nindex.php?page=treesubj&link=29428_29530والله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لعبادته ليذكروه ويشكروه ويعبدوه وأرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبدوا الله وحده وليكون الدين كله لله ولتكون كلمة الله هي العليا كما أرسل كل رسول بمثل ذلك . قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2529&ayano=21وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4413&ayano=43واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون }
. وقد أمر الله الرسل كلهم بهذا وأن لا يتفرقوا فيه . فقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=2596&ayano=21إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2747&ayano=23يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2748&ayano=23وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2749&ayano=23فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون } . قال
قتادة : أي دينكم دين واحد . وربكم رب واحد . والشريعة مختلفة . وكذلك قال
الضحاك عن
ابن عباس {
nindex.php?page=tafseer&surano=2748&ayano=21إن هذه أمتكم أمة واحدة } أي دينكم دين واحد . قال
ابن أبي حاتم : وروي عن
سعيد بن جبير وقتادة وعبد الرحمن بن زيد نحو ذلك .
وقال
الحسن : بين لهم ما يتقون وما يأتون . ثم قال : إن هذه سنتكم سنة واحدة . وهكذا قال جمهور المفسرين . و " الأمة " الملة . والطريقة كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4390&ayano=43قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } - مقتدون كما يسمى " الطريق " إماما . لأن السالك فيه يأتم به فكذلك السالك يؤمه ويقصده .
و " الأمة " أيضا معلم الخير الذي يأتم به الناس . كما أن " الإمام " هو الذي يأتم به الناس .
وإبراهيم عليه السلام جعله الله إماما . وأخبر أنه {
nindex.php?page=tafseer&surano=2037&ayano=16كان أمة }
[ ص: 328 ] وأمر الله الرسل أن تكون ملتهم ودينهم واحدا . لا يتفرقون فيه كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69377إنا معشر الأنبياء ديننا واحد } وقد قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4327&ayano=42شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } ولهذا كان جميع رسل الله وأنبيائه يصدق بعضهم بعضا . لا يختلفون مع تنوع شرائعهم . فمن كان من المطاعين - من العلماء والمشايخ والأمراء والملوك - متبعا للرسل : أمر بما أمروا به . ودعا إلى ما دعوا إليه . وأحب من دعا إلى مثل ما دعا إليه . فإن الله يحب ذلك . فيحب ما يحبه الله تعالى . وهذا قصده في نفس الأمر : أن تكون العبادة لله تعالى وحده وأن يكون الدين كله لله .
وأما من كان يكره أن يكون له نظير يدعو إلى ذلك : فهذا يطلب أن يكون هو المطاع المعبود . فله نصيب من حال
فرعون وأشباهه . فمن
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28678طلب أن يطاع دون الله : فهذا حال
فرعون . ومن
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28678طلب أن يطاع مع الله : فهذا يريد من الناس أن يتخذوا من دون الله أندادا
[ ص: 329 ] يحبونهم كحب الله . والله سبحانه وتعالى أمر : أن لا يعبد إلا إياه وأن لا يكون الدين إلا له وأن تكون الموالاة فيه والمعاداة فيه . وأن لا يتوكل إلا عليه ولا يستعان إلا به . فالمؤمن المتبع للرسل : يأمر الناس بما أمرتهم به الرسل ليكون الدين كله لله لا له . وإذا أمر أحد غيره بمثل ذلك : أحبه وأعانه وسر بوجود مطلوبه . وإذا أحسن إلى الناس فإنما يحسن إليهم : ابتغاء وجه ربه الأعلى . ويعلم أن الله قد من عليه بأن جعله محسنا ولم يجعله مسيئا فيرى أن عمله لله وأنه بالله .
وهذا مذكور في فاتحة الكتاب التي ذكرنا أن جميع الخلق محتاجون إليها أعظم من حاجتهم إلى أي شيء . ولهذا فرضت عليهم قراءتها في كل صلاة دون غيرها من السور ولم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها . فإن فيها {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إياك نعبد وإياك نستعين } . فالمؤمن يرى : أن عمله لله لأنه إياه يعبد وأنه بالله . لأنه
[ ص: 330 ] إياه يستعين . فلا يطلب ممن أحسن إليه جزاء ولا شكورا . لأنه إنما عمل له ما عمل لله كما قال الأبرار {
nindex.php?page=tafseer&surano=5676&ayano=76إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } ولا يمن عليه بذلك ولا يؤذيه . فإنه قد علم أن الله هو المان عليه إذ استعمله في الإحسان . وأن المنة لله عليه وعلى ذلك الشخص . فعليه هو : أن يشكر الله . إذ يسره لليسرى . وعلى ذلك : أن يشكر الله . إذ يسر له من يقدم له ما ينفعه من رزق أو علم أو نصر أو غير ذلك . ومن الناس : من
nindex.php?page=treesubj&link=19799يحسن إلى غيره ليمن عليه أو يرد الإحسان له بطاعته إليه وتعظيمه أو نفع آخر .
