فصل
nindex.php?page=treesubj&link=29703والله سبحانه قد تفضل على بني آدم بأمرين . هما أصل السعادة . أحدهما : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29703_29619كل مولود يولد على الفطرة كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21715كل مولود يولد على الفطرة . فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء . هل تحسون فيها من جدعاء ؟ ثم يقول nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم { nindex.php?page=tafseer&surano=3469&ayano=30فطرة الله التي فطر الناس عليها } } قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3469&ayano=30فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم }
.
[ ص: 296 ] وفي صحيح
مسلم عن
عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70518يقول الله تعالى : خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين . وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا } . فالنفس بفطرتها إذا تركت كانت مقرة لله بالإلهية محبة له تعبده لا تشرك به شيئا . ولكن يفسدها ما يزين لها شياطين الإنس والجن بما يوحي بعضهم إلى بعض من الباطل . قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1133&ayano=7وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1134&ayano=7أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون } .
وتفسير هذه الآية مبسوط في غير هذا الموضع . الثاني : أن الله تعالى قد هدى الناس هداية عامة بما جعل فيهم بالفطرة من المعرفة وأسباب العلم وبما أنزل إليهم من الكتب وأرسل إليهم من الرسل . قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6203&ayano=96اقرأ باسم ربك الذي خلق } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6204&ayano=96خلق الإنسان من علق } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6205&ayano=96اقرأ وربك الأكرم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6206&ayano=96الذي علم بالقلم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6207&ayano=96علم الإنسان ما لم يعلم } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4957&ayano=1الرحمن } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4958&ayano=55علم القرآن } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6204&ayano=16خلق الإنسان } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4960&ayano=55علمه البيان } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6036&ayano=87سبح اسم ربك الأعلى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6037&ayano=87الذي خلق فسوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87والذي قدر فهدى } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6123&ayano=90وهديناه النجدين } . ففي كل أحد ما يقتضي معرفته بالحق ومحبته له . وقد هداه ربه إلى أنواع من العلم يمكنه أن يتوصل بها إلى سعادة الأولى والآخرة . وجعل في فطرته محبة لذلك .
لكن قد يعرض الإنسان - بجاهليته وغفلته - عن طلب علم ما ينفعه . وكونه لا يطلب ذلك ولا يريده : أمر عدمي لا يضاف إلى الله تعالى . فلا يضاف إلى الله : لا عدم علمه بالحق ولا عدم إرادته للخير . لكن النفس كما تقدم : الإرادة والحركة من لوازمها فإنها حية حياة طبيعية ; لكن سعادتها ونجاتها إنما تتحقق بأن تحيا الحياة النافعة الكاملة . وكان ما لها من الحياة الطبيعية موجبا لعذابها . فلا هي حية متنعمة بالحياة . ولا هي ميتة مستريحة من العذاب . قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6044&ayano=87فذكر إن نفعت الذكرى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6045&ayano=87سيذكر من يخشى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6046&ayano=87ويتجنبها الأشقى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6047&ayano=87الذي يصلى النار الكبرى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6048&ayano=87ثم لا يموت فيها ولا يحيا } فالجزاء من جنس العمل . لما كان في الدنيا : ليس بحي الحياة النافعة التي خلق لأجلها .
[ ص: 298 ]
بل كانت حياته من جنس حياة البهائم . ولم يكن ميتا عديم الإحساس : كان في الآخرة كذلك . فإن مقصود الحياة : هو حصول ما ينتفع به الحي ويستلذ به والحي لا بد له من لذة أو ألم . فإذا لم تحصل له اللذة : لم يحصل له مقصود الحياة فإن الألم ليس مقصودا . كمن هو حي في الدنيا وبه أمراض عظيمة لا تدعه يتنعم بشيء مما يتنعم به الأحياء . فهذا يبقى طول حياته يختار الموت ولا يحصل له .
فلما كان من طبع النفس الملازم لها : وجود الإرادة والعمل إذ هو حارث همام . فإن عرفت الحق وأرادته وأحبته وعبدته : فذلك من تمام إنعام الله عليها . وإلا فهي بطبعها لا بد لها من مراد معبود غير الله . ومرادات سيئة تضرها . فهذا الشر قد تركب من كونها لم تعرف الله ولم تعبده . وهذا عدم لا يضاف إلى فاعل ومن كونها بطبعها لا بد لها من مراد معبود . فعبدت غيره . وهذا هو الشر الذي تعذب عليه .
وهو من مقتضى طبعها مع عدم هداها .
