فصل وكان فيما ذكره إبطال لقول
الجهمية المجبرة ونحوهم ، ممن
nindex.php?page=treesubj&link=28786_28787يقول : إن الله قد يعذب العباد بلا ذنب . وأنه قد يأمر العباد بما لا ينفعهم ، بل بما يضرهم . فإن فعلوا ما أمرهم به حصل لهم الضرر ، وإن لم يفعلوه عاقبهم .
[ ص: 258 ] يقولون هذا ومثله ، ويزعمون أن هذا لأنه يفعل ما يشاء .
والقرآن يرد على هؤلاء من وجوه كثيرة ، كما يرد على
nindex.php?page=treesubj&link=28778_28975المكذبين بالقدر . فالآية ترد على هؤلاء وهؤلاء ، كما تقدم ، مع احتجاج الفريقين بها . وهي حجة على الفريقين .
nindex.php?page=treesubj&link=28778_28975فإن قال نفاة القدر : إنما قال في الحسنة " هي من الله " وفي السيئة " هي من نفسك " لأنه يأمر بهذا ، وينهى عن هذا ، باتفاق المسلمين . قالوا : ونحن نقول : المشيئة ملازمة للأمر . فما أمر به فقد شاءه وما لم يأمر به لم يشأه . فكانت مشيئته وأمره حاضة على الطاعة دون المعصية .
فلهذا كانت هذه منه دون هذه . قيل : أما الآية : فقد تبين أن الذين قالوا " الحسنة من عند الله ، والسيئة من عندك " أرادوا : من عندك يا
محمد ، أي بسبب دينك .
فجعلوا رسالة الرسول هي سبب المصائب . وهذا غير مسألة القدر . وإذا كان قد أريد : أن الطاعة والمعصية - مما قد قيل - كان
[ ص: 259 ] قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=575&ayano=4كل من عند الله } حجة عليكم كما تقدم . وقوله بعد هذا {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } لا ينافي ذلك . بل " الحسنة " أنعم الله بها وبثوابها و " السيئة " هي من نفس الإنسان ناشئة ، وإن كانت بقضائه وقدره ، كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6340&ayano=113من شر ما خلق } فمن المخلوقات ما له شر ، وإن كان بقضائه وقدره . وأنتم تقولون : الطاعة والمعصية هما من أحداث الإنسان ، بدون أن يجعل الله هذا فاعلا وهذا فاعلا ، وبدون أن يخص الله المؤمن بنعمة ورحمة أطاعه بها وهذا مخالف للقرآن .
فَصْلٌ وَكَانَ فِيمَا ذَكَرَهُ إبْطَالٌ لِقَوْلِ
الجهمية الْمُجْبِرَةِ وَنَحْوِهِمْ ، مِمَّنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28786_28787يَقُولُ : إنَّ اللَّهَ قَدْ يُعَذِّبُ الْعِبَادَ بِلَا ذَنْبٍ . وَأَنَّهُ قَدْ يَأْمُرُ الْعِبَادَ بِمَا لَا يَنْفَعُهُمْ ، بَلْ بِمَا يَضُرُّهُمْ . فَإِنْ فَعَلُوا ما أمرهم به حَصَلَ لهم الضَّرَرُ ، وإن لم يفعلوه عاقبهم .
[ ص: 258 ] يقولون هذا وَمِثْلَهُ ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ .
وَالْقُرْآنُ يَرُدُّ على هؤلاء من وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، كَمَا يَرُدُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28778_28975الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ . فَالْآيَةُ تَرُدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، مَعَ احْتِجَاجِ الْفَرِيقَيْنِ بِهَا . وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28778_28975فَإِنْ قَالَ نفاة الْقَدَرِ : إنَّمَا قَالَ فِي الْحَسَنَةِ " هِيَ مِنْ اللَّهِ " وَفِي السَّيِّئَةِ " هِيَ مِنْ نَفْسِك " لِأَنَّهُ يَأْمُرُ بِهَذَا ، وَيَنْهَى عَنْ هَذَا ، بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . قَالُوا : وَنَحْنُ نَقُولُ : الْمُشِيئَةُ مُلَازِمَةٌ لِلْأَمْرِ . فَمَا أَمَرَ بِهِ فَقَدْ شَاءَهُ وَمَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ لَمْ يَشَأْهُ . فَكَانَتْ مُشِيئَتُهُ وَأَمْرُهُ حَاضَّةً عَلَى الطَّاعَةِ دُونَ الْمَعْصِيَةِ .
فَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ مِنْهُ دُونَ هَذِهِ . قِيلَ : أَمَّا الْآيَةُ : فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا " الْحَسَنَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَالسَّيِّئَةُ مِنْ عِنْدِك " أَرَادُوا : مِنْ عِنْدِك يَا
مُحَمَّدُ ، أَيْ بِسَبَبِ دِينِك .
فَجَعَلُوا رِسَالَةَ الرَّسُولِ هِيَ سَبَبُ الْمَصَائِبِ . وَهَذَا غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْقَدَرِ . وَإِذَا كَانَ قَدْ أُرِيدَ : أَنَّ الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ - مِمَّا قَدْ قِيلَ - كَانَ
[ ص: 259 ] قَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=575&ayano=4كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ كَمَا تَقَدَّمَ . وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } لَا يُنَافِي ذَلِك . بَلْ " الْحَسَنَةُ " أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا وَبِثَوَابِهَا و " السَّيِّئَةُ " هِيَ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ نَاشِئَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6340&ayano=113مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } فَمِنْ الْمَخْلُوقَاتِ مَا لَهُ شَرٌّ ، وَإِنْ كَانَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ . وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : الطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ هُمَا مِنْ أَحْدَاثِ الْإِنْسَانِ ، بِدُونِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ هَذَا فَاعِلًا وَهَذَا فَاعِلًا ، وَبِدُونِ أَنْ يَخُصَّ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ بِنِعْمَةِ وَرَحْمَةٍ أَطَاعَهُ بِهَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ .