[ ص: 226 ] سورة الشمس قال شيخ الإسلام
أحمد بن تيمية قدس الله روحه فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=29062قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=6135&ayano=91والشمس وضحاها } { nindex.php?page=tafseer&surano=6136&ayano=91والقمر إذا تلاها } { nindex.php?page=tafseer&surano=6137&ayano=91والنهار إذا جلاها } { nindex.php?page=tafseer&surano=6138&ayano=91والليل إذا يغشاها } .
وضمير التأنيث في {
nindex.php?page=tafseer&surano=6137&ayano=91جلاها } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=6138&ayano=91يغشاها } لم يتقدم ما يعود عليه إلا الشمس فيقتضي أن النهار يجلي الشمس وأن الليل يغشاها و " التجلية " الكشف والإظهار و " الغشيان " التغطية واللبس ومعلوم أن الليل والنهار ظرفا الزمان والفعل إذا أضيف إلى الزمان فقيل هذا الزمان أو هذا اليوم يبرد أو يبرد أو ينبت الأرض ونحو ذلك فالمقصود أن ذلك يكون فيه كما يوصف الزمان بأنه عصيب وشديد ونحس وبارد وحار وطيب ومكروه والمراد وصف ما فيه . فكون الشيء فاعلا وموصوفا هو بحسب ما يليق به كل شيء بحسبه .
[ ص: 227 ] فالنهار يجلي الشمس والليل يغشاها وإن كان ظهور الشمس هو سبب النهار ومغيبها سبب الليل . وقد ذكر ذلك بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6135&ayano=91والشمس وضحاها } فأضاف الضحى إليها . والضحى يعم النهار كله كما قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=5818&ayano=79أم السماء بناها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5819&ayano=79رفع سمكها فسواها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5820&ayano=79وأغطش ليلها وأخرج ضحاها } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=6173&ayano=93والضحى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6174&ayano=93والليل إذا سجى } .
وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6139&ayano=91والسماء وما بناها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6140&ayano=91والأرض وما طحاها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6141&ayano=91ونفس وما سواها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6142&ayano=91فألهمها فجورها وتقواها } فقد قيل : إن " ما " مصدرية والتقدير : والسماء وبناء الله إياها والأرض وطحو الله إياها ونفس وتسوية الله إياها . لا بد من ذكر الفاعل في [ الجملة لا يصلح أن يقدر المصدر هنا مضافا إلى الفعل فقط فيقال " وبنائها " لأن الفاعل مذكور في الجملة في قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=6139&ayano=91وما بناها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6140&ayano=91وما طحاها } فإن الفعل لا بد له من فاعل في الجملة ومفعول أيضا . فلا بد أن يكون في التقدير الفاعل والمفعول . لكن إذا كانت مصدرية كانت " ما " حرفا ليس فيها ضمير فيكون ضمير الفاعل في " بناها " عائدا على غير مذكور بل إلى معلوم والتقدير : والسماء وما بناها الله وهذا خلاف الأصل ; وخلاف الظاهر .
[ ص: 228 ] والقول الثاني : أنها موصولة والتقدير : الذي بناها والذي طحاها . و " ما " فيها عموم وإجمال يصلح لما لا يعلم ولصفات من يعلم كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6318&ayano=109لا أعبد ما تعبدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6319&ayano=109ولا أنتم عابدون ما أعبد } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=500&ayano=4فانكحوا ما طاب لكم من النساء } .
وهذا المعنى يجيء في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6153&ayano=92وما خلق الذكر والأنثى } .
وهذا المعنى كما أنه ظاهر الكلام وأصله هو أكمل في المعنى أيضا . فإن القسم بالفاعل يتضمن الإقسام بفعله بخلاف الإقسام بمجرد الفعل .
وأيضا فالأقسام التي في القرآن عامتها بالذوات الفاعلة وغير الفاعلة . يقسم بنفس الفعل كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3826&ayano=37والصافات صفا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3827&ayano=37فالزاجرات زجرا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3828&ayano=37فالتاليات ذكرا } وكقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5792&ayano=79والنازعات } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5700&ayano=77والمرسلات } ونحو ذلك .
nindex.php?page=treesubj&link=29062_28904وهو سبحانه تارة يقسم بنفس المخلوقات ; وتارة بربها وخالقها كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4749&ayano=51فورب السماء والأرض } وكقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=6153&ayano=92وما خلق الذكر والأنثى } وتارة يقسم بها وبربها .
وفي هذه السورة أقسم بمخلوق وبفعله ; وأقسم بمخلوق دون فعله فأقسم بفاعله .
[ ص: 229 ] فإنه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6135&ayano=91والشمس وضحاها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6136&ayano=91والقمر إذا تلاها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6137&ayano=91والنهار إذا جلاها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6138&ayano=91والليل إذا يغشاها } . فأقسم بالشمس والقمر والليل والنهار وآثارها وأفعالها كما فرق بينهما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4296&ayano=41ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3781&ayano=36وكل في فلك يسبحون } فإنه بأفعال هذه الأمور وآثارها تقوم مصالح بني
آدم وسائر الحيوان .
وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6135&ayano=91والشمس وضحاها } ولم يقل : " ونهارها " ولا " ضيائها " لأن " الضحى " يدل على النور والحرارة جميعا وبالأنوار والحرارة تقوم مصالح العباد .
ثم أقسم بالسماء والأرض وبالنفس ولم يذكر معها فعلا فذكر فاعلها فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6139&ayano=91وما بناها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6140&ayano=91وما طحاها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6141&ayano=91ونفس وما سواها } .
فلم يصلح أن يقسم بفعل النفس لأنها تفعل البر والفجور وهو سبحانه لا يقسم إلا بما هو معظم من مخلوقاته . لكن ذكر في ضمير القسم أنه خالق أفعالها بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6141&ayano=91وما سواها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6142&ayano=91فألهمها فجورها وتقواها } . فإذا كان قد بين أنه خالق فعل العبد الذي [ هو أظهر الأشياء فعلا واختيارا وقدرة فلأن يكون خالق فعل الشمس والقمر والليل والنهار بطريق الأولى والأحرى .
[ ص: 230 ] وأما السماء والأرض فليس لهما فعل ظاهر يعظم في النفوس حتى يقسم بها إلا ما يظهر من الشمس والقمر والليل والنهار .
والسماء والأرض أعظم من الشمس والقمر والليل والنهار والنفس أشرف الحيوان المخلوق . فكان القسم بصانع هذه الأمور العظيمة مناسبا وكان إقسامه بصانعها تنبيها على أنه صانع ما فيها من الشمس والقمر والليل والنهار .
فتضمن الكلام الإقسام بصانع هذه المخلوقات وبأعيانها وما فيها من الآثار والمنافع لبني آدم .
وختم القسم بالنفس التي هي آخر المخلوقات فإن الله خلق
آدم يوم الجمعة آخر المخلوقات . وبين أنه خالق جميع أفعالها ودل على أنه خالق جميع أفعال ما سواها .
وهو سبحانه مع ما ذكر من عموم خلقه لجميع الموجودات على مراتبها حتى أفعال العبد المنقسمة إلى التقوى والفجور [ و بين انقسام الأفعال إلى الخير والشر وانقسام الفاعلين إلى مفلح وخائب سعيد وشقي . وهذا يتضمن الأمر والنهي والوعد والوعيد . فكان في ذلك رد على
nindex.php?page=treesubj&link=28785القدرية المجوسية الذين يخرجون أفعال العباد عن خلقه وإلهامه وعلى
القدرية المشركية الذين يبطلون أمره ونهيه ووعده ووعيده . احتجاجا بقضائه وقدره .
[ ص: 226 ] سُورَةُ الشَّمْسِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
أَحْمَد بْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29062قَوْله تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=6135&ayano=91وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } { nindex.php?page=tafseer&surano=6136&ayano=91وَالْقَمَرِ إذَا تَلَاهَا } { nindex.php?page=tafseer&surano=6137&ayano=91وَالنَّهَارِ إذَا جَلَّاهَا } { nindex.php?page=tafseer&surano=6138&ayano=91وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَاهَا } .
وَضَمِيرُ التَّأْنِيثِ فِي {
nindex.php?page=tafseer&surano=6137&ayano=91جَلَّاهَا } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=6138&ayano=91يَغْشَاهَا } لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ إلَّا الشَّمْسُ فَيَقْتَضِي أَنَّ النَّهَارَ يُجَلِّي الشَّمْسَ وَأَنَّ اللَّيْلَ يَغْشَاهَا و " التَّجْلِيَةُ " الْكَشْفُ وَالْإِظْهَارُ و " الْغَشَيَانُ " التَّغْطِيَةُ وَاللَّبْسُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ظَرْفَا الزَّمَانِ وَالْفِعْلُ إذَا أُضِيفَ إلَى الزَّمَانِ فَقِيلَ هَذَا الزَّمَانُ أَوْ هَذَا الْيَوْمُ يُبْرِدُ أَوْ يُبَرِّدُ أَوْ يُنْبِتُ الْأَرْضَ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالْمَقْصُودُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِيهِ كَمَا يُوصَفُ الزَّمَانُ بِأَنَّهُ عَصِيبٌ وَشَدِيدٌ وَنَحْسٌ وَبَارِدٌ وَحَارٌّ وَطَيِّبٌ وَمَكْرُوهٌ وَالْمُرَادُ وَصْفُ مَا فِيهِ . فَكَوْنُ الشَّيْءِ فَاعِلًا وَمَوْصُوفًا هُوَ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ .
[ ص: 227 ] فَالنَّهَارُ يُجَلِّي الشَّمْسَ وَاللَّيْلُ يَغْشَاهَا وَإِنْ كَانَ ظُهُورُ الشَّمْسِ هُوَ سَبَبُ النَّهَارِ وَمَغِيبُهَا سَبَبُ اللَّيْلِ . وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6135&ayano=91وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } فَأَضَافَ الضُّحَى إلَيْهَا . وَالضُّحَى يَعُمُّ النَّهَارَ كُلَّهُ كَمَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5818&ayano=79أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5819&ayano=79رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5820&ayano=79وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6173&ayano=93وَالضُّحَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6174&ayano=93وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى } .
وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6139&ayano=91وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6140&ayano=91وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6141&ayano=91وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6142&ayano=91فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } فَقَدْ قِيلَ : إنَّ " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ : وَالسَّمَاءِ وَبِنَاءِ اللَّهِ إيَّاهَا وَالْأَرْضِ وَطَحْوِ اللَّهِ إيَّاهَا وَنَفْسٍ وَتَسْوِيَةِ اللَّهِ إيَّاهَا . لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْفَاعِلِ فِي [ الْجُمْلَةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَدَّرَ الْمَصْدَرُ هُنَا مُضَافًا إلَى الْفِعْلِ فَقَطْ فَيُقَالُ " وَبِنَائِهَا " لِأَنَّ الْفَاعِلَ مَذْكُورٌ فِي الْجُمْلَةِ فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6139&ayano=91وَمَا بَنَاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6140&ayano=91وَمَا طَحَاهَا } فَإِنَّ الْفِعْلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَاعِلٍ فِي الْجُمْلَةِ وَمَفْعُولٍ أَيْضًا . فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي التَّقْدِيرِ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ . لَكِنْ إذَا كَانَتْ مَصْدَرِيَّةً كَانَتْ " مَا " حَرْفًا لَيْسَ فِيهَا ضَمِيرٌ فَيَكُونُ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ فِي " بَنَاهَا " عَائِدًا عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ بَلْ إلَى مَعْلُومٍ وَالتَّقْدِيرُ : وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا اللَّهُ وَهَذَا خِلَافُ الْأَصْلِ ; وَخِلَافُ الظَّاهِرِ .
[ ص: 228 ] وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَالتَّقْدِيرُ : الَّذِي بَنَاهَا وَاَلَّذِي طَحَاهَا . و " مَا " فِيهَا عُمُومٌ وَإِجْمَالٌ يَصْلُحُ لِمَا لَا يُعْلَمُ وَلِصِفَاتِ مَنْ يَعْلَمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6318&ayano=109لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6319&ayano=109وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } وَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=500&ayano=4فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } .
وَهَذَا الْمَعْنَى يَجِيءُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6153&ayano=92وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } .
وَهَذَا الْمَعْنَى كَمَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَأَصْلُهُ هُوَ أَكْمَلُ فِي الْمَعْنَى أَيْضًا . فَإِنَّ الْقَسَمَ بِالْفَاعِلِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْسَامَ بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ الْإِقْسَامِ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ .
وَأَيْضًا فَالْأَقْسَامُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ عَامَّتُهَا بِالذَّوَاتِ الْفَاعِلَةِ وَغَيْرِ الْفَاعِلَةِ . يُقْسِمُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3826&ayano=37وَالصَّافَّاتِ صَفًّا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3827&ayano=37فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3828&ayano=37فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا } وَكَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5792&ayano=79وَالنَّازِعَاتِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5700&ayano=77وَالْمُرْسَلَاتِ } وَنَحْوِ ذَلِكَ .
nindex.php?page=treesubj&link=29062_28904وَهُوَ سُبْحَانَهُ تَارَةً يُقْسِمُ بِنَفْسِ الْمَخْلُوقَاتِ ; وَتَارَةً بِرَبِّهَا وَخَالِقِهَا كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4749&ayano=51فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } وَكَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6153&ayano=92وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } وَتَارَةً يُقْسِمُ بِهَا وَبِرَبِّهَا .
وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ أَقَسَمَ بِمَخْلُوقٍ وَبِفِعْلِهِ ; وَأَقْسَمَ بِمَخْلُوقٍ دُونَ فِعْلِهِ فَأَقْسَمَ بِفَاعِلِهِ .
[ ص: 229 ] فَإِنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6135&ayano=91وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6136&ayano=91وَالْقَمَرِ إذَا تَلَاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6137&ayano=91وَالنَّهَارِ إذَا جَلَّاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6138&ayano=91وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَاهَا } . فَأَقْسَمَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَآثَارِهَا وَأَفْعَالِهَا كَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4296&ayano=41وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3781&ayano=36وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } فَإِنَّهُ بِأَفْعَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَآثَارِهَا تَقُومُ مَصَالِحُ بَنِي
آدَمَ وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ .
وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6135&ayano=91وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } وَلَمْ يَقُلْ : " وَنَهَارِهَا " وَلَا " ضِيَائِهَا " لِأَنَّ " الضُّحَى " يَدُلُّ عَلَى النُّورِ وَالْحَرَارَةِ جَمِيعًا وَبِالْأَنْوَارِ وَالْحَرَارَةِ تَقُومُ مَصَالِحُ الْعِبَادِ .
ثُمَّ أَقْسَمَ بِالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَبِالنَّفْسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا فِعْلًا فَذَكَرَ فَاعِلَهَا فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6139&ayano=91وَمَا بَنَاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6140&ayano=91وَمَا طَحَاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6141&ayano=91وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } .
فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُقْسِمَ بِفِعْلِ النَّفْسِ لِأَنَّهَا تَفْعَلُ الْبِرَّ وَالْفُجُورَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يُقْسِمُ إلَّا بِمَا هُوَ مُعَظَّمٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ . لَكِنْ ذَكَرَ فِي ضَمِيرِ الْقَسَمِ أَنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِهَا بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6141&ayano=91وَمَا سَوَّاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6142&ayano=91فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } . فَإِذَا كَانَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ خَالِقُ فِعْلِ الْعَبْدِ الَّذِي [ هُوَ أَظْهَرُ الْأَشْيَاءِ فِعْلًا وَاخْتِيَارًا وَقُدْرَةً فَلَأَنْ يَكُونَ خَالِقَ فِعْلِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى .
[ ص: 230 ] وَأَمَّا السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ فَلَيْسَ لَهُمَا فِعْلٌ ظَاهِرٌ يُعَظَّمُ فِي النُّفُوسِ حَتَّى يُقْسِمَ بِهَا إلَّا مَا يَظْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ .
وَالسَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أَعْظَمُ مِنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالنَّفْسُ أَشْرَفُ الْحَيَوَانِ الْمَخْلُوقِ . فَكَانَ الْقَسَمُ بِصَانِعِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ مُنَاسِبًا وَكَانَ إقْسَامُهُ بِصَانِعِهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ صَانِعٌ مَا فِيهَا مِنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ .
فَتَضَمَّنَ الْكَلَامُ الْإِقْسَامَ بِصَانِعِ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَبِأَعْيَانِهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْآثَارِ وَالْمَنَافِعِ لِبَنِي آدَمَ .
وَخَتَمَ الْقَسَمَ بِالنَّفْسِ الَّتِي هِيَ آخِرُ الْمَخْلُوقَاتِ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ
آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْمَخْلُوقَاتِ . وَبَيَّنَ أَنَّهُ خَالِقٌ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ خَالِقٌ جَمِيعَ أَفْعَالِ مَا سِوَاهَا .
وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ عُمُومِ خَلْقِهِ لِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى مَرَاتِبِهَا حَتَّى أَفْعَالِ الْعَبْدِ الْمُنْقَسِمَةِ إلَى التَّقْوَى وَالْفُجُورِ [ و بَيْنَ انْقِسَامِ الْأَفْعَالِ إلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَانْقِسَامِ الْفَاعِلِينَ إلَى مُفْلِحٍ وَخَائِبٍ سَعِيدٍ وَشَقِيٍّ . وَهَذَا يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ . فَكَانَ فِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28785الْقَدَرِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ الَّذِينَ يُخْرِجُونَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ عَنْ خَلْقِهِ وَإِلْهَامِهِ وَعَلَى
الْقَدَرِيَّةِ المشركية الَّذِينَ يُبْطِلُونَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ . احْتِجَاجًا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ .