[ ص: 272 ] فصل والمقصود هنا : الكلام على قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } وأن هذا يقتضي ، أن
nindex.php?page=treesubj&link=19704العبد لا يزال شاكرا مستغفرا .
وقد ذكر : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28786الشر لا يضاف إلى الله ، إلا على أحد الوجوه الثلاثة . وقد تضمنت الفاتحة للأقسام الثلاثة هو سبحانه الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32993أنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها } وقد سبقت وغلبت رحمته غضبه ، وهو الغفور الودود ، الحليم الرحيم . فإرادته : أصل كل خير ونعمة ، وكل خير ونعمة فمنه {
nindex.php?page=tafseer&surano=1970&ayano=16وما بكم من نعمة فمن الله }
. وقد قال سبحانه {
nindex.php?page=tafseer&surano=1866&ayano=15نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم } ثم قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=1867&ayano=15وأن عذابي هو العذاب الأليم } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=772&ayano=5اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم } فالمغفرة والرحمة من صفاته المذكورة
[ ص: 273 ] بأسمائه . فهي من موجب نفسه المقدسة ، ومقتضاها ولوازمها . وأما العذاب : فمن مخلوقاته ، الذي خلقه بحكمة ، هو باعتبارها حكمة ورحمة .
nindex.php?page=treesubj&link=28786فالإنسان لا يأتيه الخير إلا من ربه وإحسانه وجوده . ولا يأتيه الشر إلا من نفسه . فما أصابه من حسنة : فمن الله . وما أصابه من سيئة : فمن نفسه . وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4وما أصابك } إما أن تكون كاف الخطاب له صلى الله عليه وسلم - كما قال
ابن عباس وغيره - وهو الأظهر . لقوله بعد ذلك {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4وأرسلناك للناس رسولا }
. وإما أن تكون لكل واحد من الآدميين ، كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5917&ayano=82يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } . لكن هذا ضعيف . فإنه لم يتقدم هنا ذكر الإنسان ولا مكانه . وإنما تقدم ذكر طائفة قالوا ما قالوه . فلو أريد ذكرهم : لقيل ما أصابهم من حسنة فمن الله وما أصابهم من سيئة . لكن خوطب الرسول بهذا ، لأنه سيد ولد
آدم .
وإذا كان هذا حكمه : كان هذا حكم غيره بطريق الأولى والأحرى . كما في مثل قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=3567&ayano=33اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين } رحمهم الله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4162&ayano=39لئن أشركت ليحبطن عملك } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=1468&ayano=10فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك } . ثم هذا
nindex.php?page=treesubj&link=20489الخطاب نوعان : نوع يختص لفظه به لكن يتناول غيره بطريق الأولى ، كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5296&ayano=66يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك } ثم قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=5297&ayano=66قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم }
. ونوع : قد يكون خطابه خطابا به لجميع الناس ، كما يقول كثير من المفسرين : الخطاب له والمراد غيره . وليس المعنى : أنه لم يخاطب بذلك . بل هو المقدم . فالخطاب له خطاب لجميع الجنس البشري . وإن كان هو لا يقع منه ما نهي عنه . ولا يترك ما أمر به . بل هذا يقع من غيره . كما يقول ولي الأمر للأمير : سافر غدا إلى المكان الفلاني . أي أنت ومن معك من العسكر . وكما ينهى أعز من عنده عن شيء . فيكون نهيا لمن دونه . وهذا معروف من الخطاب . فقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } الخطاب له صلى الله عليه وسلم
. وجميع الخلق داخلون في
[ ص: 275 ] هذا الخطاب بالعموم ، وبطريق الأولى . بخلاف قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4وأرسلناك للناس رسولا } فإن هذا له خاصة . ولكن من يبلغ عنه يدخل في معنى الخطاب . كما قال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16بلغوا عني ولو آية } وقال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597568نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه } وقال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1707ليبلغ الشاهد الغائب } وقال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597569إن العلماء ورثة الأنبياء } وقد قال تعالى في القرآن {
nindex.php?page=tafseer&surano=814&ayano=6وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } . والمقصود هنا : أن " الحسنة " مضافة إليه سبحانه من كل وجه . و " السيئة " مضافة إليه لأنه خلقها . كما خلق " الحسنة " فلهذا قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=575&ayano=4كل من عند الله } . ثم إنه إنما خلقها لحكمة . ولا تضاف إليه من جهة أنها سيئة ، بل تضاف إلى النفس التي تفعل الشر بها لا لحكمة . فتستحق أن يضاف الشر والسيئة إليها . فإنها لا تقصد بما تفعله من الذنوب خيرا يكون فعله لأجله أرجح . بل ما كان هكذا فهو من باب الحسنات . ولهذا كان فعل الله حسنا . لا يفعل قبيحا ولا سيئا قط . وقد دخل في هذا سيئات الجزاء والعمل . لأن المراد بقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4ما أصابك من حسنة } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4من سيئة } النعم والمصائب ، كما تقدم . لكن إذا كانت المصيبة من نفسه - لأنه أذنب - فالذنب من نفسه بطريق الأولى .
فالسيئات من نفسه بلا ريب . وإنما جعلها منه مع الحسنة بقوله
[ ص: 276 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=575&ayano=4كل من عند الله } كما تقدم . لأنها لا تضاف إلى الله مفردة . بل في العموم ، كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=575&ayano=4كل من عند الله } . وكذلك الأسماء التي فيها ذكر الشر ، لا تذكر إلا مقرونة ، كقولنا " الضار النافع ، المعطي المانع ، المعز المذل " أو مقيدة ، كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=3557&ayano=32إنا من المجرمين منتقمون } . وكل ما خلقه - مما فيه شر جزئي إضافي - ففيه من الخير العام والحكمة والرحمة أضعاف ذلك . مثل إرسال
موسى إلى
فرعون . فإنه حصل به التكذيب والهلاك
لفرعون وقومه .
وذلك شر بالإضافة إليهم . لكن حصل به - من النفع العام للخلق إلى يوم القيامة ، والاعتبار بقصة
فرعون - ما هو خير عام . فانتفع بذلك أضعاف أضعاف من استضر به .
كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4423&ayano=43فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4424&ayano=43فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين } وقال تعالى بعد ذكر قصته {
nindex.php?page=tafseer&surano=5817&ayano=79إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } . وكذلك
محمد صلى الله عليه وسلم شقي برسالته طائفة من مشركي
العرب وكفار
أهل الكتاب . وهم الذين كذبوه ، وأهلكهم الله تعالى بسببه . ولكن سعد بها أضعاف أضعاف هؤلاء . ولذلك من شقي به من
أهل الكتاب كانوا مبدلين محرفين قبل أن
[ ص: 277 ] يبعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم . فأهلك الله بالجهاد طائفة . واهتدى به من
أهل الكتاب أضعاف أضعاف أولئك . والذين أذلهم الله من
أهل الكتاب بالقهر والصغار ، أو من
المشركين الذين أحدث فيهم الصغار ، فهؤلاء كان قهرهم رحمة لهم . لئلا يعظم كفرهم ، ويكثر شرهم . ثم بعدهم حصل من الهدى والرحمة لغيرهم ما لا يحصيهم إلا الله . وهم دائما يهتدي منهم ناس من بعد ناس ببركة ظهور دينه بالحجة واليد .
فالمصلحة بإرساله وإعزازه ، وإظهار دينه ، فيها من الرحمة التي حصلت بذلك ما لا نسبة لها إلى ما حصل بذلك لبعض الناس من شر جزئي إضافي ، لما في ذلك من الخير والحكمة أيضا . إذ ليس فيما خلقه الله سبحانه شر محض أصلا ، بل هو شر بالإضافة .
[ ص: 272 ] فَصْلٌ وَالْمَقْصُودُ هُنَا : الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } وَأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي ، أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19704الْعَبْدَ لَا يَزَالُ شَاكِرًا مُسْتَغْفِرًا .
وَقَدْ ذَكَرَ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28786الشَّرَّ لَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ ، إلَّا عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ . وَقَدْ تَضَمَّنَتْ الْفَاتِحَةُ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ هُوَ سُبْحَانَهُ الرَّحْمَنُ الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32993أَنَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا } وَقَدْ سَبَقَتْ وَغَلَبَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ ، وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ، الْحَلِيمُ الرَّحِيمُ . فَإِرَادَتُهُ : أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ وَنِعْمَةٍ ، وَكُلُّ خَيْرٍ وَنِعْمَةٍ فَمِنْهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1970&ayano=16وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }
. وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1866&ayano=15نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ثُمَّ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1867&ayano=15وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=772&ayano=5اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَالْمَغْفِرَةُ وَالرَّحْمَةُ مِنْ صِفَاتِهِ الْمَذْكُورَةِ
[ ص: 273 ] بِأَسْمَائِهِ . فَهِيَ مِنْ مُوجِبِ نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ ، وَمُقْتَضَاهَا وَلَوَازِمِهَا . وَأَمَّا الْعَذَابُ : فَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ ، الَّذِي خَلَقَهُ بِحِكْمَةِ ، هُوَ بِاعْتِبَارِهَا حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=28786فَالْإِنْسَانُ لَا يَأْتِيهِ الْخَيْرُ إلَّا مِنْ رَبِّهِ وَإِحْسَانِهِ وَجُودِهِ . وَلَا يَأْتِيهِ الشَّرُّ إلَّا مِنْ نَفْسِهِ . فَمَا أَصَابَهُ مِنْ حَسَنَةٍ : فَمِنْ اللَّهِ . وَمَا أَصَابَهُ مِنْ سَيِّئَةٍ : فَمِنْ نَفْسِهِ . وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4وَمَا أَصَابَكَ } إمَّا أَنْ تَكُونَ كَافُ الْخِطَابِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ . لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِك {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا }
. وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ ، كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5917&ayano=82يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } . لَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ . فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمُ هُنَا ذِكْرُ الْإِنْسَانِ وَلَا مَكَانُهُ . وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ طَائِفَةٍ قَالُوا مَا قَالُوهُ . فَلَوْ أُرِيدَ ذِكْرُهُمْ : لَقِيلَ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَهُمْ مِنْ سَيِّئَةٍ . لَكِنْ خُوطِبَ الرَّسُولُ بِهَذَا ، لِأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ
آدَمَ .
وَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَهُ : كَانَ هَذَا حُكْمَ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى . كَمَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3567&ayano=33اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } رَحِمَهُمُ اللَّهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4162&ayano=39لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } وَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1468&ayano=10فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ } . ثُمَّ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=20489الْخِطَابُ نَوْعَانِ : نَوْعٌ يَخْتَصُّ لَفْظُهُ بِهِ لَكِنْ يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5296&ayano=66يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ } ثُمَّ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5297&ayano=66قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ }
. وَنَوْعٌ : قَدْ يَكُونُ خِطَابُهُ خِطَابًا بِهِ لِجَمِيعِ النَّاسِ ، كَمَا يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : الْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ . وَلَيْسَ الْمَعْنَى : أَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِذَلِك . بَلْ هُوَ الْمُقَدَّمُ . فَالْخِطَابُ لَهُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْجَنْسِ الْبَشَرِيِّ . وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَقَعُ مِنْهُ مَا نُهِيَ عَنْهُ . وَلَا يَتْرُكُ مَا أُمِرَ بِهِ . بَلْ هَذَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِهِ . كَمَا يَقُولُ وَلِيُّ الْأَمْرِ لِلْأَمِيرِ : سَافِرْ غَدًا إلَى الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ . أَيْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك مِنْ الْعَسْكَرِ . وَكَمَا يَنْهَى أَعَزَّ مَنْ عِنْدَهُ عَنْ شَيْءٍ . فَيَكُونُ نَهْيًا لِمَنْ دُونَهُ . وَهَذَا مَعْرُوفٌ مِنْ الْخِطَابِ . فَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } الْخِطَابُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
. وَجَمِيعُ الْخَلْقِ دَاخِلُونَ فِي
[ ص: 275 ] هَذَا الْخِطَابِ بِالْعُمُومِ ، وَبِطَرِيقِ الْأَوْلَى . بِخِلَافِ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا } فَإِنَّ هَذَا لَهُ خَاصَّةٌ . وَلَكِنْ مَنْ يُبَلِّغُ عَنْهُ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْخِطَابِ . كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً } وَقَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597568نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأَ سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ } وَقَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1707لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ } وَقَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597569إنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=814&ayano=6وَأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ " الْحَسَنَةَ " مُضَافَةٌ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ . و " السَّيِّئَةَ " مُضَافَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ خَلَقَهَا . كَمَا خَلَقَ " الْحَسَنَةَ " فَلِهَذَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=575&ayano=4كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } . ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا خَلَقَهَا لِحِكْمَةِ . وَلَا تُضَافُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا سَيِّئَةٌ ، بَلْ تُضَافُ إلَى النَّفْسِ الَّتِي تَفْعَلُ الشَّرَّ بِهَا لَا لِحِكْمَةِ . فَتَسْتَحِقُّ أَنْ يُضَافَ الشَّرُّ وَالسَّيِّئَةُ إلَيْهَا . فَإِنَّهَا لَا تَقْصِدُ بِمَا تَفْعَلُهُ مِنْ الذُّنُوبِ خَيْرًا يَكُونُ فِعْلُهُ لِأَجْلِهِ أَرْجَحَ . بَلْ مَا كَانَ هَكَذَا فهو من بَابِ الْحَسَنَاتِ . وَلِهَذَا كَانَ فِعْلُ اللَّهِ حَسَنًا . لَا يَفْعَلُ قَبِيحًا وَلَا سَيِّئًا قَطُّ . وَقَدْ دَخَلَ فِي هَذَا سَيِّئَاتُ الْجَزَاءِ وَالْعَمَلِ . لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4مِنْ سَيِّئَةٍ } النِّعَمِ وَالْمَصَائِبِ ، كَمَا تَقَدَّمَ . لَكِنْ إذَا كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ نَفْسِهِ - لِأَنَّهُ أَذْنَبَ - فَالذَّنْبُ مِنْ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
فَالسَّيِّئَاتُ مِنْ نَفْسِهِ بِلَا رَيْبٍ . وَإِنَّمَا جَعَلَهَا مِنْهُ مَعَ الْحَسَنَةِ بِقَوْلِهِ
[ ص: 276 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=575&ayano=4كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } كَمَا تَقَدَّمَ . لِأَنَّهَا لَا تُضَافُ إلَى اللَّهِ مُفْرَدَةً . بَلْ فِي الْعُمُومِ ، كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=575&ayano=4كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } . وَكَذَلِك الْأَسْمَاءُ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الشَّرِّ ، لَا تُذْكَرُ إلَّا مَقْرُونَةً ، كَقَوْلِنَا " الضَّارُّ النَّافِعُ ، الْمُعْطِي الْمَانِعُ ، الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ " أَوْ مُقَيَّدَةً ، كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3557&ayano=32إنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ } . وَكُلُّ مَا خَلَقَهُ - مِمَّا فِيهِ شَرٌّ جُزْئِيٌّ إضَافِيٌّ - فَفِيهِ مِنْ الْخَيْرِ الْعَامِّ وَالْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ أَضْعَافُ ذَلِك . مِثْلُ إرْسَالِ
مُوسَى إلَى
فِرْعَوْنَ . فَإِنَّهُ حَصَلَ بِهِ التَّكْذِيبُ وَالْهَلَاكُ
لَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ .
وَذَلِك شَرٌّ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمْ . لَكِنْ حَصَلَ بِهِ - مِنْ النَّفْعِ الْعَامِّ لِلْخَلْقِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَالِاعْتِبَارِ بِقِصَّةِ
فِرْعَوْنَ - مَا هُوَ خَيْرٌ عَامٌّ . فَانْتَفَعَ بِذَلِك أَضْعَافُ أَضْعَافُ مَنْ اسْتَضَرَّ بِهِ .
كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4423&ayano=43فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4424&ayano=43فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ } وَقَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّتِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5817&ayano=79إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى } . وَكَذَلِك
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقِيَ بِرِسَالَتِهِ طَائِفَةٌ مِنْ مُشْرِكِي
الْعَرَبِ وَكُفَّارِ
أَهْلِ الْكِتَابِ . وَهُمْ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ ، وَأَهْلَكَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِسَبَبِهِ . وَلَكِنْ سَعِدَ بِهَا أَضْعَافُ أَضْعَافُ هَؤُلَاءِ . وَلِذَلِك مَنْ شَقِيَ بِهِ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا مُبَدِّلِينَ مُحَرَّفِينَ قَبْل أَنْ
[ ص: 277 ] يَبْعَثَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَهْلَكَ اللَّهُ بِالْجِهَادِ طَائِفَةً . وَاهْتَدَى بِهِ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ أَضْعَافُ أَضْعَافُ أُولَئِكَ . وَاَلَّذِينَ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْقَهْرِ وَالصَّغَارِ ، أَوْ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَحْدَثَ فِيهِمْ الصَّغَارَ ، فَهَؤُلَاءِ كَانَ قَهْرُهُمْ رَحْمَةً لَهُمْ . لِئَلَّا يَعْظُمَ كُفْرُهُمْ ، وَيَكْثُرَ شَرُّهُمْ . ثُمَّ بَعْدَهُمْ حَصَلَ مِنْ الْهُدَى وَالرَّحْمَةِ لِغَيْرِهِمْ مَا لَا يُحْصِيهِمْ إلَّا اللَّهُ . وَهُمْ دَائِمًا يَهْتَدِي مِنْهُمْ نَاسٌ مِنْ بَعْدِ نَاسٍ بِبَرَكَةِ ظُهُورِ دِينِهِ بِالْحُجَّةِ وَالْيَدِ .
فَالْمَصْلَحَةُ بِإِرْسَالِهِ وَإِعْزَازِهِ ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ ، فِيهَا مِنْ الرَّحْمَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِذَلِك مَا لَا نِسْبَةَ لَهَا إلَى مَا حَصَلَ بِذَلِك لِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ شَرٍّ جُزْئِيٍّ إضَافِيٍّ ، لِمَا فِي ذَلِك مِنْ الْخَيْرِ وَالْحِكْمَةِ أَيْضًا . إذْ لَيْسَ فِيمَا خَلَقَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ شَرٌّ مَحْضٌ أَصْلًا ، بَلْ هُوَ شَرٌّ بِالْإِضَافَةِ .