فصل وهذا الذي ذكرته ، واضح عندي ، وحاله فيه أحسن من حال الكافر المتأول . فيما تركه المسلم من واجب ، أو فعله من محرم بتأويل اجتهاد أو تقليد
وهذا لا يمنع أن أقاتل الباغي المتأول ، وأجلد الشارب المتأول ، ونحو ذلك فإن مطلقا ; إذ الغرض بالعقوبة دفع فساد الاعتداء ، كما لا يرفع عقوبة الكافر : وإنما الكلام في قضاء ما تركه من واجب ، وفي العقود والقبوض التي فعلها بتأويل ، [ ص: 15 ] وفي ضمان النفوس والأموال التي استحلها بتأويل ، كما استحل التأويل لا يرفع عقوبة الدنيا أسامة قتل الذي قتله بعدما قال : لا إله إلا الله ، وكذلك لا يعاقب على ما مضى إذا لم يكن فيه زجر عن المستقبل .
وأما العقوبة للدفع عن المستقبل : كقتال الباغي ، وجلد الشارب فهذه مقصودها أداء الواجب في المستقبل ، ودفع المحرم في المستقبل ، وهذا لا كلام فيه ، فإنه يشرع في مثل هذا عقوبة المتأول في بعض المواضع .
وإنما الغرض بما يتعلق بالماضي من قضاء واجبه ، وترك الحقوق التي حصلت فيه ، والعقوبة على ما فعله ، فهذه الأمور المتعلقة به من الحدود والحقوق ، والعبادات هي التي يجب أن يكون المسلم المتأول أحسن حالا فيها من الكافر المتأول ، وأولى .
فالتوبة تجب ما قبلها ، والمسلم المتأول معذور ، ومعه الإسلام الذي تغفر معه الخطايا ، والتوبة التي تجب ما كان قبلها ، وفي إيجاب القضاء وإسقاط الحقوق وإقامة العقوبات تنفير عن التوبة ، والرجوع إلى الحق أكثر من التنفير بذلك للكافر ، فإن إعلام الإسلام ودلالته أعظم من إعلام هذه الفروع ، وأدلتها ، والداعي إلى الإسلام من سلطان الحجة والقدرة قد يكون أعظم من الداعي إلى هذه الفروع .
[ ص: 16 ] وهذا لا شبهة فيه عندي ، وإن كان فيه نزاع ; فإني أعلم أنه لولا مضي السنة بمثل ذلك في حق الكفار لكان مقتضى هذا القياس عند أصحابه طرده في حق الكافر أيضا ، وقد راعى أصحاب أبي حنيفة ذلك في النكاح ، فلم يمنعوا منه إلا ما له مساغ في الإسلام ، والنزاع لا يهتك حرمة العلم والفقه بعد ظهور حجته .