[ ص: 438 ] وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=28975قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=604&ayano=4ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما } فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=604&ayano=4يختانون أنفسهم } مثل قوله في سورة البقرة {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة وطائفة من المفسرين : معناه تخونون أنفسكم . زاد بعضهم : تظلمونها . فجعلوا الأنفس مفعول {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2تختانون } وجعلوا الإنسان قد خان نفسه أي ظلمها بالسرقة كما فعل
ابن أبيرق - أو بجماع امرأته ليلة الصيام كما فعل بعض
الصحابة - وهذا القول فيه نظر ; فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28847_29494كل ذنب يذنبه الإنسان فقد ظلم فيه نفسه سواء فعله سرا أو علانية . وإذا كان اختيان النفس هو ظلمها أو ارتكاب ما حرم عليها كان كل مذنب مختانا لنفسه وإن جهر بالذنوب وكان كفر الكافرين
[ ص: 439 ] وقتالهم للأنبياء وللمؤمنين اختيانا لأنفسهم وكذلك قطع الطريق والمحاربة وكذلك الظلم الظاهر وكان ما فعله
قوم نوح وهود وصالح وشعيب اختيانا لأنفسهم .
ومعلوم أن هذا اللفظ لم يستعمل في هذه المعاني كلها وإنما استعمل في خاص من الذنوب مما يفعل سرا وحتى قال
ابن عباس في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2تختانون أنفسكم } عنى بذلك فعل
عمر فإنه روي أنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597620لما جاء الأنصاري فشكى أنه بات تلك الليلة ولم يتعش لما نام قبل العشاء وكان من نام قبل الأكل حرم عليه الأكل فيستمر صائما فأصبح يتقلب ظهرا لبطن فلما شكا حاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر : يا رسول الله إني أردت أهلي الليلة فقالت إنها قد نامت فظننتها لم تنم فواقعتها فأخبرتني أنها كانت قد نامت قالوا : فأنزل الله في عمر : { nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } } . وقد قيل : إن
nindex.php?page=treesubj&link=2428_2477الجماع ليلة الصيام كانوا منهيين عنه مطلقا بخلاف الأكل فإنه كان مباحا قبل النوم . وقد روي {
أن عمر جامع امرأته بعد العشاء قبل النوم وأنه لما فعل أخذ يلوم نفسه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أعتذر إلى الله من نفسي هذه الخائنة إني رجعت إلى أهلي بعدما صليت العشاء فوجدت رائحة طيبة فسولت لي نفسي فجامعت أهلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت [ ص: 440 ] جديرا بذلك يا عمر } وجاء طائفة من
الصحابة فذكروا مثل ذلك فأنزل الله هذه الآية . فهذا فيه أن نفسه الخاطئة سولت له ذلك ودعته إليه وأنه أخذ يلومها بعد الفعل فالنفس هنا هي الخائنة الظالمة
nindex.php?page=treesubj&link=28847والإنسان تدعوه نفسه في السر إذا لم يره أحد إلى أفعال لا تدعو إليها علانية وعقله ينهاه عن تلك الأفعال ونفسه تغلبه عليها . ولفظ الخيانة حيث استعمل لا يستعمل إلا فيما خفي عن المخون كالذي يخون أمانته فيخون من ائتمنه إذا كان لا يشاهده ولو شاهده لما خانه .
قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1195&ayano=8يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=687&ayano=5ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم } وقالت
امرأة العزيز : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1660&ayano=12ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4192&ayano=40يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما قام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597622أما فيكم رجل يقوم إلى هذا فيضرب عنقه ؟ فقال له رجل : هلا أومضت إلي ؟ فقال : ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين } قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=604&ayano=4ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما }
[ ص: 441 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=605&ayano=4يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول } وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=40آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان } وفي حديث آخر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597623على كل خلق يطبع المؤمن إلا الخيانة والكذب } ومثل هذا كثير .
