وعباد البشر سواء كان البشر لم يأمروهم بعبادتهم أو أمروهم بعبادتهم كالذين يعبدون
المسيح وعزير وكقوم
فرعون الذين قال لهم {
nindex.php?page=tafseer&surano=5815&ayano=79أنا ربكم الأعلى } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=3318&ayano=28ما علمت لكم من إله غيري } وقال
لموسى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2987&ayano=26لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين } وكالذي آتاه الله نصيبا من الملك الذي حاج
إبراهيم في ربه إذ قال
إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت
وكالدجال الذي يدعي الإلهية وما من خلق
آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من فتنة
الدجال وكالذين قالوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5513&ayano=71لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } . وقد قال غير واحد من
السلف : إن هذه أسماء قوم صالحين كانوا فيهم فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم بعد ذلك
[ ص: 455 ] عبدوهم وذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28705_28695_29433_28676أول ما عبدت الأصنام وأن هذه الأصنام صارت إلى
العرب وقد ذكر ذلك
البخاري في صحيحه عن
ابن عباس قال : صارت الأوثان التي في قوم
نوح في
العرب بعد . أما ود فكانت لكلب
بدومة الجندل وأما سواع فكانت
لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم
لبني غطيف بالجرف عند
سبإ وأما يعوق فكانت
لهمدان وأما نسر فكانت لحمير
لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم
نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت .
ونوح عليه السلام أقام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى التوحيد وهو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض كما ثبت ذلك في الصحيح
ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل وكلا المرسلين بعث إلى مشركين يعبدون هذه الأصنام التي صورت على صور الصالحين من البشر والمقصود بعبادتها عبادة أولئك الصالحين .
وكذلك المشركون من
أهل الكتاب ومن مبتدعة هذه الأمة وضلالها هذا غاية شركهم فإن
النصارى يصورون في الكنائس صور من يعظمونه من الإنس غير
عيسى وأمه : مثل
مار جرجس وغيره من القداديس ويعبدون تلك الصور ويسألونها ويدعونها ويقربون
[ ص: 456 ] لها القرابين وينذرون لها النذور ويقولون هذه تذكرنا بأولئك الصالحين . والشياطين تضلهم كما كانت تضل المشركين : تارة بأن
nindex.php?page=treesubj&link=29467يتمثل الشيطان في صورة ذلك الشخص الذي يدعى ويعبد فيظن داعيه أنه قد أتى أو يظن أن الله صور ملكا على صورته فإن النصراني مثلا يدعو في الأسر وغيره
مار جرجس أو غيره فيراه قد أتاه في الهواء وكذلك أخر غيره وقد سألوا بعض بطارقتهم عن هذا كيف يوجد في هذه الأماكن فقال : هذه ملائكة يخلقهم الله على صورته تغيث من يدعوه وإنما تلك شياطين أضلت المشركين . وهكذا كثير من أهل البدع والضلال والشرك المنتسبين إلى هذه الأمة فإن أحدهم يدعو ويستغيث بشيخه الذي يعظمه وهو ميت أو يستغيث به عند قبره ويسأله وقد ينذر له نذرا ونحو ذلك ويرى ذلك الشخص قد أتاه في الهواء ودفع عنه بعض ما يكره أو كلمه ببعض ما سأله عنه ونحو ذلك فيظنه الشيخ نفسه أتى إن كان حيا حتى أني أعرف من هؤلاء جماعات يأتون إلى الشيخ نفسه الذي استغاثوا به وقد رأوه أتاهم في الهواء فيذكرون ذلك له . هؤلاء يأتون إلى هذا الشيخ وهؤلاء يأتون إلى هذا الشيخ فتارة يكون الشيخ نفسه لم يكن يعلم بتلك القضية فإن كان يحب الرياسة سكت وأوهم أنه نفسه أتاهم وأغاثهم وإن كان فيه صدق مع جهل وضلال قال : هذا ملك صوره الله على
[ ص: 457 ] صورتي . وجعل هذا من كرامات الصالحين وجعله عمدة لمن يستغيث بالصالحين ويتخذهم أربابا وأنهم إذا استغاثوا بهم بعث الله ملائكة على صورهم تغيث المستغيث بهم . ولهذا أعرف غير واحد من الشيوخ الأكابر الذين فيهم صدق وزهد وعبادة لما ظنوا هذا من كرامات الصالحين صار أحدهم يوصي مريديه يقول : إذا كانت لأحدكم حاجة فليستغث بي وليستنجدني وليستوصني ويقول : أنا أفعل بعد موتي ما كنت أفعل في حياتي وهو لا يعرف أن تلك شياطين تصورت على صورته لتضله وتضل أتباعه فتحسن لهم الإشراك بالله ودعاء غير الله والاستغاثة بغير الله وأنها قد تلقي في قلبه أنا نفعل بعد موتك بأصحابك ما كنا نفعل بهم في حياتك فيظن هذا من خطاب إلهي ألقي في قلبه فيأمر أصحابه بذلك وأعرف من هؤلاء من كان له شياطين تخدمه في حياته بأنواع الخدم مثل خطاب أصحابه المستغيثين به وإعانتهم وغير ذلك فلما مات صاروا يأتون أحدهم في صورة الشيخ ويشعرونه أنه لم يمت ويرسلون إلى أصحابه رسائل بخطاب وقد كان يجتمع بي بعض أتباع هذا الشيخ وكان فيه زهد وعبادة وكان يحبني ويحب هذا الشيخ ويظن أن هذا من الكرامات وأن الشيخ لم يمت وذكر لي الكلام الذي أرسله إليه بعد موته فقرأه فإذا هو كلام الشياطين
[ ص: 458 ] بعينه وقد ذكر لي غير واحد ممن أعرفهم أنهم استغاثوا بي فرأوني في الهواء وقد أتيتهم وخلصتهم من تلك الشدائد مثل من أحاط به
النصارى الأرمن ليأخذوه وآخر قد أحاط به العدو ومعه كتب ملطفات من مناصحين لو اطلعوا على ما معه لقتلوه ونحو ذلك فذكرت لهم أني ما دريت بما جرى أصلا وحلفت لهم على ذلك حتى لا يظنوا أني كتمت ذلك كما تكتم الكرامات وأنا قد علمت أن الذي فعلوه ليس بمشروع بل هو شرك وبدعة ثم تبين لي فيما بعد وبينت لهم أن هذه شياطين تتصور على صورة المستغاث به .
وحكى لي غير واحد من أصحاب الشيوخ أنه جرى لمن استغاث بهم مثل ذلك وحكى خلق كثير أنهم استغاثوا بأحياء وأموات فرأوا مثل ذلك واستفاض هذا حتى عرف أن هذا من الشياطين
nindex.php?page=treesubj&link=28798_29467والشياطين تغوي الإنسان بحسب الإمكان فإن كان ممن لا يعرف دين الإسلام أوقعته في الشرك الظاهر والكفر المحض فأمرته أن لا يذكر الله وأن يسجد للشيطان ويذبح له وأمرته أن يأكل الميتة والدم ويفعل الفواحش وهذا يجري كثيرا في بلاد الكفر المحض وبلاد فيها كفر وإسلام ضعيف ويجري في بعض مدائن الإسلام في المواضع التي يضعف إيمان أصحابها حتى قد جرى ذلك في
مصر والشام على أنواع يطول وصفها وهو في أرض الشرق قبل ظهور
[ ص: 459 ] الإسلام في
التتار كثير جدا وكلما ظهر فيهم الإسلام وعرفوا حقيقته قلت آثار الشياطين فيهم وإن كان مسلما يختار الفواحش والظلم أعانته على الظلم والفواحش وهذا كثير جدا أكثر من الذي قبله في البلاد التي في أهلها إسلام وجاهلية وبر وفجور وإن كان الشيخ فيه إسلام وديانة ولكن عنده قلة معرفة بحقيقة ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم
وقد عرف من حيث الجملة أن لأولياء الله كرامات وهو لا يعرف كمال الولاية وأنها الإيمان والتقوى واتباع الرسل باطنا وظاهرا أو يعرف ذلك مجملا ولا يعرف من حقائق الإيمان الباطن وشرائع الإسلام الظاهرة ما يفرق به بين الأحوال الرحمانية وبين النفسانية والشيطانية كما أن
nindex.php?page=treesubj&link=29467_24405_24395الرؤيا ثلاثة أقسام .
رؤيا من الله ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه في اليقظة فيراه في المنام ورؤيا من الشيطان . فكذلك الأحوال . فإذا كان عنده قلة معرفة بحقيقة دين
محمد صلى الله عليه وسلم أمرته الشياطين بأمر لا ينكره فتارة يحملون أحدهم في الهواء ويقفون به
بعرفات ثم يعيدونه إلى بلده وهو لابس ثيابه لم يحرم حين حاذى المواقيت ولا كشف رأسه ولا تجرد عما يتجرد عنه المحرم ولا يدعونه بعد الوقوف يطوف طواف الإفاضة ويرمي الجمار ويكمل حجه بل يظن أن مجرد الوقوف - كما فعل -
[ ص: 460 ] عبادة وهذا من قلة علمه بدين الإسلام ولو علم دين الإسلام لعلم أن هذا الذي فعله ليس عبادة لله وأنه من استحل هذا فهو مرتد يجب قتله بل اتفق المسلمون على أنه يجب
nindex.php?page=treesubj&link=3418الإحرام عند الميقات ولا يجوز للإنسان المحرم
nindex.php?page=treesubj&link=17717اللبس في الإحرام إلا من عذر وأنه لا يكتفي بالوقوف بل لا بد من
nindex.php?page=treesubj&link=3525_3526_3527طواف الإفاضة باتفاق المسلمين بل وعليه أن يفيض إلى
المشعر الحرام ويرمي
جمرة العقبة وهذا مما تنوزع فيه هل هو ركن أو واجب يجبره دم ؟ وعليه أيضا رمي الجمار أيام
منى باتفاق المسلمين وقد تحمل أحدهم الجن فتزوره
بيت المقدس وغيره وتطير به في الهواء وتمشي به في الماء وقد تريه أنه قد ذهب به إلى مدينة الأولياء وربما أرته أنه يأكل من ثمار الجنة ويشرب من أنهارها .
وهذا كله وأمثاله مما أعرفه قد وقع لمن أعرفه ; لكن هذا باب طويل ليس هذا موضع بسطه . وإنما المقصود أن
nindex.php?page=treesubj&link=29433أصل الشرك في العالم كان من عبادة البشر الصالحين وعبادة تماثيلهم وهم المقصودون . ومن الشرك ما كان أصله عبادة الكواكب إما الشمس وإما القمر وإما غيرهما وصورت الأصنام طلاسم لتلك الكواكب وشرك قوم
إبراهيم - والله أعلم - كان من هذا أو كان بعضه من هذا ومن الشرك ما كان أصله عبادة الملائكة أو الجن وضعت الأصنام لأجلهم وإلا فنفس الأصنام
[ ص: 461 ] الجمادية لم تعبد لذاتها بل لأسباب اقتضت ذلك وشرك
العرب كان أعظمه الأول وكان فيه من الجميع . فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29433عمرو بن لحي هو أول من غير دين إبراهيم - عليه السلام - وكان قد أتى
الشام ورآهم بالبلقاء لهم أصنام يستجلبون بها المنافع ويدفعون بها المضار فصنع مثل ذلك في
مكة لما كانت
خزاعة ولاة البيت قبل
قريش وكان هو سيد
خزاعة وفي الصحيحين {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598020عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار - أي أمعاءه - وهو أول من غير دين إبراهيم وسيب السوائب وبحر البحيرة } . وكذلك - والله أعلم - شرك قوم
نوح وإن كان مبدؤه من عبادة الصالحين فالشيطان يجر الناس من هذا إلى غيره لكن هذا أقرب إلى الناس ; لأنهم يعرفون الرجل الصالح وبركته ودعاءه فيعكفون على قبره ويقصدون ذلك منه فتارة يسألونه وتارة يسألون الله به وتارة يصلون ويدعون عند قبره ظانين أن الصلاة والدعاء عند قبره أفضل منه في المساجد والبيوت .
ولما كان هذا مبدأ الشرك سد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الباب كما سد باب الشرك بالكواكب ففي صحيح
مسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598021عنه أنه قال قبل أن يموت بخمس : إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك } وفي
[ ص: 462 ] الصحيحين {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598022عنه أنه صلى الله عليه وسلم ذكر له كنيسة بأرض الحبشة وذكر من حسنها وتصاوير فيها فقال : إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك هم شرار الخلق عند الله يوم القيامة } وفي الصحيحين عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم في مرض موته : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598023لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا قالت عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا } وفي مسند
أحمد وصحيح
أبي حاتم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598024عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد } وفي سنن
أبي داود وغيره {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598025عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيث ما كنتم فإن صلاتكم تبلغني } . وفي موطإ
مالك {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598026عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } وفي صحيح
مسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598027عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته } فأمره بمحو التمثالين : الصورة الممثلة على صورة الميت والتمثال الشاخص المشرف فوق قبره . فإن الشرك يحصل بهذا وبهذا .
[ ص: 463 ] وقد ثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان في سفر فرأى قوما ينتابون مكانا للصلاة فقال : ما هذا ؟ فقالوا : هذا مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنما هلك من كان قبلكم بهذا أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم مساجد من أدركته الصلاة فليصل وإلا فليمض وبلغه أن قوما يذهبون إلى الشجرة التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تحتها فأمر بقطعها وأرسل إليه
أبو موسى يذكر له أنه ظهر بتستر قبر
دانيال وعنده مصحف فيه أخبار ما سيكون قد ذكر فيه أخبار المسلمين وأنهم إذا أجدبوا كشفوا عن القبر فمطروا فأرسل إليه
عمر يأمره أن يحفر بالنهار ثلاثة عشر قبرا ويدفنه بالليل في واحد منها لئلا يعرفه الناس ; لئلا يفتنوا به . فاتخاذ القبور مساجد مما حرمه الله ورسوله وإن لم يبن عليها مسجدا كان بناء المساجد عليها أعظم . كذلك قال العلماء : يحرم
nindex.php?page=treesubj&link=28697بناء المساجد على القبور ويجب هدم كل مسجد بني على قبر وإن كان الميت قد قبر في مسجد وقد طال مكثه سوى القبر حتى لا تظهر صورته فإن الشرك إنما يحصل إذا ظهرت صورته ولهذا كان
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أولا مقبرة للمشركين وفيها نخل وخرب فأمر بالقبور فنبشت وبالنخل فقطع وبالخرب فسويت فخرج عن أن يكون مقبرة فصار مسجدا .
[ ص: 464 ] ولما كان اتخاذ القبور مساجد وبناء المساجد عليها محرما ولم يكن شيء من ذلك على عهد
الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولم يكن يعرف قط مسجد على قبر وكان
الخليل عليه السلام في المغارة التي دفن فيها وهي مسدودة لا أحد يدخل إليها ولا تشد
الصحابة الرحال لا إليه ولا إلى غيره من المقابر ; لأن في الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25763لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا } . فكان يأتي من يأتي منهم إلى
المسجد الأقصى يصلون فيه ثم يرجعون لا يأتون مغارة
الخليل ولا غيرها وكانت مغارة
الخليل مسدودة حتى استولى
النصارى على
الشام في أواخر المائة الرابعة ففتحوا الباب وجعلوا ذلك المكان كنيسة ثم لما فتح المسلمون البلاد اتخذه بعض الناس مسجدا وأهل العلم ينكرون ذلك والذي يرويه بعضهم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598028في حديث الإسراء أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم هذه طيبة انزل فصل فنزل فصلى هذا مكان أبيك انزل فصل } . كذب موضوع لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة إلا في
المسجد الأقصى خاصة كما ثبت ذلك في الصحيح ولا نزل إلا فيه .
ولهذا لما قدم
الشام من
الصحابة من لا يحصي عددهم إلا الله
[ ص: 465 ] وقدمها
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب لما فتح
بيت المقدس وبعد فتح
الشام لما صالح
النصارى على الجزية وشرط عليهم الشروط المعروفة وقدمها مرة ثالثة حتى وصل إلى
سرغ ومعه أكابر السابقين الأولين من
المهاجرين والأنصار فلم يذهب أحد منهم إلى مغارة
الخليل ولا غيرها من
nindex.php?page=treesubj&link=17918_28695آثار الأنبياء التي بالشام لا
ببيت المقدس ولا
بدمشق ولا غير ذلك مثل الآثار الثلاثة التي
بجبل قاسيون في غربيه الربوة المضافة إلى
عيسى عليه السلام وفي شرقيه المقام المضاف إلى
الخليل عليه السلام وفي وسطه وأعلاه مغارة الدم المضافة إلى
هابيل لما قتله
قابيل فهذه البقاع وأمثالها لم يكن السابقون الأولون يقصدونها ولا يزورونها ولا يرجون منها بركة فإنها محل الشرك . ولهذا توجد فيها الشياطين كثيرا وقد رآهم غير واحد على صورة الإنس ويقولون لهم رجال الغيب يظنون أنهم رجال من الإنس غائبين عن الأبصار وإنما هم جن والجن يسمون رجالا . كما قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5525&ayano=72وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا } والإنس سموا إنسا لأنهم يؤنسون أي يرون . كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2378&ayano=20إني آنست نارا } أي رأيتها والجن سموا جنا لاجتنانهم يجتنون عن الأبصار أي يستترون . كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=871&ayano=6فلما جن عليه الليل } أي استولى عليه فغطاه وستره وليس أحد من الإنس يستتر دائما عن
[ ص: 466 ] أبصار الإنس وإنما يقع هذا لبعض الإنس في بعض الأحوال : تارة على وجه الكرامة له وتارة يكون من باب السحر وعمل الشياطين ولبسط الكلام على الفرق بين هذا وبين هذا موضع آخر .
والمقصود هاهنا : أن
الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يبنوا قط على قبر نبي ولا رجل صالح مسجدا ولا جعلوه مشهدا ومزارا ولا على شيء من آثار الأنبياء مثل مكان نزل فيه أو صلى فيه أو فعل فيه شيئا من ذلك لم يكونوا يقصدون بناء مسجد لأجل آثار الأنبياء والصالحين ولم يكن جمهورهم يقصدون الصلاة في مكان لم يقصد الرسول الصلاة فيه بل نزل فيه أو صلى فيه اتفاقا بل كان أئمتهم
nindex.php?page=showalam&ids=2كعمر بن الخطاب وغيره ينهى عن
nindex.php?page=treesubj&link=28750_28823_28333قصد الصلاة في مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاقا لا قصدا وإنما نقل عن
ابن عمر خاصة أنه كان يتحرى أن يسير حيث سار رسول الله صلى الله عليه وسلم وينزل حيث نزل ويصلي حيث صلى وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تلك البقعة لذلك الفعل بل حصل اتفاقا وكان
ابن عمر رضي الله عنهما رجلا صالحا شديد الاتباع فرأى هذا من الاتباع . وأما أبوه وسائر
الصحابة من الخلفاء الراشدين
عثمان وعلي وسائر العشرة وغيرهم مثل
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب فلم يكونوا يفعلون ما فعل
ابن عمر وقول الجمهور أصح .
[ ص: 467 ] وذلك أن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل لأجل أنه فعل . فإذا قصد الصلاة والعبادة في مكان معين كان قصد الصلاة والعبادة في ذلك المكان متابعة له وأما إذا لم يقصد تلك البقعة فإن قصدها يكون مخالفة لا متابعة له . مثال الأول لما قصد الوقوف والذكر والدعاء
بعرفة ومزدلفة وبين
الجمرتين كان قصد تلك البقاع متابعة له وكذلك لما طاف وصلى خلف المقام ركعتين كان فعل ذلك متابعة له وكذلك لما صعد على
الصفا والمروة للذكر والدعاء كان قصد ذلك متابعة له وقد كان
سلمة بن الأكوع يتحرى الصلاة عند الأسطوانة قال لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها فلما رآه يقصد تلك البقعة لأجل الصلاة كان ذلك القصد للصلاة متابعة وكذلك {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598029لما أراد عتبان بن مالك أن يبني مسجدا لما عمي فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له إني أحب أن تأتيني تصلي في منزلي فاتخذه مصلى وفي رواية فقال تعال فحط لي مسجدا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه وفي رواية فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى دخل البيت فقال أين تحب أن أصلي من بيتك ؟ فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمنا وراءه فصلى ركعتين ثم سلم } . الحديث .
[ ص: 468 ] فإنه قصد أن يبني مسجدا وأحب أن يكون أول من يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأن يبنيه في الموضع الذي صلى فيه فالمقصود كان بناء المسجد وأراد أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم في المكان الذي يبنيه فكانت الصلاة مقصودة لأجل المسجد لم يكن بناء المسجد مقصودا لأجل كونه صلى فيه اتفاقا وهذا المكان مكان قصد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه ليكون مسجدا فصار قصد الصلاة فيه متابعة له بخلاف ما اتفق أنه صلى فيه بغير قصد وكذلك قصد يوم الاثنين والخميس بالصوم متابعة لأنه قصد صوم هذين اليومين وقال في الحديث الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598030إنه تفتح أبواب الجنة في كل خميس واثنين فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا } . وكذلك قصد إتيان
مسجد قباء متابعة له فإنه قد ثبت عنه في الصحيحين أنه كان يأتي
قباء كل سبت راكبا وماشيا . وذلك أن الله أنزل عليه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1352&ayano=9لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه } وكان مسجده هو الأحق بهذا الوصف وقد ثبت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598031في الصحيح أنه سئل عن المسجد المؤسس على التقوى فقال : هو مسجدي هذا } يريد أنه أكمل في هذا الوصف من
مسجد قباء ومسجد قباء أيضا أسس على التقوى وبسببه نزلت الآية ; ولهذا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1352&ayano=9فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين } وكان
أهل قباء مع الوضوء والغسل يستنجون بالماء . تعلموا ذلك من جيرانهم
اليهود ولم تكن
العرب تفعل ذلك فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يظن ظان أن ذاك هو الذي أسس على التقوى دون مسجده فذكر أن مسجده أحق بأن يكون هو المؤسس على التقوى فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1352&ayano=9لمسجد أسس على التقوى } يتناول مسجده
ومسجد قباء ويتناول كل مسجد أسس على التقوى بخلاف مساجد الضرار . ولهذا كان
السلف يكرهون الصلاة فيما يشبه ذلك ويرون العتيق أفضل من الجديد ; لأن العتيق أبعد عن أن يكون بني ضرارا من الجديد الذي يخاف ذلك فيه وعتق المسجد مما يحمد به ; ولهذا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2650&ayano=22ثم محلها إلى البيت العتيق } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=392&ayano=3إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة } فإن قدمه يقتضي كثرة العبادة فيه أيضا وذلك يقتضي زيادة فضله ولهذا لم يستحب علماء
السلف من
أهل المدينة وغيرها قصد شيء من المساجد والمزارات التي
بالمدينة وما حولها بعد
مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا
مسجد قباء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد مسجدا بعينه يذهب إليه إلا هو .
وقد كان
بالمدينة مساجد كثيرة لكل قبيلة من
الأنصار مسجد لكن ليس في قصده دون أمثاله فضيلة بخلاف
مسجد قباء فإنه أول مسجد بني
بالمدينة [ ص: 470 ] على الإطلاق وقد قصده الرسول صلى الله عليه وسلم بالذهاب إليه وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598032من توضأ في بيته ثم أتى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه كان كعمرة } . ومع هذا فلا يسافر إليه لكن إذا كان الإنسان
بالمدينة أتاه ولا يقصد إنشاء السفر إليه بل يقصد إنشاء السفر إلى المساجد الثلاثة لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25763لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا } ولهذا لو
nindex.php?page=treesubj&link=28696_17919_17917نذر السفر إلى مسجد قباء لم يوف بنذره عند الأئمة الأربعة وغيرهم بخلاف
المسجد الحرام فإنه يجب الوفاء بالنذر إليه باتفاقهم وكذلك
مسجد المدينة وبيت المقدس في أصح قوليهم . وهو مذهب
مالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه وفي الآخر وهو قول
أبي حنيفة ليس عليه ذلك ; لكنه جائز ومستحب لأن من أصله أنه لا يجب بالنذر إلا ما كان واجبا بالشرع والأكثرون يقولون يجب بالنذر كل ما كان طاعة لله كما ثبت في صحيح
البخاري عن
عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37477من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } . ويستحب أيضا
nindex.php?page=treesubj&link=28696_17918زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد ; للدعاء لهم والاستغفار ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد ذلك مع أن
[ ص: 471 ] هذا مشروع لجميع موتى المسلمين كما يستحب السلام عليهم والدعاء لهم والاستغفار . وزيارة القبور بهذا القصد مستحبة وسواء في ذلك قبور الأنبياء والصالحين وغيرهم وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر إذا دخل المسجد يقول : السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا
أبا بكر السلام عليك يا أبت ثم ينصرف .
وَعُبَّادُ الْبَشَرِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَشَرُ لَمْ يَأْمُرُوهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ أَوْ أَمَرُوهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ كَاَلَّذِينَ يَعْبُدُونَ
الْمَسِيحَ وَعُزَيْرَ وَكَقَوْمِ
فِرْعَوْنَ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5815&ayano=79أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=3318&ayano=28مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي } وَقَالَ
لِمُوسَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2987&ayano=26لَئِنِ اتَّخَذْتَ إلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } وَكَاَلَّذِي آتَاهُ اللَّهُ نَصِيبًا مِنْ الْمُلْكِ الَّذِي حَاجَّ
إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ إذْ قَالَ
إبْرَاهِيمُ : رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ
وَكَالدَّجَّالِ الَّذِي يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ وَمَا مِنْ خَلْقِ
آدَمَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ فِتْنَةٌ أَعْظَمُ مِنْ فِتْنَةِ
الدَّجَّالِ وَكَاَلَّذِينَ قَالُوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5513&ayano=71لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } . وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
السَّلَفِ : إنَّ هَذِهِ أَسْمَاءُ قَوْمٍ صَالِحِينَ كَانُوا فِيهِمْ فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ
[ ص: 455 ] عَبَدُوهُمْ وَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28705_28695_29433_28676أَوَّلُ مَا عُبِدَتْ الْأَصْنَامُ وَأَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ صَارَتْ إلَى
الْعَرَبِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : صَارَتْ الْأَوْثَانُ الَّتِي فِي قَوْمِ
نُوحٍ فِي
الْعَرَبِ بَعْدُ . أَمَّا وَدٌّ فَكَانَتْ لِكَلْبِ
بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وَأَمَّا سُوَاعٌ فَكَانَتْ
لهذيل وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ
لِبَنِي غطيف بِالْجَرْفِ عِنْد
سَبَإِ وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ
لهمدان وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ
لِآلِ ذِي الْكُلَاعِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ
نُوحٍ فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَنُسِخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ .
وَنُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقَامَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا يَدْعُوهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ وَهُوَ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ
وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ الرُّسُلِ وَكِلَا الْمُرْسَلِينَ بُعِثَ إلَى مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ هَذِهِ الْأَصْنَامَ الَّتِي صُوِّرَتْ عَلَى صُوَرِ الصَّالِحِينَ مِنْ الْبَشَرِ وَالْمَقْصُودُ بِعِبَادَتِهَا عِبَادَةُ أُولَئِكَ الصَّالِحِينَ .
وَكَذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْ مُبْتَدَعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَضُلَّالِهَا هَذَا غَايَةُ شِرْكِهِمْ فَإِنَّ
النَّصَارَى يُصَوِّرُونَ فِي الْكَنَائِسِ صُوَرَ مَنْ يُعَظِّمُونَهُ مِنْ الْإِنْسِ غَيْرِ
عِيسَى وَأُمِّهِ : مِثْلَ
مَارّ جرجس وَغَيْرِهِ مِنْ الْقَدَادِيسِ وَيَعْبُدُونَ تِلْكَ الصُّوَرَ وَيَسْأَلُونَهَا وَيَدْعُونَهَا وَيُقَرِّبُونَ
[ ص: 456 ] لَهَا الْقَرَابِينَ وَيَنْذِرُونَ لَهَا النُّذُورَ وَيَقُولُونَ هَذِهِ تُذَكِّرُنَا بِأُولَئِكَ الصَّالِحِينَ . وَالشَّيَاطِينُ تُضِلُّهُمْ كَمَا كَانَتْ تُضِلُّ الْمُشْرِكِينَ : تَارَةً بِأَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29467يَتَمَثَّلَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ الَّذِي يُدْعَى وَيُعْبَدُ فَيَظُنُّ دَاعِيهِ أَنَّهُ قَدْ أَتَى أَوْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ صَوَّرَ مَلَكًا عَلَى صُورَتِهِ فَإِنَّ النَّصْرَانِيَّ مَثَلًا يَدْعُو فِي الْأَسْرِ وَغَيْرِهِ
مَارّ جرجس أَوْ غَيْرَهُ فَيَرَاهُ قَدْ أَتَاهُ فِي الْهَوَاءِ وَكَذَلِكَ أُخَرُ غَيْرُهُ وَقَدْ سَأَلُوا بَعْضَ بَطَارِقَتِهِمْ عَنْ هَذَا كَيْفَ يُوجَدُ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ فَقَالَ : هَذِهِ مَلَائِكَةٌ يَخْلُقُهُمْ اللَّهُ عَلَى صُورَتِهِ تُغِيثُ مَنْ يَدْعُوهُ وَإِنَّمَا تِلْكَ شَيَاطِينُ أَضَلَّتْ الْمُشْرِكِينَ . وَهَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالشِّرْكِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ يَدْعُو وَيَسْتَغِيثُ بِشَيْخِهِ الَّذِي يُعَظِّمُهُ وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ يَسْتَغِيثُ بِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ وَيَسْأَلُهُ وَقَدْ يَنْذِرُ لَهُ نَذْرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيَرَى ذَلِكَ الشَّخْصَ قَدْ أَتَاهُ فِي الْهَوَاءِ وَدَفَعَ عَنْهُ بَعْضَ مَا يَكْرَهُ أَوْ كَلَّمَهُ بِبَعْضِ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَظُنُّهُ الشَّيْخُ نَفْسَهُ أَتَى إنْ كَانَ حَيًّا حَتَّى أَنِّي أَعْرِفُ مِنْ هَؤُلَاءِ جَمَاعَاتٍ يَأْتُونَ إلَى الشَّيْخِ نَفْسِهِ الَّذِي اسْتَغَاثُوا بِهِ وَقَدْ رَأَوْهُ أَتَاهُمْ فِي الْهَوَاءِ فَيَذْكُرُونَ ذَلِكَ لَهُ . هَؤُلَاءِ يَأْتُونَ إلَى هَذَا الشَّيْخِ وَهَؤُلَاءِ يَأْتُونَ إلَى هَذَا الشَّيْخِ فَتَارَةً يَكُونُ الشَّيْخُ نَفْسُهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الرِّيَاسَةَ سَكَتَ وَأَوْهَمَ أَنَّهُ نَفْسَهُ أَتَاهُمْ وَأَغَاثَهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ صِدْقٌ مَعَ جَهْلٍ وَضَلَالٍ قَالَ : هَذَا مَلَكٌ صَوَّرَهُ اللَّهُ عَلَى
[ ص: 457 ] صُورَتِي . وَجَعَلَ هَذَا مِنْ كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ وَجَعَلَهُ عُمْدَةً لِمَنْ يَسْتَغِيثُ بِالصَّالِحِينَ وَيَتَّخِذُهُمْ أَرْبَابًا وَأَنَّهُمْ إذَا اسْتَغَاثُوا بِهِمْ بَعَثَ اللَّهُ مَلَائِكَةً عَلَى صُوَرِهِمْ تُغِيثُ الْمُسْتَغِيثَ بِهِمْ . وَلِهَذَا أَعْرِفُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ الْأَكَابِرِ الَّذِينَ فِيهِمْ صِدْقٌ وَزُهْدٌ وَعِبَادَةٌ لَمَّا ظَنُّوا هَذَا مِنْ كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ صَارَ أَحَدُهُمْ يُوصِي مُرِيدِيهِ يَقُولُ : إذَا كَانَتْ لِأَحَدِكُمْ حَاجَةٌ فَلْيَسْتَغِثْ بِي وليستنجدني وَلْيَسْتَوْصِنِي وَيَقُولَ : أَنَا أَفْعَلُ بَعْدَ مَوْتِي مَا كُنْت أَفْعَلُ فِي حَيَاتِي وَهُوَ لَا يَعْرِف أَنَّ تِلْكَ شَيَاطِينُ تَصَوَّرَتْ عَلَى صُورَتِهِ لِتُضِلَّهُ وَتُضِلَّ أَتْبَاعَهُ فَتُحَسِّنُ لَهُمْ الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ وَدُعَاءَ غَيْرِ اللَّهِ وَالِاسْتِغَاثَةَ بِغَيْرِ اللَّهِ وَأَنَّهَا قَدْ تُلْقِي فِي قَلْبِهِ أَنَّا نَفْعَلُ بَعْدَ مَوْتِك بِأَصْحَابِك مَا كُنَّا نَفْعَلُ بِهِمْ فِي حَيَاتِك فَيَظُنُّ هَذَا مِنْ خِطَابٍ إلَهِيٍّ أُلْقِيَ فِي قَلْبِهِ فَيَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَأَعْرِفُ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ كَانَ لَهُ شَيَاطِينُ تَخْدِمُهُ فِي حَيَاتِهِ بِأَنْوَاعِ الْخَدَمِ مِثْلَ خِطَابِ أَصْحَابِهِ الْمُسْتَغِيثِينَ بِهِ وَإِعَانَتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمَّا مَاتَ صَارُوا يَأْتُونَ أَحَدَهُمْ فِي صُورَةِ الشَّيْخِ وَيُشْعِرُونَهُ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَيُرْسِلُونَ إلَى أَصْحَابِهِ رَسَائِلَ بِخِطَابِ وَقَدْ كَانَ يَجْتَمِعُ بِي بَعْضُ أَتْبَاعِ هَذَا الشَّيْخِ وَكَانَ فِيهِ زُهْدٌ وَعِبَادَةٌ وَكَانَ يُحِبُّنِي وَيُحِبُّ هَذَا الشَّيْخَ وَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا مِنْ الْكَرَامَاتِ وَأَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَمُتْ وَذَكَرَ لِي الْكَلَامَ الَّذِي أَرْسَلَهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَرَأَهُ فَإِذَا هُوَ كَلَامُ الشَّيَاطِينِ
[ ص: 458 ] بِعَيْنِهِ وَقَدْ ذَكَرَ لِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ أَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ اسْتَغَاثُوا بِي فَرَأَوْنِي فِي الْهَوَاءِ وَقَدْ أَتَيْتهمْ وَخَلَّصْتهمْ مِنْ تِلْكَ الشَّدَائِدِ مِثْلَ مَنْ أَحَاطَ بِهِ
النَّصَارَى الْأَرْمَنُ لِيَأْخُذُوهُ وَآخَرُ قَدْ أَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ وَمَعَهُ كُتُبٌ مُلَطِّفَاتٌ مِنْ مناصحين لَوْ اطَّلَعُوا عَلَى مَا مَعَهُ لَقَتَلُوهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَذَكَرْت لَهُمْ أَنِّي مَا دَرَيْت بِمَا جَرَى أَصْلًا وَحَلَفْت لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَا يَظُنُّوا أَنِّي كَتَمْت ذَلِكَ كَمَا تُكْتَمُ الْكَرَامَاتُ وَأَنَا قَدْ عَلِمْت أَنَّ الَّذِي فَعَلُوهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعِ بَلْ هُوَ شِرْكٌ وَبِدْعَةٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي فِيمَا بَعْدُ وَبَيَّنْت لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ شَيَاطِينُ تَتَصَوَّرُ عَلَى صُورَةِ الْمُسْتَغَاثِ بِهِ .
وَحَكَى لِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ جَرَى لِمَنْ اسْتَغَاثَ بِهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ وَحَكَى خَلْقٌ كَثِيرٌ أَنَّهُمْ اسْتَغَاثُوا بِأَحْيَاءِ وَأَمْوَاتٍ فَرَأَوْا مِثْلَ ذَلِكَ وَاسْتَفَاضَ هَذَا حَتَّى عُرِفَ أَنَّ هَذَا مِنْ الشَّيَاطِينِ
nindex.php?page=treesubj&link=28798_29467وَالشَّيَاطِينُ تُغْوِي الْإِنْسَانَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ أَوْقَعَتْهُ فِي الشِّرْكِ الظَّاهِرِ وَالْكُفْرِ الْمَحْضِ فَأَمَرَتْهُ أَنْ لَا يَذْكُرَ اللَّهَ وَأَنْ يَسْجُدَ لِلشَّيْطَانِ وَيَذْبَحَ لَهُ وَأَمَرَتْهُ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَالدَّم وَيَفْعَلَ الْفَوَاحِشَ وَهَذَا يَجْرِي كَثِيرًا فِي بِلَادِ الْكُفْرِ الْمَحْضِ وَبِلَادٍ فِيهَا كُفْرٌ وَإِسْلَامٌ ضَعِيفٌ وَيَجْرِي فِي بَعْضِ مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَضْعُفُ إيمَانُ أَصْحَابِهَا حَتَّى قَدْ جَرَى ذَلِكَ فِي
مِصْرَ وَالشَّامِ عَلَى أَنْوَاعٍ يَطُولُ وَصْفُهَا وَهُوَ فِي أَرْضِ الشَّرْقِ قَبْلَ ظُهُورِ
[ ص: 459 ] الْإِسْلَامِ فِي
التَّتَارِ كَثِيرٌ جِدًّا وَكُلَّمَا ظَهَرَ فِيهِمْ الْإِسْلَامُ وَعَرَفُوا حَقِيقَتَهُ قَلَّتْ آثَارُ الشَّيَاطِينِ فِيهِمْ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا يَخْتَارُ الْفَوَاحِشَ وَالظُّلْمَ أَعَانَتْهُ عَلَى الظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الْبِلَادِ الَّتِي فِي أَهْلِهَا إسْلَامٌ وَجَاهِلِيَّةٌ وَبِرٌّ وَفُجُورٌ وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ فِيهِ إسْلَامٌ وَدِيَانَةٌ وَلَكِنْ عِنْدَهُ قِلَّةٌ مَعْرِفَةٍ بِحَقِيقَةِ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ عَرَفَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ أَنَّ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَرَامَاتٍ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ كَمَالَ الْوِلَايَةِ وَأَنَّهَا الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى وَاتِّبَاعُ الرُّسُلِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا أَوْ يَعْرِفُ ذَلِكَ مُجْمَلًا وَلَا يَعْرِفُ مِنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْبَاطِنِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ مَا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْأَحْوَالِ الرَّحْمَانِيَّةِ وَبَيْنَ النَّفْسَانِيَّةِ والشيطانية كَمَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29467_24405_24395الرُّؤْيَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ .
رُؤْيَا مِنْ اللَّهِ وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ بِهِ نَفْسَهُ فِي الْيَقَظَةِ فَيَرَاهُ فِي الْمَنَامِ وَرُؤْيَا مِنْ الشَّيْطَانِ . فَكَذَلِكَ الْأَحْوَالُ . فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ قِلَّةُ مَعْرِفَةٍ بِحَقِيقَةِ دِينِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَتْهُ الشَّيَاطِينُ بِأَمْرٍ لَا يُنْكِرُهُ فَتَارَةً يَحْمِلُونَ أَحَدَهُمْ فِي الْهَوَاءِ وَيَقِفُونَ بِهِ
بِعَرَفَاتِ ثُمَّ يُعِيدُونَهُ إلَى بَلَدِهِ وَهُوَ لَابِسٌ ثِيَابَهُ لَمْ يَحْرُمْ حِينَ حَاذَى الْمَوَاقِيتِ وَلَا كَشَفَ رَأْسَهُ وَلَا تَجَرَّدَ عَمَّا يَتَجَرَّدُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ وَلَا يَدْعُونَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَطُوفُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَيَرْمِي الْجِمَارَ وَيُكْمِلُ حَجَّهُ بَلْ يَظُنُّ أَنَّ مُجَرَّدَ الْوُقُوفِ - كَمَا فَعَلَ -
[ ص: 460 ] عِبَادَةٌ وَهَذَا مِنْ قِلَّةِ عِلْمِهِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ عَلِمَ دِينَ الْإِسْلَامِ لَعَلِمَ أَنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ لَيْسَ عِبَادَةً لِلَّهِ وَأَنَّهُ مَنْ اسْتَحَلَّ هَذَا فَهُوَ مُرْتَدٌّ يَجِبُ قَتْلُهُ بَلْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ
nindex.php?page=treesubj&link=3418الْإِحْرَامُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ الْمُحْرِمِ
nindex.php?page=treesubj&link=17717اللُّبْسُ فِي الْإِحْرَامِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَأَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِالْوُقُوفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3525_3526_3527طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيضَ إلَى
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَيَرْمِيَ
جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَهَذَا مِمَّا تُنُوزِعَ فِيهِ هَلْ هُوَ رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ يَجْبُرُهُ دَمٌ ؟ وَعَلَيْهِ أَيْضًا رَمْيُ الْجِمَارِ أَيَّامَ
مِنًى بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَحْمِلُ أَحَدَهُمْ الْجِنُّ فَتُزَوِّرُهُ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَغَيْرَهُ وَتَطِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ وَتَمْشِي بِهِ فِي الْمَاءِ وَقَدْ تُرِيهِ أَنَّهُ قَدْ ذُهِبَ بِهِ إلَى مَدِينَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَرُبَّمَا أَرَتْهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَيَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا .
وَهَذَا كُلُّهُ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا أَعْرِفُهُ قَدْ وَقَعَ لِمَنْ أَعْرِفُهُ ; لَكِنَّ هَذَا بَابٌ طَوِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ . وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29433أَصْلَ الشِّرْكِ فِي الْعَالَمِ كَانَ مِنْ عِبَادَةِ الْبَشَرِ الصَّالِحِينَ وَعِبَادَةِ تَمَاثِيلِهِمْ وَهُمْ الْمَقْصُودُونَ . وَمِنْ الشِّرْكِ مَا كَانَ أَصْلُهُ عِبَادَةَ الْكَوَاكِبِ إمَّا الشَّمْسُ وَإِمَّا الْقَمَرُ وَإِمَّا غَيْرُهُمَا وَصَوَّرَتْ الْأَصْنَامُ طَلَاسِمَ لِتِلْكَ الْكَوَاكِبِ وَشِرْكُ قَوْمِ
إبْرَاهِيمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَانَ مِنْ هَذَا أَوْ كَانَ بَعْضُهُ مِنْ هَذَا وَمِنْ الشِّرْكِ مَا كَانَ أَصْلُهُ عِبَادَةَ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْجِنِّ وُضِعَتْ الْأَصْنَامُ لِأَجْلِهِمْ وَإِلَّا فَنَفْسُ الْأَصْنَامِ
[ ص: 461 ] الْجَمَادِيَّةِ لَمْ تُعْبَدْ لِذَاتِهَا بَلْ لِأَسْبَابٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ وَشِرْكُ
الْعَرَبِ كَانَ أَعْظَمُهُ الْأَوَّلَ وَكَانَ فِيهِ مِنْ الْجَمِيعِ . فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29433عَمْرَو بْنَ لحي هُوَ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَانَ قَدْ أَتَى
الشَّامَ وَرَآهُمْ بِالْبَلْقَاءِ لَهُمْ أَصْنَامٌ يَسْتَجْلِبُونَ بِهَا الْمَنَافِعَ وَيَدْفَعُونَ بِهَا الْمَضَارَّ فَصُنْعُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي
مَكَّةَ لَمَّا كَانَتْ
خُزَاعَةُ وُلَاةَ الْبَيْتِ قَبْلَ
قُرَيْشٍ وَكَانَ هُوَ سَيِّدَ
خُزَاعَةَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598020عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لحي بْنِ قَمْعَةَ بْنِ خندف يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ - أَيْ أَمْعَاءَهُ - وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إبْرَاهِيمَ وَسَيَّبَ السَّوَائِبَ وبحر الْبَحِيرَةَ } . وَكَذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - شِرْكُ قَوْمِ
نُوحٍ وَإِنْ كَانَ مَبْدَؤُهُ مِنْ عِبَادَةِ الصَّالِحِينَ فَالشَّيْطَانُ يَجُرُّ النَّاسَ مِنْ هَذَا إلَى غَيْرِهِ لَكِنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى النَّاسِ ; لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الرَّجُلَ الصَّالِحَ وَبَرَكَتَهُ وَدُعَاءَهُ فَيَعْكُفُونَ عَلَى قَبْرِهِ وَيَقْصِدُونَ ذَلِكَ مِنْهُ فَتَارَةً يَسْأَلُونَهُ وَتَارَةً يَسْأَلُونَ اللَّهَ بِهِ وَتَارَةً يُصَلُّونَ وَيَدْعُونَ عِنْدَ قَبْرِهِ ظَانِّينَ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالدُّعَاءَ عِنْدَ قَبْرِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ .
وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَبْدَأَ الشِّرْكِ سَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْبَابَ كَمَا سَدَّ بَابَ الشِّرْكِ بِالْكَوَاكِبِ فَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598021عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسِ : إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } وَفِي
[ ص: 462 ] الصَّحِيحَيْنِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598022عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ لَهُ كَنِيسَةٌ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَذُكِرَ مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرُ فِيهَا فَقَالَ : إنَّ أُولَئِكَ إذَا مَاتَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598023لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا قَالَتْ عَائِشَةُ : وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا } وَفِي مُسْنَدِ
أَحْمَد وَصَحِيحِ
أَبِي حَاتِمٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598024عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَاَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ } وَفِي سُنَنِ
أَبِي داود وَغَيْرِهِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598025عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي } . وَفِي مُوَطَّإِ
مَالِكٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598026عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598027عَنْ أَبِي الهياج الأسدي قَالَ : قَالَ لِي nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : أَلَا أَبْعَثُك عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ لَا أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْته وَلَا تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْته } فَأَمَرَهُ بِمَحْوِ التِّمْثَالَيْنِ : الصُّورَةِ الْمُمَثِّلَةِ عَلَى صُورَةِ الْمَيِّتِ وَالتِّمْثَالِ الشَّاخِصِ الْمُشْرِفِ فَوْقَ قَبْرِهِ . فَإِنَّ الشِّرْكَ يَحْصُلُ بِهَذَا وَبِهَذَا .
[ ص: 463 ] وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى قَوْمًا يَنْتَابُونَ مَكَانًا لِلصَّلَاةِ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا : هَذَا مَكَانٌ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا أَنَّهُمْ اتَّخَذُوا آثَارَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَإِلَّا فَلْيَمْضِ وَبَلَغَهُ أَنَّ قَوْمًا يَذْهَبُونَ إلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَايَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ تَحْتَهَا فَأَمَرَ بِقَطْعِهَا وَأَرْسَلَ إلَيْهِ
أَبُو مُوسَى يَذْكُرُ لَهُ أَنَّهُ ظَهَرَ بتستر قَبْرُ
دَانْيَالَ وَعِنْدَهُ مُصْحَفٌ فِيهِ أَخْبَارُ مَا سَيَكُونُ قَدْ ذُكِرَ فِيهِ أَخْبَارُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُمْ إذَا أَجْدَبُوا كَشَفُوا عَنْ الْقَبْرِ فَمُطِرُوا فَأَرْسَلَ إلَيْهِ
عُمَرُ يَأْمُرُهُ أَنْ يَحْفِرَ بِالنَّهَارِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَبْرًا وَيَدْفِنُهُ بِاللَّيْلِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا لِئَلَّا يَعْرِفَهُ النَّاسُ ; لِئَلَّا يُفْتَنُوا بِهِ . فَاِتِّخَاذُ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ عَلَيْهَا مَسْجِدًا كَانَ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا أَعْظَمَ . كَذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ : يَحْرُمُ
nindex.php?page=treesubj&link=28697بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَيَجِبُ هَدْمُ كُلِّ مَسْجِدٍ بُنِيَ عَلَى قَبْرٍ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ قُبِرَ فِي مَسْجِدٍ وَقَدْ طَالَ مُكْثُهُ سَوَّى الْقَبْرَ حَتَّى لَا تَظْهَرَ صُورَتُهُ فَإِنَّ الشِّرْكَ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا ظَهَرَتْ صُورَتُهُ وَلِهَذَا كَانَ
مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا مَقْبَرَةً لِلْمُشْرِكِينَ وَفِيهَا نَخْلٌ وَخَرِبٌ فَأَمَرَ بِالْقُبُورِ فَنُبِشَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ وَبِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ فَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَقْبَرَةً فَصَارَ مَسْجِدًا .
[ ص: 464 ] وَلَمَّا كَانَ اتِّخَاذُ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا مُحَرَّمًا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ قَطُّ مَسْجِدٌ عَلَى قَبْرٍ وَكَانَ
الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَغَارَةِ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا وَهِيَ مَسْدُودَةٌ لَا أَحَدَ يَدْخُلُ إلَيْهَا وَلَا تَشُدُّ
الصَّحَابَةُ الرِّحَالَ لَا إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَقَابِرِ ; لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25763لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا } . فَكَانَ يَأْتِي مَنْ يَأْتِي مِنْهُمْ إلَى
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يُصَلُّونَ فِيهِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ لَا يَأْتُونَ مَغَارَةَ
الْخَلِيلِ وَلَا غَيْرَهَا وَكَانَتْ مَغَارَةُ
الْخَلِيلِ مَسْدُودَةً حَتَّى اسْتَوْلَى
النَّصَارَى عَلَى
الشَّامِ فِي أَوَاخِرَ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ فَفَتَحُوا الْبَابَ وَجَعَلُوا ذَلِكَ الْمَكَانَ كَنِيسَةً ثُمَّ لَمَّا فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ الْبِلَادَ اتَّخَذَهُ بَعْضُ النَّاسِ مَسْجِدًا وَأَهْلُ الْعِلْمِ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ بَعْضُهُمْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598028فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ طِيبَةُ انْزِلْ فَصَلِّ فَنَزَلَ فَصَلَّى هَذَا مَكَانُ أَبِيك انْزِلْ فَصَلِّ } . كَذِبٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُصَلِّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ إلَّا فِي
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى خَاصَّةً كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ وَلَا نَزَلَ إلَّا فِيهِ .
وَلِهَذَا لَمَّا قَدِمَ
الشَّامَ مِنْ
الصَّحَابَةِ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ
[ ص: 465 ] وَقَدِمَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا فَتَحَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَبَعْدَ فَتْحِ
الشَّامِ لَمَّا صَالَحَ
النَّصَارَى عَلَى الْجِزْيَةِ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ الشُّرُوطَ الْمَعْرُوفَةَ وَقَدِمَهَا مَرَّةً ثَالِثَةً حَتَّى وَصَلَ إلَى
سرغ وَمَعَهُ أَكَابِرُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى مَغَارَةِ
الْخَلِيلِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=17918_28695آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي بِالشَّامِ لَا
بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا
بِدِمَشْقَ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِثْلَ الْآثَارِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي
بِجَبَلِ قاسيون فِي غَرْبِيِّهِ الرَّبْوَةُ الْمُضَافَةُ إلَى
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِي شَرْقِيِّهِ الْمَقَامُ الْمُضَافُ إلَى
الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِي وَسَطِهِ وَأَعْلَاهُ مَغَارَةُ الدَّمِ الْمُضَافَةُ إلَى
هَابِيلَ لَمَّا قَتَلَهُ
قَابِيلُ فَهَذِهِ الْبِقَاعُ وَأَمْثَالُهَا لَمْ يَكُنْ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ يَقْصِدُونَهَا وَلَا يَزُورُونَهَا وَلَا يَرْجُونَ مِنْهَا بَرَكَةً فَإِنَّهَا مَحَلُّ الشِّرْكِ . وَلِهَذَا تُوجَدُ فِيهَا الشَّيَاطِينُ كَثِيرًا وَقَدْ رَآهُمْ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسِ وَيَقُولُونَ لَهُمْ رِجَالُ الْغَيْبِ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ غَائِبِينَ عَنْ الْأَبْصَارِ وَإِنَّمَا هُمْ جِنُّ وَالْجِنُّ يُسَمَّوْنَ رِجَالًا . كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5525&ayano=72وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } وَالْإِنْسُ سُمُّوا إنْسًا لِأَنَّهُمْ يُؤْنَسُونَ أَيْ يُرَوْنَ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2378&ayano=20إنِّي آنَسْتُ نَارًا } أَيْ رَأَيْتهَا وَالْجِنُّ سُمُّوا جِنًّا لِاجْتِنَانِهِمْ يَجْتَنُّونَ عَنْ الْأَبْصَارِ أَيْ يَسْتَتِرُونَ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=871&ayano=6فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ } أَيْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ فَغَطَّاهُ وَسَتَرَهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْإِنْسِ يَسْتَتِرُ دَائِمًا عَنْ
[ ص: 466 ] أَبْصَارِ الْإِنْسِ وَإِنَّمَا يَقَعُ هَذَا لِبَعْضِ الْإِنْسِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ : تَارَةً عَلَى وَجْهِ الْكَرَامَةِ لَهُ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ بَابِ السِّحْرِ وَعَمَلِ الشَّيَاطِينِ وَلِبَسْطِ الْكَلَامِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ هَذَا مَوْضِعٌ آخَرُ .
وَالْمَقْصُودُ هَاهُنَا : أَنَّ
الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ لَمْ يَبْنُوا قَطُّ عَلَى قَبْرِ نَبِيٍّ وَلَا رَجُلٍ صَالِحٍ مَسْجِدًا وَلَا جَعَلُوهُ مَشْهَدًا وَمَزَارًا وَلَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ مَكَانٍ نَزَلَ فِيهِ أَوْ صَلَّى فِيهِ أَوْ فَعَلَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُونُوا يَقْصِدُونَ بِنَاءَ مَسْجِدٍ لِأَجْلِ آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَلَمْ يَكُنْ جُمْهُورُهُمْ يَقْصِدُونَ الصَّلَاةَ فِي مَكَانٍ لَمْ يَقْصِدْ الرَّسُولُ الصَّلَاةَ فِيهِ بَلْ نَزَلَ فِيهِ أَوْ صَلَّى فِيهِ اتِّفَاقًا بَلْ كَانَ أَئِمَّتُهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=2كَعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ يَنْهَى عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28750_28823_28333قَصْدِ الصَّلَاةِ فِي مَكَانٍ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا وَإِنَّمَا نُقِلَ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ خَاصَّةً أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّى أَنْ يَسِيرَ حَيْثُ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْزِلَ حَيْثُ نَزَلَ وَيُصَلِّيَ حَيْثُ صَلَّى وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصِدْ تِلْكَ الْبُقْعَةَ لِذَلِكَ الْفِعْلِ بَلْ حَصَلَ اتِّفَاقًا وَكَانَ
ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجُلًا صَالِحًا شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ فَرَأَى هَذَا مِنْ الِاتِّبَاعِ . وَأَمَّا أَبُوهُ وَسَائِرُ
الصَّحَابَةِ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ
عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَائِرِ الْعَشْرَةِ وَغَيْرِهِمْ مِثْلَ
ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=32وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بْنِ كَعْبٍ فَلَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ مَا فَعَلَ
ابْنُ عُمَرَ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أَصَحّ .
[ ص: 467 ] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ أَنْ يُفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ لِأَجْلِ أَنَّهُ فَعَلَ . فَإِذَا قَصَدَ الصَّلَاةَ وَالْعِبَادَةَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ كَانَ قَصْدُ الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مُتَابَعَةً لَهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ فَإِنَّ قَصْدَهَا يَكُونُ مُخَالَفَةً لَا مُتَابَعَةً لَهُ . مِثَالُ الْأَوَّلِ لَمَّا قَصَدَ الْوُقُوفَ وَالذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ
بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَبَيْنَ
الْجَمْرَتَيْنِ كَانَ قَصْدُ تِلْكَ الْبِقَاعِ مُتَابَعَةً لَهُ وَكَذَلِكَ لَمَّا طَافَ وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ كَانَ فِعْلُ ذَلِكَ مُتَابَعَةً لَهُ وَكَذَلِكَ لَمَّا صَعِدَ عَلَى
الصَّفَا والمروة لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ كَانَ قَصْدُ ذَلِكَ مُتَابَعَةً لَهُ وَقَدْ كَانَ
سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ قَالَ لِأَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا فَلَمَّا رَآهُ يَقْصِدُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ كَانَ ذَلِكَ الْقَصْدُ لِلصَّلَاةِ مُتَابَعَةً وَكَذَلِكَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598029لَمَّا أَرَادَ عتبان بْنُ مَالِكٍ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لَمَّا عَمِيَ فَأَرْسَلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ إنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي تُصَلِّي فِي مَنْزِلِي فَاتَّخِذْهُ مُصَلًّى وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ تَعَالَ فَحَطَّ لِي مَسْجِدًا فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ شَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِي رِوَايَةٍ فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَتْ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِك ؟ فَأَشَرْت لَهُ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْنَا وَرَاءَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ } . الْحَدِيثُ .
[ ص: 468 ] فَإِنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا وَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مِنْ يُصَلِّي فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَبْنِيَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ فَالْمَقْصُودُ كَانَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَبْنِيهِ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ مَقْصُودَةً لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَكُنْ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ مَقْصُودًا لِأَجْلِ كَوْنِهِ صَلَّى فِيهِ اتِّفَاقًا وَهَذَا الْمَكَانُ مَكَانٌ قَصَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِيهِ لِيَكُونَ مَسْجِدًا فَصَارَ قَصْدُ الصَّلَاةِ فِيهِ مُتَابَعَةً لَهُ بِخِلَافِ مَا اتَّفَقَ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَكَذَلِكَ قَصْدُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ بِالصَّوْمِ مُتَابَعَةً لِأَنَّهُ قَصَدَ صَوْمَ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598030إنَّهُ تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا } . وَكَذَلِكَ قَصْدُ إتْيَانِ
مَسْجِدِ قباء مُتَابَعَةً لَهُ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي
قباء كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1352&ayano=9لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ } وَكَانَ مَسْجِدُهُ هُوَ الْأَحَقَّ بِهَذَا الْوَصْفِ وَقَدْ ثَبَتَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598031فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْمُؤَسَّسِ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ : هُوَ مَسْجِدِي هَذَا } يُرِيدُ أَنَّهُ أَكْمَلُ فِي هَذَا الْوَصْفِ مِنْ
مَسْجِدِ قباء وَمَسْجِدُ قباء أَيْضًا أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَبِسَبَبِهِ نَزَلَتْ الْآيَةُ ; وَلِهَذَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1352&ayano=9فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } وَكَانَ
أَهْلُ قباء مَعَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ . تَعَلَّمُوا ذَلِكَ مِنْ جِيرَانِهِمْ
الْيَهُودِ وَلَمْ تَكُنْ
الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَاكَ هُوَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى دُونَ مَسْجِدِهِ فَذَكَرَ أَنَّ مَسْجِدَهُ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُؤَسَّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1352&ayano=9لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى } يَتَنَاوَلُ مَسْجِدَهُ
وَمَسْجِدَ قباء وَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَسْجِدٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى بِخِلَافِ مَسَاجِدِ الضِّرَارِ . وَلِهَذَا كَانَ
السَّلَفُ يَكْرَهُونَ الصَّلَاةَ فِيمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ وَيَرَوْنَ الْعَتِيقَ أَفْضَلَ مِنْ الْجَدِيدِ ; لِأَنَّ الْعَتِيقَ أَبْعَدُ عَنْ أَنْ يَكُونَ بُنِيَ ضِرَارًا مِنْ الْجَدِيدِ الَّذِي يَخَافُ ذَلِكَ فِيهِ وَعِتْقُ الْمَسْجِدِ مِمَّا يُحْمَدُ بِهِ ; وَلِهَذَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2650&ayano=22ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=392&ayano=3إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ } فَإِنَّ قِدَمَهُ يَقْتَضِي كَثْرَةَ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَيْضًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي زِيَادَةَ فَضْلِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَحِبَّ عُلَمَاءُ
السَّلَفِ مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا قَصْدُ شَيْءٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْمَزَارَاتِ الَّتِي
بِالْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا بَعْدَ
مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلَّا
مَسْجِدَ قباء ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصِدْ مَسْجِدًا بِعَيْنِهِ يَذْهَبُ إلَيْهِ إلَّا هُوَ .
وَقَدْ كَانَ
بِالْمَدِينَةِ مَسَاجِدُ كَثِيرَةٌ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ
الْأَنْصَارِ مَسْجِدٌ لَكِنْ لَيْسَ فِي قَصْدِهِ دُونَ أَمْثَالِهِ فَضِيلَةٌ بِخِلَافِ
مَسْجِدِ قباء فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَسْجِدٍ بُنِيَ
بِالْمَدِينَةِ [ ص: 470 ] عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَدْ قَصَدَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ وَصَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598032مَنْ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قباء لَا يُرِيدُ إلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ كَانَ كَعُمْرَةِ } . وَمَعَ هَذَا فَلَا يُسَافَرُ إلَيْهِ لَكِنْ إذَا كَانَ الْإِنْسَانُ
بِالْمَدِينَةِ أَتَاهُ وَلَا يَقْصِدُ إنْشَاءَ السَّفَرِ إلَيْهِ بَلْ يَقْصِدُ إنْشَاءَ السَّفَرِ إلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25763لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا } وَلِهَذَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=28696_17919_17917نَذَرَ السَّفَرَ إلَى مَسْجِدِ قباء لَمْ يُوَفِّ بِنَذْرِهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبِعَةِ وَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ إلَيْهِ بِاتِّفَاقِهِمْ وَكَذَلِكَ
مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِمْ . وَهُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ وَأَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَفِي الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ; لَكِنَّهُ جَائِزٌ وَمُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا كَانَ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ يَجِبُ بِالنَّذْرِ كُلُّ مَا كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ عَنْ
عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37477مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } . وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا
nindex.php?page=treesubj&link=28696_17918زِيَارَةُ قُبُورِ أَهْلِ الْبَقِيعِ وَشُهَدَاءِ أُحُدٍ ; لِلدُّعَاءِ لَهُمْ وَالِاسْتِغْفَارِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصِدُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ
[ ص: 471 ] هَذَا مَشْرُوعٌ لِجَمِيعِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُسْتَحَبُّ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءُ لَهُمْ وَالِاسْتِغْفَارُ . وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ بِهَذَا الْقَصْدِ مُسْتَحَبَّةٌ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا
أَبَا بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ .