فصل قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء } الآية . هذا مما أشكل على بعض الناس .
فقال طائفة من الناس : " أو " بمعنى الواو وجعلوا التقدير : وجاء أحد منكم من الغائط . ولامستم النساء .
قالوا : لأن من مقتضى " أو " أن يكون كل من المرض والسفر موجبا للتيمم ; كالغائط والملامسة . وهذا مخالف لمعنى الآية
[ ص: 382 ] فإن " أو " ضد الواو : والواو : للجمع والتشريك بين المعطوف والمعطوف عليه .
وأما معنى : " أو " فلا يوجب الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه بل يقتضي إثبات أحدهما . لكن قد يكون ذلك مع إباحة الآخر كقوله : جالس الحسن أو ابن سيرين ; وتعلم الفقه أو النحو ; ومنه خصال الكفارة يخير بينها ولو فعل الجميع جاز . وقد يكون مع الحصر ; يقال للمريض : كل هذا أو هذا . وكذلك في الخبر : هي لإثبات أحدهما إما مع عدم علم المخاطب . وهو الشك أو مع علمه وهو الإيهام كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3972&ayano=37وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } لكن المعنى الذي أراده : هو الأصح وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=337_17801خطابه بالتيمم : للمريض والمسافر وإن كان قد جاء من الغائط أو جامع .
ولا ينبغي - على قولهم - أن يكون المراد : أن لا يباح التيمم إلا مع هذين . بل التقدير : بالاحتلام أو حدث بلا غائط فالتيمم هنا أولى وهو سبحانه لما أمر كل قائم إلى الصلاة بالوضوء أمرهم إذا كانوا جنبا : أن يطهروا وفيهم المحدث بغير الغائط كالقائم من النوم والذي خرجت منه الريح . ومنهم الجنب بغير جماع بل باحتلام . فالآية عمت كل محدث وكل جنب . فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وإن كنتم مرضى أو على سفر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4فتيمموا } فأباح
nindex.php?page=treesubj&link=17801التيمم للمحدث والجنب إذا [ ص: 383 ] كان مريضا أو على سفر ولم يجد ماء . والتيمم رخصة .
فقد يظن الظان : أنها لا تباح إلا مع خفيف الحدث والجنابة كالريح والاحتلام بخلاف الغائط والجماع . فإن التيمم مع ذلك والصلاة معه : مما تستعظمه النفوس وتهابه . فقد أنكر بعض كبار
الصحابة تيمم الجنب مطلقا . وكثير من الناس يهاب الصلاة مع الحدث بالتيمم إذ كان جعل التراب طهورا كالماء : هو مما فضل الله به
محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته . ومن لم يستحكم إيمانه : لا يستجيز ذلك .
فبين الله سبحانه : أن التيمم مأمور به مع تغليظ الحدث بالغائط وتغليظ الجنابة بالجماع . والتقدير : وإن كنتم مرضى أو مسافرين أو كان - مع ذلك - جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء .
ليس المقصود : أن يجعل الغائط والجماع فيما ليس معه مرض أو سفر . فإنه إذا جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء وليسوا مرضى ولا مسافرين . فقد بين ذلك بقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } وبقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5وإن كنتم جنبا فاطهروا } فدلت الآية على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=8_247الوضوء والغسل على الصحيح والمقيم .
وأيضا فتخصيصه المجيء من الغائط والجماع : يجوز أن يكون لا يتيمم في هذه الحالة دون ما هو أخف من ذلك من خروج الريح ومن
[ ص: 384 ] الاحتلام . فإن الريح كالنوم والاحتلام يكون في المنام . فهناك يحصل الحدث والجنابة والإنسان نائم . فإذا كان في تلك الحال يؤمر بالوضوء والغسل فإذا حصل ذلك وهو يقظان : فهو أولى بالوجوب . لأن النائم رفع عنه القلم بخلاف اليقظان .
ولكن دلت الآية على أن الطهارة تجب وإن حصل الحدث والجنابة بغير اختياره كحدث النائم واحتلامه . وإذا دلت على وجوب طهارة الماء في الحال فوجوبها مع الحدث الذي حصل باختياره أو يقظته : أولى . وهذا بخلاف التيمم . فإنه لا يلزم إذا أباح التيمم للمعذور الذي أحدث في النوم باحتلام أو ريح : أن يبيحه لمن أحدث باختياره فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء } ليبين جواز التيمم لهذين . وإن حصل حدثهما في اليقظة وبفعلهما وإن كان غليظا .
ولو كانت " أو " بمعنى الواو : كان تقدير الكلام : أن
nindex.php?page=treesubj&link=315_316التيمم لا يباح إلا بوجود الشرطين - المرض والسفر - مع المجيء من الغائط والاحتلام . فيلزم من هذا أن لا يباح مع الاحتلام ولا مع الحدث بلا غائط كحدث النائم ومن خرجت منه الريح . فإن الحكم إذا علق بشرطين لم يثبت مع أحدهما . وهذا ليس مرادا قطعا بل هو ضد
[ ص: 385 ] الحق ; لأنه إذا أبيح مع الغائط الذي يحصل بالاختيار فمع الخفيف وعدم الاختيار أولى .
فتبين أن معنى الآية : وإن كنتم مرضى أو على سفر فتيمموا . وإن كان مع ذلك قد جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء . كما يقال : وإن كنت مريضا أو مسافرا . والتقدير : وإن كنتم أيها القائمون إلى الصلاة - وأنتم مرضى أو مسافرين - قد جئتم من الغائط أو لامستم النساء ; ولهذا قال من قال : إنها خطاب للقائمين من النوم : إن التقدير إذا قمتم إلى الصلاة أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء .
فإنه سبحانه ذكر أولا فعلهم بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذا قمتم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء } الثلاثة أفعال . وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وإن كنتم مرضى أو على سفر } حال لهم . أي كنتم على هذه الحال . كقوله : وإن كنتم على حال العجز عن استعمال الماء - إما لعدمه أو لخوف الضرر باستعماله - فتيمموا إذا قمتم إلى الصلاة من النوم . أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء .
ولكن الذي رجحناه : أن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذا قمتم } عام : إما لفظا ومعنى . وإما معنى .
[ ص: 386 ] وعلى هذا فالمعنى : إذا قمتم إلى الصلاة فتوضئوا أو اغتسلوا إن كنتم جنبا وإن كنتم مرضى أو مسافرين أو فعلتم ما هو أبلغ في الحدث - جئتم من الغائط أو لامستم النساء - إذ التقدير : وإن كنتم مرضى أو مسافرين وقد قمتم إلى الصلاة أو فعلتم - مع القيام إلى الصلاة والمرض أو السفر - هذين الأمرين المجيء من الغائط والجماع . فيكون قد اجتمع قيامكم إلى الصلاة والمرض والسفر وأحد هذين . فالقيام موجب للطهارة والعذر مبيح وهذا القيام . فإذا قمتم وجب التيمم إن كان قياما مجردا . أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء .
ولكن من الناس من يعطف قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4أو جاء } {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4أو لامستم } على قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذا قمتم } والتقدير : وإذا قمتم أو جاء أو لامستم . وهذا مخالف لنظم الآية . فإن نظمها يقتضي أن هذا داخل في جزاء الشرط . وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا } فإن الذي قاله قريب من جهة المعنى . ولكن التقدير : وإن كنتم إذا قمتم إلى الصلاة مرضى أو على سفر أو كان مع ذلك : جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء . فهو تقسيم من مفرد ومركب .
يقول : إن كنتم مرضى أو على سفر قائمين إلى الصلاة فقط بالقيام
[ ص: 387 ] من النوم أو القعود المعتاد . أو كنتم - مع هذا - : قد جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء .
فقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وإن كنتم مرضى أو على سفر } خطاب لمن قيل لهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5وإن كنتم جنبا فاطهروا } فالمعنى يا أيها القائم إلى الصلاة توضأ . وإن كنت جنبا فاغتسل . وإن كنت مريضا أو مسافرا تيمم . أو كنت مع هذا وهذا مع قيامك إلى الصلاة وأنت محدث أو جنب . ومع مرضك وسفرك قد جئت من الغائط أو لامست النساء : فتيمم إن كنت معذورا .
وإيضاح هذا : أنه من باب عطف الخاص على العام الذي يخص بالذكر لامتيازه . وتخصيصه يقتضي ذلك . ومثل هذا يقال : إنه داخل في العام ثم ذكر بخصوصه . ويقال : بل ذكره خاصا يمنع دخوله في العام . وهذا يجيء في العطف بأو وأما بالواو : فمثل قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2وملائكته ورسله وجبريل وميكال } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3573&ayano=33وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم } الآية ومن هذا قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3414&ayano=29إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } ونحو ذلك .
وأما في " أو " ففي مثل قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=431&ayano=3والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=607&ayano=4ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=609&ayano=4ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=191&ayano=2فمن خاف من موص جنفا أو إثما } فإن الجنف هو الميل عن الحق وإن كان عامدا .
قال عامة المفسرين " الجنف " الخطأ و " الإثم " العمد . قال أبو سليمان الدمشقي : الجنف : الخروج عن الحق . وقد يسمى " المخطئ العامد " إلا أن المفسرين علقوا " الجنف " على المخطئ و " الإثم " على العامد . ومثله قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5691&ayano=76ولا تطع منهم آثما أو كفورا } فإن " الكفور " هو الآثم أيضا . لكنه عطف خاص على عام . وقد قيل : هما وصفان لموصوف واحد وهو أبلغ . فإن عطف الصفة على الصفة والموصوف واحد كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6037&ayano=87الذي خلق فسوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87والذي قدر فهدى } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5135&ayano=57هو الأول والآخر والظاهر والباطن } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2697&ayano=23قد أفلح المؤمنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2698&ayano=23الذين هم في صلاتهم خاشعون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2699&ayano=23والذين هم عن اللغو معرضون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2700&ayano=23والذين هم للزكاة فاعلون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2701&ayano=23والذين هم لفروجهم حافظون } ونظائر هذا كثيرة .
قال
ابن زيد : الآثم المذنب الظالم والكفور . هذا كله واحد . قال
Multitarajem.php?tid=13365,13366ابن عطية : هو مخير في أنه يعرف الذي ينبغي أن لا يطيعه بأي وصف كان من هذين ; لأن كل واحد منهم فهو آثم وهو كفور
[ ص: 389 ] ولم يكن للأمة من الكثرة بحيث يغلب الإثم على المعاصي . قال : واللفظ إنما يقتضي نهي الإمام عن طاعة آثم من العصاة أو كفور من المشركين .
وقال
أبو عبيدة وغيره : ليس فيها تخيير " أو " بمعنى الواو . وكذلك قال طائفة : منهم
البغوي وابن الجوزي .
وقال
المهدي : أي لا تطع من أثم أو كفر . ودخول " أو " يوجب أن لا تطيع كل واحد منهما على انفراده . ولو قال : ولا تطع منهما آثما أو كفورا لم يلزم النهي إلا في حال اجتماع الوصفين .
وقد يقال : إن " الكفور " هو الجاحد للحق وإن كان مجتهدا مخطئا . فيكون هذا أعم من وجه وهذا أعم من وجه التمسك .
وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء } من هذا الباب . فإنه خاطب المؤمنين . فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } وهذا يتناول المحدثين كما تقدم . ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5وإن كنتم جنبا فاطهروا } ثم قال " وإن كنتم - مع الحدث والجنابة - مرضى أو على سفر ولم تجدوا ماء فتيمموا "
[ ص: 390 ] وهذا يتناول كل محدث سواء كان قد جاء من الغائط أو لم يجئ كالمستيقظ من نومه . والمستيقظ إذا خرجت منه الريح . ويتناول كل جنب سواء كانت جنابته باحتلام أو جماع . فقال " وإن كنتم محدثون - جنب مرضى أو على سفر - أو جاء أحد منكم من الغائط " وهذا نوع خاص من الحدث {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4أو لامستم النساء } وهذا نوع خاص من الجنابة .
ثم قد يقال : " لفظ الجنب " يتناول النوعين وخص المجامع بالذكر وكذلك " القائم إلى الصلاة " يتناول من جاء من الغائط ومن أحدث بدون ذلك لكن خص الجائي بالذكر كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=191&ayano=2فمن خاف من موص جنفا أو إثما } فالآثم هو المتعمد وتخصيصه بالذكر - وإن كان دخل - ليبين حكمه بخصوصه ولئلا يظن خروجه عن اللفظ العام . وإن كان لم يدخل فهو نوع آخر . والتقدير : إن كنتم مرضى أو على سفر فتيمموا . وهذا معنى الآية .
فَصْلٌ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } الْآيَةَ . هَذَا مِمَّا أَشْكَلَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ .
فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ : " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ وَجَعَلُوا التَّقْدِيرَ : وَجَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ . وَلَامَسْتُمْ النِّسَاءَ .
قَالُوا : لِأَنَّ مِنْ مُقْتَضَى " أَوْ " أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ مُوجِبًا لِلتَّيَمُّمِ ; كَالْغَائِطِ وَالْمُلَامَسَةِ . وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَعْنَى الْآيَةِ
[ ص: 382 ] فَإِنَّ " أَوْ " ضِدُّ الْوَاوِ : وَالْوَاوُ : لِلْجَمْعِ وَالتَّشْرِيكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا مَعْنَى : " أَوْ " فَلَا يُوجِبُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بَلْ يَقْتَضِي إثْبَاتَ أَحَدِهِمَا . لَكِنْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ إبَاحَةِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ : جَالِسْ الْحَسَنَ أَوْ ابْنَ سيرين ; وَتَعَلَّمْ الْفِقْهَ أَوْ النَّحْوَ ; وَمِنْهُ خِصَالُ الْكَفَّارَةِ يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَلَوْ فَعَلَ الْجَمِيعَ جَازَ . وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْحَصْرِ ; يُقَالُ لِلْمَرِيضِ : كُلْ هَذَا أَوْ هَذَا . وَكَذَلِكَ فِي الْخَبَرِ : هِيَ لِإِثْبَاتِ أَحَدِهِمَا إمَّا مَعَ عَدَمِ عِلْمِ الْمُخَاطَبِ . وَهُوَ الشَّكُّ أَوْ مَعَ عِلْمِهِ وَهُوَ الْإِيهَامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3972&ayano=37وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } لَكِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ : هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=337_17801خِطَابَهُ بِالتَّيَمُّمِ : لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ جَامَعَ .
وَلَا يَنْبَغِي - عَلَى قَوْلِهِمْ - أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : أَنْ لَا يُبَاحَ التَّيَمُّمُ إلَّا مَعَ هَذَيْنِ . بَلْ التَّقْدِيرُ : بِالِاحْتِلَامِ أَوْ حَدَثٍ بِلَا غَائِطٍ فَالتَّيَمُّمُ هُنَا أَوْلَى وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَمَرَ كُلَّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ أَمَرَهُمْ إذَا كَانُوا جُنُبًا : أَنْ يَطَّهَّرُوا وَفِيهِمْ الْمُحْدِثُ بِغَيْرِ الْغَائِطِ كَالْقَائِمِ مِنْ النَّوْمِ وَاَلَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الرِّيحُ . وَمِنْهُمْ الْجُنُبُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ بَلْ بِاحْتِلَامِ . فَالْآيَةُ عَمَّتْ كُلَّ مُحْدِثٍ وَكُلَّ جُنُبٍ . فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4فَتَيَمَّمُوا } فَأَبَاحَ
nindex.php?page=treesubj&link=17801التَّيَمُّمَ لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ إذَا [ ص: 383 ] كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً . وَالتَّيَمُّمُ رُخْصَةٌ .
فَقَدْ يَظُنُّ الظَّانُّ : أَنَّهَا لَا تُبَاحُ إلَّا مَعَ خَفِيفِ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ كَالرِّيحِ وَالِاحْتِلَامِ بِخِلَافِ الْغَائِطِ وَالْجِمَاعِ . فَإِنَّ التَّيَمُّمَ مَعَ ذَلِكَ وَالصَّلَاةَ مَعَهُ : مِمَّا تَسْتَعْظِمُهُ النُّفُوسُ وَتَهَابُهُ . فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ كِبَارِ
الصَّحَابَةِ تَيَمُّمَ الْجُنُبِ مُطْلَقًا . وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَهَابُ الصَّلَاةَ مَعَ الْحَدَثِ بِالتَّيَمُّمِ إذْ كَانَ جَعْلُ التُّرَابِ طَهُورًا كَالْمَاءِ : هُوَ مِمَّا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتَهُ . وَمَنْ لَمْ يَسْتَحْكِمْ إيمَانُهُ : لَا يَسْتَجِيزُ ذَلِكَ .
فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : أَنَّ التَّيَمُّمَ مَأْمُورٌ بِهِ مَعَ تَغْلِيظِ الْحَدَثِ بِالْغَائِطِ وَتَغْلِيظِ الْجَنَابَةِ بِالْجِمَاعِ . وَالتَّقْدِيرُ : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ مُسَافِرِينَ أَوْ كَانَ - مَعَ ذَلِكَ - جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ .
لَيْسَ الْمَقْصُودُ : أَنْ يُجْعَلَ الْغَائِطُ وَالْجِمَاعُ فِيمَا لَيْسَ مَعَهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ . فَإِنَّهُ إذَا جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ وَلَيْسُوا مَرْضَى وَلَا مُسَافِرِينَ . فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } وَبِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=8_247الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمُقِيمِ .
وَأَيْضًا فَتَخْصِيصُهُ الْمَجِيءَ مِنْ الْغَائِطِ وَالْجِمَاعِ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا يَتَيَمَّمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ خُرُوجِ الرِّيحِ وَمِنْ
[ ص: 384 ] الِاحْتِلَامِ . فَإِنَّ الرِّيحَ كَالنَّوْمِ وَالِاحْتِلَامُ يَكُونُ فِي الْمَنَامِ . فَهُنَاكَ يَحْصُلُ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ وَالْإِنْسَانُ نَائِمٌ . فَإِذَا كَانَ فِي تِلْكَ الْحَالِ يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ وَهُوَ يَقْظَانُ : فَهُوَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ . لِأَنَّ النَّائِمَ رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ بِخِلَافِ الْيَقِظَانِ .
وَلَكِنْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ وَإِنْ حَصَلَ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَحَدَثِ النَّائِمِ وَاحْتِلَامِهِ . وَإِذَا دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ طَهَارَةِ الْمَاءِ فِي الْحَالِ فَوُجُوبُهَا مَعَ الْحَدَثِ الَّذِي حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ يَقَظَتِهِ : أَوْلَى . وَهَذَا بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ . فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إذَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ لِلْمَعْذُورِ الَّذِي أَحْدَثَ فِي النَّوْمِ بِاحْتِلَامِ أَوْ رِيحٍ : أَنْ يُبِيحَهُ لِمَنْ أَحْدَثَ بِاخْتِيَارِهِ فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } لِيُبَيِّنَ جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِهَذَيْنِ . وَإِنْ حَصَلَ حَدَثُهُمَا فِي الْيَقَظَةِ وَبِفِعْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ غَلِيظًا .
وَلَوْ كَانَتْ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ : كَانَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=315_316التَّيَمُّمَ لَا يُبَاحُ إلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ - الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ - مَعَ الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَالِاحْتِلَامِ . فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يُبَاحَ مَعَ الِاحْتِلَامِ وَلَا مَعَ الْحَدَثِ بِلَا غَائِطٍ كَحَدَثِ النَّائِمِ وَمَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ الرِّيحُ . فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ بِشَرْطَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ مَعَ أَحَدِهِمَا . وَهَذَا لَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا بَلْ هُوَ ضِدُّ
[ ص: 385 ] الْحَقِّ ; لِأَنَّهُ إذَا أُبِيحَ مَعَ الْغَائِطِ الَّذِي يَحْصُلُ بِالِاخْتِيَارِ فَمَعَ الْخَفِيفِ وَعَدَمِ الِاخْتِيَارِ أَوْلَى .
فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَتَيَمَّمُوا . وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ . كَمَا يُقَالُ : وَإِنْ كُنْت مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا . وَالتَّقْدِيرُ : وَإِنْ كُنْتُمْ أَيُّهَا الْقَائِمُونَ إلَى الصَّلَاةِ - وَأَنْتُمْ مَرْضَى أَوْ مُسَافِرِينَ - قَدْ جِئْتُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ ; وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ : إنَّهَا خِطَابٌ لِلْقَائِمِينَ مِنْ النَّوْمِ : إنَّ التَّقْدِيرَ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ .
فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ أَوَّلًا فِعْلَهُمْ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذَا قُمْتُمْ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } الثَّلَاثَةَ أَفْعَالٍ . وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } حَالٌ لَهُمْ . أَيْ كُنْتُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ . كَقَوْلِهِ : وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى حَالِ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ - إمَّا لِعَدَمِهِ أَوْ لِخَوْفِ الضَّرَرِ بِاسْتِعْمَالِهِ - فَتَيَمَّمُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ . أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ .
وَلَكِنَّ الَّذِي رَجَّحْنَاهُ : أَنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذَا قُمْتُمْ } عَامٌّ : إمَّا لَفْظًا وَمَعْنًى . وَإِمَّا مَعْنًى .
[ ص: 386 ] وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى : إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّئُوا أَوْ اغْتَسِلُوا إنْ كُنْتُمْ جُنُبًا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ مُسَافِرِينَ أَوْ فَعَلْتُمْ مَا هُوَ أَبْلَغُ فِي الْحَدَثِ - جِئْتُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ - إذْ التَّقْدِيرُ : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ مُسَافِرِينَ وَقَدْ قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ فَعَلْتُمْ - مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَالْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ - هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْمَجِيءَ مِنْ الْغَائِطِ وَالْجِمَاعَ . فَيَكُونُ قَدْ اجْتَمَعَ قِيَامُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَالْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَأَحَدُ هَذَيْنِ . فَالْقِيَامُ مُوجِبٌ لِلطَّهَارَةِ وَالْعُذْرُ مُبِيحٌ وَهَذَا الْقِيَامُ . فَإِذَا قُمْتُمْ وَجَبَ التَّيَمُّمُ إنْ كَانَ قِيَامًا مُجَرَّدًا . أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ .
وَلَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْطِفُ قَوْلَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4أَوْ جَاءَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4أَوْ لَامَسْتُمُ } عَلَى قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذَا قُمْتُمْ } وَالتَّقْدِيرُ : وَإِذَا قُمْتُمْ أَوْ جَاءَ أَوْ لَامَسْتُمْ . وَهَذَا مُخَالِفٌ لِنَظْمِ الْآيَةِ . فَإِنَّ نَظْمَهَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي جَزَاءِ الشَّرْطِ . وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } فَإِنَّ الَّذِي قَالَهُ قَرِيبٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى . وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ : وَإِنْ كُنْتُمْ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ : جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ . فَهُوَ تَقْسِيمٌ مِنْ مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ .
يَقُولُ : إنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ قَائِمِينَ إلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ بِالْقِيَامِ
[ ص: 387 ] مِنْ النَّوْمِ أَوْ الْقُعُودِ الْمُعْتَادِ . أَوْ كُنْتُمْ - مَعَ هَذَا - : قَدْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ .
فَقَوْلُهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } خِطَابٌ لِمَنْ قِيلَ لَهُمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } فَالْمَعْنَى يَا أَيُّهَا الْقَائِمُ إلَى الصَّلَاةِ تَوَضَّأْ . وَإِنْ كُنْت جُنُبًا فَاغْتَسِلْ . وَإِنْ كُنْت مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا تَيَمَّمْ . أَوْ كُنْت مَعَ هَذَا وَهَذَا مَعَ قِيَامِك إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ . وَمَعَ مَرَضِك وَسَفَرِك قَدْ جِئْت مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْت النِّسَاءَ : فَتَيَمَّمْ إنْ كُنْت مَعْذُورًا .
وَإِيضَاحُ هَذَا : أَنَّهُ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ الَّذِي يُخَصُّ بِالذِّكْرِ لِامْتِيَازِهِ . وَتَخْصِيصُهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ . وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ : إنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَامِّ ثُمَّ ذُكِرَ بِخُصُوصِهِ . وَيُقَالُ : بَلْ ذِكْرُهُ خَاصًّا يَمْنَعُ دُخُولَهُ فِي الْعَامِّ . وَهَذَا يَجِيءُ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ وَأَمَّا بِالْوَاوِ : فَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3573&ayano=33وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ } الْآيَةُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3414&ayano=29إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَأَمَّا فِي " أَوْ " فَفِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=431&ayano=3وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=607&ayano=4وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=609&ayano=4وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } وَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=191&ayano=2فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } فَإِنَّ الْجَنَفَ هُوَ الْمَيْلُ عَنْ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ عَامِدًا .
قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ " الْجَنَفُ " الْخَطَأُ وَ " الْإِثْمُ " الْعَمْدُ . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ : الْجَنَفُ : الْخُرُوجُ عَنْ الْحَقِّ . وَقَدْ يُسَمَّى " الْمُخْطِئُ الْعَامِدُ " إلَّا أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ عَلَّقُوا " الْجَنَفَ " عَلَى الْمُخْطِئِ وَ " الْإِثْمَ " عَلَى الْعَامِدِ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5691&ayano=76وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } فَإِنَّ " الْكَفُورَ " هُوَ الْآثِمُ أَيْضًا . لَكِنَّهُ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ . وَقَدْ قِيلَ : هُمَا وَصْفَانِ لِمَوْصُوفِ وَاحِدٍ وَهُوَ أَبْلَغُ . فَإِنَّ عَطْفَ الصِّفَةِ عَلَى الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفُ وَاحِدٌ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6037&ayano=87الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5135&ayano=57هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2697&ayano=23قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2698&ayano=23الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2699&ayano=23وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2700&ayano=23وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2701&ayano=23وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ .
قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : الْآثِمُ الْمُذْنِبُ الظَّالِمُ وَالْكَفُورُ . هَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ . قَالَ
Multitarajem.php?tid=13365,13366ابْنُ عَطِيَّةَ : هُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَنَّهُ يُعَرِّفُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يُطِيعَهُ بِأَيِّ وَصْفٍ كَانَ مِنْ هَذَيْنِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ آثِمٌ وَهُوَ كَفُورٌ
[ ص: 389 ] وَلَمْ يَكُنْ لِلْأُمَّةِ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ الْإِثْمُ عَلَى الْمَعَاصِي . قَالَ : وَاللَّفْظُ إنَّمَا يَقْتَضِي نَهْيَ الْإِمَامِ عَنْ طَاعَةِ آثِمٍ مِنْ الْعُصَاةِ أَوْ كَفُورٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ .
وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ : لَيْسَ فِيهَا تَخْيِيرٌ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ . وَكَذَلِكَ قَالَ طَائِفَةٌ : مِنْهُمْ
البغوي وَابْنُ الْجَوْزِيِّ .
وَقَالَ
الْمَهْدِيُّ : أَيْ لَا تُطِعْ مَنْ أَثِمَ أَوْ كَفَرَ . وَدُخُولُ " أَوْ " يُوجِبُ أَنْ لَا تُطِيعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ . وَلَوْ قَالَ : وَلَا تُطِعْ مِنْهُمَا آثِمًا أَوْ كَفُورًا لَمْ يَلْزَمْ النَّهْيُ إلَّا فِي حَالِ اجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ .
وَقَدْ يُقَالُ : إنَّ " الْكَفُورَ " هُوَ الْجَاحِدُ لِلْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا . فَيَكُونُ هَذَا أَعَمُّ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ وَجْهِ التَّمَسُّكِ .
وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } مِنْ هَذَا الْبَابِ . فَإِنَّهُ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْمُحْدِثِينَ كَمَا تَقَدَّمَ . ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } ثُمَّ قَالَ " وَإِنْ كُنْتُمْ - مَعَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ - مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا "
[ ص: 390 ] وَهَذَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُحْدِثٍ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَمْ يَجِئْ كَالْمُسْتَيْقِظِ مَنْ نَوْمِهِ . وَالْمُسْتَيْقِظِ إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ الرِّيحُ . وَيَتَنَاوَلُ كُلَّ جُنُبٍ سَوَاءٌ كَانَتْ جَنَابَتُهُ بِاحْتِلَامِ أَوْ جِمَاعٍ . فَقَالَ " وَإِنْ كُنْتُمْ مُحْدِثُونَ - جُنُبٌ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ - أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ " وَهَذَا نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْحَدَثِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=4أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } وَهَذَا نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْجَنَابَةِ .
ثُمَّ قَدْ يُقَالُ : " لَفْظُ الْجُنُبِ " يَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ وَخُصَّ الْمُجَامِعُ بِالذِّكْرِ وَكَذَلِكَ " الْقَائِمُ إلَى الصَّلَاةِ " يَتَنَاوَلُ مَنْ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ وَمَنْ أَحْدَثَ بِدُونِ ذَلِكَ لَكِنْ خُصَّ الْجَائِي بِالذِّكْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=191&ayano=2فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } فَالْآثِمُ هُوَ الْمُتَعَمِّدُ وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ - وَإِنْ كَانَ دَخَلَ - لِيُبَيَّنَ حُكْمَهُ بِخُصُوصِهِ وَلِئَلَّا يُظَنَّ خُرُوجُهُ عَنْ اللَّفْظِ الْعَامِّ . وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ . وَالتَّقْدِيرُ : إنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَتَيَمَّمُوا . وَهَذَا مَعْنَى الْآيَةِ .