[ ص: 670 ] وقال أيضا شيخ الإسلام رحمه الله رب يسر وأعن يا كريم .
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .
من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله .
صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما .
فصل في أن
nindex.php?page=treesubj&link=19711_20010التوبة والاستغفار يكون من ترك الواجبات وفعل المحرمات .
و " الأول " يخفى على كثير من الناس .
قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4611&ayano=47فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } .
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4633&ayano=48ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر }
[ ص: 671 ] وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1486&ayano=11ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1487&ayano=11وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى } .
ومثل هذا في القرآن كثير .
فنقول : التوبة والاستغفار يكون من ترك مأمور ومن فعل محظور ; فإن كلاهما من السيئات والخطايا والذنوب .
وترك " الإيمان " و " التوحيد " و " الفرائض " التي فرضها الله تعالى على القلب والبدن من الذنوب بلا ريب عند كل أحد .
بل هي أعظم الصنفين .
كما قد بسطناه فيما كتبناه من " القواعد " قبل ذهابي إلى
مصر .
فإن جنس ترك الواجبات أعظم من جنس فعل المحرمات إذ قد يدخل في ذلك ترك الإيمان والتوحيد ومن أتى بالإيمان والتوحيد لم يخلد في النار ولو فعل ما فعل .
ومن لم يأت بالإيمان والتوحيد كان مخلدا ولو كانت ذنوبه من جهة الأفعال قليلة : كالزهاد والعباد من
المشركين وأهل الكتاب كعباد مشركي
الهند وعباد
النصارى ; وغيرهم ; فإنهم لا يقتلون ولا يزنون ولا يظلمون الناس ; لكن نفس الإيمان والتوحيد الواجب تركوه .
ولكن يقال : ترك الإيمان والتوحيد الواجب إنما يكون مع الاشتغال بضده وضده إذا كان كفرا فهم يعاقبون على الكفر وهو
[ ص: 672 ] من باب المنهي عنه وإن كان ضده من جنس المباحات كالاشتغال بأهواء النفس ولذاتها من الأكل والشرب والرئاسة وغير ذلك عن الإيمان الواجب .
فالعقوبة هنا لأجل ترك الإيمان ; لا لأجل ترك هذا الجنس .
وقد يقال : كل من ترك الإيمان والتوحيد فلا يتركه إلا إلى كفر وشرك ; فإن النفس لا بد لها من إله تعبده فمن لم يعبد الرحمن عبد الشيطان .
فيقال : عبادة الشيطان جنس عام وهذا إذا أمره أن يشتغل بما هو مانع له من الإيمان والتوحيد يقال : عبده .
كما أن من أطاع الشيطان فقد عبده ولكن عبادة دون عبادة .
والناس " نوعان " طلاب دين وطلاب دنيا .
فهو يأمر طلاب الدين بالشرك والبدعة
كعباد المشركين وأهل الكتاب ويأمر طلاب الدنيا بالشهوات البدنية .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601346إن أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن } ولهذا قال
الحسن البصري لما ذكر الحديث " لكل عامل شرة ولكل شرة فترة فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه .
فقالوا : أنت إذا مررت في السوق أشار إليك
[ ص: 673 ] الناس .
فقال : إنه لم يعن هذا وإنما أراد المبتدع في دينه والفاجر في دنياه .
وقد بسطت الكلام على " النوعين " في مواضع .
كما ذكرنا في " اقتضاء الصراط المستقيم " الكلام على قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1313&ayano=9فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا } وبسط هذا له موضع آخر .
فإن ترك الواجب وفعل المحرم متلازمان ; ولهذا كان من فعل ما نهي عنه يقال : إنه عصى الأمر .
ولو
nindex.php?page=treesubj&link=27330قال لها : إن عصيت أمري فأنت طالق .
فنهاها فعصته ففيه وجهان : أصحهما أنها تطلق وبعض الفقهاء يعلل ذلك بأن هذا يعد في العرف عاصيا ويجعلون هذا في الأصل نوعين .
والتحقيق أن كل نهي ففيه طلب واستدعاء لما يقصده الناهي .
فهو أمر فالأمر يتناول هذا وهذا .
ومنه قول
الخضر لموسى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2225&ayano=18إنك لن تستطيع معي صبرا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2226&ayano=18وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2227&ayano=18قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا } .
وقال له : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2228&ayano=18فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا } .
فقوله :
[ ص: 674 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=2228&ayano=18فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا } ؟ قد تناوله قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2227&ayano=18ولا أعصي لك أمرا } .
ومنه قول
موسى لأخيه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2460&ayano=20ما منعك إذ رأيتهم ضلوا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2461&ayano=20ألا تتبعني أفعصيت أمري }
وموسى قال له : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1103&ayano=7اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } نهي .
وهو لامه على أنه لم يتبعه وقال : أفعصيت أمري ؟ وعباد العجل كانوا مفسدين .
وقد جعل هذا كله أمرا .
وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5301&ayano=66ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } فهم لا يعصونه إذا نهاهم وقوله عن الرسول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2878&ayano=24فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } فمن ركب ما نهي عنه فقد خالف أمره وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2489&ayano=20وعصى آدم ربه فغوى } وإنما كان فعلا منهيا عنه .
وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3602&ayano=33وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } هو يتناول ما نهي عنه أقوى مما يتناول ما أمر به فإنه قال في الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601347إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه .
وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } " .
وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=539&ayano=4يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض } فالمعصية مخالفة الأمر ومخالف النهي عاص ; فإنه مخالف الأمر وفاعل المحظور قد يكون أظهر معصية من تارك المأمور .
[ ص: 675 ] و " بالجملة " فهما متلازمان .
كل من أمر بشيء فقد نهي عن فعل ضده ومن نهي عن فعل فقد أمر بفعل ضده كما بسط في موضعه ; ولكن لفظ " الأمر " يعم النوعين واللفظ العام قد يخص أحد نوعيه باسم ويبقى الاسم العام للنوع الآخر فلفظ الأمر عام لكن خصوا أحد النوعين بلفظ النهي فإذا قرن النهي بالأمر كان المراد به أحد النوعين لا العموم .
[ ص: 670 ] وَقَالَ أَيْضًا شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ رَبِّ يَسِّرْ وَأَعِنْ يَا كَرِيمُ .
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا .
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
فَصْلٌ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19711_20010التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ يَكُونُ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ .
وَ " الْأَوَّلُ " يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ .
قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4611&ayano=47فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } .
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4633&ayano=48لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }
[ ص: 671 ] وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1486&ayano=11أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1487&ayano=11وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } .
وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ .
فَنَقُولُ : التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ يَكُونُ مِنْ تَرْكِ مَأْمُورٍ وَمِنْ فِعْلِ مَحْظُورٍ ; فَإِنَّ كِلَاهُمَا مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ .
وَتَرْكُ " الْإِيمَانِ " وَ " التَّوْحِيدُ " وَ " الْفَرَائِضُ " الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ مِنْ الذُّنُوبِ بِلَا رَيْبٍ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ .
بَلْ هِيَ أَعْظَمُ الصِّنْفَيْنِ .
كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ مِنْ " الْقَوَاعِدِ " قَبْلَ ذَهَابِي إلَى
مِصْرَ .
فَإِنَّ جِنْسَ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ إذْ قَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ تَرْكُ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَمَنْ أَتَى بِالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ لَمْ يُخَلَّدْ فِي النَّارِ وَلَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ .
وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ كَانَ مُخَلَّدًا وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ قَلِيلَةً : كَالزُّهَّادِ وَالْعُبَّادِ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَعُبَّادِ مُشْرِكِي
الْهِنْدِ وَعُبَّادِ
النَّصَارَى ; وَغَيْرِهِمْ ; فَإِنَّهُمْ لَا يَقْتُلُونَ وَلَا يَزْنُونَ وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ ; لَكِنَّ نَفْسَ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ الْوَاجِبِ تَرَكُوهُ .
وَلَكِنْ يُقَالُ : تَرْكُ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ الْوَاجِبِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِضِدِّهِ وَضِدُّهُ إذَا كَانَ كُفْرًا فَهُمْ يُعَاقَبُونَ عَلَى الْكُفْرِ وَهُوَ
[ ص: 672 ] مِنْ بَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ ضِدُّهُ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحَاتِ كَالِاشْتِغَالِ بِأَهْوَاءِ النَّفْسِ وَلَذَّاتِهَا مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالرِّئَاسَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَنْ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ .
فَالْعُقُوبَةُ هُنَا لِأَجْلِ تَرْكِ الْإِيمَانِ ; لَا لِأَجْلِ تَرْكِ هَذَا الْجِنْسِ .
وَقَدْ يُقَالُ : كُلُّ مَنْ تَرَكَ الْإِيمَانَ وَالتَّوْحِيدَ فَلَا يَتْرُكُهُ إلَّا إلَى كُفْرٍ وَشِرْكٍ ; فَإِنَّ النَّفْسَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ إلَهٍ تَعْبُدُهُ فَمَنْ لَمْ يَعْبُدْ الرَّحْمَنَ عَبَدَ الشَّيْطَانَ .
فَيُقَالُ : عِبَادَةُ الشَّيْطَانِ جِنْسٌ عَامٌّ وَهَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِمَا هُوَ مَانِعٌ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ يُقَالُ : عَبَدَهُ .
كَمَا أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَقَدْ عَبَدَهُ وَلَكِنْ عِبَادَةٌ دُونَ عِبَادَةٍ .
وَالنَّاسُ " نَوْعَانِ " طُلَّابُ دِينٍ وَطُلَّابُ دُنْيَا .
فَهُوَ يَأْمُرُ طُلَّابَ الدِّينِ بِالشِّرْكِ وَالْبِدْعَةِ
كَعُبَّادِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَيَأْمُرُ طُلَّابَ الدُّنْيَا بِالشَّهَوَاتِ الْبَدَنِيَّةِ .
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601346إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلَّاتِ الْفِتَنِ } وَلِهَذَا قَالَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَ " لِكُلِّ عَامِلٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَإِنَّ صَاحِبَهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ وَإِنْ أُشِيرَ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فَلَا تَعُدُّوهُ .
فَقَالُوا : أَنْتَ إذَا مَرَرْت فِي السُّوقِ أَشَارَ إلَيْك
[ ص: 673 ] النَّاسُ .
فَقَالَ : إنَّهُ لَمْ يَعْنِ هَذَا وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُبْتَدِعَ فِي دِينِهِ وَالْفَاجِرَ فِي دُنْيَاهُ .
وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى " النَّوْعَيْنِ " فِي مَوَاضِعَ .
كَمَا ذَكَرْنَا فِي " اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ " الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1313&ayano=9فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا } وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ .
فَإِنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ وَفِعْلَ الْمُحَرَّمِ مُتَلَازِمَانِ ; وَلِهَذَا كَانَ مَنْ فَعَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ يُقَالُ : إنَّهُ عَصَى الْأَمْرَ .
وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=27330قَالَ لَهَا : إنْ عَصَيْت أَمْرِي فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَنَهَاهَا فَعَصَتْهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا تُطَلَّقُ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يُعَلِّلُ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ عَاصِيًا وَيَجْعَلُونَ هَذَا فِي الْأَصْلِ نَوْعَيْنِ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كُلَّ نَهْيٍ فَفِيهِ طَلَبٌ وَاسْتِدْعَاءٌ لِمَا يَقْصِدُهُ النَّاهِي .
فَهُوَ أَمْرٌ فَالْأَمْرُ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا .
وَمِنْهُ قَوْلُ
الْخَضِرِ لِمُوسَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2225&ayano=18إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2226&ayano=18وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2227&ayano=18قَالَ سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا } .
وَقَالَ لَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2228&ayano=18فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } .
فَقَوْلُهُ :
[ ص: 674 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=2228&ayano=18فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } ؟ قَدْ تَنَاوَلَهُ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2227&ayano=18وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا } .
وَمِنْهُ قَوْلُ
مُوسَى لِأَخِيهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2460&ayano=20مَا مَنَعَكَ إذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2461&ayano=20أَلَّا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي }
وَمُوسَى قَالَ لَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1103&ayano=7اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } نَهْيٌ .
وَهُوَ لَامَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَّبِعْهُ وَقَالَ : أَفَعَصَيْت أَمْرِي ؟ وَعُبَّادُ الْعِجْلِ كَانُوا مُفْسِدِينَ .
وَقَدْ جَعَلَ هَذَا كُلَّهُ أَمْرًا .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5301&ayano=66مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } فَهُمْ لَا يَعْصُونَهُ إذَا نَهَاهُمْ وَقَوْلُهُ عَنْ الرَّسُولِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2878&ayano=24فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فَمَنْ رَكِبَ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2489&ayano=20وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } وَإِنَّمَا كَانَ فِعْلًا مَنْهِيًّا عَنْهُ .
وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3602&ayano=33وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } هُوَ يَتَنَاوَلُ مَا نُهِيَ عَنْهُ أَقْوَى مِمَّا يَتَنَاوَلُ مَا أُمِرَ بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601347إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ .
وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } " .
وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=539&ayano=4يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ } فَالْمَعْصِيَةُ مُخَالِفَةُ الْأَمْرِ وَمُخَالِفُ النَّهْيِ عَاصٍ ; فَإِنَّهُ مُخَالِفُ الْأَمْرِ وَفَاعِلُ الْمَحْظُورِ قَدْ يَكُونُ أَظْهَرَ مَعْصِيَةً مِنْ تَارِكِ الْمَأْمُورِ .
[ ص: 675 ] وَ " بِالْجُمْلَةِ " فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ .
كُلُّ مَنْ أُمِرَ بِشَيْءِ فَقَدْ نُهِيَ عَنْ فِعْلِ ضِدِّهِ وَمَنْ نُهِيَ عَنْ فِعْلٍ فَقَدْ أُمِرَ بِفِعْلِ ضِدِّهِ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ ; وَلَكِنْ لَفْظُ " الْأَمْرِ " يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ وَاللَّفْظُ الْعَامُّ قَدْ يَخُصُّ أَحَدَ نَوْعَيْهِ بِاسْمِ وَيَبْقَى الِاسْمُ الْعَامُّ لِلنَّوْعِ الْآخَرِ فَلَفْظُ الْأَمْرِ عَامٌّ لَكِنْ خَصُّوا أَحَدَ النَّوْعَيْنِ بِلَفْظِ النَّهْيِ فَإِذَا قُرِنَ النَّهْيُ بِالْأَمْرِ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ لَا الْعُمُومُ .