وقد يمن عليه . فيقول : أنا فعلت بك كذا . فهذا لم يعبد الله ولم يستعنه . ولا عمل لله ولا عمل بالله . فهو المرائي .
وقد أبطل الله
nindex.php?page=treesubj&link=19696_19799_28677_23515صدقة المنان وصدقة المرائي . قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=273&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=274&ayano=2ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير } .
[ ص: 331 ] قال
قتادة {
nindex.php?page=tafseer&surano=274&ayano=2وتثبيتا من أنفسهم } احتسابا من أنفسهم وقال
الشعبي : يقينا وتصديقا من أنفسهم .
وكذلك قال
الكلبي . قيل : يخرجون الصدقة طيبة بها أنفسهم . على يقين بالثواب وتصديق بوعد الله . يعلمون : أن ما أخرجوه خير لهم مما تركوه . قلت : إذا كان المعطي محتسبا للأجر عند الله مصدقا بوعد الله له : طالب من الله لا من الذي أعطاه فلا يمن عليه . كما لو قال رجل لآخر : أعط مماليكك هذا الطعام وأنا أعطيك ثمنه ; لم يمن على المماليك . لا سيما إذا كان يعلم : أن الله قد أنعم عليه بالإعطاء .
nindex.php?page=treesubj&link=29428_29530وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ لِيَذْكُرُوهُ وَيَشْكُرُوهُ وَيَعْبُدُوهُ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَلِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا كَمَا أَرْسَلَ كُلَّ رَسُولٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ . قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2529&ayano=21وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4413&ayano=43وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }
. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ الرُّسُلَ كُلَّهُمْ بِهَذَا وَأَنْ لَا يَتَفَرَّقُوا فِيهِ . فَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2596&ayano=21إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2747&ayano=23يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2748&ayano=23وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2749&ayano=23فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } . قَالَ
قتادة : أَيْ دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ . وَرَبُّكُمْ رَبٌّ وَاحِدٌ . وَالشَّرِيعَةُ مُخْتَلِفَةٌ . وَكَذَلِكَ قَالَ
الضَّحَّاكُ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2748&ayano=21إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أَيْ دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ . قَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : وَرُوِيَ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وقتادة وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ نَحْوِ ذَلِكَ .
وَقَالَ
الْحَسَنُ : بَيَّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ وَمَا يَأْتُونَ . ثُمَّ قَالَ : إنَّ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ سَنَةً وَاحِدَةً . وَهَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ . و " الْأُمَّةُ " الْمِلَّةُ . وَالطَّرِيقَةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4390&ayano=43قَالُوا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ } - مُقْتَدُونَ كَمَا يُسَمَّى " الطَّرِيقُ " إمَامًا . لِأَنَّ السَّالِكَ فِيهِ يَأْتَمُّ بِهِ فَكَذَلِكَ السَّالِكُ يَؤُمُّهُ وَيَقْصِدُهُ .
و " الْأُمَّةُ " أَيْضًا مُعَلِّمُ الْخَيْرِ الَّذِي يَأْتَمُّ بِهِ النَّاسُ . كَمَا أَنَّ " الْإِمَامَ " هُوَ الَّذِي يَأْتَمُّ بِهِ النَّاسُ .
وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَعَلَهُ اللَّهُ إمَامًا . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2037&ayano=16كَانَ أُمَّةً }
[ ص: 328 ] وَأَمَرَ اللَّهُ الرُّسُلَ أَنْ تَكُونَ مِلَّتُهُمْ وَدِينُهُمْ وَاحِدًا . لَا يَتَفَرَّقُونَ فِيهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69377إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ } وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4327&ayano=42شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } وَلِهَذَا كَانَ جَمِيعُ رُسُلِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا . لَا يَخْتَلِفُونَ مَعَ تَنَوُّعِ شَرَائِعِهِمْ . فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُطَاعِينَ - مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْمُلُوكِ - مُتَّبِعًا لِلرُّسُلِ : أَمَرَ بِمَا أَمَرُوا بِهِ . وَدَعَا إلَى مَا دَعَوْا إلَيْهِ . وَأَحَبَّ مَنْ دَعَا إلَى مِثْلِ مَا دَعَا إلَيْهِ . فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ذَلِكَ . فَيُحِبُّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى . وَهَذَا قَصْدُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ : أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ .
وَأَمَّا مَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظِيرٌ يَدْعُو إلَى ذَلِكَ : فَهَذَا يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُطَاعُ الْمَعْبُودُ . فَلَهُ نَصِيبٌ مِنْ حَالِ
فِرْعَوْنَ وَأَشْبَاهِهِ . فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28678طَلَبَ أَنْ يُطَاعَ دُونَ اللَّهِ : فَهَذَا حَالُ
فِرْعَوْنَ . وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28678طَلَبَ أَنْ يُطَاعَ مَعَ اللَّهِ : فَهَذَا يُرِيدُ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا
[ ص: 329 ] يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ : أَنْ لَا يُعْبَدَ إلَّا إيَّاهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الدِّينُ إلَّا لَهُ وَأَنْ تَكُونَ الْمُوَالَاةُ فِيهِ وَالْمُعَادَاةُ فِيهِ . وَأَنْ لَا يُتَوَكَّلَ إلَّا عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَعَانَ إلَّا بِهِ . فَالْمُؤْمِنُ الْمُتَّبِعُ لِلرُّسُلِ : يَأْمُرُ النَّاسَ بِمَا أَمَرَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ لَا لَهُ . وَإِذَا أَمَرَ أَحَدٌ غَيْرُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ : أَحَبَّهُ وَأَعَانَهُ وَسُرَّ بِوُجُودِ مَطْلُوبِهِ . وَإِذَا أَحْسَنَ إلَى النَّاسِ فَإِنَّمَا يُحْسِنُ إلَيْهِمْ : ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى . وَيَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ مَنَّ عَلَيْهِ بِأَنْ جَعَلَهُ مُحْسِنًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُسِيئًا فَيَرَى أَنَّ عَمَلَهُ لِلَّهِ وَأَنَّهُ بِاَللَّهِ .
وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ مُحْتَاجُونَ إلَيْهَا أَعْظَمَ مِنْ حَاجَتِهِمْ إلَى أَيْ شَيْءٍ . وَلِهَذَا فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ قِرَاءَتُهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ السُّوَرِ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا . فَإِنَّ فِيهَا {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } . فَالْمُؤْمِنُ يَرَى : أَنَّ عَمَلَهُ لِلَّهِ لِأَنَّهُ إيَّاهُ يَعْبُدُ وَأَنَّهُ بِاَللَّهِ . لِأَنَّهُ
[ ص: 330 ] إيَّاهُ يَسْتَعِينُ . فَلَا يَطْلُبُ مِمَّنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ جَزَاءً وَلَا شَكُورًا . لِأَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ لَهُ مَا عَمِلَ لِلَّهِ كَمَا قَالَ الْأَبْرَارُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5676&ayano=76إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } وَلَا يَمُنُّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَا يُؤْذِيهِ . فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَانُّ عَلَيْهِ إذْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْإِحْسَانِ . وَأَنَّ الْمِنَّةَ لِلَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ . فَعَلَيْهِ هُوَ : أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ . إذْ يَسَّرَهُ لِلْيُسْرَى . وَعَلَى ذَلِكَ : أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ . إذْ يَسَّرَ لَهُ مَنْ يُقَدِّمُ لَهُ مَا يَنْفَعُهُ مِنْ رِزْقٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ نَصْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . وَمِنْ النَّاسِ : مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19799يُحْسِنُ إلَى غَيْرِهِ لِيَمُنَّ عَلَيْهِ أَوْ يَرُدَّ الْإِحْسَانَ لَهُ بِطَاعَتِهِ إلَيْهِ وَتَعْظِيمِهِ أَوْ نَفْعِ آخَرَ .
وَقَدْ يَمُنُّ عَلَيْهِ . فَيَقُولُ : أَنَا فَعَلْت بِك كَذَا . فَهَذَا لَمْ يَعْبُدْ اللَّهَ وَلَمْ يَسْتَعِنْهُ . وَلَا عَمِلَ لِلَّهِ وَلَا عَمِلَ بِاَللَّهِ . فَهُوَ الْمُرَائِي .
وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=19696_19799_28677_23515صَدَقَةَ الْمَنَّانِ وَصَدَقَةَ الْمُرَائِي . قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=273&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=274&ayano=2وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
[ ص: 331 ] قَالَ
قتادة {
nindex.php?page=tafseer&surano=274&ayano=2وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ } احْتِسَابًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَقَالَ
الشَّعْبِيُّ : يَقِينًا وَتَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
وَكَذَلِكَ قَالَ
الْكَلْبِيُّ . قِيلَ : يُخْرِجُونَ الصَّدَقَةَ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُهُمْ . عَلَى يَقِينٍ بِالثَّوَابِ وَتَصْدِيقٍ بِوَعْدِ اللَّهِ . يَعْلَمُونَ : أَنَّ مَا أَخْرَجُوهُ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا تَرَكُوهُ . قُلْت : إذَا كَانَ الْمُعْطِي مُحْتَسِبًا لِلْأَجْرِ عِنْدَ اللَّهِ مُصَدِّقًا بِوَعْدِ اللَّهِ لَهُ : طَالِبٌ مِنْ اللَّهِ لَا مِنْ الَّذِي أَعْطَاهُ فَلَا يَمُنُّ عَلَيْهِ . كَمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ : أَعْطِ مَمَالِيكك هَذَا الطَّعَامَ وَأَنَا أُعْطِيك ثَمَنَهُ ; لَمْ يَمُنَّ عَلَى الْمَمَالِيكِ . لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ : أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْإِعْطَاءِ .