[ ص: 1 ] بسم الله الرحمن الرحيم قال
شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية قدس الله روحه بسم الله الرحمن الرحيم {
nindex.php?page=tafseer&surano=796&ayano=6الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } العالم بما كان وما هو كائن وما سيكون الذي : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3823&ayano=36إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } الذي {
nindex.php?page=tafseer&surano=3348&ayano=28يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3350&ayano=28وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون } الذي دل على وحدانيته في إلهيته أجناس الآيات وأبان علمه لخليقته ما فيها من إحكام المخلوقات وأظهر قدرته على بريته ما أبدعه من أصناف المحدثات ، وأرشد إلى فعله بسنته تنوع الأحوال المختلفات وأهدى برحمته لعباده نعمه التي لا يحصيها إلا رب السموات ، وأعلم بحكمته البالغة دلائل حمده وثنائه الذي يستحقه من جميع الحالات ، لا يحصي العباد ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه لما له من الأسماء والصفات ، وهو المنعوت بنعوت الكمال وصفات الجلال التي لا يماثله فيها شيء من الموجودات ، وهو القدوس السلام المتنزه أن يماثله شيء في نعوت الكمال أو يلحقه شيء من الآفات ، فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
{
nindex.php?page=tafseer&surano=2882&ayano=25الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا } . أرسل الرسل {
nindex.php?page=tafseer&surano=662&ayano=4مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما } مبشرين لمن أطاعهم بغاية المراد من كل ما تحبه النفوس وتراه نعيما ; ومنذرين لمن عصاهم باللعن والإبعاد وأن يعذبوا عذابا أليما ، وأمرهم بدعاء الخلق إلى عبادته وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره المشركون .
كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2747&ayano=23يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2748&ayano=23وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } وجعل لكل منهم شرعة ومنهاجا ليستقيموا إليه ولا يبغوا عنه اعوجاجا . وختمهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأولين والآخرين ، وصفوة رب العالمين ، الشاهد البشير النذير الهادي السراج المنير الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى النور وهداهم إلى صراط العزيز الحميد . {
nindex.php?page=tafseer&surano=1766&ayano=14الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد } . بعثه بأفضل المناهج والشرع ، وأحبط به أصناف الكفر والبدع ، وأنزل عليه أفضل الكتب والأنباء ، وجعله مهيمنا على ما بين يديه من كتب السماء . وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله ، يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله . هو شهيد عليهم وهم شهداء على الناس في الدنيا والآخرة بما أسبغه عليهم من النعم الباطنة والظاهرة وعصمهم أن يجتمعوا على ضلالة إذ لم يبق بعده نبي يبين ما بدل من الرسالة وأكمل لهم دينهم وأتم عليهم نعمه ورضي لهم الإسلام دينا وأظهره على
[ ص: 3 ] الدين كله إظهارا بالنصرة والتمكين وإظهارا بالحجة والتبيين ، وجعل فيهم علماءهم ورثة الأنبياء يقومون مقامهم في تبليغ ما أنزل من الكتاب ، وطائفة منصورة لا يزالون ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى حين الحساب ، وحفظ لهم الذكر الذي أنزله من الكتاب المكنون كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1826&ayano=15إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } . فلا يقع في كتابهم من التحريف والتبديل كما وقع من أصحاب التوراة والإنجيل ، وخصهم بالرواية والإسناد الذي يميز به بين الصدق والكذب الجهابذة النقاد وجعل هذا الميراث يحمله من كل خلف عدوله أهل العلم والدين ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين لتدوم بهم النعمة على الأمة ويظهر بهم النور من الظلمة ، ويحيا بهم دين الله الذي بعث به رسوله ، وبين الله بهم للناس سبيله ، فأفضل الخلق أتبعهم لهذا النبي الكريم المنعوت في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1372&ayano=9لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين ، وإله المرسلين ، وملك يوم الدين . وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله أرسله إلى الناس أجمعين أرسله والناس من الكفر والجهل والضلال في أقبح خيبة وأسوأ حال . فلم يزل صلى الله عليه وسلم يجتهد في تبليغ الدين وهدي العالمين وجهاد الكفار والمنافقين حتى طلعت شمس الإيمان ، وأدبر ليل البهتان ، وعز جند الرحمن ، وذل حزب الشيطان ، وظهر نور الفرقان واشتهرت تلاوة القرآن ، وأعلن بدعوة الأذان ،
[ ص: 4 ] واستنار بنور الله أهل البوادي والبلدان ، وقامت حجة الله على الإنس والجان ، لما قام المستجيب من
معد بن عدنان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان صلاة يرضى بها الملك الديان وسلم تسليما مقرونا بالرضوان .
أما بعد : فإنه
nindex.php?page=treesubj&link=28750_29680_29468لا سعادة للعباد ، ولا نجاة في المعاد إلا باتباع رسوله . {
nindex.php?page=tafseer&surano=510&ayano=4ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=511&ayano=4ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } فطاعة الله ورسوله قطب السعادة التي عليه تدور ، ومستقر النجاة الذي عنه لا تحور . فإن الله خلق الخلق لعبادته كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } . وإنما تعبدهم بطاعته وطاعة رسوله فلا عبادة إلا ما هو واجب أو مستحب في دين الله ; وما سوى ذلك فضلال عن سبيله .
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595067من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } " أخرجاه في الصحيحين ، وقال : صلى الله عليه وسلم في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=143العرباض بن سارية الذي رواه أهل السنن وصححه
الترمذي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595068أنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة } " . وفي الحديث الصحيح الذي رواه
مسلم وغيره أنه كان يقول في خطبته {
nindex.php?page=hadith&LINKID=51949خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة } . وقد ذكر الله
nindex.php?page=treesubj&link=28749طاعة الرسول واتباعه في نحو من أربعين موضعا من القرآن كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=577&ayano=4من يطع الرسول فقد أطاع الله } وقوله تعالى :
[ ص: 5 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=561&ayano=4وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } {
nindex.php?page=tafseer&surano=562&ayano=4فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } .
وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=328&ayano=3قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=327&ayano=3قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } . فجعل محبة العبد لربه موجبة لاتباع الرسول ، وجعل متابعة الرسول سببا لمحبة الله عبده .
وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4366&ayano=42وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } . فما أوحاه الله إليه يهدي الله به من يشاء من عباده ، كما أنه صلى الله عليه وسلم بذلك هداه الله تعالى كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3690&ayano=34قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي } .
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=689&ayano=5قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=690&ayano=5يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم } .
فبمحمد صلى الله عليه وسلم تبين الكفر من الإيمان ، والربح من الخسران والهدى من الضلال ، والنجاة من الوبال ، والغي من الرشاد ، والزيغ من السداد ، وأهل الجنة من أهل النار ، والمتقون من الفجار وإيثار سبيل من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من سبيل المغضوب عليهم والضالين .
فالنفوس أحوج إلى معرفة ما جاء به واتباعه منها إلى الطعام والشراب فإن هذا إذا فات حصل الموت في الدنيا . وذاك إذا فات حصل العذاب . فحق على كل أحد بذل جهده واستطاعته في معرفة ما جاء به وطاعته إذ
[ ص: 6 ] هذا طريق النجاة من العذاب الأليم والسعادة في دار النعيم . والطريق إلى ذلك الرواية والنقل . إذ لا يكفي من ذلك مجرد العقل . بل كما أن نور العين لا يرى إلا مع ظهور نور قدامه فكذلك نور العقل لا يهتدي إلا إذا طلعت عليه شمس الرسالة .
فلهذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=19857تبليغ الدين من أعظم فرائض الإسلام . وكان
nindex.php?page=treesubj&link=18479معرفة ما أمر الله به رسوله واجبا على جميع الأنام .
والله سبحانه بعث
محمدا بالكتاب والسنة ، وبهما أتم على أمته المنة . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=159&ayano=2ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=160&ayano=2كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=161&ayano=2فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=460&ayano=3لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=240&ayano=2واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=62هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وقال تعالى عن
الخليل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=138&ayano=2ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3600&ayano=33واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } .
وقد قال غير واحد من العلماء : منهم
يحيى بن أبي كثير وقتادة والشافعي وغيرهم ( الحكمة : هي السنة لأن الله أمر أزواج نبيه أن يذكرن ما يتلى في بيوتهن من الكتاب والحكمة ، والكتاب : القرآن وما سوى ذلك مما كان الرسول يتلوه هو السنة . وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة أوجه من حديث
أبي رافع [ ص: 7 ] nindex.php?page=showalam&ids=1500وأبي ثعلبة وغيرهما أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29825لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول بيننا وبينكم القرآن فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه . وفي رواية ألا وإنه مثل الكتاب } .
ولما كان القرآن متميزا بنفسه - لما خصه الله به من الإعجاز الذي باين به كلام الناس كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2134&ayano=17قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } وكان منقولا بالتواتر - لم يطمع أحد في تغيير شيء من ألفاظه وحروفه ; ولكن طمع الشيطان أن يدخل التحريف والتبديل في معانيه بالتغيير والتأويل ، وطمع أن يدخل في الأحاديث من النقص والازدياد ما يضل به بعض العباد . فأقام الله تعالى الجهابذة النقاد أهل الهدى والسداد ، فدحروا حزب الشيطان ، وفرقوا بين الحق والبهتان وانتدبوا لحفظ السنة ومعاني القرآن من الزيادة في ذلك والنقصان .
