فصل : السفر في كتاب الله وسنة رسوله في القصر والفطر مطلق . ثم قد
nindex.php?page=treesubj&link=1790_1791_1788تنازع الناس في جنس السفر وقدره . أما جنسه فاختلفوا في نوعين .
أحدهما : حكمه . فمنهم من قال : لا يقصر إلا في حج أو عمرة أو غزو . وهذا قول
داود وأصحابه إلا
ابن حزم قال
ابن حزم وهو قول جماعة من السلف كما روينا من طريق
ابن أبي عدي : حدثنا
جرير عن
الأعمش عن
عمارة بن عمير عن
الأسود عن
ابن مسعود قال : لا يقصر الصلاة إلا حاج أو مجاهد . وعن
طاووس أنه كان يسأل عن
nindex.php?page=treesubj&link=1779قصر الصلاة فيقول : إذا خرجنا حجاجا أو عمارا صلينا ركعتين
[ ص: 106 ] وعن
إبراهيم التيمي أنه كان لا يرى القصر إلا في حج أو عمرة أو جهاد وحجة هؤلاء أنه ليس معنا نص يوجب عموم
nindex.php?page=treesubj&link=1779القصر للمسافر فإن القرآن ليس فيه إلا
nindex.php?page=treesubj&link=1818قصر المسافر إذا خاف أن يفتنه الذين كفروا وهذا سفر الجهاد . وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في حجه وعمره وغزواته فثبت جواز هذا والأصل في الصلاة الإتمام فلا تسقط إلا حيث أسقطتها السنة .
ومنهم من قال : لا يقصر إلا في سفر يكون طاعة فلا يقصر في مباح كسفر التجارة . وهذا يذكر رواية عن
أحمد والجمهور يجوزون القصر في السفر الذي يجوز فيه الفطر وهو الصواب ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46715إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة } رواه عنه
أنس بن مالك الكعبي وقد رواه
أحمد وغيره بإسناد جيد .
وأيضا فقد ثبت في صحيح
مسلم وغيره عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=99902يعلى بن أمية أنه قال nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب { nindex.php?page=tafseer&surano=598&ayano=4فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } فقد أمن الناس : فقال : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته } وهذا يبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=1790_1779سفر الأمن يجوز فيه قصر العدد وإن كان ذلك صدقة من الله علينا أمرنا
[ ص: 107 ] بقبولها . وقد قال طائفة من أصحاب
الشافعي وأحمد إن شئنا قبلناها وإن شئنا لم نقبلها فإن قبول الصدقة لا يجب ; ليدفعوا بذلك الأمر بالركعتين . وهذا غلط ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نقبل صدقة الله علينا والأمر للإيجاب وكل إحسانه إلينا صدقة علينا فإن لم نقبل ذلك هلكنا .
وأيضا فقد ثبت عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599483 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قال : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم وقد خاب من افترى } . كما قال : صلاة الجمعة ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وهذا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سن للمسلمين الصلاة في جنس السفر ركعتين كما سن الجمعة والعيدين ولم يخص ذلك بسفر نسك أو جهاد .
وأيضا فقد ثبت في الصحيحين عن
عائشة أنها قالت : فرضت الصلاة ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر . وهذا يبين أن المسافر لم يؤمر بأربع قط وحينئذ فما أوجب الله على المسافر أن يصلي أربعا وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله لفظ يدل على أن المسافر فرض عليه أربع وحينئذ فمن أوجب على مسافر أربعا فقد أوجب ما لم يوجبه الله ورسوله .
[ ص: 108 ] فإن قيل : قوله : " وضع " يقتضي أنه كان واجبا قبل هذا كما قال : " إنه وضع عنه الصوم " ومعلوم أنه لم يجب على المسافر صوم رمضان قط ; لكن لما انعقد سبب الوجوب فأخرج المسافر من ذلك سمي وضعا ولأنه كان واجبا في المقام فلما سافر وضع بالسفر كما يقال : من أسلم وضعت عنه الجزية مع أنها لا تجب على مسلم بحال .
وأيضا فقد قال
صفوان بن محرز ; قلت
لابن عمر حدثني عن صلاة السفر قال أتخشى أن يكذب علي ؟ قلت لا . قال : ركعتان من خالف السنة كفر وهذا معروف رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11834أبو التياح عن
مورق العجل عنه وهو مشهور في كتب الآثار . وفي لفظ : صلاة السفر ركعتان ومن خالف السنة كفر . وبعضهم رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=1808صلاة السفر ركعتان وأن ذلك من السنة التي من خالفها فاعتقد خلافها فقد كفر . وهذه الأدلة دليل على أن من قال إنه لا يقصر إلا في سفر واجب فقوله ضعيف .
ومنهم من قال :
nindex.php?page=treesubj&link=1790_1791لا يقصر في السفر المكروه ولا المحرم ويقصر في المباح وهذا أيضا رواية عن أحمد . وهل
nindex.php?page=treesubj&link=17858يقصر في سفر النزهة ؟ فيه عن أحمد روايتان : وأما
nindex.php?page=treesubj&link=17869السفر المحرم فمذهب الثلاثة
مالك والشافعي وأحمد لا يقصر فيه وأما
أبو حنيفة وطوائف من السلف والخلف فقالوا يقصر في
[ ص: 109 ] جنس الأسفار وهو قول
ابن حزم وغيره
وأبو حنيفة وابن حزم وغيرهما : يوجبون القصر في كل سفر وإن كان محرما كما يوجب الجميع
nindex.php?page=treesubj&link=17801_320التيمم إذا عدم الماء في السفر المحرم Multitarajem.php?tid=13371,13372وابن عقيل رجح في بعض المواضع
nindex.php?page=treesubj&link=1779_17843_2497القصر والفطر في السفر المحرم .
والحجة مع من جعل القصر والفطر مشروعا في جنس السفر ولم يخص سفرا من سفر . وهذا القول هو الصحيح ; فإن الكتاب والسنة قد أطلقا السفر قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=193&ayano=2فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } كما قال في آية التيمم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=540&ayano=4وإن كنتم مرضى أو على سفر } الآية وكما تقدمت النصوص الدالة على أن المسافر يصلي ركعتين ولم ينقل قط أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص سفرا من سفر مع علمه بأن السفر يكون حراما ومباحا ولو كان هذا مما يختص بنوع من السفر لكان بيان هذا من الواجبات ولو بين ذلك لنقلته الأمة وما علمت عن
الصحابة في ذلك شيئا .
وقد علق الله ورسوله أحكاما بالسفر كقوله تعالى في التيمم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=540&ayano=4وإن كنتم مرضى أو على سفر } وقوله في الصوم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=193&ayano=2فمن كان منكم مريضا أو على سفر } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=598&ayano=4وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } وقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=72313يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن } وقوله
[ ص: 110 ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31419لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم } وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46715إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة } ولم يذكر قط في شيء من نصوص الكتاب والسنة تقييد السفر بنوع دون نوع فكيف يجوز أن يكون الحكم معلقا بأحد نوعي السفر ولا يبين الله ورسوله ذلك بل يكون بيان الله ورسوله متناولا للنوعين .
وهكذا في تقسيم السفر إلى طويل وقصير وتقسيم الطلاق بعد الدخول إلى بائن ورجعي وتقسيم الأيمان إلى يمين مكفرة وغير مكفرة وأمثال ذلك مما علق الله ورسوله الحكم فيه بالجنس المشترك العام فجعله بعض الناس نوعين : نوعا يتعلق به ذلك الحكم ونوعا لا يتعلق من غير دلالة على ذلك من كتاب ولا سنة : لا نصا ولا استنباطا .
والذين قالوا لا يثبت ذلك في السفر المحرم عمدتهم قوله تعالى في الميتة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=182&ayano=2فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } وقد ذهب طائفة من المفسرين إلى أن " الباغي " هو الباغي على الإمام الذي يجوز قتاله و " العادي " هو العادي على المسلمين وهم المحاربون قطاع الطريق . قالوا فإذا ثبت أن الميتة لا تحل لهم فسائر الرخص أولى وقالوا إذا اضطر العاصي بسفره أمرناه أن يتوب ويأكل ولا نبيح له إتلاف نفسه . وهذا القول معروف عن أصحاب
الشافعي وأحمد .
[ ص: 111 ] وأما
أحمد ومالك فجوزا له أكل الميتة دون القصر والفطر . قالوا : ولأن السفر المحرم معصية والرخص للمسافر إعانة على ذلك فلا تجوز الإعانة على المعصية .
وهذه حجج ضعيفة . أما الآية فأكثر المفسرين قالوا : المراد بالباغي الذي يبغي المحرم من الطعام مع قدرته على الحلال والعادي الذي يتعدى القدر الذي يحتاج إليه وهذا التفسير هو الصواب دون الأول ; لأن الله أنزل هذا في السور المكية : الأنعام والنحل وفي المدنية : ليبين ما يحل وما يحرم من الأكل والضرورة لا تختص بسفر ولو كانت في سفر فليس السفر المحرم مختصا بقطع الطريق والخروج على الإمام ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إمام يخرج عليه ولا من شرط الخارج أن يكون مسافرا والبغاة الذين أمر الله بقتالهم في القرآن لا يشترط فيهم أن يكونوا مسافرين ولا كان الذين نزلت الآية فيهم أولا مسافرين ; بل كانوا من
أهل العوالي مقيمين واقتتلوا بالنعال والجريد فكيف يجوز أن تفسر الآية بما لا يختص بالسفر وليس فيها كل سفر محرم ؟ فالمذكور في الآية لو كان كما قيل لم يكن مطابقا للسفر المحرم فإنه قد يكون بلا سفر وقد يكون السفر المحرم بدونه .
وأيضا فقوله ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=182&ayano=2غير باغ } حال من ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=182&ayano=2اضطر } فيجب أن يكون
[ ص: 112 ] حال اضطراره وأكله الذي يأكل فيه غير باغ ولا عاد فإنه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=182&ayano=2فلا إثم عليه } ومعلوم أن الإثم إنما ينفى عن الأكل الذي هو الفعل لا عن نفس الحاجة إليه فمعنى الآية : فمن
nindex.php?page=treesubj&link=16905اضطر فأكل غير باغ ولا عاد . وهذا يبين أن المقصود أنه لا يبغي في أكله ولا يتعدى . والله تعالى يقرن بين البغي والعدوان . فالبغي ما جنسه ظلم والعدوان مجاوزة القدر المباح كما قرن بين الإثم والعدوان في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=676&ayano=5وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } فالإثم جنس الشر والعدوان مجاوزة القدر المباح فالبغي من جنس الإثم قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=315&ayano=3وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=191&ayano=2فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه } فالإثم جنس لظلم الورثة إذا كان مع العمد وأما الجنف فهو الجنف عليهم بعمد وبغير عمد ; لكن قال كثير من المفسرين الجنف الخطأ والإثم العمد ; لأنه لما خص الإثم بالذكر وهو العمد بقي الداخل في الجنف الخطأ ولفظ العدوان من باب تعدي الحدود كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5283&ayano=65وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } ونحو ذلك ومما يشبه هذا قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=443&ayano=3ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا } والإسراف مجاوزة الحد المباح وأما الذنوب فما كان جنسه شر وإثم .
وأما قولهم : إن هذا إعانة على المعصية فغلط ; لأن المسافر مأمور
[ ص: 113 ] بأن يصلي ركعتين كما هو مأمور أن يصلي بالتيمم . وإذا عدم الماء في السفر المحرم كان عليه أن يتيمم ويصلي وما زاد على الركعتين ليست طاعة ولا مأمورا بها أحد من المسافرين وإذا فعلها المسافر كان قد فعل منهيا عنه فصار صلاة الركعتين مثل أن يصلي المسافر الجمعة خلف مستوطن . فهل يصليها إلا ركعتين وإن كان عاصيا بسفره وإن كان إذا صلى وحده صلى أربعا ؟ .
فَصْلٌ : السَّفَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِي الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ مُطْلَقٌ . ثُمَّ قَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=1790_1791_1788تَنَازَعَ النَّاسُ فِي جِنْسِ السَّفَرِ وَقَدْرِهِ . أَمَّا جِنْسُهُ فَاخْتَلَفُوا فِي نَوْعَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : حُكْمُهُ . فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يُقْصَرُ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوٍ . وَهَذَا قَوْلُ
داود وَأَصْحَابِهِ إلَّا
ابْنَ حَزْمٍ قَالَ
ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ كَمَا روينا مِنْ طَرِيقِ
ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ : حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ عَنْ
الْأَعْمَشِ عَنْ
عِمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ
الْأَسْوَدِ عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَّا حَاجٌّ أَوْ مُجَاهِدٌ . وَعَنْ
طَاوُوسٍ أَنَّهُ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=1779قَصْرِ الصَّلَاةِ فَيَقُولُ : إذَا خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ
[ ص: 106 ] وَعَنْ
إبْرَاهِيمَ التيمي أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْقَصْرَ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ جَهَادٍ وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَنَا نَصٌّ يُوجِبُ عُمُومَ
nindex.php?page=treesubj&link=1779الْقَصْرِ لِلْمُسَافِرِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا
nindex.php?page=treesubj&link=1818قَصْرُ الْمُسَافِرِ إذَا خَافَ أَنْ يَفْتِنَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَهَذَا سَفَرُ الْجِهَادِ . وَأَمَّا السُّنَّةُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ فِي حَجِّهِ وَعُمَرِهِ وَغَزَوَاتِهِ فَثَبَتَ جَوَازُ هَذَا وَالْأَصْلُ فِي الصَّلَاةِ الْإِتْمَامُ فَلَا تَسْقُطُ إلَّا حَيْثُ أَسْقَطَتْهَا السُّنَّةُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَقْصُرُ إلَّا فِي سَفَرٍ يَكُونُ طَاعَةً فَلَا يَقْصُرُ فِي مُبَاحٍ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ . وَهَذَا يَذْكُرُ رِوَايَةً عَنْ
أَحْمَد وَالْجُمْهُورُ يُجَوِّزُونَ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْفِطْرُ وَهُوَ الصَّوَابُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46715إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ } رَوَاهُ عَنْهُ
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْكَعْبِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ
أَحْمَد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ .
وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=99902يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=2لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ { nindex.php?page=tafseer&surano=598&ayano=4فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ : فَقَالَ : عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ } وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1790_1779سَفَرَ الْأَمْنِ يَجُوزُ فِيهِ قَصْرُ الْعَدَدِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَدَقَةً مِنْ اللَّهِ عَلَيْنَا أُمِرْنَا
[ ص: 107 ] بِقَبُولِهَا . وَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ
الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد إنْ شِئْنَا قَبِلْنَاهَا وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نَقْبَلْهَا فَإِنَّ قَبُولَ الصَّدَقَةِ لَا يَجِبُ ; لِيَدْفَعُوا بِذَلِكَ الْأَمْرَ بِالرَّكْعَتَيْنِ . وَهَذَا غَلَطٌ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ نَقْبَلَ صَدَقَةَ اللَّهِ عَلَيْنَا وَالْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ وَكُلُّ إحْسَانِهِ إلَيْنَا صَدَقَةٌ عَلَيْنَا فَإِنْ لَمْ نَقْبَلْ ذَلِكَ هَلَكْنَا .
وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599483 nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ : صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى } . كَمَا قَالَ : صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ وَهَذَا نَقْلٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ الصَّلَاةَ فِي جِنْسِ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا سَنَّ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَلَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِسَفَرِ نُسُكٍ أَوْ جِهَادٍ .
وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ . وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَمْ يُؤْمَرْ بِأَرْبَعٍ قَطُّ وَحِينَئِذٍ فَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ فُرِضَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ وَحِينَئِذٍ فَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى مُسَافِرٍ أَرْبَعًا فَقَدْ أَوْجَبَ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
[ ص: 108 ] فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : " وَضَعَ " يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ هَذَا كَمَا قَالَ : " إنَّهُ وَضَعَ عَنْهُ الصَّوْمَ " وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُسَافِرِ صَوْمُ رَمَضَانَ قَطُّ ; لَكِنْ لَمَّا انْعَقَدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فَأَخْرَجَ الْمُسَافِرَ مِنْ ذَلِكَ سُمِّيَ وَضْعًا وَلِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا فِي الْمُقَامِ فَلَمَّا سَافَرَ وُضِعَ بِالسَّفَرِ كَمَا يُقَالُ : مَنْ أَسْلَمَ وُضِعَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةَ مَعَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى مُسْلِمٍ بِحَالِ .
وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ
صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ ; قُلْت
لِابْنِ عُمَرَ حَدِّثْنِي عَنْ صَلَاةِ السَّفَرِ قَالَ أَتَخْشَى أَنْ يُكْذَبَ عَلَيَّ ؟ قُلْت لَا . قَالَ : رَكْعَتَانِ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ وَهَذَا مَعْرُوفٌ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11834أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ
مُوَرَّقٍ الْعَجِلِ عَنْهُ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْآثَارِ . وَفِي لَفْظٍ : صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَمَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ . وَبَعْضُهُمْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1808صَلَاةَ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا فَاعْتَقَدَ خِلَافَهَا فَقَدْ كَفَرَ . وَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَقْصُرُ إلَّا فِي سَفَرٍ وَاجِبٍ فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=1790_1791لَا يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ وَلَا الْمُحَرَّمِ وَيَقْصُرُ فِي الْمُبَاحِ وَهَذَا أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَد . وَهَلْ
nindex.php?page=treesubj&link=17858يَقْصُرُ فِي سَفَرِ النُّزْهَةِ ؟ فِيهِ عَنْ أَحْمَد رِوَايَتَانِ : وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=17869السَّفَرُ الْمُحَرَّمُ فَمَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ
مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد لَا يَقْصُرُ فِيهِ وَأَمَّا
أَبُو حَنِيفَةَ وَطَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَقَالُوا يَقْصُرُ فِي
[ ص: 109 ] جِنْسِ الْأَسْفَارِ وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا : يُوجِبُونَ الْقَصْرَ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا كَمَا يُوجِبُ الْجَمِيعُ
nindex.php?page=treesubj&link=17801_320التَّيَمُّمَ إذَا عُدِمَ الْمَاءُ فِي السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ Multitarajem.php?tid=13371,13372وَابْنُ عَقِيلٍ رَجَّحَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ
nindex.php?page=treesubj&link=1779_17843_2497الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ فِي السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ .
وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ جَعَلَ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ مَشْرُوعًا فِي جِنْسِ السَّفَرِ وَلَمْ يَخُصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ . وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ ; فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَدْ أَطْلَقَا السَّفَرَ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=193&ayano=2فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } كَمَا قَالَ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=540&ayano=4وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } الْآيَةَ وَكَمَا تَقَدَّمَتْ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْقُلْ قَطُّ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ السَّفَرَ يَكُونُ حَرَامًا وَمُبَاحًا وَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ السَّفَرِ لَكَانَ بَيَانُ هَذَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ لَنَقَلَتْهُ الْأُمَّةُ وَمَا عَلِمْت عَنْ
الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا .
وَقَدْ عَلَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحْكَامًا بِالسَّفَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=540&ayano=4وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } وَقَوْلُهُ فِي الصَّوْمِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=193&ayano=2فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ } وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=598&ayano=4وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=72313يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ } وَقَوْلُهُ
[ ص: 110 ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31419لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46715إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ } وَلَمْ يَذْكُرْ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَقْيِيدَ السَّفَرِ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِأَحَدِ نَوْعَيْ السَّفَرِ وَلَا يُبَيِّنُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ذَلِكَ بَلْ يَكُونُ بَيَانُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مُتَنَاوِلًا لِلنَّوْعَيْنِ .
وَهَكَذَا فِي تَقْسِيمِ السَّفَرِ إلَى طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ وَتَقْسِيمِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إلَى بَائِنٍ وَرَجْعِيٍّ وَتَقْسِيمِ الْأَيْمَانِ إلَى يَمِينٍ مُكَفِّرَةٍ وَغَيْرِ مُكَفِّرَةٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا عَلَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْحُكْمَ فِيهِ بِالْجِنْسِ الْمُشْتَرِكِ الْعَامِّ فَجَعَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ نَوْعَيْنِ : نَوْعًا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَنَوْعًا لَا يَتَعَلَّقُ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ : لَا نَصًّا وَلَا اسْتِنْبَاطًا .
وَاَلَّذِينَ قَالُوا لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ عُمْدَتُهُمْ قَوْله تَعَالَى فِي الْمَيْتَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=182&ayano=2فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ إلَى أَنَّ " الْبَاغِيَ " هُوَ الْبَاغِي عَلَى الْإِمَامِ الَّذِي يَجُوزُ قِتَالُهُ وَ " الْعَادِيَ " هُوَ الْعَادِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ الْمُحَارَبُونَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ . قَالُوا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَيْتَةَ لَا تَحِلُّ لَهُمْ فَسَائِرُ الرُّخَصِ أَوْلَى وَقَالُوا إذَا اُضْطُرَّ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَتُوبَ وَيَأْكُلَ وَلَا نُبِيحُ لَهُ إتْلَافَ نَفْسِهِ . وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَصْحَابِ
الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد .
[ ص: 111 ] وَأَمَّا
أَحْمَد وَمَالِكٌ فَجَوَّزَا لَهُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ دُونَ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ . قَالُوا : وَلِأَنَّ السَّفَرَ الْمُحَرَّمَ مَعْصِيَةٌ وَالرُّخَصُ لِلْمُسَافِرِ إعَانَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ .
وَهَذِهِ حُجَجٌ ضَعِيفَةٌ . أَمَّا الْآيَةُ فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا : الْمُرَادُ بِالْبَاغِي الَّذِي يَبْغِي الْمُحَرَّمَ مِنْ الطَّعَامِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْعَادِي الَّذِي يَتَعَدَّى الْقَدْرَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الصَّوَابُ دُونَ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذَا فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ : الْأَنْعَامِ وَالنَّحْلِ وَفِي الْمَدَنِيَّةِ : لِيُبَيِّنَ مَا يَحِلُّ وَمَا يُحَرَّمُ مِنْ الْأَكْلِ وَالضَّرُورَةُ لَا تَخْتَصُّ بِسَفَرِ وَلَوْ كَانَتْ فِي سَفَرٍ فَلَيْسَ السَّفَرُ الْمُحَرَّمُ مُخْتَصًّا بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَامٌ يَخْرُجُ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ شَرْطِ الْخَارِجِ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا وَالْبُغَاةُ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ فِي الْقُرْآنِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا مُسَافِرِينَ وَلَا كَانَ الَّذِينَ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِمْ أَوَّلًا مُسَافِرِينَ ; بَلْ كَانُوا مِنْ
أَهْلِ الْعَوَالِي مُقِيمِينَ وَاقْتَتَلُوا بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُفَسَّرَ الْآيَةُ بِمَا لَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ وَلَيْسَ فِيهَا كُلُّ سَفَرٍ مُحَرَّمٍ ؟ فَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ لَوْ كَانَ كَمَا قِيلَ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلسَّفَرِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِلَا سَفَرٍ وَقَدْ يَكُونُ السَّفَرُ الْمُحَرَّمُ بِدُونِهِ .
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=182&ayano=2غَيْرَ بَاغٍ } حَالٌ مِنْ ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=182&ayano=2اضْطُرَّ } فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ
[ ص: 112 ] حَالَ اضْطِرَارِهِ وَأَكْلِهِ الَّذِي يَأْكُلُ فِيهِ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=182&ayano=2فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِثْمَ إنَّمَا يُنْفَى عَنْ الْأَكْلِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ لَا عَنْ نَفْسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَمَعْنَى الْآيَةِ : فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16905اُضْطُرَّ فَأَكَلَ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ . وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَا يَبْغِي فِي أَكْلِهِ وَلَا يَتَعَدَّى . وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقْرِنُ بَيْنَ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ . فَالْبَغْيُ مَا جِنْسُهُ ظُلْمٌ وَالْعُدْوَانُ مُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ الْمُبَاحِ كَمَا قَرَنَ بَيْنَ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=676&ayano=5وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } فَالْإِثْمُ جِنْسُ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانُ مُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ الْمُبَاحِ فَالْبَغْيُ مِنْ جِنْسِ الْإِثْمِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=315&ayano=3وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=191&ayano=2فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } فَالْإِثْمُ جِنْسٌ لِظُلْمِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ مَعَ الْعَمْدِ وَأَمَّا الْجَنَفُ فَهُوَ الْجَنَفُ عَلَيْهِمْ بِعَمْدٍ وَبِغَيْرِ عَمْدٍ ; لَكِنْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ الْجَنَفُ الْخَطَأُ وَالْإِثْمُ الْعَمْدُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا خَصَّ الْإِثْمَ بِالذِّكْرِ وَهُوَ الْعَمْدُ بَقِيَ الدَّاخِلُ فِي الْجَنَفِ الْخَطَأُ وَلَفْظُ الْعُدْوَانِ مِنْ بَابِ تَعَدِّي الْحُدُودِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5283&ayano=65وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=443&ayano=3رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا } وَالْإِسْرَافُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ الْمُبَاحِ وَأَمَّا الذُّنُوبُ فَمَا كَانَ جِنْسُهُ شَرٌّ وَإِثْمٌ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ هَذَا إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَغَلَطٌ ; لِأَنَّ الْمُسَافِرَ مَأْمُورٌ
[ ص: 113 ] بِأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا هُوَ مَأْمُورٌ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ . وَإِذَا عَدِمَ الْمَاءَ فِي السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ وَمَا زَادَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ لَيْسَتْ طَاعَةً وَلَا مَأْمُورًا بِهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَإِذَا فَعَلَهَا الْمُسَافِرُ كَانَ قَدْ فَعَلَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَصَارَ صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُسَافِرُ الْجُمُعَةَ خَلْفَ مُسْتَوْطِنٍ . فَهَلْ يُصَلِّيهَا إلَّا رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ وَإِنْ كَانَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ صَلَّى أَرْبَعًا ؟ .