فصل ومما ينبغي أن يعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=29570القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى أقوال
أهل اللغة فإنه قد عرف تفسيره وما أريد بذلك من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال
أهل اللغة ولا غيرهم ; ولهذا
[ ص: 28 ] قال الفقهاء " الأسماء ثلاثة أنواع " نوع يعرف حده بالشرع كالصلاة والزكاة ونوع يعرف حده باللغة كالشمس والقمر ونوع يعرف حده بالعرف كلفظ القبض ولفظ المعروف في قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=516&ayano=4وعاشروهن بالمعروف } وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم اعتصامهم بالكتاب والسنة فكان من الأصول المتفق عليها بين
الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن
nindex.php?page=treesubj&link=28749_28753الرسول جاء بالهدى ودين الحق وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم : فيه نبأ من قبلهم وخبر ما بعدهم وحكم ما بينهم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن فلا يستطيع أن يزيغه إلى هواه ولا يحرف به لسانه ولا يخلق عن كثرة الترداد فإذا ردد مرة بعد مرة لم يخلق ولم يمل كغيره من الكلام ولا تنقضي عجائبه ولا تشبع منه العلماء من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم . فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به ; ولهذا لا يوجد في
[ ص: 29 ] كلام أحد من
السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس ولا بذوق ووجد ومكاشفة ولا قال قط قد تعارض في هذا العقل والنقل فضلا عن أن يقول : فيجب تقديم العقل .
والنقل - يعني القرآن والحديث وأقوال
الصحابة والتابعين - إما أن يفوض وإما أن يؤول . ولا فيهم من يقول : إن له ذوقا أو وجدا أو مخاطبة أو مكاشفة تخالف القرآن والحديث ; فضلا عن أن يدعي أحدهم أنه يأخذ من حيث يأخذ الملك الذي يأتي الرسول وأنه يأخذ من ذلك المعدن علم التوحيد والأنبياء كلهم يأخذون عن مشكاته . أو يقول : الولي أفضل من النبي ونحو ذلك من مقالات أهل الإلحاد فإن هذه الأقوال لم تكن حدثت بعد في المسلمين . وإنما يعرف مثل هذه إما عن ملاحدة
اليهود أو
النصارى فإن فيهم من يجوز أن غير النبي أفضل من النبي كما قد يقوله في الحواريين فإنهم عندهم رسل وهم يقولون : أفضل من
داود وسليمان ; بل ومن
إبراهيم وموسى وإن سموهم أنبياء إلى أمثال هذه الأمور . ولم يكن
السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخرى تفسرها وتنسخها ; أو بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تفسرها . فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29088_27881_22217_22218_21370سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين القرآن وتدل عليه وتعبر عنه وكانوا يسمون ما عارض الآية ناسخا لها فالنسخ عندهم اسم عام لكل ما يرفع دلالة الآية على معنى باطل وإن كان ذلك المعنى لم
[ ص: 30 ] يرد بها وإن كان لا يدل عليه ظاهر الآية ; بل قد لا يفهم منها وقد فهمه منها قوم فيسمون ما رفع ذلك الإبهام والإفهام نسخا [ و ] هذه التسمية لا تؤخذ عن كل واحد منهم . وأصل ذلك [ من إلقاء ] الشيطان ثم يحكم الله آياته فما ألقاه الشيطان في الأذهان من ظن دلالة الآية على معنى لم يدل عليه سمى هؤلاء ما يرفع ذلك الظن نسخا كما سموا قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5279&ayano=64فاتقوا الله ما استطعتم } ناسخا لقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=398&ayano=3اتقوا الله حق تقاته } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=295&ayano=2لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ناسخا لقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=293&ayano=2وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } وأمثال ذلك مما ليس هذا موضع بسطه . إذ المقصود أنهم كانوا متفقين على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28913_28425القرآن لا يعارضه إلا قرآن لا رأي ومعقول وقياس ولا ذوق ووجد وإلهام ومكاشفة . وكانت البدع الأولى مثل "
nindex.php?page=treesubj&link=28832بدعة الخوارج " إنما هي من سوء فهمهم للقرآن لم يقصدوا معارضته لكن فهموا منه ما لم يدل عليه فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب ; إذ كان المؤمن هو البر التقي . قالوا : فمن لم يكن برا تقيا فهو كافر وهو مخلد في النار . ثم قالوا :
وعثمان [ ص: 31 ] وعلي ومن والاهما ليسوا بمؤمنين ; لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله فكانت بدعتهم لها مقدمتان . " الواحدة " أن من
nindex.php?page=treesubj&link=26502_29437_29641_29647خالف القرآن بعمل أو برأي أخطأ فيه فهو كافر .
" والثانية " أن
عثمان وعليا ومن والاهما كانوا كذلك ; ولهذا يجب الاحتراز من
nindex.php?page=treesubj&link=28851_28836_28832_28672_29644تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا فإنه
nindex.php?page=treesubj&link=28672أول بدعة ظهرت في الإسلام فكفر أهلها المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة في ذمهم والأمر بقتالهم . قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل رضي الله عنه صح فيهم الحديث من عشرة أوجه ; ولهذا قد أخرجها
مسلم في صحيحه وأفرد
البخاري قطعة منها وهم مع هذا الذم إنما قصدوا
nindex.php?page=treesubj&link=28832_28836_28833اتباع القرآن فكيف بمن تكون بدعته معارضة القرآن والإعراض عنه وهو مع ذلك يكفر المسلمين
كالجهمية ثم "
الشيعة " لما حدثوا لم يكن الذي ابتدع التشيع قصده الدين ; بل كان غرضه فاسدا وقد قيل إنه كان منافقا زنديقا فأصل بدعتهم مبنية على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكذيب الأحاديث الصحيحة ; ولهذا لا يوجد في فرق الأمة من الكذب أكثر مما يوجد فيهم بخلاف
الخوارج فإنه لا يعرف فيهم من يكذب .
[ ص: 32 ] (
والشيعة لا يكاد يوثق برواية أحد منهم من شيوخهم لكثرة الكذب فيهم ; ولهذا أعرض عنهم أهل الصحيح فلا يروي
البخاري ومسلم أحاديث
علي إلا عن أهل بيته كأولاده مثل
الحسن والحسين ومثل
محمد بن الحنفية وكاتبه
عبيد الله بن أبي رافع أو أصحاب
ابن مسعود وغيرهم مثل
عبيدة السلماني والحارث التيمي وقيس بن عباد وأمثالهم ; إذ هؤلاء صادقون فيما يروونه عن
علي ; فلهذا أخرج أصحاب الصحيح حديثهم .
وهاتان الطائفتان
nindex.php?page=treesubj&link=28832_28833 " الخوارج والشيعة " حدثوا بعد مقتل
عثمان وكان المسلمون في خلافة
أبي بكر وعمر وصدرا من خلافة
عثمان في السنة الأولى من ولايته متفقين لا تنازع بينهم ثم حدث في أواخر خلافة
عثمان أمور أوجبت نوعا من التفرق وقام قوم من أهل الفتنة والظلم فقتلوا
عثمان فتفرق المسلمون بعد مقتل
عثمان ولما اقتتل المسلمون بصفين واتفقوا على تحكيم حكمين خرجت
الخوارج على أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وفارقوه وفارقوا جماعة المسلمين إلى مكان يقال له
حروراء فكف عنهم أمير المؤمنين وقال : لكم علينا أن لا نمنعكم حقكم من الفيء ولا نمنعكم المساجد إلى أن استحلوا دماء المسلمين وأموالهم فقتلوا
عبد الله بن خباب وأغاروا على سرح المسلمين ; فعلم علي أنهم الطائفة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 33 ] حيث قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69841يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية آيتهم فيهم رجل مخدج اليد عليها بضعة عليها شعرات } وفي رواية : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69844يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان } فخطب الناس وأخبرهم بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هم هؤلاء القوم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا على سرح الناس فقاتلهم ووجد العلامة بعد أن كاد لا يوجد فسجد لله شكرا . وحدث في أيامه
الشيعة لكن كانوا مختفين بقولهم لا يظهرونه
لعلي وشيعته ; بل كانوا ثلاث طوائف : " طائفة " تقول : إنه إله وهؤلاء لما ظهر عليهم أحرقهم بالنار وخد لهم أخاديد عند باب مسجد
بني كندة وقيل إنه أنشد : لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا وقد روى
البخاري في صحيحه عن
ابن عباس قال : أتي
علي بزنادقة فحرقهم بالنار ولو كنت أنا لم أحرقهم ; لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله ولضربت أعناقهم لقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597438من بدل دينه فاقتلوه }
[ ص: 34 ] وهذا الذي قاله
ابن عباس هو مذهب أكثر الفقهاء وقد روي أنه أجلهم ثلاثا .
والثانية " السابة " وكان قد بلغه عن
أبي السوداء أنه كان يسب
أبا بكر وعمر فطلبه . قيل : إنه طلبه ليقتله فهرب منه . والثالثة "
المفضلة " الذين يفضلونه على
أبي بكر وعمر فتواتر عنه أنه قال : خير هذه الأمة بعد نبيها
أبو بكر ثم
عمر وروى ذلك
البخاري في صحيحه عن
محمد بن الحنفية أنه سأل أباه من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال :
أبو بكر . قال : ثم من ؟ قال :
عمر . وكانت
الشيعة الأولى لا يتنازعون في تفضيل
أبي بكر وعمر وإنما كان النزاع في
علي وعثمان ; ولهذا قال
شريك بن عبد الله : إن
nindex.php?page=treesubj&link=28812أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر . فقيل له تقول هذا وأنت من
الشيعة ؟ فقال : كل
الشيعة كانوا على هذا . وهو الذي قال هذا على أعواد منبره أفنكذبه فيما قال ؟ ولهذا قال
سفيان الثوري : من فضل
عليا على
أبي بكر وعمر فقد أزرى
بالمهاجرين والأنصار . وما أرى يصعد له إلى الله عز وجل عمل وهو كذلك . رواه
أبو داود في سننه وكأنه يعرض
بالحسن بن صالح بن حيي فإن
الزيدية الصالحة وهم أصلح طوائف
الزيدية ينسبون إليه .
[ ص: 35 ] ولكن
الشيعة لم يكن لهم في ذلك الزمان جماعة ولا إمام ولا دار ولا سيف يقاتلون به المسلمين ; وإنما كان هذا
للخوارج تميزوا بالإمام والجماعة والدار وسموا دارهم دار الهجرة وجعلوا دار المسلمين دار كفر وحرب . وكلا الطائفتين تطعن بل تكفر ولاة المسلمين وجمهور
الخوارج يكفرون
عثمان وعليا ومن تولاهما
والرافضة يلعنون
أبا بكر وعمر وعثمان ومن تولاهم ولكن الفساد الظاهر كان في
الخوارج : من سفك الدماء وأخذ الأموال والخروج بالسيف ; فلهذا جاءت الأحاديث الصحيحة بقتالهم والأحاديث في ذمهم والأمر بقتالهم كثيرة جدا وهي متواترة عند
أهل الحديث مثل أحاديث الرؤية وعذاب القبر وفتنته وأحاديث الشفاعة والحوض .
وقد رويت أحاديث في
nindex.php?page=treesubj&link=28835_28829ذم القدرية والمرجئة : روى بعضها أهل السنن
كأبي داود وابن ماجه وبعض الناس يثبتها ويقويها ومن العلماء من طعن فيها وضعفها ولكن الذي ثبت في ذم
القدرية ونحوهم هو عن
الصحابة كابن عمر وابن عباس . وأما لفظ (
الرافضة فهذا اللفظ أول ما ظهر في الإسلام لما خرج
زيد بن علي بن الحسين في أوائل المائة الثانية في خلافة
هشام بن [ ص: 36 ] عبد الملك واتبعه
الشيعة فسئل عن
أبي بكر وعمر فتولاهما وترحم عليهما فرفضه قوم فقال : رفضتموني رفضتموني فسموا
الرافضة فالرافضة تتولى أخاه
أبا جعفر محمد بن علي والزيدية يتولون
زيدا وينسبون إليه . ومن حينئذ انقسمت
الشيعة إلى
زيدية ورافضة إمامية . ثم في آخر عصر
الصحابة حدثت "
القدرية " وأصل بدعتهم كانت من عجز عقولهم عن الإيمان بقدر الله والإيمان بأمره ونهيه ووعده ووعيده وظنوا أن ذلك ممتنع وكانوا قد آمنوا بدين الله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وظنوا أنه إذا كان كذلك لم يكن قد علم قبل الأمر من يطيع ومن يعصي ; لأنهم ظنوا أن من علم ما سيكون لم يحسن منه أن يأمر وهو يعلم أن المأمور يعصيه ولا يطيعه وظنوا أيضا أنه إذا علم أنهم يفسدون لم يحسن أن يخلق من يعلم أنه يفسد فلما بلغ قولهم بإنكار القدر السابق
الصحابة أنكروا إنكارا عظيما وتبرءوا منهم حتى قال
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر : أخبر أولئك أني بريء منهم وأنهم مني برآء والذي يحلف به
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر : لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر وذكر عن أبيه حديث
جبريل وهذا أول حديث في صحيح
مسلم وقد أخرجه
البخاري ومسلم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أيضا مختصرا .
فَصْلٌ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29570الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ إذَا عُرِفَ تَفْسِيرُهُ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحْتَجْ فِي ذَلِكَ إلَى أَقْوَالِ
أَهْلِ اللُّغَةِ فَإِنَّهُ قَدْ عُرِفَ تَفْسِيرُهُ وَمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحْتَجْ فِي ذَلِكَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِأَقْوَالِ
أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ ; وَلِهَذَا
[ ص: 28 ] قَالَ الْفُقَهَاءُ " الْأَسْمَاءُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ " نَوْعٌ يُعْرَفُ حَدُّهُ بِالشَّرْعِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَوْعٌ يُعْرَفُ حَدُّهُ بِاللُّغَةِ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَنَوْعٌ يُعْرَفُ حَدُّهُ بِالْعُرْفِ كَلَفْظِ الْقَبْضِ وَلَفْظِ الْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=516&ayano=4وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ اعْتِصَامُهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَكَانَ مِنْ الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ أَنْ يُعَارِضَ الْقُرْآنَ لَا بِرَأْيِهِ وَلَا ذَوْقِهِ وَلَا مَعْقُولِهِ وَلَا قِيَاسِهِ وَلَا وَجْدِهِ فَإِنَّهُمْ ثَبَتَ عَنْهُمْ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّاتِ وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28749_28753الرَّسُولَ جَاءَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ وَأَنَّ الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ : فِيهِ نَبَأُ مَنْ قَبْلَهُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَهُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَهُمْ هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسُنُ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُزِيغَهُ إلَى هَوَاهُ وَلَا يُحَرِّفَ بِهِ لِسَانَهُ وَلَا يَخْلَقَ عَنْ كَثْرَةِ التَّرْدَادِ فَإِذَا رُدِّدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَمْ يَخْلَقْ وَلَمْ يُمَلَّ كَغَيْرِهِ مِنْ الْكَلَامِ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَلَا تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إلَيْهِ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . فَكَانَ الْقُرْآنُ هُوَ الْإِمَامَ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ ; وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ فِي
[ ص: 29 ] كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ
السَّلَفِ أَنَّهُ عَارَضَ الْقُرْآنَ بِعَقْلِ وَرَأْيٍ وَقِيَاسٍ وَلَا بِذَوْقِ وَوَجْدٍ وَمُكَاشَفَةٍ وَلَا قَالَ قَطُّ قَدْ تَعَارَضَ فِي هَذَا الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَ : فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ .
وَالنَّقْلُ - يَعْنِي الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ وَأَقْوَالَ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - إمَّا أَنْ يُفَوَّضَ وَإِمَّا أَنْ يُؤَوَّلَ . وَلَا فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ : إنَّ لَهُ ذَوْقًا أَوْ وَجْدًا أَوْ مُخَاطَبَةً أَوْ مُكَاشَفَةً تُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ ; فَضْلًا عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ حَيْثُ يَأْخُذُ الْمَلَكُ الَّذِي يَأْتِي الرَّسُولَ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْدِنِ عِلْمَ التَّوْحِيدِ وَالْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ يَأْخُذُونَ عَنْ مِشْكَاتِهِ . أَوْ يَقُولَ : الْوَلِيُّ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَاتِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ لَمْ تَكُنْ حَدَثَتْ بَعْدُ فِي الْمُسْلِمِينَ . وَإِنَّمَا يُعْرَفُ مِثْلُ هَذِهِ إمَّا عَنْ مَلَاحِدَةِ
الْيَهُودِ أَوْ
النَّصَارَى فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ يُجَوِّزُ أَنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ كَمَا قَدْ يَقُولُهُ فِي الْحَوَارِيِّينَ فَإِنَّهُمْ عِنْدَهُمْ رُسُلٌ وَهُمْ يَقُولُونَ : أَفْضَلُ مِنْ
داود وَسُلَيْمَانَ ; بَلْ وَمِنْ
إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَإِنْ سَمَّوْهُمْ أَنْبِيَاءَ إلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ . وَلَمْ يَكُنْ
السَّلَفُ يَقْبَلُونَ مُعَارَضَةَ الْآيَةِ إلَّا بِآيَةِ أُخْرَى تُفَسِّرُهَا وَتَنْسَخُهَا ; أَوْ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُفَسِّرُهَا . فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29088_27881_22217_22218_21370سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبَيِّنُ الْقُرْآنَ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُعَبِّرُ عَنْهُ وَكَانُوا يُسَمُّونَ مَا عَارَضَ الْآيَةَ نَاسِخًا لَهَا فَالنَّسْخُ عِنْدَهُمْ اسْمٌ عَامٌّ لِكُلِّ مَا يَرْفَعُ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى مَعْنًى بَاطِلٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَمْ
[ ص: 30 ] يُرَدْ بِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ ; بَلْ قَدْ لَا يُفْهَمُ مِنْهَا وَقَدْ فَهِمَهُ مِنْهَا قَوْمٌ فَيُسَمُّونَ مَا رَفَعَ ذَلِكَ الْإِبْهَامَ وَالْإِفْهَامَ نَسْخًا [ و ] هَذِهِ التَّسْمِيَةُ لَا تُؤْخَذُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ . وَأَصْلُ ذَلِكَ [ مِنْ إلْقَاءِ ] الشَّيْطَانِ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ فَمَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ فِي الْأَذْهَانِ مِنْ ظَنِّ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى مَعْنًى لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ سَمَّى هَؤُلَاءِ مَا يَرْفَعُ ذَلِكَ الظَّنَّ نَسْخًا كَمَا سَمَّوْا قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5279&ayano=64فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } نَاسِخًا لِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=398&ayano=3اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } وَقَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=295&ayano=2لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } نَاسِخًا لِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=293&ayano=2وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ } وَأَمْثَالَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ . إذْ الْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28913_28425الْقُرْآنَ لَا يُعَارِضُهُ إلَّا قُرْآنٌ لَا رَأْيٌ وَمَعْقُولٌ وَقِيَاسٌ وَلَا ذَوْقٌ وَوَجْدٌ وَإِلْهَامٌ وَمُكَاشَفَةٌ . وَكَانَتْ الْبِدَعُ الْأُولَى مِثْلُ "
nindex.php?page=treesubj&link=28832بِدْعَة الْخَوَارِجِ " إنَّمَا هِيَ مِنْ سُوءِ فَهْمِهِمْ لِلْقُرْآنِ لَمْ يَقْصِدُوا مُعَارَضَتَهُ لَكِنْ فَهِمُوا مِنْهُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ فَظَنُّوا أَنَّهُ يُوجِبُ تَكْفِيرَ أَرْبَابِ الذُّنُوبِ ; إذْ كَانَ الْمُؤْمِنُ هُوَ الْبَرَّ التَّقِيَّ . قَالُوا : فَمَنْ لَمْ يَكُنْ بَرًّا تَقِيًّا فَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ . ثُمَّ قَالُوا :
وَعُثْمَانُ [ ص: 31 ] وَعَلِيٌّ وَمَنْ وَالَاهُمَا لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَكَانَتْ بِدْعَتُهُمْ لَهَا مُقَدِّمَتَانِ . " الْوَاحِدَةُ " أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26502_29437_29641_29647خَالَفَ الْقُرْآنَ بِعَمَلِ أَوْ بِرَأْيٍ أَخْطَأَ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ .
" وَالثَّانِيَةُ " أَنَّ
عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَمَنْ وَالَاهُمَا كَانُوا كَذَلِكَ ; وَلِهَذَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28851_28836_28832_28672_29644تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا فَإِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28672أَوَّلُ بِدْعَةٍ ظَهَرَتْ فِي الْإِسْلَامِ فَكَفَّرَ أَهْلُهَا الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ فِي ذَمِّهِمْ وَالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ . قَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحَّ فِيهِمْ الْحَدِيثُ مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ ; وَلِهَذَا قَدْ أَخْرَجَهَا
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَفْرَدَ
الْبُخَارِيُّ قِطْعَةً مِنْهَا وَهُمْ مَعَ هَذَا الذَّمِّ إنَّمَا قَصَدُوا
nindex.php?page=treesubj&link=28832_28836_28833اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ بِمَنْ تَكُونُ بِدْعَتُهُ مُعَارَضَةَ الْقُرْآنِ وَالْإِعْرَاضَ عَنْهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُكَفِّرُ الْمُسْلِمِينَ
كالجهمية ثُمَّ "
الشِّيعَةُ " لَمَّا حَدَثُوا لَمْ يَكُنْ الَّذِي ابْتَدَعَ التَّشَيُّعَ قَصْدُهُ الدِّينُ ; بَلْ كَانَ غَرَضُهُ فَاسِدًا وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا زِنْدِيقًا فَأَصْلُ بِدْعَتِهِمْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكْذِيبِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ; وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ فِي فِرَقِ الْأُمَّةِ مِنْ الْكَذِبِ أَكْثَرُ مِمَّا يُوجَدُ فِيهِمْ بِخِلَافِ
الْخَوَارِجِ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِيهِمْ مَنْ يَكْذِبُ .
[ ص: 32 ] (
وَالشِّيعَةُ لَا يَكَادُ يُوثَقُ بِرِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِنْ شُيُوخِهِمْ لِكَثْرَةِ الْكَذِبِ فِيهِمْ ; وَلِهَذَا أَعْرَضَ عَنْهُمْ أَهْلُ الصَّحِيحِ فَلَا يَرْوِي
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَحَادِيثَ
عَلِيٍّ إلَّا عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كَأَوْلَادِهِ مِثْلِ
الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَمِثْلِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَكَاتِبِهِ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَوْ أَصْحَابِ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ مِثْلِ
عُبَيْدَةَ السلماني وَالْحَارِثِ التيمي وَقَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ وَأَمْثَالِهِمْ ; إذْ هَؤُلَاءِ صَادِقُونَ فِيمَا يَرْوُونَهُ عَنْ
عَلِيٍّ ; فَلِهَذَا أَخْرَجَ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ حَدِيثَهُمْ .
وَهَاتَانِ الطَّائِفَتَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=28832_28833 " الْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ " حَدَثُوا بَعْدَ مَقْتَلِ
عُثْمَانَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي خِلَافَةِ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ
عُثْمَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ وِلَايَتِهِ مُتَّفِقِينَ لَا تَنَازُعَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ حَدَثَ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ
عُثْمَانَ أُمُورٌ أَوْجَبَتْ نَوْعًا مِنْ التَّفَرُّقِ وَقَامَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ وَالظُّلْمِ فَقَتَلُوا
عُثْمَانَ فَتَفَرَّقَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ مَقْتَلِ
عُثْمَانَ وَلَمَّا اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ بصفين وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْكِيمِ حَكَمَيْنِ خَرَجَتْ
الْخَوَارِجُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَفَارَقُوهُ وَفَارَقُوا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ إلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ
حَرُورَاءُ فَكَفَّ عَنْهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ : لَكُمْ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَمْنَعَكُمْ حَقَّكُمْ مِنْ الْفَيْءِ وَلَا نَمْنَعَكُمْ الْمَسَاجِدَ إلَى أَنْ اسْتَحَلُّوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فَقَتَلُوا
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خباب وَأَغَارُوا عَلَى سَرْحِ الْمُسْلِمِينَ ; فَعَلِمَ عَلِيٌّ أَنَّهُمْ الطَّائِفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 33 ] حَيْثُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69841يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ آيَتُهُمْ فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ عَلَيْهَا بَضْعَةٌ عَلَيْهَا شَعَرَاتٌ } وَفِي رِوَايَةٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69844يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ } فَخَطَبَ النَّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : هُمْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ وَأَغَارُوا عَلَى سَرْحِ النَّاسِ فَقَاتَلَهُمْ وَوَجَدَ الْعَلَامَةَ بَعْدَ أَنْ كَادَ لَا يُوجَدُ فَسَجَدَ لِلَّهِ شُكْرًا . وَحَدَثَ فِي أَيَّامِهِ
الشِّيعَةُ لَكِنْ كَانُوا مُخْتَفِينَ بِقَوْلِهِمْ لَا يُظْهِرُونَهُ
لِعَلِيِّ وَشِيعَتِهِ ; بَلْ كَانُوا ثَلَاثَ طَوَائِفَ : " طَائِفَةٌ " تَقُولُ : إنَّهُ إلَهٌ وَهَؤُلَاءِ لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ وَخَدَّ لَهُمْ أَخَادِيدَ عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِ
بَنِي كِنْدَةَ وَقِيلَ إنَّهُ أَنْشَدَ : لَمَّا رَأَيْت الْأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا أَجَّجْت نَارِي وَدَعَوْت قنبرا وَقَدْ رَوَى
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أُتِيَ
عَلِيٌّ بِزَنَادِقَةِ فَحَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ وَلَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ ; لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَذَّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَضَرَبْت أَعْنَاقَهُمْ لِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597438مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ }
[ ص: 34 ] وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ أَجَّلَهُمْ ثَلَاثًا .
وَالثَّانِيَةُ " السَّابَّةُ " وَكَانَ قَدْ بَلَغَهُ عَنْ
أَبِي السَّوْدَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَسُبُّ
أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَطَلَبَهُ . قِيلَ : إنَّهُ طَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ فَهَرَبَ مِنْهُ . وَالثَّالِثَةُ "
الْمُفَضِّلَةُ " الَّذِينَ يُفَضِّلُونَهُ عَلَى
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَتَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا
أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ
عُمَرُ وَرَوَى ذَلِكَ
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ :
أَبُو بَكْرٍ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ :
عُمَرُ . وَكَانَتْ
الشِّيعَةُ الْأُولَى لَا يَتَنَازَعُونَ فِي تَفْضِيلِ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَإِنَّمَا كَانَ النِّزَاعُ فِي
عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ ; وَلِهَذَا قَالَ
شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28812أَفْضَلَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ . فَقِيلَ لَهُ تَقُولُ هَذَا وَأَنْتَ مِنْ
الشِّيعَةِ ؟ فَقَالَ : كُلُّ
الشِّيعَةِ كَانُوا عَلَى هَذَا . وَهُوَ الَّذِي قَالَ هَذَا عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ أَفَنُكَذِّبُهُ فِيمَا قَالَ ؟ وَلِهَذَا قَالَ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : مَنْ فَضَّلَ
عَلِيًّا عَلَى
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَدْ أَزْرَى
بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . وَمَا أَرَى يَصْعَدُ لَهُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَلٌ وَهُوَ كَذَلِكَ . رَوَاهُ
أَبُو داود فِي سُنَنِهِ وَكَأَنَّهُ يُعَرِّضُ
بِالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حيي فَإِنَّ
الزَّيْدِيَّةَ الصَّالِحَةَ وَهُمْ أَصْلَحُ طَوَائِفِ
الزَّيْدِيَّةِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ .
[ ص: 35 ] وَلَكِنَّ
الشِّيعَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ جَمَاعَةٌ وَلَا إمَامٌ وَلَا دَارٌ وَلَا سَيْفٌ يُقَاتِلُونَ بِهِ الْمُسْلِمِينَ ; وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا
لِلْخَوَارِجِ تَمَيَّزُوا بِالْإِمَامِ وَالْجَمَاعَةِ وَالدَّارِ وَسَمَّوْا دَارَهُمْ دَارَ الْهِجْرَةِ وَجَعَلُوا دَارَ الْمُسْلِمِينَ دَارَ كُفْرٍ وَحَرْبٍ . وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ تَطْعَنُ بَلْ تُكَفِّرُ وُلَاةَ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورُ
الْخَوَارِجِ يُكَفِّرُونَ
عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَمَنْ تَوَلَّاهُمَا
وَالرَّافِضَةُ يَلْعَنُونَ
أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَنْ تَوَلَّاهُمْ وَلَكِنَّ الْفَسَادَ الظَّاهِرَ كَانَ فِي
الْخَوَارِجِ : مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَالْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ ; فَلِهَذَا جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِقِتَالِهِمْ وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَمِّهِمْ وَالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ
أَهْلِ الْحَدِيثِ مِثْلَ أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ وَأَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ وَالْحَوْضِ .
وَقَدْ رُوِيَتْ أَحَادِيثُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28835_28829ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ : رَوَى بَعْضَهَا أَهْلُ السُّنَنِ
كَأَبِي داود وَابْنِ ماجه وَبَعْضُ النَّاسِ يُثْبِتُهَا وَيُقَوِّيهَا وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ طَعَنَ فِيهَا وَضَعَّفَهَا وَلَكِنَّ الَّذِي ثَبَتَ فِي ذَمِّ
الْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ هُوَ عَنْ
الصَّحَابَةِ كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ . وَأَمَّا لَفْظُ (
الرَّافِضَة فَهَذَا اللَّفْظُ أَوَّلَ مَا ظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ لَمَّا خَرَجَ
زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ فِي خِلَافَةِ
هِشَامِ بْنِ [ ص: 36 ] عَبْدِ الْمَلِكِ وَاتَّبَعَهُ
الشِّيعَةُ فَسُئِلَ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَتَوَلَّاهُمَا وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمَا فَرَفَضَهُ قَوْمٌ فَقَالَ : رَفَضْتُمُونِي رَفَضْتُمُونِي فَسُمُّوا
الرَّافِضَةَ فَالرَّافِضَةُ تَتَوَلَّى أَخَاهُ
أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَالزَّيْدِيَّةُ يَتَوَلَّوْنَ
زَيْدًا وَيُنْسَبُونَ إلَيْهِ . وَمِنْ حِينَئِذٍ انْقَسَمَتْ
الشِّيعَةُ إلَى
زَيْدِيَّةٍ وَرَافِضَةٍ إمَامِيَّةٍ . ثُمَّ فِي آخِرِ عَصْرِ
الصَّحَابَةِ حَدَثَتْ "
الْقَدَرِيَّةُ " وَأَصْلُ بِدْعَتِهِمْ كَانَتْ مِنْ عَجْزِ عُقُولِهِمْ عَنْ الْإِيمَانِ بِقَدَرِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ وَكَانُوا قَدْ آمَنُوا بِدِينِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَظَنُّوا أَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَدْ عَلِمَ قَبْلَ الْأَمْرِ مَنْ يُطِيعُ وَمَنْ يَعْصِي ; لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ مَنْ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ لَمْ يَحْسُنْ مِنْهُ أَنْ يَأْمُرَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَأْمُورَ يَعْصِيهِ وَلَا يُطِيعُهُ وَظَنُّوا أَيْضًا أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ لَمْ يُحْسَنْ أَنْ يَخْلُقَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُفْسِدُ فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلُهُمْ بِإِنْكَارِ الْقَدَرِ السَّابِقِ
الصَّحَابَةَ أَنْكَرُوا إنْكَارًا عَظِيمًا وَتَبَرَّءُوا مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : أَخْبِرْ أُولَئِكَ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ وَاَلَّذِي يَحْلِفُ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أَحَدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ حَدِيثَ
جِبْرِيلَ وَهَذَا أَوَّلُ حَدِيثٍ فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا مُخْتَصَرًا .