وقام كل من علماء الدين بما أنعم به عليه وعلى المسلمين - مقام أهل الفقه الذين فقهوا معاني القرآن والحديث - بدفع ما وقع في ذلك من الخطأ في القديم والحديث ، وكان من ذلك الظاهر الجلي : الذي لا يسوغ عنه العدول ; ومنه الخفي : الذي يسوغ فيه الاجتهاد للعلماء العدول . وقام علماء النقل والنقاد بعلم الرواية والإسناد ، فسافروا في ذلك إلى البلاد ، وهجروا فيه لذيذ الرقاد ، وفارقوا الأموال والأولاد ، وأنفقوا فيه الطارف والتلاد ، وصبروا فيه على النوائب ، وقنعوا من الدنيا بزاد الراكب ،
[ ص: 8 ] ولهم في ذلك من الحكايات المشهورة ، والقصص المأثورة ، ما هو عند أهله معلوم ، ولمن طلب معرفته معروف مرسوم ، بتوسد أحدهم التراب وتركهم لذيذ الطعام والشراب وترك معاشرة الأهل والأصحاب والتصبر على مرارة الاغتراب ، ومقاساة الأهوال الصعاب ، أمر حببه الله إليهم وحلاه ليحفظ بذلك دين الله . كما جعل البيت مثابة للناس وأمنا يقصدونه من كل فج عميق ، ويتحملون فيه أمورا مؤلمة تحصل في الطريق ، وكما حبب إلى أهل القتال الجهاد بالنفس والمال حكمة من الله يحفظ بها الدين ليهدي المهتدين ، ويظهر به الهدى ودين الحق ، الذي بعث به رسوله ولو كره المشركون .
فمن كان مخلصا في أعمال الدين يعملها لله كان من أولياء الله المتقين أهل النعيم المقيم . كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1436&ayano=10ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1437&ayano=10الذين آمنوا وكانوا يتقون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1438&ayano=10لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم } .
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم البشرى في الدنيا بنوعين : أحدهما : ثناء المثنين عليه . الثاني : الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح ; أو ترى له . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595069فقيل : يا رسول الله ، الرجل يعمل العمل لنفسه فيحمده الناس عليه ; قال : تلك عاجل بشرى المؤمن } .
وقال
البراء بن عازب : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=1438&ayano=10لهم البشرى في الحياة الدنيا } فقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595070هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح ; أو ترى له } . والقائمون بحفظ العلم الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الربان الحافظون له من الزيادة والنقصان ، هم من أعظم أولياء الله المتقين وحزبه
[ ص: 9 ] المفلحين . بل لهم مزية على غيرهم من أهل الإيمان والأعمال الصالحات .
كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5173&ayano=58يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } قال
ابن عباس : يرفع الله . وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة
محمد صلى الله عليه وسلم وجعله سلما إلى الدراية .
فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات ، وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات ، وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنة " أهل الإسلام والسنة ، يفرقون به بين الصحيح والسقيم والمعوج والقويم وغيرهم من أهل البدع والكفار إنما عندهم منقولات يأثرونها بغير إسناد ، وعليها من دينهم الاعتماد ، وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل ، ولا الحالي من العاطل .
وأما هذه الأمة المرحومة وأصحاب هذه الأمة المعصومة : فإن أهل العلم منهم والدين هم من أمرهم على يقين ، فظهر لهم الصدق من المين ، كما يظهر الصبح لذي عينين . عصمهم الله أن يجمعوا على خطأ في دين الله معقول أو منقول ، وأمرهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله والرسول كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=556&ayano=4يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } . فإذا اجتمع
أهل الفقه على القول بحكم لم يكن إلا حقا ، وإذا اجتمع
أهل [ ص: 10 ] الحديث على تصحيح حديث لم يكن إلا صدقا ، ولكل من الطائفتين من الاستدلال على مطلوبهم بالجلي والخفي ما يعرف به من هو بهذا الأمر حفي ، والله تعالى يلهمهم الصواب في هذه القضية ، كما دلت على ذلك الدلائل الشرعية ، وكما عرف ذلك بالتجربة الوجودية ; فإن الله كتب في قلوبهم الإيمان ، وأيدهم بروح منه ، لما صدقوا في موالاة الله ورسوله ; ومعاداة من عدل عنه . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5184&ayano=58لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه } .
وأهل العلم المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الناس قياما بهذه الأصول ، لا تأخذ أحدهم في الله لومة لائم ، ولا يصدهم عن سبيل الله العظائم ; بل يتكلم أحدهم بالحق الذي عليه ، ويتكلم في أحب الناس إليه ، عملا بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=632&ayano=4يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا } وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=682&ayano=5يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } . ولهم من التعديل والتجريح ، والتضعيف والتصحيح من السعي المشكور والعمل المبرور ما كان من أسباب حفظ الدين ، وصيانته عن إحداث المفترين ، وهم في ذلك على درجات ، منهم المقتصر على مجرد النقل والرواية ، ومنهم أهل المعرفة بالحديث والدراية ، ومنهم
أهل الفقه فيه والمعرفة بمعانيه .
[ ص: 11 ] وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة أن يبلغ عنه من شهد لمن غاب ، ودعا للمبلغين بالدعاء المستجاب ، فقال في الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16بلغوا عني ولو آية ; وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ; ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار } . وقال أيضا في خطبته في حجة الوداع : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1723ألا ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع } . وقال أيضا : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595071نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ; ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين ; فإن دعوتهم تحيط من ورائهم } . وفي هذا دعاء منه لمن بلغ حديثه وإن لم يكن فقيها ودعاء لمن بلغه وإن كان المستمع أفقه من المبلغ ; لما أعطي المبلغون من النضرة ; ولهذا قال
سفيان بن عيينة : لا تجد أحدا من أهل الحديث إلا وفي وجهه نضرة ; لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم يقال : نضر ونضر ، والفتح أفصح . ولم يزل
أهل العلم في القديم والحديث يعظمون نقلة الحديث حتى قال
الشافعي رضي الله عنه إذا رأيت رجلا من
أهل الحديث فكأني رأيت رجلا من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قال
الشافعي هذا ; لأنهم في مقام
الصحابة من تبليغ حديث النبي صلى الله عليه وسلم . وقال
الشافعي أيضا
أهل الحديث حفظوا فلهم علينا الفضل ; لأنهم حفظوا لنا ا ه .
[ ص: 1 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَدُ ابْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=796&ayano=6الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } الْعَالِمِ بِمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ وَمَا سَيَكُونُ الَّذِي : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3823&ayano=36إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } الَّذِي {
nindex.php?page=tafseer&surano=3348&ayano=28يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3350&ayano=28وَهُوَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } الَّذِي دَلَّ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ فِي إلَهِيَّتِهِ أَجْنَاسُ الْآيَاتِ وَأَبَانَ عِلْمُهُ لِخَلِيقَتِهِ مَا فِيهَا مِنْ إحْكَامِ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَظْهَرَ قُدْرَتَهُ عَلَى بَرِيَّتِهِ مَا أَبْدَعَهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمُحْدَثَاتِ ، وَأَرْشَدَ إلَى فِعْلِهِ بِسُنَّتِهِ تَنَوُّعُ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَاتِ وَأَهْدَى بِرَحْمَتِهِ لِعِبَادِهِ نِعَمَهُ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ ، وَأَعْلَمَ بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ دَلَائِلُ حَمْدِهِ وَثَنَائِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ مِنْ جَمِيعِ الْحَالَاتِ ، لَا يُحْصِي الْعِبَادُ ثَنَاءً عَلَيْهِ بَلْ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ لِمَا لَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ، وَهُوَ الْمَنْعُوتُ بِنُعُوتِ الْكَمَالِ وَصِفَاتِ الْجَلَالِ الَّتِي لَا يُمَاثِلُهُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ ، وَهُوَ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُتَنَزِّهُ أَنْ يُمَاثِلَهُ شَيْءٌ فِي نُعُوتِ الْكَمَالِ أَوْ يَلْحَقَهُ شَيْءٌ مِنْ الْآفَاتِ ، فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
{
nindex.php?page=tafseer&surano=2882&ayano=25الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } . أَرْسَلَ الرُّسُلَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=662&ayano=4مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } مُبَشِّرِينَ لِمَنْ أَطَاعَهُمْ بِغَايَةِ الْمُرَادِ مِنْ كُلِّ مَا تُحِبُّهُ النُّفُوسُ وَتَرَاهُ نَعِيمًا ; وَمُنْذِرِينَ لِمَنْ عَصَاهُمْ بِاللَّعْنِ وَالْإِبْعَادِ وَأَنْ يُعَذَّبُوا عَذَابًا أَلِيمًا ، وَأَمَرَهُمْ بِدُعَاءِ الْخَلْقِ إلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .
كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2747&ayano=23يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2748&ayano=23وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } وَجَعَلَ لِكُلِّ مِنْهُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا لِيَسْتَقِيمُوا إلَيْهِ وَلَا يَبْغُوا عَنْهُ اعْوِجَاجًا . وَخَتَمَهُمْ
بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلِ الْأَوَّلِينَ والآخرين ، وَصَفْوَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الشَّاهِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ الْهَادِي السِّرَاجِ الْمُنِيرِ الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَهَدَاهُمْ إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ . {
nindex.php?page=tafseer&surano=1766&ayano=14اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } . بَعَثَهُ بِأَفْضَلِ الْمَنَاهِجِ والشرع ، وَأَحْبَطَ بِهِ أَصْنَافَ الْكُفْرِ وَالْبِدَعِ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ أَفْضَلَ الْكُتُبِ وَالْأَنْبَاءِ ، وَجَعَلَهُ مُهَيْمِنًا عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ كُتُبِ السَّمَاءِ . وَجَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ ، يُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً هُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ . هُوَ شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ وَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمَا أَسْبَغَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النِّعَمِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ وَعَصَمَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ إذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ يُبَيِّنُ مَا بَدَّلَ مِنْ الرِّسَالَةِ وَأَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ وَرَضِيَ لَهُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا وَأَظْهَرَهُ عَلَى
[ ص: 3 ] الدِّينِ كُلِّهِ إظْهَارًا بِالنُّصْرَةِ وَالتَّمْكِينِ وَإِظْهَارًا بِالْحُجَّةِ وَالتَّبْيِينِ ، وَجَعَلَ فِيهِمْ عُلَمَاءَهُمْ وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ يَقُومُونَ مَقَامَهُمْ فِي تَبْلِيغِ مَا أُنْزِلَ مِنْ الْكِتَابِ ، وَطَائِفَةً مَنْصُورَةً لَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ إلَى حِينِ الْحِسَابِ ، وَحَفِظَ لَهُمْ الذِّكْرَ الَّذِي أَنْزَلَهُ مِنْ الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1826&ayano=15إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . فَلَا يَقَعُ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ كَمَا وَقَعَ مِنْ أَصْحَابِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَخَصَّهُمْ بِالرِّوَايَةِ وَالْإِسْنَادِ الَّذِي يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْجَهَابِذَةُ النُّقَّادُ وَجَعَلَ هَذَا الْمِيرَاثَ يَحْمِلُهُ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ لِتَدُومَ بِهِمْ النِّعْمَةُ عَلَى الْأُمَّةِ وَيَظْهَرَ بِهِمْ النُّورُ مِنْ الظُّلْمَةِ ، وَيَحْيَا بِهِمْ دِينُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ ، وَبَيَّنَ اللَّهُ بِهِمْ لِلنَّاسِ سَبِيلَهُ ، فَأَفْضَلُ الْخَلْقِ أَتْبَعُهُمْ لِهَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ الْمَنْعُوتِ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1372&ayano=9لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، وَإِلَهُ الْمُرْسَلِينَ ، وَمَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ . وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ إلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ أَرْسَلَهُ وَالنَّاسُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ وَالضَّلَالِ فِي أَقْبَحِ خَيْبَةٍ وَأَسْوَأِ حَالٍ . فَلَمْ يَزَلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي تَبْلِيغِ الدِّينِ وَهَدْيِ الْعَالَمِينَ وَجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ حَتَّى طَلَعَتْ شَمْسُ الْإِيمَانِ ، وَأَدْبَرَ لَيْلُ الْبُهْتَانِ ، وَعَزَّ جُنْدُ الرَّحْمَنِ ، وَذَلَّ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ، وَظَهَرَ نُورُ الْفُرْقَانِ وَاشْتَهَرَتْ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ ، وَأُعِلْنَ بِدَعْوَةِ الْأَذَانِ ،
[ ص: 4 ] وَاسْتَنَارَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلُ الْبَوَادِي وَالْبُلْدَانِ ، وَقَامَتْ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْإِنْسِ وَالْجَانِّ ، لَمَّا قَامَ الْمُسْتَجِيبُ مِنْ
معد بْنِ عَدْنَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ صَلَاةً يَرْضَى بِهَا الْمَلِكُ الدَّيَّانُ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَقْرُونًا بِالرِّضْوَانِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28750_29680_29468لَا سَعَادَةَ لِلْعِبَادِ ، وَلَا نَجَاةَ فِي الْمَعَادِ إلَّا بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ . {
nindex.php?page=tafseer&surano=510&ayano=4وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=511&ayano=4وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } فَطَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قُطْبُ السَّعَادَةِ الَّتِي عَلَيْهِ تَدُورُ ، وَمُسْتَقَرُّ النَّجَاةِ الَّذِي عَنْهُ لَا تَحُورُ . فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } . وَإِنَّمَا تَعَبَّدَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ فَلَا عِبَادَةَ إلَّا مَا هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فِي دِينِ اللَّهِ ; وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضَلَالٌ عَنْ سَبِيلِهِ .
وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595067مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=143العرباض بْنِ سَارِيَةَ الَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595068أَنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } " . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=51949خَيْرُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28749طَاعَةَ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعَهُ فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِينَ مَوْضِعًا مِنْ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=577&ayano=4مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
[ ص: 5 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=561&ayano=4وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=562&ayano=4فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } .
وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=328&ayano=3قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=327&ayano=3قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } . فَجَعَلَ مَحَبَّةَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ مُوجِبَةً لِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ ، وَجَعَلَ مُتَابَعَةَ الرَّسُولِ سَبَبًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ عَبْدَهُ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4366&ayano=42وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } . فَمَا أَوْحَاهُ اللَّهُ إلَيْهِ يَهْدِي اللَّهُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3690&ayano=34قُلْ إنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إلَيَّ رَبِّي } .
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=689&ayano=5قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=690&ayano=5يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .
فَبِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَيَّنَ الْكَفْرُ مِنْ الْإِيمَانِ ، وَالرِّبْحُ مِنْ الْخُسْرَانِ وَالْهُدَى مِنْ الضَّلَالِ ، وَالنَّجَاةُ مِنْ الْوَبَالِ ، وَالْغَيُّ مِنْ الرَّشَادِ ، وَالزَّيْغُ مِنْ السَّدَادِ ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَالْمُتَّقُونَ مِنْ الْفُجَّارِ وَإِيثَارُ سَبِيلِ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ سَبِيلِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ .
فَالنُّفُوسُ أَحْوَجُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ مِنْهَا إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ هَذَا إذَا فَاتَ حَصَلَ الْمَوْتُ فِي الدُّنْيَا . وَذَاكَ إذَا فَاتَ حَصَلَ الْعَذَابُ . فَحَقَّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بَذْلُ جُهْدِهِ وَاسْتِطَاعَتِهِ فِي مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ وَطَاعَتِهِ إذْ
[ ص: 6 ] هَذَا طَرِيقُ النَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَالسَّعَادَةِ فِي دَارِ النَّعِيمِ . وَالطَّرِيقُ إلَى ذَلِكَ الرِّوَايَةُ وَالنَّقْلُ . إذْ لَا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مُجَرَّدُ الْعَقْلِ . بَلْ كَمَا أَنَّ نُورَ الْعَيْنِ لَا يُرَى إلَّا مَعَ ظُهُورِ نُورٍ قُدَّامَهُ فَكَذَلِكَ نُورُ الْعَقْلِ لَا يَهْتَدِي إلَّا إذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ شَمْسُ الرِّسَالَةِ .
فَلِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=19857تَبْلِيغُ الدِّينِ مِنْ أَعْظَمِ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ . وَكَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=18479مَعْرِفَةُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَاجِبًا عَلَى جَمِيعِ الْأَنَامِ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعَثَ
مُحَمَّدًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَبِهِمَا أَتَمَّ عَلَى أُمَّتِهِ الْمِنَّةَ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=159&ayano=2وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=160&ayano=2كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=161&ayano=2فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=460&ayano=3لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=240&ayano=2وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=62هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وَقَالَ تَعَالَى عَنْ
الْخَلِيلِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=138&ayano=2رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3600&ayano=33وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } .
وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ : مِنْهُمْ
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وقتادة وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ ( الْحِكْمَةُ : هِيَ السُّنَّةُ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ أَزْوَاجَ نَبِيِّهِ أَنْ يَذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِهِنَّ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ، وَالْكِتَابُ : الْقُرْآنُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا كَانَ الرَّسُولُ يَتْلُوهُ هُوَ السُّنَّةُ . وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي رَافِعٍ [ ص: 7 ] nindex.php?page=showalam&ids=1500وَأَبِي ثَعْلَبَةَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29825لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْت بِهِ أَوْ نَهَيْت عَنْهُ فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْقُرْآنُ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلَا وَإِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ . وفي رِوَايَةٍ أَلَا وَإِنَّهُ مِثْلُ الْكِتَابِ } .
وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ مُتَمَيِّزًا بِنَفْسِهِ - لِمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْإِعْجَازِ الَّذِي بَايَنَ بِهِ كَلَامَ النَّاسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2134&ayano=17قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } وَكَانَ مَنْقُولًا بِالتَّوَاتُرِ - لَمْ يَطْمَعْ أَحَدٌ فِي تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِهِ وَحُرُوفِهِ ; وَلَكِنْ طَمِعَ الشَّيْطَانُ أَنْ يُدْخِلَ التَّحْرِيفَ وَالتَّبْدِيلَ فِي مَعَانِيهِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّأْوِيلِ ، وَطَمِعَ أَنْ يُدْخِلَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ النَّقْصِ وَالِازْدِيَادِ مَا يُضِلُّ بِهِ بَعْضَ الْعِبَادِ . فَأَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَهَابِذَةَ النُّقَّادَ أَهْلَ الْهُدَى وَالسَّدَادِ ، فَدَحَرُوا حِزْبَ الشَّيْطَانِ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبُهْتَانِ وَانْتُدِبُوا لِحِفْظِ السُّنَّةِ وَمَعَانِي الْقُرْآنِ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي ذَلِكَ وَالنُّقْصَانِ .
وَقَامَ كُلٌّ مِنْ عُلَمَاءِ الدِّينِ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ - مَقَامَ أَهْلِ الْفِقْهِ الَّذِينَ فَقِهُوا مَعَانِيَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ - بِدَفْعِ مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَطَأِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ ، وَكَانَ مِنْ ذَلِكَ الظَّاهِرُ الْجَلِيُّ : الَّذِي لَا يَسُوغُ عَنْهُ الْعُدُولُ ; وَمِنْهُ الْخَفِيُّ : الَّذِي يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لِلْعُلَمَاءِ الْعُدُولِ . وَقَامَ عُلَمَاءُ النَّقْلِ وَالنُّقَّادُ بِعِلْمِ الرِّوَايَةِ وَالْإِسْنَادِ ، فَسَافَرُوا فِي ذَلِكَ إلَى الْبِلَادِ ، وَهَجَرُوا فِيهِ لَذِيذَ الرُّقَادِ ، وَفَارَقُوا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ ، وَأَنْفَقُوا فِيهِ الطَّارِفَ وَالتِّلَادَ ، وَصَبَرُوا فِيهِ عَلَى النَّوَائِبِ ، وَقَنَعُوا مِنْ الدُّنْيَا بِزَادِ الرَّاكِبِ ،
[ ص: 8 ] وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ ، وَالْقِصَصِ الْمَأْثُورَةِ ، مَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِهِ مَعْلُومٌ ، وَلِمَنْ طَلَبَ مَعْرِفَتَهُ مَعْرُوفٌ مَرْسُومٌ ، بِتَوَسُّدِ أَحَدِهِمْ التُّرَابَ وَتَرْكِهِمْ لَذِيذَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَتَرْكِ مُعَاشَرَةِ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَالتَّصَبُّرِ عَلَى مَرَارَةِ الِاغْتِرَابِ ، وَمُقَاسَاةِ الْأَهْوَالِ الصِّعَابِ ، أَمْرٌ حَبَّبَهُ اللَّهُ إلَيْهِمْ وَحَلَّاهُ لِيَحْفَظَ بِذَلِكَ دِينَ اللَّهِ . كَمَا جَعَلَ الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا يَقْصِدُونَهُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، وَيَتَحَمَّلُونَ فِيهِ أُمُورًا مُؤْلِمَةً تَحْصُلُ فِي الطَّرِيقِ ، وَكَمَا حُبِّبَ إلَى أَهْلِ الْقِتَالِ الْجِهَادُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ حِكْمَةً مِنْ اللَّهِ يَحْفَظُ بِهَا الدِّينَ لِيَهْدِيَ الْمُهْتَدِينَ ، وَيُظْهِرَ بِهِ الْهُدَى وَدِينَ الْحَقِّ ، الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .
فَمَنْ كَانَ مُخْلِصًا فِي أَعْمَالِ الدِّينِ يَعْمَلُهَا لِلَّهِ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ أَهْلِ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1436&ayano=10أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1437&ayano=10الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1438&ayano=10لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبُشْرَى فِي الدُّنْيَا بِنَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : ثَنَاءُ الْمُثْنِينَ عَلَيْهِ . الثَّانِي : الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ ; أَوْ تُرَى لَهُ . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595069فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ لِنَفْسِهِ فَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ; قَالَ : تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ } .
وَقَالَ
الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1438&ayano=10لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595070هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ ; أَوْ تُرَى لَهُ } . وَالْقَائِمُونَ بِحِفْظِ الْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّبَّانُ الْحَافِظُونَ لَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، هُمْ مِنْ أَعْظَمِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَحِزْبِهِ
[ ص: 9 ] الْمُفْلِحِينَ . بَلْ لَهُمْ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ .
كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5173&ayano=58يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : يَرْفَعْ اللَّهُ . وَعِلْمُ الْإِسْنَادِ وَالرِّوَايَةِ مِمَّا خَصَّ اللَّهُ بِهِ أُمَّةَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَهُ سُلَّمًا إلَى الدِّرَايَةِ .
فَأَهْلُ الْكِتَابِ لَا إسْنَادَ لَهُمْ يَأْثُرُونَ بِهِ الْمَنْقُولَاتِ ، وَهَكَذَا الْمُبْتَدِعُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَهْلُ الضَّلَالَاتِ ، وَإِنَّمَا الْإِسْنَادُ لِمَنْ أَعْظَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمِنَّةَ " أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ ، يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ وَالْمُعْوَجِّ وَالْقَوِيمِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْكُفَّارِ إنَّمَا عِنْدَهُمْ مَنْقُولَاتٌ يَأْثُرُونَهَا بِغَيْرِ إسْنَادٍ ، وَعَلَيْهَا مِنْ دِينِهِمْ الِاعْتِمَادُ ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ فِيهَا الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ ، وَلَا الْحَالِي مِنْ الْعَاطِلِ .
وَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ الْمَرْحُومَةُ وَأَصْحَابُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَعْصُومَةِ : فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالدِّينِ هُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى يَقِينٍ ، فَظَهَرَ لَهُمْ الصِّدْقُ مِنْ الْمَيْنِ ، كَمَا يَظْهَرُ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ . عَصَمَهُمْ اللَّهُ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خَطَأٍ فِي دِينِ اللَّهِ مَعْقُولٍ أَوْ مَنْقُولٍ ، وَأَمَرَهُمْ إذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ أَنْ يَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=556&ayano=4يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . فَإِذَا اجْتَمَعَ
أَهْلُ الْفِقْهِ عَلَى الْقَوْلِ بِحُكْمِ لَمْ يَكُنْ إلَّا حَقًّا ، وَإِذَا اجْتَمَعَ
أَهْلُ [ ص: 10 ] الْحَدِيثِ عَلَى تَصْحِيحِ حَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ إلَّا صِدْقًا ، وَلِكُلِّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَطْلُوبِهِمْ بِالْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ مَا يُعْرَفُ بِهِ مَنْ هُوَ بِهَذَا الْأَمْرِ حَفِيٌّ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يُلْهِمُهُمْ الصَّوَابَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الدَّلَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ ، وَكَمَا عُرِفَ ذَلِكَ بِالتَّجْرِبَةِ الْوُجُودِيَّةِ ; فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ ، وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحِ مِنْهُ ، لَمَّا صَدَقُوا فِي مُوَالَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ; وَمُعَادَاةِ مَنْ عَدَلَ عَنْهُ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5184&ayano=58لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } .
وَأَهْلُ الْعِلْمِ الْمَأْثُورِ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ النَّاسِ قِيَامًا بِهَذِهِ الْأُصُولِ ، لَا تَأْخُذُ أَحَدَهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ، وَلَا يَصُدُّهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الْعَظَائِمُ ; بَلْ يَتَكَلَّمُ أَحَدُهُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ ، وَيَتَكَلَّمُ فِي أَحَبِّ النَّاسِ إلَيْهِ ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=632&ayano=4يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=682&ayano=5يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } . وَلَهُمْ مِنْ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ ، وَالتَّضْعِيفِ وَالتَّصْحِيحِ مِنْ السَّعْيِ الْمَشْكُورِ وَالْعَمَلِ الْمَبْرُورِ مَا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الدِّينِ ، وَصِيَانَتِهِ عَنْ إحْدَاثِ الْمُفْتَرِينَ ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى دَرَجَاتٍ ، مِنْهُمْ الْمُقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ النَّقْلِ وَالرِّوَايَةِ ، وَمِنْهُمْ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ وَالدِّرَايَةِ ، وَمِنْهُمْ
أَهْلُ الْفِقْهِ فِيهِ وَالْمَعْرِفَةِ بِمَعَانِيهِ .
[ ص: 11 ] وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَّةَ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ مَنْ شَهِدَ لِمَنْ غَابَ ، وَدَعَا لِلْمُبَلِّغِينَ بِالدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ ، فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ; وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ ; وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } . وَقَالَ أَيْضًا فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1723أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ } . وَقَالَ أَيْضًا : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595071نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأَ سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ; ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ : إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ } . وَفِي هَذَا دُعَاءٌ مِنْهُ لِمَنْ بَلَّغَ حَدِيثَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا وَدُعَاءٌ لِمَنْ بَلَّغَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَمِعُ أَفْقَهَ مِنْ الْمُبَلِّغِ ; لِمَا أُعْطِيَ الْمُبَلِّغُونَ مِنْ النَّضْرَةِ ; وَلِهَذَا قَالَ
سُفْيَانُ بْنُ عيينة : لَا تَجِدُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَّا وَفِي وَجْهِهِ نَضْرَةٌ ; لِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ : نَضَرَ وَنَضُرَ ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ . وَلَمْ يَزَلْ
أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ يُعَظِّمُونَ نَقَلَةَ الْحَدِيثِ حَتَّى قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَأَيْت رَجُلًا مِنْ
أَهْلِ الْحَدِيثِ فَكَأَنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا قَالَ
الشَّافِعِيُّ هَذَا ; لِأَنَّهُمْ فِي مَقَامِ
الصَّحَابَةِ مِنْ تَبْلِيغِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ أَيْضًا
أَهْلُ الْحَدِيثِ حَفِظُوا فَلَهُمْ عَلَيْنَا الْفَضْلُ ; لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا لَنَا ا ه .