[ ص: 464 ] فصل وذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=28749_28750ما جاء به الرسول هو من علم الله . فما أخبر به عن الله فالله أخبر به وهو سبحانه يخبر بعلمه يمتنع أن يخبر بنقيض علمه وما أمر به فهو من حكم الله والله عليم حكيم .
قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1497&ayano=11أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1498&ayano=11فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4أنزله بعلمه } . قال
الزجاج : أنزله وفيه علمه . وقال
أبو سليمان الدمشقي : أنزله من علمه . وهكذا ذكر غيرهما .
وهذا المعنى مأثور عن
السلف كما روى
ابن أبي حاتم عن
عطاء بن السائب قال : أقرأني
أبو عبد الرحمن القرآن . وكان إذا أقرأ أحدنا القرآن قال : قد أخذت علم الله فليس أحد اليوم أفضل منك إلا بعمل ثم يقرأ {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا } .
وكذلك قالوا في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1498&ayano=11فاعلموا أنما أنزل بعلم الله } قالوا : أنزله وفيه علمه .
[ ص: 465 ] ( قلت : الباء قد يكون للمصاحبة كما تقول : جاء بأسياده وأولاده . فقد أنزله متضمنا لعلمه مستصحبا لعلمه . فما فيه من الخبر هو خبر بعلم الله . وما فيه من الأمر فهو أمر بعلم الله بخلاف الكلام المنزل من عند غير الله . فإن ذلك قد يكون كذبا وظلما كقرآن
مسيلمة وقد يكون صدقا لكن إنما فيه علم المخلوق الذي قاله فقط لم يدل على علم الله تعالى إلا من جهة اللزوم . وهو أن الحق يعلمه الله .
وأما القرآن فهو متضمن لعلم الله ابتداء : فإنما أنزل بعلمه لا بعلم غيره ولا هو كلام بلا علم .
وإذا كان قد أنزل بعلمه فهو يقتضي أنه حق من الله ويقتضي أن الرسول رسول من الله الذي بين فيه علمه . قال
الزجاج : " الشاهد " المبين لما شهد به والله يبين ذلك ويعلم مع ذلك أنه حق .
( قلت : قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لكن الله يشهد } شهادته هو بيانه وإظهاره دلالته وإخباره . فالآيات البينات التي بين بها صدق الرسول تدل عليه ومنها القرآن هو شهادة بالقول .
وهو في نفسه آية ومعجزة تدل على الصدق كما تدل سائر الآيات والآيات كلها شهادة من الله كشهادة بالقول وقد تكون أبلغ .
ولهذا ذكر هذا في سورة هود لما تحداهم بالإتيان بالمثل فقال
[ ص: 466 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=1497&ayano=11فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1498&ayano=11فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون } . فإن عجز . أولئك عن المعارضة دل على عجز غيرهم بطريق الأولى وتبين أن جميع الخلق عاجزون عن معارضته وأنه آية بينة تدل على الرسالة وعلى التوحيد .
وكذلك قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لكن الله يشهد بما أنزل إليك } .
[ بعد ] قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=660&ayano=4إنا أوحينا إليك } إلى قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=662&ayano=4لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } وقد ذكروا أن من الكفار من قال : لا نشهد
لمحمد بالرسالة فقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لكن الله يشهد بما أنزل إليك } وأحسن من هذا أنه لما قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=662&ayano=4لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } نفى حجة الخلق على الخالق فقال : لكن حجة الله على الخلق قائمة بشهادته بالرسالة فإنه يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه فما للخلق على الله حجة بل له الحجة البالغة . وهو الذي هدى عباده بما أنزله .
وعلى ما تقدم فقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4أنزله بعلمه } أي فيه علمه بما كان وسيكون وما أخبر به وهو أيضا مما يدل على أنه حق . فإنه إذا أخبر بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله دل على أن الله أخبره به
[ ص: 467 ] كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5545&ayano=72عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5546&ayano=72إلا من ارتضى من رسول } الآية وقد قيل : أنزله وهو عالم به وبك . قال
ابن جرير الطبري في آية النساء : أنزله إليك بعلم منه أنك خيرته من خلقه .
وذكر
الزجاج في آية هود قولين أحدهما : أنزله وهو عالم بإنزاله وعالم أنه حق من عنده .
