكَ الرِّيبَةُ . وَحَقِيقَتُهَا : قَلَقُ النَّفْسِ وَاضْطِرَابُهَا . ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَى الشَّكِّ مُطْلَقًا ، أَوْ مَعَ تُهْمَةٍ . لِأَنَّهُ يُقْلِقُ النَّفْسَ وَيُزِيلُ الطُّمَأْنِينَةَ .
وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664812« دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ » .
وَمَعْنَى نَفْيِهِ عَنِ الْكِتَابِ ، أَنَّهُ فِي عُلُوِّ الشَّأْنِ ، وَسُطُوعِ الْبُرْهَانِ ، بِحَيْثُ لَيْسَ فِيهِ مَظِنَّةُ أَنْ يُرْتَابَ فِي حَقِيقَتِهِ ، وَكَوْنِهِ وَحْيًا مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى . وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ
الْعَرَبَ ، مَعَ بُلُوغِهِمْ فِي الْفَصَاحَةِ إِلَى النِّهَايَةِ ، عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَةِ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ . وَذَلِكَ يَشْهَدُ بِأَنَّهُ بَلَغَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ فِي الظُّهُورِ إِلَى حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَرْتَابَ فِيهِ ، لَا أَنَّهُ لَا يَرْتَابُ فِيهِ أَحَدٌ أَصْلًا .
" هُدًى لِلْمُتَّقِينَ" أَيْ : هَادٍ لَهُمْ وَدَالٌّ عَلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ الْمُفْضِي إِلَى سَعَادَتَيِ الدَّارَيْنِ .
قَالَ
النَّاصِرُ فِي الِانْتِصَافِ : الْهُدَى يُطْلَقُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ : (أَحَدُهُمَا) الْإِرْشَادُ وَإِيضَاحُ سَبِيلِ الْحَقِّ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْهُدَى لِلضَّالِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ رَشَدٌ إِلَى الْحَقِّ ، سَوَاءٌ حَصَلَ لَهُ الِاهْتِدَاءُ أَوْ لَا .
وَ(الْآخَرُ) : خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الِاهْتِدَاءَ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ ، وَمِنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90أُولَئِكَ [ ص: 34 ] الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ فَإِذَا ثَبَتَ وُرُودُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَعْنَيَانِ جَمِيعًا . وَعَلَى الْأَوَّلِ ، فَتَخْصِيصُ الْهُدَى بِالْمُتَّقِينَ لِلتَّنْوِيهِ بِمَدْحِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا وَانْتَفَعُوا بِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=45إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=11إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، مُنْذِرًا لِكُلِّ النَّاسِ ، فَذَكَرَ هَؤُلَاءِ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِإِنْذَارِهِ . وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرُ آيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وَنُنَـزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=57يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّفْعَ بِهِ لَا يَنَالُهُ إِلَّا الْأَبْرَارُ ، وَالْمُرَادُ بِالْمُتَّقِينَ -هُنَا- مَنْ نَعَتَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ .