[ ص: 202 ] وقال رحمه الله أما في المسائل الأصولية فكثير من المتكلمة والفقهاء من أصحابنا وغيرهم من يوجب النظر والاستدلال على كل أحد حتى على العامة والنساء حتى يوجبوه في المسائل التي تنازع فيها فضلاء الأمة قالوا : لأن العلم بها واجب ولا يحصل العلم إلا بالنظر الخاص .
وأما جمهور الأمة فعلى خلاف ذلك ; فإن وكثير من الناس عاجز عن العلم بهذه الدقائق فكيف يكلف العلم بها ؟ وأيضا فالعلم قد يحصل بلا نظر خاص بل بطرق أخر : من اضطرار وكشف وتقليد من يعلم أنه مصيب وغير ذلك . ما وجب علمه إنما يجب على من يقدر على تحصيل العلم
وبإزاء هؤلاء قوم من المحدثة والفقهاء والعامة قد يحرمون النظر في دقيق العلم والاستدلال والكلام فيه حتى ذوي المعرفة به وأهل الحاجة إليه من أهله ويوجبون التقليد في هذه المسائل أو الإعراض عن تفصيلها .
[ ص: 203 ] وهذا ليس بجيد أيضا ; فإن العلم النافع مستحب وإنما يكره إذا كان كلاما بغير علم أو حيث يضر فإذا كان كلاما بعلم ولا مضرة فيه فلا بأس به وإن كان نافعا فهو مستحب فلا إطلاق القول بالوجوب صحيحا ولا إطلاق القول بالتحريم صحيحا .
وكذلك المسائل الفروعية : من غالية المتكلمة والمتفقهة من يوجب النظر والاجتهاد فيها على كل أحد حتى على العامة وهذا ضعيف ; لأنه لو كان طلب علمها واجبا على الأعيان فإنما يجب مع القدرة والقدرة على معرفتها من الأدلة المفصلة تتعذر أو تتعسر على أكثر العامة .
وبإزائهم من أتباع المذاهب من يوجب التقليد فيها على جميع من بعد الأئمة : علمائهم ; وعوامهم .
ومن هؤلاء من يوجب التقليد بعد عصر أبي حنيفة ومالك مطلقا ثم ؟ على وجهين . وهذان الوجهان ذكرهما أصحاب هل يجب على كل واحد اتباع شخص معين من الأئمة يقلده في عزائمه ورخصه أحمد والشافعي لكن هل يجب على العامي ذلك ؟ والذي عليه جماهير الأمة أن لا يوجبون الاجتهاد على كل أحد ويحرمون التقليد ولا يوجبون التقليد على كل أحد ويحرمون الاجتهاد وأن الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد . فأما القادر على الاجتهاد فهل يجوز له التقليد ؟ هذا فيه خلاف والصحيح أنه يجوز حيث عجز عن الاجتهاد : إما لتكافؤ الأدلة وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد وإما لعدم ظهور دليل له ; فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه وانتقل إلى بدله وهو التقليد كما لو عجز عن الطهارة بالماء . الاجتهاد جائز في الجملة ; والتقليد [ ص: 204 ] جائز في الجملة
وكذلك جاز له الاجتهاد فإن الاجتهاد منصب يقبل التجزي والانقسام فالعبرة بالقدرة والعجز وقد يكون الرجل قادرا في بعض عاجزا في بعض لكن العامي إذا أمكنه الاجتهاد في بعض المسائل فأما مسألة واحدة من فن فيبعد الاجتهاد فيها والله سبحانه أعلم . القدرة على الاجتهاد لا تكون إلا بحصول علوم تفيد معرفة المطلوب