والثاني : أنه أنزله بما أخبر فيه من الغيوب ودل على ما سيكون وما سلف .
( قلت : هذا الوجه هو الذي تقدم .
وأما الأول فهو من جنس قول
ابن جرير . فإنه عالم به وبمن أنزل إليه وعالم بأنه حق وأن الذي أنزل عليه أهل لما اصطفاه الله له ويكون هذا كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4490&ayano=44ولقد اخترناهم على علم على العالمين } وقول من قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=3358&ayano=28إنما أوتيته على علم } أي على علم من الله باستحقاقي .
( قلت وهذا الوجه يدخل في معنى الأول فإنه
nindex.php?page=treesubj&link=28781إذا نزل الكلام بعلم الرب تضمن أن كل ما فيه فهو من علمه وفيه الإخبار بحاله وحال الرسول . وهذا الوجه هو الصواب . وعليه الأكثرون ومنهم من لم يذكر غيره .
[ ص: 468 ] والأول وإن كان معناه صحيحا فهو جزء من هذا الوجه .
وأما كون الثاني هو المراد بالآية فغلط لأن كون الرب سبحانه يعلم الشيء لا يدل على أنه محمود ولا مذموم . وهو سبحانه بكل شيء عليم . فلا يقول أحد إنه أنزله وهو لا يعلمه .
لكن قد يظن أنه أنزل بغير علمه أي وليس فيه علمه وأنه من تنزيل الشيطان كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3179&ayano=26هل أنبئكم على من تنزل الشياطين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3180&ayano=26تنزل على كل أفاك أثيم } والشياطين هو يرسلهم وينزلهم لكن الكلام الذي يأتون به ليس منزلا منه ; ولا هو منزل بعلم الله بل منزل بما تقوله الشياطين من كذب وغيره .
ولهذا هو سبحانه إذا ذكر نزول القرآن قيده بأن نزوله منه كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4098&ayano=39تنزيل الكتاب من الله } {
nindex.php?page=tafseer&surano=909&ayano=6والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2019&ayano=16قل نزله روح القدس من ربك بالحق } وهذا مما استدل به
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة على أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق خلقه في محل غيره فإنه كان يكون منزلا من ذلك المحل لا من الله . وقال إنه نزل بعلم الله وإنه من علم الله وعلم الله غير مخلوق .
[ ص: 469 ] وقال
أحمد : كلام الله من الله ليس شيئا منه . ولهذا قال
السلف :
nindex.php?page=treesubj&link=29453_28425_28424القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود . فقالوا : منه بدأ لم يبدأ من غيره كما تقوله
الجهمية . يقولون : بدأ من المحل الذي خلق فيه . وهذا مبسوط في مواضع .
والمقصود أنه إذا كان فيه علمه فهو حق والكلام الذي يعارضه به خلاف علم الله فهو باطل كالشرك الذي قال الله تعالى فيه {
nindex.php?page=tafseer&surano=1392&ayano=10ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون }
[ ص: 464 ] فَصْلٌ وَذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28749_28750مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ هُوَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ . فَمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ اللَّهِ فَاَللَّهُ أَخْبَرَ بِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُخْبِرُ بِعِلْمِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يُخْبِرَ بِنَقِيضِ عِلْمِهِ وَمَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1497&ayano=11أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1498&ayano=11فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ } . قَالَ
الزَّجَّاجُ : أَنْزَلَهُ وَفِيهِ عِلْمُهُ . وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ : أَنْزَلَهُ مِنْ عِلْمِهِ . وَهَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُمَا .
وَهَذَا الْمَعْنَى مَأْثُورٌ عَنْ
السَّلَفِ كَمَا رَوَى
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ : أَقْرَأَنِي
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرْآنَ . وَكَانَ إذَا أَقْرَأَ أَحَدَنَا الْقُرْآنَ قَالَ : قَدْ أَخَذْت عِلْمَ اللَّهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ الْيَوْمَ أَفْضَلَ مِنْك إلَّا بِعَمَلِ ثُمَّ يَقْرَأُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } .
وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1498&ayano=11فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ } قَالُوا : أَنْزَلَهُ وَفِيهِ عِلْمُهُ .
[ ص: 465 ] ( قُلْت : الْبَاءُ قَدْ يَكُونُ لِلْمُصَاحَبَةِ كَمَا تَقُولُ : جَاءَ بِأَسْيَادِهِ وَأَوْلَادِهِ . فَقَدْ أَنْزَلَهُ مُتَضَمِّنًا لِعِلْمِهِ مُسْتَصْحِبًا لِعِلْمِهِ . فَمَا فِيهِ مِنْ الْخَبَرِ هُوَ خَبَرٌ بِعِلْمِ اللَّهِ . وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْرِ فَهُوَ أَمْرٌ بِعِلْمِ اللَّهِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ . فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا وَظُلْمًا كَقُرْآنِ
مُسَيْلِمَةَ وَقَدْ يَكُونُ صِدْقًا لَكِنَّ إنَّمَا فِيهِ عِلْمُ الْمَخْلُوقِ الَّذِي قَالَهُ فَقَطْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى عِلْمِ اللَّه تَعَالَى إلَّا مِنْ جِهَةِ اللُّزُومِ . وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ يَعْلَمُهُ اللَّهُ .
وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِعِلْمِ اللَّهِ ابْتِدَاءً : فَإِنَّمَا أَنْزَلَ بِعِلْمِهِ لَا بِعِلْمِ غَيْرِهِ وَلَا هُوَ كَلَامٌ بِلَا عِلْمٍ .
وَإِذَا كَانَ قَدْ أَنْزَلَ بِعِلْمِهِ فَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ اللَّهِ وَيَقْتَضِي أَنَّ الرَّسُولَ رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ الَّذِي بَيَّنَ فِيهِ عِلْمَهُ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : " الشَّاهِدُ " الْمُبَيِّنُ لِمَا شَهِدَ بِهِ وَاَللَّهُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَيَعْلَمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ .
( قُلْت : قَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ } شَهَادَتُهُ هُوَ بَيَانُهُ وَإِظْهَارُهُ دَلَالَتُهُ وَإِخْبَارُهُ . فَالْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ الَّتِي بَيَّنَ بِهَا صِدْقَ الرَّسُولِ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَمِنْهَا الْقُرْآنُ هُوَ شَهَادَةٌ بِالْقَوْلِ .
وَهُوَ فِي نَفْسِهِ آيَةٌ وَمُعْجِزَةٌ تَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ كَمَا تَدُلُّ سَائِرُ الْآيَاتِ وَالْآيَاتُ كُلُّهَا شَهَادَةٌ مِنْ اللَّهِ كَشَهَادَةِ بِالْقَوْلِ وَقَدْ تَكُونُ أَبْلَغَ .
وَلِهَذَا ذَكَرَ هَذَا فِي سُورَةِ هُودٍ لَمَّا تَحَدَّاهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِالْمِثْلِ فَقَالَ
[ ص: 466 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=1497&ayano=11فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1498&ayano=11فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } . فَإِنَّ عَجْزَ . أُولَئِكَ عَنْ الْمُعَارَضَةِ دَلَّ عَلَى عَجْزِ غَيْرِهِمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَتَبَيَّنَ أَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَأَنَّهُ آيَةٌ بَيِّنَةٌ تَدُلُّ عَلَى الرِّسَالَةِ وَعَلَى التَّوْحِيدِ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إلَيْكَ } .
[ بَعْد ] قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=660&ayano=4إنَّا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ } إلَى قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=662&ayano=4لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ الْكُفَّارِ مَنْ قَالَ : لَا نَشْهَدُ
لِمُحَمَّدِ بِالرِّسَالَةِ فَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إلَيْكَ } وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=662&ayano=4لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } نَفَى حُجَّةَ الْخَلْقِ عَلَى الْخَالِقِ فَقَالَ : لَكِنْ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْخَلْقِ قَائِمَةٌ بِشَهَادَتِهِ بِالرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إلَيْك أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ فَمَا لِلْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَلْ لَهُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ . وَهُوَ الَّذِي هَدَى عِبَادَهُ بِمَا أَنْزَلَهُ .
وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ } أَيْ فِيهِ عِلْمُهُ بِمَا كَانَ وَسَيَكُونُ وَمَا أَخْبَرَ بِهِ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ . فَإِنَّهُ إذَا أَخْبَرَ بِالْغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَهُ بِهِ
[ ص: 467 ] كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5545&ayano=72عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5546&ayano=72إلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } الْآيَةَ وَقَدْ قِيلَ : أَنْزَلَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ وَبِك . قَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ الطبري فِي آيَةِ النِّسَاءِ : أَنْزَلَهُ إلَيْك بِعِلْمِ مِنْهُ أَنَّك خِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ .
وَذَكَرَ
الزَّجَّاجُ فِي آيَةِ هُودٍ قَوْلَيْنِ أَحَدِهِمَا : أَنْزَلَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِإِنْزَالِهِ وَعَالِمٌ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِمَا أَخْبَرَ فِيهِ مِنْ الْغُيُوبِ وَدَلَّ عَلَى مَا سَيَكُونُ وَمَا سَلَفَ .
( قُلْت : هَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي تُقَدَّمُ .
وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ
ابْنِ جَرِيرٍ . فَإِنَّهُ عَالِمٌ بِهِ وَبِمَنْ أَنْزَلَ إلَيْهِ وَعَالِمٌ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَأَنَّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ أَهْلٌ لِمَا اصْطَفَاهُ اللَّهُ لَهُ وَيَكُونُ هَذَا كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4490&ayano=44وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } وَقَوْلِ مَنْ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3358&ayano=28إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } أَيْ عَلَى عِلْمٍ مِنْ اللَّهِ بِاسْتِحْقَاقِي .
( قُلْت وَهَذَا الْوَجْهُ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28781إذَا نَزَلَ الْكَلَامُ بِعِلْمِ الرَّبِّ تَضَمَّنَ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ فَهُوَ مِنْ عِلْمِهِ وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِحَالِهِ وَحَالِ الرَّسُولِ . وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصَّوَابُ . وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ .
[ ص: 468 ] وَالْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَأَمَّا كَوْنُ الثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ فَغَلَطٌ لِأَنَّ كَوْنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ الشَّيْءَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُودٌ وَلَا مَذْمُومٌ . وَهُوَ سُبْحَانَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . فَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّهُ أَنْزَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ .
لَكِنْ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ أَنْزَلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ أَيْ وَلَيْسَ فِيهِ عِلْمُهُ وَأَنَّهُ مِنْ تَنْزِيلِ الشَّيْطَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3179&ayano=26هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3180&ayano=26تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } وَالشَّيَاطِينُ هُوَ يُرْسِلُهُمْ وَيُنْزِلُهُمْ لَكِنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يَأْتُونَ بِهِ لَيْسَ مُنَزَّلًا مِنْهُ ; وَلَا هُوَ مُنَزَّلٌ بِعِلْمِ اللَّهِ بَلْ مُنَزَّلٌ بِمَا تَقُولهُ الشَّيَاطِينُ مِنْ كَذِبٍ وَغَيْرِهِ .
وَلِهَذَا هُوَ سُبْحَانَهُ إذَا ذَكَرَ نُزُولَ الْقُرْآنِ قَيَّدَهُ بِأَنَّ نُزُولَهُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4098&ayano=39تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=909&ayano=6وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2019&ayano=16قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقِ خَلَقَهُ فِي مَحَلٍّ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ مُنَزَّلًا مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا مِنْ اللَّهِ . وَقَالَ إنَّهُ نَزَلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَإِنَّهُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَعِلْمُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ .
[ ص: 469 ] وَقَالَ
أَحْمَد : كَلَامُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ لَيْسَ شَيْئًا مِنْهُ . وَلِهَذَا قَالَ
السَّلَفُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29453_28425_28424الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ . فَقَالُوا : مِنْهُ بَدَأَ لَمْ يَبْدَأْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا تَقُولهُ
الجهمية . يَقُولُونَ : بَدَأَ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي خُلِقَ فِيهِ . وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعَ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ عِلْمُهُ فَهُوَ حَقٌّ وَالْكَلَامُ الَّذِي يُعَارِضُهُ بِهِ خِلَافُ عِلْمِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَالشِّرْكِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1392&ayano=10وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }