الفصل الثاني في دخولها فنقول : ليس لأحد أن يحتج على كراهة دخولها أو عدم استحبابه بكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخلها ولا
أبو بكر وعمر فإن
[ ص: 314 ] هذا إنما يكون حجة لو امتنعوا من
nindex.php?page=treesubj&link=301دخول الحمام وقصدوا اجتنابها أو أمكنهم دخولها فلم يدخلوها وقد علم أنه لم يكن في بلادهم حينئذ حمام فليس إضافة عدم الدخول إلى وجود مانع الكراهة أو عدم ما يقتضي الاستحباب بأولى من إضافته إلى فوات شرط الدخول وهو القدرة والإمكان .
وهذا كما أن ما خلقه الله في سائر الأرض من القوت واللباس والمراكب والمساكن لم يكن كل نوع منه كان موجودا في
الحجاز فلم يأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من كل نوع من أنواع الطعام القوت والفاكهة ولا لبس من كل نوع من أنواع اللباس . ثم إن من كان من المسلمين بأرض أخرى :
كالشام ومصر والعراق واليمن وخراسان وأرمينية وأذربيجان والمغرب وغير ذلك عندهم أطعمة وثياب مجلوبة عندهم أو مجلوبة من مكان آخر فليس لهم أن يظنوا ترك الانتفاع بذلك الطعام واللباس سنة ; لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل مثله ولم يلبس مثله ; إذ عدم الفعل إنما هو عدم دليل واحد من الأدلة الشرعية وهو أضعف من القول باتفاق العلماء وسائر الأدلة من أقواله : كأمره ونهيه وإذنه من قول الله تعالى . . هي أقوى وأكبر ولا يلزم من عدم دليل معين عدم سائر الأدلة الشرعية .
[ ص: 315 ] وكذلك إجماع
الصحابة أيضا من أقوى الأدلة الشرعية فنفي الحكم بالاستحباب لانتفاء دليل معين من غير تأمل باقي الأدلة خطأ عظيم فإن الله يقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4269&ayano=41وقدر فيها أقواتها } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4531&ayano=45وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1925&ayano=16والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون } ولم تكن البغال موجودة
بأرض العرب ولم يركب النبي صلى الله عليه وسلم بغلة إلا البغلة التي أهداها له
المقوقس من
أرض مصر بعد صلح
الحديبية . وهذه الآية نزلت
بمكة . ومثلها في القرآن : يمتن الله على عباده بنعمه التي لم تكن
بأرض الحجاز كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5862&ayano=80فلينظر الإنسان إلى طعامه } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5863&ayano=80أنا صببنا الماء صبا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5864&ayano=80ثم شققنا الأرض شقا } . {
nindex.php?page=tafseer&surano=5865&ayano=80فأنبتنا فيها حبا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5866&ayano=80وعنبا وقضبا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5867&ayano=80وزيتونا ونخلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5868&ayano=80وحدائق غلبا } . {
nindex.php?page=tafseer&surano=5869&ayano=80وفاكهة وأبا } .
ولم يكن
بأرض الحجاز زيتون ولا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل زيتونا . ولكن لعل الزيت كان يجلب إليهم .
وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6194&ayano=95والتين والزيتون } ولم يكن بأرضهم لا هذا ولا هذا ولا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل منهما وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2716&ayano=23وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين } وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598669كلوا الزيت وادهنوا [ ص: 316 ] به فإنه من شجرة مباركة } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2850&ayano=24الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار } . وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5868&ayano=80وحدائق غلبا } .
وكذلك قوله في البحر : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1931&ayano=16لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4380&ayano=43والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4381&ayano=43لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4382&ayano=43وإنا إلى ربنا لمنقلبون } ولم يركب النبي صلى الله عليه وسلم البحر ولا
أبو بكر ولا
عمر . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598670وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بمن يركب البحر من أمته غزاة في سبيل الله كأنهم ملوك على الأسرة - لأم حرام بنت ملحان - وقالت : ادع الله أن يجعلني منهم فقال : أنت منهم } .
وكانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يطعم ما يجده في أرضه ويلبس ما يجده ويركب ما يجده مما أباحه الله تعالى فمن استعمل ما يجده في أرضه فهو المتبع للسنة . كما أنه حج
البيت من مدينته فمن حج
البيت من مدينة نفسه فهو المتبع للسنة وإن لم تكن هذه المدينة تلك .
[ ص: 317 ] وكان صلى الله عليه وسلم يجاهد من يليه من الكفار من
المشركين وأهل الكتاب فمن جاهد من يليه من هؤلاء فقد اتبع السنة وإن كان نوع هؤلاء غير نوع أولئك إذ أولئك كان غالبهم عربا ولهم نوع من الشرك هم عليه فمن جاهد سائر
المشركين : تركهم وهندهم وغيرهم فقد فعل ما أمر الله به . وإن كانت أصنامهم ليست تلك الأصنام .
ومن جاهد
اليهود والنصارى فقد اتبع السنة وإن كان هؤلاء
اليهود والنصارى من نوع آخر غير النوع الذين جاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه جاهد
يهود المدينة :
كقريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر ; وضرب الجزية على
نصارى نجران ; وغزا
نصارى الشام عربها ورومها عام
تبوك ولم يكن فيها قتال وأرسل إليهم
زيدا وجعفرا وعبد الله بن رواحة قاتلوهم في غزوة
مؤتة . وقال : أميركم
زيد فإن قتل
فجعفر فإن قتل
فعبد الله بن رواحة .
وصالح
أهل البحرين وكانوا مجوسا على الجزية وهم
أهل هجر وفي الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598671أنه قدم مال البحرين فجعله في المسجد وما ثاب حتى قسمه } وهذا باب واسع قد بسطناه في غير هذا الموضع وميزنا بين السنة والبدعة وبينا أن
nindex.php?page=treesubj&link=21369السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله سواء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعل
[ ص: 318 ] على زمانه أو لم يفعله ولم يفعل على زمانه لعدم المقتضي حينئذ لفعله أو وجود المانع منه .
فإنه إذا ثبت أنه أمر به أو استحبه فهو سنة . كما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598672أمر بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب } وكما جمع
الصحابة القرآن في المصحف وكما داوموا على قيام رمضان في المسجد جماعة وقد قال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30560لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه } فشرع كتابة القرآن ; وأما كتابة الحديث فنهى عنها أولا وذلك منسوخ عند جمهور العلماء بإذنه
لعبد الله بن عمرو أن يكتب عنه ما سمعه في الغضب والرضا وبإذنه
لأبي شاه أن يكتب له خطبته عام الفتح وبما كتبه
لعمرو بن حزم من الكتاب الكبير الذي كتبه له لما استعمله على
نجران وبغير ذلك .
والمقصود : هنا أن كتابة القرآن مشروعة لكن لم يجمعه في مصحف واحد . لأن نزوله لم يكن تم وكانت الآية قد تنسخ بعد نزولها فلوجود الزيادة والنقص لم يمكن جمعه في مصحف واحد حتى مات . وكذلك قيام رمضان . قد قال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598673إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة } وقام في أول الشهر بهم ليلتين وقام في آخر الشهر ليالي وكان الناس يصلون على عهده في المسجد فرادى وجماعات لكن لم يداوم بهم على الجماعة خشية أن
[ ص: 319 ] تفرض عليهم وقد أمن ذلك بموته .
وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أهل السنن وصححه
الترمذي وغيره : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46865عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة } فما سنه
الخلفاء الراشدون ليس بدعة شرعية ينهى عنها وإن كان يسمى في اللغة بدعة لكونه ابتدئ . كما قال
عمر : نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل وقد بسطنا ذلك في قاعدة .
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي دُخُولِهَا فَنَقُولُ : لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى كَرَاهَةِ دُخُولِهَا أَوْ عَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ بِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْخُلْهَا وَلَا
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَإِنَّ
[ ص: 314 ] هَذَا إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً لَوْ امْتَنَعُوا مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=301دُخُولِ الْحَمَّامِ وَقَصَدُوا اجْتِنَابَهَا أَوْ أَمْكَنَهُمْ دُخُولُهَا فَلَمْ يَدْخُلُوهَا وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي بِلَادِهِمْ حِينَئِذٍ حَمَّامٌ فَلَيْسَ إضَافَةُ عَدَمِ الدُّخُولِ إلَى وُجُودِ مَانِعِ الْكَرَاهَةِ أَوْ عَدَمِ مَا يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَابَ بِأَوْلَى مِنْ إضَافَتِهِ إلَى فَوَاتِ شَرْطِ الدُّخُولِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ وَالْإِمْكَانُ .
وَهَذَا كَمَا أَنَّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ فِي سَائِرِ الْأَرْضِ مِنْ الْقُوتِ وَاللِّبَاسِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْمَسَاكِنِ لَمْ يَكُنْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي
الْحِجَازِ فَلَمْ يَأْكُلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ الْقُوتِ وَالْفَاكِهَةِ وَلَا لَبِسَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ اللِّبَاسِ . ثُمَّ إنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِ أُخْرَى :
كَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ وَخُرَاسَانَ وأرمينية وَأَذْرَبِيجَانَ وَالْمَغْرِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَطْعِمَةٌ وَثِيَابٌ مَجْلُوبَةٌ عِنْدَهُمْ أَوْ مَجْلُوبَةٌ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَظُنُّوا تَرْكَ الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ سُنَّةً ; لِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْكُلْ مِثْلَهُ وَلَمْ يَلْبَسْ مِثْلَهُ ; إذْ عَدَمُ الْفِعْلِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ دَلِيلٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْقَوْلِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَسَائِرِ الْأَدِلَّةِ مِنْ أَقْوَالِهِ : كَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَإِذْنِهِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى . . هِيَ أَقْوَى وَأَكْبَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ عَدَمُ سَائِرِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ .
[ ص: 315 ] وَكَذَلِكَ إجْمَاعُ
الصَّحَابَةِ أَيْضًا مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَنَفْيُ الْحُكْمِ بِالِاسْتِحْبَابِ لِانْتِفَاءِ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلِ بَاقِي الْأَدِلَّةِ خَطَأٌ عَظِيمٌ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4269&ayano=41وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4531&ayano=45وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1925&ayano=16وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَلَمْ تَكُنْ الْبِغَالُ مَوْجُودَةً
بِأَرْضِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَرْكَبْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً إلَّا الْبَغْلَةَ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ
الْمُقَوْقَسُ مِنْ
أَرْضِ مِصْرَ بَعْدَ صُلْحِ
الْحُدَيْبِيَةِ . وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ
بِمَكَّةَ . وَمِثْلُهَا فِي الْقُرْآنِ : يَمْتَنُّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ بِنِعَمِهِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ
بِأَرْضِ الْحِجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5862&ayano=80فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إلَى طَعَامِهِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5863&ayano=80أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5864&ayano=80ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا } . {
nindex.php?page=tafseer&surano=5865&ayano=80فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5866&ayano=80وَعِنَبًا وَقَضْبًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5867&ayano=80وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5868&ayano=80وَحَدَائِقَ غُلْبًا } . {
nindex.php?page=tafseer&surano=5869&ayano=80وَفَاكِهَةً وَأَبًّا } .
وَلَمْ يَكُنْ
بِأَرْضِ الْحِجَازِ زَيْتُونٌ وَلَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَكَلَ زَيْتُونًا . وَلَكِنْ لَعَلَّ الزَّيْتَ كَانَ يُجْلَبُ إلَيْهِمْ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6194&ayano=95وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ } وَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِهِمْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا وَلَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2716&ayano=23وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ } وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598669كُلُوا الزَّيْتَ وَادْهُنُوا [ ص: 316 ] بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2850&ayano=24الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5868&ayano=80وَحَدَائِقَ غُلْبًا } .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1931&ayano=16لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4380&ayano=43وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4381&ayano=43لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4382&ayano=43وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } وَلَمْ يَرْكَبْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَحْرَ وَلَا
أَبُو بَكْرٍ وَلَا
عُمَرُ . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598670وَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ يَرْكَبُ الْبَحْرَ مِنْ أُمَّتِهِ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَأَنَّهُمْ مُلُوكٌ عَلَى الْأَسِرَّةِ - لِأُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ ملحان - وَقَالَتْ : اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ : أَنْتِ مِنْهُمْ } .
وَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَطْعَمُ مَا يَجِدُهُ فِي أَرْضِهِ وَيَلْبَسُ مَا يَجِدُهُ وَيَرْكَبُ مَا يَجِدُهُ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ اسْتَعْمَلَ مَا يَجِدُهُ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ الْمُتَّبِعُ لِلسُّنَّةِ . كَمَا أَنَّهُ حَجَّ
الْبَيْتَ مِنْ مَدِينَتِهِ فَمَنْ حَجَّ
الْبَيْتَ مِنْ مَدِينَةِ نَفْسِهِ فَهُوَ الْمُتَّبِعُ لِلسُّنَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَدِينَةُ تِلْكَ .
[ ص: 317 ] وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاهِدُ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْكُفَّارِ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فَمَنْ جَاهَدَ مَنْ يَلِيهِ مِنْ هَؤُلَاءِ فَقَدْ اتَّبَعَ السُّنَّةَ وَإِنْ كَانَ نَوْعُ هَؤُلَاءِ غَيْرَ نَوْعِ أُولَئِكَ إذْ أُولَئِكَ كَانَ غَالِبُهُمْ عَرَبًا وَلَهُمْ نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ هُمْ عَلَيْهِ فَمَنْ جَاهَدَ سَائِرَ
الْمُشْرِكِينَ : تُرْكَهُمْ وَهِنْدَهُمْ وَغَيْرَهُمْ فَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ . وَإِنْ كَانَتْ أَصْنَامُهُمْ لَيْسَتْ تِلْكَ الْأَصْنَامَ .
وَمَنْ جَاهَدَ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَقَدْ اتَّبَعَ السُّنَّةَ وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ نَوْعٍ آخَرَ غَيْرِ النَّوْعِ الَّذِينَ جَاهَدَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ جَاهَدَ
يَهُودَ الْمَدِينَةِ :
كقريظة وَالنَّضِيرِ وَبَنِيَّ قَيْنُقَاعَ وَيَهُودَ خَيْبَرَ ; وَضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى
نَصَارَى نَجْرَانَ ; وَغَزَا
نَصَارَى الشَّامِ عَرَبَهَا وَرُومَهَا عَامَ
تَبُوكَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ
زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ قَاتَلُوهُمْ فِي غَزْوَةِ
مُؤْتَةَ . وَقَالَ : أَمِيرُكُمْ
زَيْدٌ فَإِنْ قُتِلَ
فَجَعْفَرٌ فَإِنْ قُتِلَ
فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ .
وَصَالَحَ
أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَكَانُوا مَجُوسًا عَلَى الْجِزْيَةِ وَهُمْ
أَهْلُ هَجْرَ وَفِي الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598671أَنَّهُ قَدِمَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ فَجَعَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا ثَابَ حَتَّى قَسَمَهُ } وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَمَيَّزْنَا بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَبَيَّنَّا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21369السُّنَّةَ هِيَ مَا قَامَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ سَوَاءٌ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فُعِلَ
[ ص: 318 ] عَلَى زَمَانِهِ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَمْ يُفْعَلْ عَلَى زَمَانِهِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي حِينَئِذٍ لِفِعْلِهِ أَوْ وُجُودِ الْمَانِعِ مِنْهُ .
فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ أَوْ اسْتَحَبَّهُ فَهُوَ سُنَّةٌ . كَمَا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598672أَمَرَ بِإِجْلَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ } وَكَمَا جَمَعَ
الصَّحَابَةُ الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ وَكَمَا دَاوَمُوا عَلَى قِيَامِ رَمَضَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30560لَا تَكْتُبُوا عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ } فَشَرَعَ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ ; وَأَمَّا كِتَابَةُ الْحَدِيثِ فَنَهَى عَنْهَا أَوَّلًا وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ بِإِذْنِهِ
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنْ يَكْتُبَ عَنْهُ مَا سَمِعَهُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَبِإِذْنِهِ
لِأَبِي شاه أَنْ يَكْتُبَ لَهُ خُطْبَتَهُ عَامَ الْفَتْحِ وَبِمَا كَتَبَهُ
لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مِنْ الْكِتَابِ الْكَبِيرِ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى
نَجْرَانَ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَالْمَقْصُودُ : هُنَا أَنَّ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ مَشْرُوعَةٌ لَكِنْ لَمْ يَجْمَعْهُ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ . لِأَنَّ نُزُولَهُ لَمْ يَكُنْ تَمَّ وَكَانَتْ الْآيَةُ قَدْ تُنْسَخُ بَعْدَ نُزُولِهَا فَلِوُجُودِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ لَمْ يُمْكِنْ جَمْعُهُ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ حَتَّى مَاتَ . وَكَذَلِكَ قِيَامُ رَمَضَانَ . قَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598673إنَّ الرَّجُلَ إذَا قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ } وَقَامَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ بِهِمْ لَيْلَتَيْنِ وَقَامَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ لَيَالِيَ وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ عَلَى عَهْدِهِ فِي الْمَسْجِدِ فُرَادَى وَجَمَاعَاتٍ لَكِنْ لَمْ يُدَاوِمْ بِهِمْ عَلَى الْجَمَاعَةِ خَشْيَةَ أَنْ
[ ص: 319 ] تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ .
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46865عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } فَمَا سَنَّهُ
الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ لَيْسَ بِدْعَةً شَرْعِيَّةً يُنْهَى عَنْهَا وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ بِدْعَةً لِكَوْنِهِ اُبْتُدِئَ . كَمَا قَالَ
عُمَرُ : نِعْمَت الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي قَاعِدَةٍ .