والقدرية يعترفون بهذا جميعه . وبأن
nindex.php?page=treesubj&link=28784_29658الله خلق الإنسان مريدا . لكن يجعلون المخلوق كونه مريدا بالقوة والقبول . أي قابلا لأن يريد هذا وهذا .
[ ص: 299 ] وأما كونه مريدا لهذا المعين وهذا المعين : فهذا عندهم ليس مخلوقا لله وغلطوا في ذلك غلطا فاحشا . فإن الله خالق هذا كله .
nindex.php?page=treesubj&link=28784_29510_29658وإرادة النفس لما تريده من الذنوب وفعلها : هو من جملة مخلوقات الله تعالى فإن الله خالق كل شيء . وهو الذي ألهم النفس - التي سواها - فجورها وتقواها . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597573وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها . أنت وليها ومولاها } . وهو سبحانه : جعل
إبراهيم وآله أئمة يهدون بأمره . وجعل
فرعون وآله أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون . لكن هذا لا يضاف مفردا إلى الله تعالى لوجهين : من جهة علته الغائية ومن جهة سببه وعلته الفاعلية .
أما الغائية : فإن الله إنما خلقه لحكمة هو باعتبارها خير لا شر . وإن كان شرا إضافيا . فإذا أضيف مفردا : توهم المتوهم مذهب
جهم : أن الله يخلق الشر المحض الذي لا خير فيه لأحد لا لحكمة ولا رحمة . والأخبار والسنة والاعتبار تبطل هذا المذهب .
[ ص: 300 ] كما أنه إذا قيل :
محمد وأمته يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض : كان هذا ذما لهم وكان باطلا .
وإذا قيل : يجاهدون في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله ويقتلون من منعهم من ذلك : كان هذا مدحا لهم وكان حقا . فإذا قيل : إن الرب تبارك وتعالى حكيم رحيم . أحسن كل شيء خلقه وأتقن ما صنع وهو أرحم الراحمين . أرحم بعباده من الوالدة بولدها . والخير كله بيديه . والشر ليس إليه .
بل لا يفعل إلا خيرا . وما خلقه من ألم لبعض الحيوانات أو من أعمالهم المذمومة : فله فيها حكمة عظيمة ونعمة جسيمة - كان هذا حقا . وهو مدح للرب وثناء عليه . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28786إذا قيل : إنه يخلق الشر الذي لا خير فيه ولا منفعة لأحد . ولا له فيها حكمة ولا رحمة . ويعذب الناس بلا ذنب : لم يكن هذا مدحا للرب ولا ثناء عليه .
بل كان بالعكس . ومن هؤلاء من يقول : إن الله تعالى أضر على خلقه من إبليس . وبسط القول في بيان فساد قول هؤلاء له موضع آخر . وقد بينا بعض ما في خلق جهنم وإبليس والسيئات : من الحكمة
[ ص: 301 ] والرحمة . وما لم نعلم أعظم مما علمناه . فتبارك الله أحسن الخالقين وأرحم الراحمين وخير الغافرين . ومالك يوم الدين . الأحد الصمد . الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . الذي لا يحصي العباد ثناء عليه . بل هو كما أثنى على نفسه الذي له الحمد في الأولى والآخرة . وله الحكم وإليه ترجعون . الذي يستحق الحمد والحب والرضا لذاته ولإحسانه إلى عباده . سبحانه وتعالى . يستحق أن يحمد لما له في نفسه من المحامد والإحسان إلى عباده . هذا حمد شكر وذاك حمد مطلقا . وقد ذكرنا - في غير هذا الموضع - ما قيل : من أن كل ما خلقه الله فهو نعمة على عباده المؤمنين . يستحق أن يحمدوه ويشكروه عليه وهو من آلائه . ولهذا قال في آخر سورة النجم {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53فبأي آلاء ربك تتمارى } وفي سورة الرحمن يذكر {
nindex.php?page=tafseer&surano=4982&ayano=55كل من عليها فان } ونحو ذلك .
ثم يقول عقب ذلك {
nindex.php?page=tafseer&surano=4984&ayano=55فبأي آلاء ربكما تكذبان } . وقال آخرون : منهم
الزجاج وأبو الفرج بن الجوزي {
nindex.php?page=tafseer&surano=4969&ayano=55فبأي آلاء ربكما تكذبان } أي من هذه الأشياء المذكورة . لأنها كلها ينعم بها عليكم في دلالتها إياكم على وحدانيته وفي رزقه إياكم ما به قوامكم . وهذا قالوه في سورة الرحمن .
[ ص: 302 ]
وقالوا في قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53فبأي آلاء ربك تتمارى } فبأي نعم ربك التي تدل على وحدانيته تتشكك ؟ وقيل : تشك وتجادل ؟ قال
ابن عباس : تكذب ؟ . قلت : قد ضمن {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53تتمارى } معنى تكذب . ولهذا عداه بالتاء . فإن التماري : تفاعل من المراء . يقال : تمارينا في الهلال .
nindex.php?page=treesubj&link=19153_19154_28903والمراء في القرآن كفر وهو يكون تكذيبا وتشكيكا .
وقد يقال : لما كان الخطاب لهم . قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53تتمارى } أي تتمارون . ولم يقل : تميرا . فإن التفاعل يكون بين اثنين تماريا . قالوا : والخطاب للإنسان . قيل
للوليد بن المغيرة . فإنه قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4873&ayano=53أم لم ينبأ بما في صحف موسى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4874&ayano=53وإبراهيم الذي وفى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4875&ayano=53ألا تزر وازرة وزر أخرى } ثم التفت إليه فقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53فبأي آلاء ربك تتمارى } تكذب . كما قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4970&ayano=55خلق الإنسان من صلصال كالفخار } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4971&ayano=55وخلق الجان من مارج من نار } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4972&ayano=55فبأي آلاء ربكما تكذبان }
. ففي كل ما خلقه الله إحسان إلى عباده يحمد عليه حمد شكر وله فيه حكمة تعود إليه يستحق لأجلها أن يحمد عليه حمدا يستحقه لذاته . فجميع المخلوقات : فيها إنعام على العباد كالثقلين المخاطبين بقوله
[ ص: 303 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=4969&ayano=55فبأي آلاء ربكما تكذبان } من جهة أنها آيات للرب يحصل بها هدايتهم وإيمانهم الذي يسعدون به في الدنيا والآخرة .
فيدلهم عليه وعلى وحدانيته وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته . والآيات التي بعث بها الأنبياء وأيدهم بها ونصرهم . وإهلاك عدوهم - كما ذكره في سورة النجم {
nindex.php?page=tafseer&surano=4887&ayano=53وأنه أهلك عادا الأولى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4888&ayano=53وثمود فما أبقى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4889&ayano=53وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4890&ayano=53والمؤتفكة أهوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4891&ayano=53فغشاها ما غشى } - تدلهم على صدق الأنبياء فيما أخبروا به من الأمر والنهي والوعد والوعيد . ما بشروا به وأنذروا به .
ولهذا قال عقيب ذلك {
nindex.php?page=tafseer&surano=4893&ayano=53هذا نذير من النذر الأولى } قيل : هو
محمد . وقيل : هو القرآن . فإن الله سمى كلا منهما بشيرا ونذيرا . فقال في رسول الله {
nindex.php?page=tafseer&surano=1149&ayano=7إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4639&ayano=33إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وقال تعالى في القرآن {
nindex.php?page=tafseer&surano=4262&ayano=41كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4263&ayano=2بشيرا ونذيرا } وهما متلازمان .
وكل من هذين المعنيين : مراد . يقال : هذا نذير أنذر بما أنذرت به الرسل والكتب الأولى . وقوله " من النذر " أي من جنسها . أي رسول من
[ ص: 304 ] الرسل المرسلين . ففي المخلوقات : نعم من جهة حصول الهدى والإيمان والاعتبار والموعظة بها . وهذه أفضل النعم . فأفضل النعم : نعمة الإيمان . وكل مخلوق من المخلوقات : فهو الآيات التي يحصل بها ما يحصل من هذه النعمة .
قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1719&ayano=12لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } وقالي تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4688&ayano=50تبصرة وذكرى لكل عبد منيب } .
nindex.php?page=treesubj&link=29485_19579وما يصيب الإنسان إن كان يسره : فهو نعمة بينة . وإن كان يسوءه : فهو نعمة من جهة أنه يكفر خطاياه . ويثاب بالصبر عليه . ومن جهة أن فيه حكمة ورحمة لا يعلمها {
nindex.php?page=tafseer&surano=225&ayano=2وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون }
. وقد قال في الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39837والله لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان [ ص: 305 ] خيرا له . إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له . وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له } . وإذا كان هذا وهذا : فكلاهما من نعم الله عليه . وكلتا النعمتين تحتاج مع الشكر إلى الصبر . أما نعمة الضراء : فاحتياجها إلى الصبر ظاهر . وأما نعمة السراء : فتحتاج إلى الصبر على الطاعة فيها .
فإن فتنة السراء أعظم من فتنة الضراء . كما قال بعض
السلف : ابتلينا بالضراء فصبرنا . وابتلينا بالسراء فلم نصبر . وفي الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597574أعوذ بك من فتنة الفقر . وشر فتنة الغنى } . والفقر : يصلح عليه خلق كثير . والغنى : لا يصلح عليه إلا أقل منهم . ولهذا كان أكثر من يدخل الجنة المساكين . لأن فتنة الفقر أهون وكلاهما يحتاج إلى الصبر والشكر . لكن لما كان في السراء : اللذة .
وفي الضراء : الألم . اشتهر ذكر الشكر في السراء والصبر في الضراء . قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1493&ayano=11ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1494&ayano=11ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1495&ayano=11إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير } ولأن صاحب السراء : أحوج إلى الشكر وصاحب الضراء : أحوج إلى الصبر . فإن صبر هذا وشكر هذا : واجب . إذا تركه استحق العقاب . وأما صبر صاحب السراء : فقد يكون مستحبا إذا كان عن فضول الشهوات .
وقد يكون واجبا ولكن لإتيانه بالشكر - الذي هو حسنات - يغفر له ما يغفر من سيئاته . وكذلك صاحب الضراء : لا يكون الشكر في حقه مستحبا إذا كان شكرا يصير به من السابقين المقربين . وقد يكون تقصيره في الشكر : مما يغفر له لما يأتي به من الصبر . فإن اجتماع الشكر والصبر جميعا : يكون مع تألم النفس وتلذذها يصبر على الألم ويشكر على النعم .
وهذا حال يعسر على كثير من الناس . وبسط هذا له موضع آخر . والمقصود هنا : أن الله تعالى منعم بهذا كله وإن كان لا يظهر الإنعام به في الابتداء لأكثر الناس . فإن الله يعلم وأنتم لا تعلمون . فكل ما يفعله الله فهو نعمة منه .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=29703وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ تَفَضَّلَ عَلَى بَنِي آدَمَ بِأَمْرَيْنِ . هُمَا أَصْلُ السَّعَادَةِ . أَحَدِهِمَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29703_29619كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21715كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ . فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ . هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ؟ ثُمَّ يَقُولُ nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ : اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ { nindex.php?page=tafseer&surano=3469&ayano=30فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } } قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3469&ayano=30فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }
.
[ ص: 296 ] وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70518يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ . وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْت لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا } . فَالنَّفْسُ بِفِطْرَتِهَا إذَا تُرِكَتْ كَانَتْ مُقِرَّةً لِلَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ مَحَبَّةً لَهُ تَعْبُدُهُ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا . وَلَكِنْ يُفْسِدُهَا مَا يُزَيِّنُ لَهَا شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بِمَا يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ مِنْ الْبَاطِلِ . قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1133&ayano=7وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1134&ayano=7أَوْ تَقُولُوا إنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } .
وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ هَدَى النَّاسَ هِدَايَةً عَامَّةً بِمَا جَعَلَ فِيهِمْ بِالْفِطْرَةِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَأَسْبَابِ الْعِلْمِ وَبِمَا أَنْزَلَ إلَيْهِمْ مِنْ الْكُتُبِ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ مِنْ الرُّسُلِ . قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6203&ayano=96اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6204&ayano=96خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6205&ayano=96اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6206&ayano=96الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6207&ayano=96عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4957&ayano=1الرَّحْمَنِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4958&ayano=55عَلَّمَ الْقُرْآنَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6204&ayano=16خَلَقَ الْإِنْسَانَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4960&ayano=55عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6036&ayano=87سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6037&ayano=87الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6123&ayano=90وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } . فَفِي كُلِّ أَحَدٍ مَا يَقْتَضِي مَعْرِفَتَهُ بِالْحَقِّ وَمَحَبَّتَهُ لَهُ . وَقَدْ هَدَاهُ رَبُّهُ إلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْعِلْمِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى سَعَادَةِ الْأُولَى وَالْآخِرَةِ . وَجَعَلَ فِي فِطْرَتِهِ مَحَبَّةً لِذَلِكَ .
لَكِنْ قَدْ يُعْرِضُ الْإِنْسَانُ - بِجَاهِلِيَّتِهِ وَغَفْلَتِهِ - عَنْ طَلَبِ عِلْمِ مَا يَنْفَعُهُ . وَكَوْنُهُ لَا يَطْلُبُ ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُهُ : أَمْرٌ عَدَمِيٌّ لَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى . فَلَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ : لَا عَدَمُ عِلْمِهِ بِالْحَقِّ وَلَا عَدَمُ إرَادَتِهِ لِلْخَيْرِ . لَكِنَّ النَّفْسَ كَمَا تَقَدَّمَ : الْإِرَادَةُ وَالْحَرَكَةُ مِنْ لَوَازِمِهَا فَإِنَّهَا حَيَّةٌ حَيَاةً طَبِيعِيَّةً ; لَكِنَّ سَعَادَتَهَا وَنَجَاتَهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِأَنْ تَحْيَا الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ الْكَامِلَةَ . وَكَانَ مَا لَهَا مِنْ الْحَيَاةِ الطَّبِيعِيَّةِ مُوجِبًا لِعَذَابِهَا . فَلَا هِيَ حَيَّةٌ مُتَنَعِّمَةٌ بِالْحَيَاةِ . وَلَا هِيَ مَيِّتَةٌ مُسْتَرِيحَةٌ مِنْ الْعَذَابِ . قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6044&ayano=87فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6045&ayano=87سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6046&ayano=87وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6047&ayano=87الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6048&ayano=87ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا } فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ . لَمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا : لَيْسَ بِحَيِّ الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ الَّتِي خُلِقَ لِأَجْلِهَا .
[ ص: 298 ]
بَلْ كَانَتْ حَيَاتُهُ مِنْ جِنْسِ حَيَاةِ الْبَهَائِمِ . وَلَمْ يَكُنْ مَيِّتًا عَدِيمَ الْإِحْسَاسِ : كَانَ فِي الْآخِرَةِ كَذَلِكَ . فَإِنَّ مَقْصُودَ الْحَيَاةِ : هُوَ حُصُولُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْحَيُّ وَيَسْتَلِذُّ بِهِ وَالْحَيُّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لَذَّةٍ أَوْ أَلَمٍ . فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ لَهُ اللَّذَّةُ : لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْأَلَمَ لَيْسَ مَقْصُودًا . كَمَنْ هُوَ حَيٌّ فِي الدُّنْيَا وَبِهِ أَمْرَاضٌ عَظِيمَةٌ لَا تَدَعُهُ يَتَنَعَّمُ بِشَيْءِ مِمَّا يَتَنَعَّمُ بِهِ الْأَحْيَاءُ . فَهَذَا يَبْقَى طُولَ حَيَاتِهِ يَخْتَارُ الْمَوْتَ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ .
فَلَمَّا كَانَ مِنْ طَبْعِ النَّفْسِ الْمُلَازِمِ لَهَا : وُجُودُ الْإِرَادَةِ وَالْعَمَلِ إذْ هُوَ حَارِثٌ هَمَّامٌ . فَإِنْ عَرَفَتْ الْحَقَّ وَأَرَادَتْهُ وَأَحَبَّتْهُ وَعَبَدَتْهُ : فَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهَا . وَإِلَّا فَهِيَ بِطَبْعِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَادِ مَعْبُودٍ غَيْرِ اللَّهِ . وَمُرَادَاتٍ سَيِّئَةٍ تَضُرُّهَا . فَهَذَا الشَّرُّ قَدْ تَرَكَّبَ مِنْ كَوْنِهَا لَمْ تَعْرِفْ اللَّهَ وَلَمْ تَعْبُدْهُ . وَهَذَا عَدَمٌ لَا يُضَافُ إلَى فَاعِلٍ وَمِنْ كَوْنِهَا بِطَبْعِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَادٍ مَعْبُودٍ . فَعَبَدَتْ غَيْرَهُ . وَهَذَا هُوَ الشَّرُّ الَّذِي تُعَذَّبُ عَلَيْهِ .
وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَى طَبْعِهَا مَعَ عَدَمِ هُدَاهَا .
وَالْقَدَرِيَّةُ يَعْتَرِفُونَ بِهَذَا جَمِيعِهِ . وَبِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28784_29658اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُرِيدًا . لَكِنْ يَجْعَلُونَ الْمَخْلُوقَ كَوْنَهُ مُرِيدًا بِالْقُوَّةِ وَالْقَبُولِ . أَيْ قَابِلًا لَأَنْ يُرِيدَ هَذَا وَهَذَا .
[ ص: 299 ] وَأَمَّا كَوْنُهُ مُرِيدًا لِهَذَا الْمُعَيَّنِ وَهَذَا الْمُعَيَّنُ : فَهَذَا عِنْدَهُمْ لَيْسَ مَخْلُوقًا لِلَّهِ وَغَلِطُوا فِي ذَلِكَ غَلَطًا فَاحِشًا . فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُ هَذَا كُلِّهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28784_29510_29658وَإِرَادَةُ النَّفْسِ لِمَا تُرِيدُهُ مِنْ الذُّنُوبِ وَفِعْلِهَا : هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ . وَهُوَ الَّذِي أَلْهَمَ النَّفْسَ - الَّتِي سَوَّاهَا - فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597573وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا . أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا } . وَهُوَ سُبْحَانَهُ : جَعَلَ
إبْرَاهِيمَ وَآلَهُ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِهِ . وَجَعَلَ
فِرْعَوْنَ وَآلَهُ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ . لَكِنَّ هَذَا لَا يُضَافُ مُفْرَدًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِوَجْهَيْنِ : مِنْ جِهَةِ عِلَّتِهِ الغائية وَمِنْ جِهَةِ سَبَبِهِ وَعِلَّتِهِ الْفَاعِلِيَّةِ .
أَمَّا الغائية : فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا خَلَقَهُ لِحِكْمَةِ هُوَ بِاعْتِبَارِهَا خَيْرٌ لَا شَرٌّ . وَإِنْ كَانَ شَرًّا إضَافِيًّا . فَإِذَا أُضِيفَ مُفْرَدًا : تَوَهَّمَ الْمُتَوَهِّمُ مَذْهَبَ
جَهْمٍ : أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الشَّرَّ الْمَحْضَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ لِأَحَدِ لَا لِحِكْمَةِ وَلَا رَحْمَةٍ . وَالْأَخْبَارُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ تُبْطِلُ هَذَا الْمَذْهَبَ .
[ ص: 300 ] كَمَا أَنَّهُ إذَا قِيلَ :
مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ يَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ : كَانَ هَذَا ذَمًّا لَهُمْ وَكَانَ بَاطِلًا .
وَإِذَا قِيلَ : يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَيَقْتُلُونَ مَنْ مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ : كَانَ هَذَا مَدْحًا لَهُمْ وَكَانَ حَقًّا . فَإِذَا قِيلَ : إنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَكِيمٌ رَحِيمٌ . أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَأَتْقَنَ مَا صَنَعَ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا . وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْهِ . وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْهِ .
بَلْ لَا يَفْعَلُ إلَّا خَيْرًا . وَمَا خَلَقَهُ مِنْ أَلَمٍ لِبَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ أَوْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الْمَذْمُومَةِ : فَلَهُ فِيهَا حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَنِعْمَةٌ جَسِيمَةٌ - كَانَ هَذَا حَقًّا . وَهُوَ مَدْحٌ لِلرَّبِّ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28786إذَا قِيلَ : إنَّهُ يَخْلُقُ الشَّرَّ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا مَنْفَعَةَ لِأَحَدِ . وَلَا لَهُ فِيهَا حِكْمَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ . وَيُعَذِّبُ النَّاسَ بِلَا ذَنْبٍ : لَمْ يَكُنْ هَذَا مَدْحًا لِلرَّبِّ وَلَا ثَنَاءً عَلَيْهِ .
بَلْ كَانَ بِالْعَكْسِ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَرُّ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ إبْلِيسَ . وَبَسْطُ الْقَوْلِ فِي بَيَانِ فَسَادِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ . وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ مَا فِي خَلْقِ جَهَنَّمَ وَإِبْلِيسَ وَالسَّيِّئَاتِ : مِنْ الْحِكْمَةِ
[ ص: 301 ] وَالرَّحْمَةِ . وَمَا لَمْ نَعْلَمْ أَعْظَمَ مِمَّا عَلِمْنَاهُ . فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ . وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ . الْأَحَدُ الصَّمَدُ . الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ . الَّذِي لَا يُحْصِي الْعِبَادُ ثَنَاءً عَلَيْهِ . بَلْ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ الَّذِي لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ . وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ وَالْحُبَّ وَالرِّضَا لِذَاتِهِ وَلِإِحْسَانِهِ إلَى عِبَادِهِ . سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْمَدَ لِمَا لَهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْمَحَامِدِ وَالْإِحْسَانِ إلَى عِبَادِهِ . هَذَا حَمْدُ شُكْرٍ وَذَاكَ حَمْدٌ مُطْلَقًا . وَقَدْ ذَكَرْنَا - فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ - مَا قِيلَ : مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ نِعْمَةٌ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ . يَسْتَحِقُّ أَنْ يَحْمَدُوهُ وَيَشْكُرُوهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ آلَائِهِ . وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِ سُورَةِ النَّجْمِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى } وَفِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ يَذْكُرُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4982&ayano=55كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } وَنَحْوَ ذَلِكَ .
ثُمَّ يَقُولُ عَقِبَ ذَلِكَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4984&ayano=55فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } . وَقَالَ آخَرُونَ : مِنْهُمْ
الزَّجَّاجُ وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4969&ayano=55فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ . لِأَنَّهَا كُلَّهَا يُنْعِمُ بِهَا عَلَيْكُمْ فِي دَلَالَتِهَا إيَّاكُمْ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَفِي رِزْقِهِ إيَّاكُمْ مَا بِهِ قِوَامُكُمْ . وَهَذَا قَالُوهُ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ .
[ ص: 302 ]
وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى } فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّك الَّتِي تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ تَتَشَكَّكُ ؟ وَقِيلَ : تَشُكُّ وَتُجَادِلُ ؟ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : تُكَذِّبُ ؟ . قُلْت : قَدْ ضَمَّنَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53تَتَمَارَى } مَعْنَى تُكَذِّبُ . وَلِهَذَا عَدَّاهُ بِالتَّاءِ . فَإِنَّ التَّمَارِي : تَفَاعُلٌ مِنْ الْمِرَاءِ . يُقَالُ : تَمَارَيْنَا فِي الْهِلَالِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19153_19154_28903وَالْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ وَهُوَ يَكُونُ تَكْذِيبًا وَتَشْكِيكًا .
وَقَدْ يُقَالُ : لَمَّا كَانَ الْخِطَابُ لَهُمْ . قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53تَتَمَارَى } أَيْ تَتَمَارَوْنَ . وَلَمْ يَقُلْ : تَمِيرَا . فَإِنَّ التَّفَاعُلَ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَمَارَيَا . قَالُوا : وَالْخِطَابُ لِلْإِنْسَانِ . قِيلَ
لِلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . فَإِنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4873&ayano=53أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4874&ayano=53وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4875&ayano=53أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْهِ فَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى } تُكَذِّبُ . كَمَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4970&ayano=55خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4971&ayano=55وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4972&ayano=55فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }
. فَفِي كُلِّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ إحْسَانٌ إلَى عِبَادِهِ يَحْمَدُ عَلَيْهِ حَمْدَ شُكْرٍ وَلَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ تَعُودُ إلَيْهِ يَسْتَحِقُّ لِأَجْلِهَا أَنْ يُحْمَدَ عَلَيْهِ حَمْدًا يَسْتَحِقُّهُ لِذَاتِهِ . فَجَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ : فِيهَا إنْعَامٌ عَلَى الْعِبَادِ كَالثَّقَلَيْنِ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ
[ ص: 303 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=4969&ayano=55فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا آيَاتٌ لِلرَّبِّ يَحْصُلُ بِهَا هِدَايَتُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ الَّذِي يَسْعَدُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
فَيَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ وَعَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ . وَالْآيَاتُ الَّتِي بَعَثَ بِهَا الْأَنْبِيَاءَ وَأَيَّدَهُمْ بِهَا وَنَصَرَهُمْ . وَإِهْلَاكُ عَدُوِّهِمْ - كَمَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ النَّجْمِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4887&ayano=53وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4888&ayano=53وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4889&ayano=53وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4890&ayano=53وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4891&ayano=53فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى } - تَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ . مَا بَشَّرُوا بِهِ وَأَنْذَرُوا بِهِ .
وَلِهَذَا قَالَ عَقِيبَ ذَلِكَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4893&ayano=53هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى } قِيلَ : هُوَ
مُحَمَّدٌ . وَقِيلَ : هُوَ الْقُرْآنُ . فَإِنَّ اللَّهَ سَمَّى كُلًّا مِنْهُمَا بَشِيرًا وَنَذِيرًا . فَقَالَ فِي رَسُولِ اللَّهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1149&ayano=7إنْ أَنَا إلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4639&ayano=33إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } وَقَالَ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4262&ayano=41كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4263&ayano=2بَشِيرًا وَنَذِيرًا } وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ .
وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ : مُرَادٌ . يُقَالُ : هَذَا نَذِيرٌ أَنْذَرَ بِمَا أَنْذَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَالْكُتُبُ الْأُولَى . وَقَوْلُهُ " مِنْ النُّذُرِ " أَيْ مِنْ جِنْسِهَا . أَيْ رَسُولٍ مِنْ
[ ص: 304 ] الرُّسُلِ الْمُرْسَلِينَ . فَفِي الْمَخْلُوقَاتِ : نِعَمٌ مِنْ جِهَةِ حُصُولِ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ وَالِاعْتِبَارِ وَالْمَوْعِظَةِ بِهَا . وَهَذِهِ أَفْضَلُ النِّعَمِ . فَأَفْضَلُ النِّعَمِ : نِعْمَةُ الْإِيمَانِ . وَكُلُّ مَخْلُوقٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ : فَهُوَ الْآيَاتُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا مَا يَحْصُل مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ .
قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1719&ayano=12لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } وَقَالِي تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4688&ayano=50تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } .
nindex.php?page=treesubj&link=29485_19579وَمَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ إنْ كَانَ يَسُرُّهُ : فَهُوَ نِعْمَةٌ بَيِّنَةٌ . وَإِنْ كَانَ يَسُوءُهُ : فَهُوَ نِعْمَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ خَطَايَاهُ . وَيُثَابُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ . وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ لَا يَعْلَمُهَا {
nindex.php?page=tafseer&surano=225&ayano=2وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }
. وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39837وَاَللَّهِ لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إلَّا كَانَ [ ص: 305 ] خَيْرًا لَهُ . إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ . وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ } . وَإِذَا كَانَ هَذَا وَهَذَا : فَكِلَاهُمَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ . وَكِلْتَا النِّعْمَتَيْنِ تَحْتَاجُ مَعَ الشُّكْرِ إلَى الصَّبْرِ . أَمَّا نِعْمَةُ الضَّرَّاءِ : فَاحْتِيَاجُهَا إلَى الصَّبْرِ ظَاهِرٌ . وَأَمَّا نِعْمَةُ السَّرَّاءِ : فَتَحْتَاجُ إلَى الصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَةِ فِيهَا .
فَإِنَّ فِتْنَةَ السَّرَّاءِ أَعْظَمُ مِنْ فِتْنَةِ الضَّرَّاءِ . كَمَا قَالَ بَعْضُ
السَّلَفِ : اُبْتُلِينَا بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا . وَابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ . وَفِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597574أَعُوذ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ . وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى } . وَالْفَقْرُ : يَصْلُحُ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ . وَالْغِنَى : لَا يَصْلُحُ عَلَيْهِ إلَّا أَقَلُّ مِنْهُمْ . وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْمَسَاكِينُ . لِأَنَّ فِتْنَةَ الْفَقْرِ أَهْوَنُ وَكِلَاهُمَا يَحْتَاجُ إلَى الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ . لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي السَّرَّاءِ : اللَّذَّةُ .
وَفِي الضَّرَّاءِ : الْأَلَمُ . اشْتَهَرَ ذِكْرُ الشُّكْرِ فِي السَّرَّاءِ وَالصَّبْرِ فِي الضَّرَّاءِ . قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1493&ayano=11وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1494&ayano=11وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1495&ayano=11إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } وَلِأَنَّ صَاحِبَ السَّرَّاءِ : أَحْوَجُ إلَى الشُّكْرِ وَصَاحِبَ الضَّرَّاءِ : أَحْوَجُ إلَى الصَّبْرِ . فَإِنَّ صَبْرَ هَذَا وَشُكْرَ هَذَا : وَاجِبٌ . إذَا تَرَكَهُ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ . وَأَمَّا صَبْرُ صَاحِبِ السَّرَّاءِ : فَقَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا إذَا كَانَ عَنْ فُضُولِ الشَّهَوَاتِ .
وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَلَكِنْ لِإِتْيَانِهِ بِالشُّكْرِ - الَّذِي هُوَ حَسَنَاتٌ - يَغْفِرُ لَهُ مَا يَغْفِرُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ . وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الضَّرَّاءِ : لَا يَكُونُ الشُّكْرُ فِي حَقِّهِ مُسْتَحَبًّا إذَا كَانَ شُكْرًا يَصِيرُ بِهِ مِنْ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ . وَقَدْ يَكُونُ تَقْصِيرُهُ فِي الشُّكْرِ : مِمَّا يَغْفِرُ لَهُ لِمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الصَّبْرِ . فَإِنَّ اجْتِمَاعَ الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ جَمِيعًا : يَكُونُ مَعَ تَأَلُّمِ النَّفْسِ وَتَلَذُّذِهَا يَصْبِرُ عَلَى الْأَلَمِ وَيَشْكُرُ عَلَى النِّعَمِ .
وَهَذَا حَالٌ يَعْسُرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ . وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخِرُ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنْعِمٌ بِهَذَا كُلِّهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُظْهِرُ الْإِنْعَامَ بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَكْثَرِ النَّاسِ . فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . فَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ فَهُوَ نِعْمَةٌ مِنْهُ .