وإذا كان كذلك فالإنسان
nindex.php?page=treesubj&link=29486_19979كيف يخون نفسه . وهو لا يكتمها ما يقوله ويفعله سرا عنها ؟ كما يخون من لا يشهده من الناس ؟ كما يخون الله والرسول إذا لم يشاهده فلا يكون ممن يخاف الله بالغيب ولم خصت هذه الأفعال بأنها خيانة للنفس دون غيرها ؟ فالأشبه - والله أعلم - أن يكون قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2تختانون أنفسكم } مثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=139&ayano=2إلا من سفه نفسه } .
والبصريون يقولون في مثل هذا : إنه منصوب على أنه مفعول له ويخرجون قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=139&ayano=2سفه } عن معناه في اللغة فإنه فعل لازم ; فيحتاجون أن ينقلوه من اللزوم إلى التعدية بلا حجة .
وأما
الكوفيون -
كالفراء وغيره ومن تبعهم - فعندهم أن هذا منصوب على التمييز وعندهم أن
nindex.php?page=treesubj&link=21233المميز قد يكون معرفة كما يكون نكرة وذكروا لذلك شواهد كثيرة من كلام
العرب مثل قولهم : ألم فلان
[ ص: 442 ] رأسه ووجع بطنه ورشد أمره . وكان الأصل سفهت نفسه ورشد أمره . ومنه قولهم : غبن رأيه وبطرت نفسه فقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3338&ayano=28بطرت معيشتها } من هذا الباب فالمعيشة نفسها بطرت فلما كان الفعل نصبه على التمييز قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1215&ayano=8ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس } فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=139&ayano=2سفه نفسه } معناه إلا من سفهت نفسه أي كانت سفيهة فلما أضاف الفعل إليه نصبها على التمييز كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2273&ayano=19واشتعل الرأس شيبا } ونحو ذلك .
وهذا اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة وغيره ; لكن ذاك نكرة وهذا معرفة . وهذا الذي قاله
الكوفيون أصح في اللغة والمعنى ; فإن الإنسان هو السفيه نفسه : كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=151&ayano=2سيقول السفهاء من الناس } {
nindex.php?page=tafseer&surano=502&ayano=4ولا تؤتوا السفهاء } فكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2تختانون أنفسكم } أي تختان أنفسكم فالأنفس هي التي اختانت كما أنها هي السفيهة . وقال : اختانت ولم يقل خانت ; لأن الافتعال فيه زيادة فعل على ما في مجرد الخيانة قال
عكرمة : والمراد بالذين يختانون أنفسهم
ابن أبيرق الذي سرق الطعام والقماش وجعل هو وقومه يقولون : إنما سرق فلان لرجل آخر .
[ ص: 443 ]
فهؤلاء اجتهدوا في كتمان سرقة السارق ورمي غيره بالسرقة كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=605&ayano=4يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول } فكانوا خائنين للصاحب والرسول وقد اكتسبوا الخيانة . وكذلك الذين كانوا يجامعون بالليل وهم يجتهدون في أن ذلك لا يظهر عنهم حين يفعلونه وإن أظهروه فيما بعد عند التوبة أما عند الفعل فكانوا يحتاجون من ستر ذلك وإخفائه ما لا يحتاج إليه الخائن وحده أو يكون قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2تختانون أنفسكم } أي يخون بعضكم بعضا كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=2فاقتلوا أنفسكم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=2ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2827&ayano=24لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا } فإن السارق وأقواما خانوا إخوانهم المؤمنين . والمجامع إن كان جامع امرأته وهي لا تعلم أنه حرام فقد خانها والأول أشبه .
والصيام مبناه على الأمانة فإن الصائم يمكنه الفطر ولا يدري به أحد فإذا أفطر سرا فقد خان أمانته والفطر بالجماع المستور خيانة كما أن أخذ المال سرا وإخبار الرسول والمظلوم ببراءة السقيم وسقم البريء خيانة فهذا كله خيانة والنفس هي التي خانت ; فإنها تحب الشهوة والمال والرئاسة وخان واختان مثل كسب واكتسب فجعل الإنسان مختانا .
[ ص: 444 ] ثم بين أن نفسه هي التي تختان كما أنها هي التي تضر ; لأن مبدأ ذلك من شهوتها ليس هو مما يأمر به العقل والرأي ومبدأ السفه منها لخفتها وطيشها والإنسان تأمره نفسه في السر بأمور ينهاها عنه العقل والدين فتكون نفسه اختانته وغلبته وهذا يوجد كثيرا في أمر الجماع والمال ; ولهذا لا يؤتمن على ذلك أكثر الناس ويقصد بالائتمان من لا تدعوه نفسه إلى الخيانة في ذلك . قال
سعيد بن المسيب :
nindex.php?page=treesubj&link=19859_19842لو ائتمنت على بيت مال لأديت الأمانة ولو ائتمنت على امرأة سوداء لخفت أن لا أؤدي الأمانة فيها .
وكذلك المال لا يؤتمن عليه أصحاب الأنفس الحريصة على أخذه كيف اتفق . وهذا كله مما يبين أن النفس تخون أمانتها وإن كان الرجل ابتداء لا يقصد الخيانة فتحمله على الخيانة بغير أمره وتغلبه على رأيه ولهذا يلوم المرء نفسه على ذلك ويذمها ويقول هذه النفس الفاعلة الصانعة ; فإنها هي التي اختانت .
فصل ودل
nindex.php?page=treesubj&link=28975قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=604&ayano=4ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } أنه لا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=19154الجدال عن الخائن ولا يجوز للإنسان أن يجادل عن نفسه إذا كانت
[ ص: 445 ] خائنة : لها في السر أهواء وأفعال باطنة تخفى على الناس فلا يجوز المجادلة عنها قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4192&ayano=40يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=915&ayano=6وذروا ظاهر الإثم وباطنه } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=994&ayano=7قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن } وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5640&ayano=75بل الإنسان على نفسه بصيرة } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5641&ayano=75ولو ألقى معاذيره } فإنه يعتذر عن نفسه بأعذار ويجادل عنها وهو يبصرها بخلاف ذلك وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2060&ayano=17كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=213&ayano=2ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام }
. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=86أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم } فهو يجادل عن نفسه بالباطل وفيه لدد : أي ميل واعوجاج عن الحق وهذا على نوعين : أحدهما أن تكون مجادلته وذبه عن نفسه مع الناس و " الثاني " فيما بينه وبين ربه بحيث يقيم أعذار نفسه ويظنها محقة وقصدها حسنا وهي خائنة ظالمة لها أهواء خفية قد كتمتها حتى لا يعرف بها الرجل حتى يرى وينظر قال
شداد بن أوس : إن أخوف ما أخاف عليكم الشهوة الخفية قال
أبو داود : هي حب الرياسة . وهذا من شأن النفس حتى إنه يوم القيامة يريد أن يدفع عن نفسه ويجادل الله بالباطل قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5180&ayano=58يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون }
[ ص: 446 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=5181&ayano=58استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=817&ayano=6ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=818&ayano=6ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=819&ayano=6انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون }
. وقد جاءت الأحاديث بأن الإنسان يجحد أعماله يوم القيامة حتى يشهد عليه سمعه وبصره وجوارحه . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4281&ayano=41وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون } .
nindex.php?page=treesubj&link=28842ومن عادة المنافقين المجادلة عن أنفسهم بالكذب والأيمان الفاجرة وصفهم الله بذلك في غير موضع . {
وفي قصة تبوك لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وجاء المنافقون يعتذرون إليه فجعل يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله فلما جاء كعب قال : والله يا رسول الله لو قعدت بين يدي ملك من ملوك الأرض لقدرت أن أخرج من سخطه : إني أوتيت جدلا ; ولكن أخاف إن حدثتك حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ; ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت أقوى قط ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 447 ] أما هذا فقد صدق يعني والباقي يكذبون ثم إنه هجره مدة ثم تاب الله عليه ببركة صدقه }
.
nindex.php?page=treesubj&link=19153_19154فالاعتذار عن النفس بالباطل والجدال عنها لا يجوز ; بل إن أذنب سرا بينه وبين الله اعترف لربه بذنبه وخضع له بقلبه وسأله مغفرته وتاب إليه فإنه غفور رحيم تواب وإن كانت السيئة ظاهرة تاب ظاهرا وإن أظهر جميلا وأبطن قبيحا تاب في الباطن من القبيح فمن أساء سرا أحسن سرا ومن أساء علانية أحسن علانية {
nindex.php?page=tafseer&surano=1598&ayano=11إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } .
[ ص: 438 ] وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28975قَوْله تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=604&ayano=4وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا } فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=604&ayano=4يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ } مِثْلُ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ } قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنُ قُتَيْبَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : مَعْنَاهُ تَخُونُونَ أَنْفُسَكُمْ . زَادَ بَعْضُهُمْ : تَظْلِمُونَهَا . فَجَعَلُوا الْأَنْفُسَ مَفْعُولَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2تَخْتَانُونَ } وَجَعَلُوا الْإِنْسَانَ قَدْ خَانَ نَفْسَهُ أَيْ ظَلَمَهَا بِالسَّرِقَةِ كَمَا فَعَلَ
ابْنُ أبيرق - أَوْ بِجِمَاعِ امْرَأَتِهِ لَيْلَةَ الصِّيَامِ كَمَا فَعَلَ بَعْضُ
الصَّحَابَةِ - وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28847_29494كُلَّ ذَنْبٍ يَذْنِبُهُ الْإِنْسَانُ فَقَدْ ظَلَمَ فِيهِ نَفْسَهُ سَوَاءٌ فَعَلَهُ سِرًّا أَوْ عَلَانِيَةً . وَإِذَا كَانَ اخْتِيَانُ النَّفْسِ هُوَ ظُلْمُهَا أَوْ ارْتِكَابُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهَا كَانَ كُلُّ مُذْنِبٍ مُخْتَانًا لِنَفْسِهِ وَإِنْ جَهَرَ بِالذُّنُوبِ وَكَانَ كُفْرُ الْكَافِرِينَ
[ ص: 439 ] وَقِتَالُهُمْ لِلْأَنْبِيَاءِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ اخْتِيَانًا لِأَنْفُسِهِمْ وَكَذَلِكَ قَطْعُ الطَّرِيقَ وَالْمُحَارَبَةُ وَكَذَلِكَ الظُّلْمُ الظَّاهِرُ وَكَانَ مَا فَعَلَهُ
قَوْمُ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ اخْتِيَانًا لِأَنْفُسِهِمْ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ فِي خَاصٍّ مِنْ الذُّنُوبِ مِمَّا يُفْعَلُ سِرًّا وَحَتَّى قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ } عَنَى بِذَلِكَ فِعْلَ
عُمَرَ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597620لَمَّا جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فشكى أَنَّهُ بَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَلَمْ يَتَعَشَّ لَمَّا نَامَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَكَانَ مَنْ نَامَ قَبْلَ الْأَكْلِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ فَيَسْتَمِرُّ صَائِمًا فَأَصْبَحَ يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنِ فَلَمَّا شَكَا حَالَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرَدْت أَهْلِي اللَّيْلَةَ فَقَالَتْ إنَّهَا قَدْ نَامَتْ فَظَنَنْتهَا لَمْ تَنَمْ فَوَاقَعْتهَا فَأَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ نَامَتْ قَالُوا : فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي عُمَرَ : { nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } } . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=2428_2477الْجِمَاعَ لَيْلَةَ الصِّيَامِ كَانُوا مَنْهِيِّينَ عَنْهُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ النَّوْمِ . وَقَدْ رُوِيَ {
أَنَّ عُمَرَ جَامَعَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ النَّوْمِ وَأَنَّهُ لَمَّا فَعَلَ أَخَذَ يَلُومُ نَفْسَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْتَذِرُ إلَى اللَّهِ مِنْ نَفْسِي هَذِهِ الْخَائِنَةَ إنِّي رَجَعْت إلَى أَهْلِي بَعْدَمَا صَلَّيْت الْعِشَاءَ فَوَجَدْت رَائِحَةً طَيِّبَةً فَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِي فَجَامَعْت أَهْلِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كُنْت [ ص: 440 ] جَدِيرًا بِذَلِكَ يَا عُمَرُ } وَجَاءَ طَائِفَةٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ فَذَكَرُوا مِثْلَ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ . فَهَذَا فِيهِ أَنَّ نَفْسَهُ الْخَاطِئَةَ سَوَّلَتْ لَهُ ذَلِكَ وَدَعَتْهُ إلَيْهِ وَأَنَّهُ أَخَذَ يَلُومُهَا بَعْدَ الْفِعْلِ فَالنَّفْسُ هُنَا هِيَ الْخَائِنَةُ الظَّالِمَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=28847وَالْإِنْسَانُ تَدْعُوهُ نَفْسُهُ فِي السِّرِّ إذَا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ إلَى أَفْعَالِ لَا تَدْعُو إلَيْهَا عَلَانِيَةٌ وَعَقْلُهُ يَنْهَاهُ عَنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ وَنَفْسُهُ تَغْلِبُهُ عَلَيْهَا . وَلَفْظُ الْخِيَانَةِ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا خَفِيَ عَنْ الْمَخُونِ كَاَلَّذِي يَخُونُ أَمَانَتَهُ فَيَخُونُ مَنْ ائْتَمَنَهُ إذَا كَانَ لَا يُشَاهِدُهُ وَلَوْ شَاهَدَهُ لَمَا خَانَهُ .
قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1195&ayano=8يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=687&ayano=5وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } وَقَالَتْ
امْرَأَةُ الْعَزِيزِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1660&ayano=12ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4192&ayano=40يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَامَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597622أَمَا فِيكُمْ رَجُلٌ يَقُومُ إلَى هَذَا فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ ؟ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : هَلَّا أَوْمَضْت إلَيَّ ؟ فَقَالَ : مَا يَنْبَغِي لِنَبِيِّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ } قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=604&ayano=4وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا }
[ ص: 441 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=605&ayano=4يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=40آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ } وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597623عَلَى كُلِّ خُلُقٍ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ إلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ } وَمَثَلُ هَذَا كَثِيرٌ .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْإِنْسَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=29486_19979كَيْفَ يَخُونُ نَفْسَهُ . وَهُوَ لَا يَكْتُمُهَا مَا يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ سِرًّا عَنْهَا ؟ كَمَا يَخُونُ مَنْ لَا يَشْهَدُهُ مِنْ النَّاسِ ؟ كَمَا يَخُونُ اللَّهَ وَالرَّسُولَ إذَا لَمْ يُشَاهِدْهُ فَلَا يَكُونُ مِمَّنْ يَخَافُ اللَّهَ بِالْغَيْبِ وَلِمَ خُصَّتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ بِأَنَّهَا خِيَانَةٌ لِلنَّفْسِ دُونَ غَيْرِهَا ؟ فَالْأَشْبَهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ } مِثْلَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=139&ayano=2إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } .
وَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا : إنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ وَيُخْرِجُونِ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=139&ayano=2سَفِهَ } عَنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ لَازِمٌ ; فَيَحْتَاجُونَ أَنْ يَنْقُلُوهُ مِنْ اللُّزُومِ إلَى التَّعْدِيَةِ بِلَا حُجَّةٍ .
وَأَمَّا
الْكُوفِيُّونَ -
كَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ - فَعِنْدَهُمْ أَنَّ هَذَا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21233الْمُمَيَّزَ قَدْ يَكُونُ مَعْرِفَةً كَمَا يَكُونُ نَكِرَةً وَذَكَرُوا لِذَلِكَ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً مِنْ كَلَامِ
الْعَرَبِ مِثْلَ قَوْلِهِمْ : أَلِمَ فُلَانٌ
[ ص: 442 ] رَأْسَهُ وَوَجِعَ بَطْنَهُ وَرَشَدَ أَمْرَهُ . وَكَانَ الْأَصْلُ سَفِهَتْ نَفْسُهُ وَرَشَدَ أَمْرُهُ . وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : غَبِنَ رَأْيُهُ وَبَطِرَتْ نَفْسُهُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3338&ayano=28بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } مِنْ هَذَا الْبَابِ فَالْمَعِيشَةُ نَفْسُهَا بَطِرَتْ فَلَمَّا كَانَ الْفِعْلُ نَصَبَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1215&ayano=8وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ } فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=139&ayano=2سَفِهَ نَفْسَهُ } مَعْنَاهُ إلَّا مَنْ سَفِهَتْ نَفْسُهُ أَيْ كَانَتْ سَفِيهَةً فَلَمَّا أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِ نَصَبَهَا عَلَى التَّمْيِيزِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2273&ayano=19وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا } وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَهَذَا اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنِ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِ ; لَكِنَّ ذَاكَ نَكِرَةٌ وَهَذَا مَعْرِفَةٌ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ
الْكُوفِيُّونَ أَصَحُّ فِي اللُّغَةِ وَالْمَعْنَى ; فَإِنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ السَّفِيهُ نَفْسُهُ : كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=151&ayano=2سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=502&ayano=4وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ } فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ } أَيْ تَخْتَانُ أَنْفُسُكُمْ فَالْأَنْفُسُ هِيَ الَّتِي اخْتَانَتْ كَمَا أَنَّهَا هِيَ السَّفِيهَةُ . وَقَالَ : اخْتَانَتْ وَلَمْ يَقُلْ خَانَتْ ; لِأَنَّ الِافْتِعَالَ فِيهِ زِيَادَةُ فِعْلٍ عَلَى مَا فِي مُجَرَّدِ الْخِيَانَةِ قَالَ
عِكْرِمَةُ : وَالْمُرَادُ بِاَلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ
ابْنُ أبيرق الَّذِي سَرَقَ الطَّعَامَ وَالْقُمَاشَ وَجَعَلَ هُوَ وَقَوْمُهُ يَقُولُونَ : إنَّمَا سَرَقَ فُلَانٌ لِرَجُلِ آخَرَ .
[ ص: 443 ]
فَهَؤُلَاءِ اجْتَهَدُوا فِي كِتْمَانِ سَرِقَةِ السَّارِقِ وَرَمْيِ غَيْرِهِ بِالسَّرِقَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=605&ayano=4يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } فَكَانُوا خَائِنِينَ لِلصَّاحِبِ وَالرَّسُولِ وَقَدْ اكْتَسَبُوا الْخِيَانَةَ . وَكَذَلِكَ الَّذِينَ كَانُوا يُجَامِعُونَ بِاللَّيْلِ وَهُمْ يَجْتَهِدُونَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ عَنْهُمْ حِينَ يَفْعَلُونَهُ وَإِنْ أَظْهَرُوهُ فِيمَا بَعْدُ عِنْدِ التَّوْبَةِ أَمَّا عِنْدَ الْفِعْلِ فَكَانُوا يَحْتَاجُونَ مِنْ سَتْرِ ذَلِكَ وَإِخْفَائِهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْخَائِنُ وَحْدَهُ أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=196&ayano=2تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ } أَيْ يَخُونُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=2فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=2ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2827&ayano=24لَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } فَإِنَّ السَّارِقَ وَأَقْوَامًا خَانُوا إخْوَانَهُمْ الْمُؤْمِنِينَ . وَالْمَجَامِعُ إنْ كَانَ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَقَدْ خَانَهَا وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ .
وَالصِّيَامُ مَبْنَاهُ عَلَى الْأَمَانَةِ فَإِنَّ الصَّائِمَ يُمْكِنُهُ الْفِطْرُ وَلَا يَدْرِي بِهِ أَحَدٌ فَإِذَا أَفْطَرَ سِرًّا فَقَدْ خَانَ أَمَانَتَهُ وَالْفِطْرُ بِالْجِمَاعِ الْمَسْتُورِ خِيَانَةٌ كَمَا أَنَّ أَخْذَ الْمَالِ سِرًّا وَإِخْبَارَ الرَّسُولِ وَالْمَظْلُومِ بِبَرَاءَةِ السَّقِيمِ وَسَقِمَ الْبَرِيءِ خِيَانَةٌ فَهَذَا كُلُّهُ خِيَانَةٌ وَالنَّفْسُ هِيَ الَّتِي خَانَتْ ; فَإِنَّهَا تُحِبُّ الشَّهْوَةَ وَالْمَالَ وَالرِّئَاسَةَ وَخَانَ وَاخْتَانَ مِثْلُ كَسَبَ وَاكْتَسَبَ فَجَعَلَ الْإِنْسَانَ مُخْتَانًا .
[ ص: 444 ] ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ نَفْسَهُ هِيَ الَّتِي تَخْتَانُ كَمَا أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَضُرُّ ; لِأَنَّ مَبْدَأَ ذَلِكَ مِنْ شَهْوَتِهَا لَيْسَ هُوَ مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ الْعَقْلُ وَالرَّأْيُ وَمَبْدَأُ السَّفَهِ مِنْهَا لِخِفَّتِهَا وَطَيْشِهَا وَالْإِنْسَانُ تَأْمُرُهُ نَفْسُهُ فِي السِّرِّ بِأُمُورِ يَنْهَاهَا عَنْهُ الْعَقْلُ وَالدِّينُ فَتَكُونُ نَفْسُهُ اخْتَانَتْهُ وَغَلَبَتْهُ وَهَذَا يُوجَدُ كَثِيرًا فِي أَمْرِ الْجِمَاعِ وَالْمَالِ ; وَلِهَذَا لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ النَّاسِ وَيُقْصَدُ بالائتمان مَنْ لَا تَدْعُوهُ نَفْسُهُ إلَى الْخِيَانَةِ فِي ذَلِكَ . قَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ :
nindex.php?page=treesubj&link=19859_19842لَوْ ائْتَمَنْت عَلَى بَيْتِ مَالٍ لَأَدَّيْت الْأَمَانَةَ وَلَوْ ائْتَمَنْت عَلَى امْرَأَةٍ سَوْدَاءَ لَخِفْت أَنْ لَا أُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ فِيهَا .
وَكَذَلِكَ الْمَالُ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْأَنْفُسِ الْحَرِيصَةِ عَلَى أَخْذِهِ كَيْفَ اتَّفَقَ . وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّفْسَ تَخُونُ أَمَانَتَهَا وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ ابْتِدَاءً لَا يَقْصِدُ الْخِيَانَةَ فَتَحْمِلُهُ عَلَى الْخِيَانَةِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَتَغْلِبُهُ عَلَى رَأْيِهِ وَلِهَذَا يَلُومُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَذُمُّهَا وَيَقُولُ هَذِهِ النَّفْسُ الْفَاعِلَةُ الصَّانِعَةُ ; فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي اخْتَانَتْ .
فَصْلٌ وَدَلَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28975قَوْلُهُ : { nindex.php?page=tafseer&surano=604&ayano=4وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ } أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=19154الْجِدَالُ عَنْ الْخَائِنِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُجَادِلَ عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَتْ
[ ص: 445 ] خَائِنَةً : لَهَا فِي السِّرِّ أَهْوَاءٌ وَأَفْعَالٌ بَاطِنَةٌ تَخْفَى عَلَى النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ الْمُجَادَلَةُ عَنْهَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4192&ayano=40يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=915&ayano=6وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=994&ayano=7قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5640&ayano=75بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5641&ayano=75وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } فَإِنَّهُ يَعْتَذِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَعْذَارِ وَيُجَادِلُ عَنْهَا وَهُوَ يُبْصِرُهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2060&ayano=17كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=213&ayano=2وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ }
. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=86أَبْغَضُ الرِّجَالِ إلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ } فَهُوَ يُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْبَاطِلِ وَفِيهِ لَدَدٌ : أَيْ مَيْلٌ وَاعْوِجَاجٌ عَنْ الْحَقِّ وَهَذَا عَلَى نَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مُجَادَلَتُهُ وَذَبُّهُ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ النَّاسِ و " الثَّانِي " فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ بِحَيْثُ يُقِيمُ أَعْذَارَ نَفْسِهِ وَيَظُنُّهَا مُحِقَّةً وَقَصْدُهَا حَسَنًا وَهِيَ خَائِنَةٌ ظَالِمَةٌ لَهَا أَهْوَاءٌ خَفِيَّةٌ قَدْ كَتَمَتْهَا حَتَّى لَا يَعْرِفَ بِهَا الرَّجُلُ حَتَّى يَرَى وَيَنْظُرَ قَالَ
شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ : إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ قَالَ
أَبُو داود : هِيَ حَبُّ الرِّيَاسَةِ . وَهَذَا مِنْ شَأْنِ النَّفْسِ حَتَّى إنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَيُجَادِلُ اللَّهَ بِالْبَاطِلِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5180&ayano=58يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ }
[ ص: 446 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=5181&ayano=58اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=817&ayano=6وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=818&ayano=6ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=819&ayano=6انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }
. وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجْحَدُ أَعْمَالَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَجَوَارِحُهُ . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4281&ayano=41وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ } .
nindex.php?page=treesubj&link=28842وَمِنْ عَادَةِ الْمُنَافِقِينَ الْمُجَادَلَةُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالْكَذِبِ وَالْأَيْمَانِ الْفَاجِرَةِ وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . {
وَفِي قِصَّةِ تَبُوكَ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ الْمُنَافِقُونَ يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ فَجَعَلَ يَقْبَلُ عَلَانِيَتَهُمْ وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إلَى اللَّهِ فَلَمَّا جَاءَ كَعْبٌ قَالَ : وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَعَدْت بَيْنَ يَدَيْ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ لَقَدَرْت أَنْ أَخْرُجَ مِنْ سَخَطِهِ : إنِّي أُوتِيت جَدَلًا ; وَلَكِنْ أَخَافُ إنْ حَدَّثْتُك حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشَكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَك عَلَيَّ ; وَلَئِنْ حَدَّثْتُك حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ لَا وَاَللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ وَاَللَّهِ مَا كُنْت أَقْوَى قَطُّ وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْت عَنْك فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ ص: 447 ] أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ يَعْنِي وَالْبَاقِي يُكَذَّبُونَ ثُمَّ إنَّهُ هَجَرَهُ مُدَّةً ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِبَرَكَةِ صِدْقِهِ }
.
nindex.php?page=treesubj&link=19153_19154فَالِاعْتِذَارُ عَنْ النَّفْسِ بِالْبَاطِلِ وَالْجِدَالُ عَنْهَا لَا يَجُوزُ ; بَلْ إنْ أَذْنَبَ سِرًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ اعْتَرَفَ لِرَبِّهِ بِذَنْبِهِ وَخَضَعَ لَهُ بِقَلْبِهِ وَسَأَلَهُ مَغْفِرَتَهُ وَتَابَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تَوَّابٌ وَإِنْ كَانَتْ السَّيِّئَةُ ظَاهِرَةً تَابَ ظَاهِرًا وَإِنْ أَظْهَرَ جَمِيلًا وَأَبْطَنَ قَبِيحًا تَابَ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْقَبِيحِ فَمَنْ أَسَاءَ سِرًّا أَحْسَنَ سِرًّا وَمَنْ أَسَاءَ عَلَانِيَةً أَحْسَنَ عَلَانِيَةً {
nindex.php?page=tafseer&surano=1598&ayano=11إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } .