[ ص: 270 ] الاقتصاد في الأعمال المسئول من إحسان السادة العلماء - رضي الله عنهم - حل هذه الشبهة التي دخل على العباد بسببها ضرر بين : وهي أن بعضهم سمع قوله صلى الله عليه وسلم " { داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما } فعقد مع الله أن يصوم يوما ويفطر يوما فعل ذلك سنة أو أكثر وهو متأهل له عيال وهو ذو سبب يحتاج إلى نفسه في حفظ صحته فحدثت عنده بعد ذلك همة في حفظ القرآن فصار مع هذه المجاهدة يتلقن كل يوم ويكرر . أحب الصلاة إلى الله صلاة
ثم حدثت عنده مع ذلك همة إلى طلب المقصود وقيام أكثر الليل وكثرة الاجتهاد والدأب في العبادة فاجتمع عليه ثقل يبس الصيام مع ضعف القوة في السبب مع يبس التكرار وكثرته مع اليبس الحادث من الهمة الحادة وهو شاب عنده حرارة الشبوبية فأثر مجموع ذلك خللا في ذهنه من ذهول وصداع يلحقه في رأسه وبلادة [ ص: 271 ] في فهمه بحيث أنه لا يحيط بمعنى الكلام إذا سمعه وظهر أثر اليبس في عينيه حتى كادتا أن تغورا . وقد وجد في هذا الاجتهاد شيئا من الأنوار وهو لا يترك هذا الصيام لعقده الذي عقده مع الله تعالى لخوفه أن يذهب النور الذي عنده فإذا نهاه أحد من أهل المعرفة يتعلل ويقول : أنا أريد أن أقتل نفسي في الله . فهل صومه هذا يوافق رضا الله تعالى ؟ وهو بهذه الصفة أم هو مكروه ؟ لا يرضي الله به . وهل يباح له هذا العقد ؟ وعليه فيه كفارة يمين أم لا ؟ وهل اشتغاله بما فيه صلاح جسمه وصيانة دماغه وعقله وذهنه ليتوفر على حفظ فرائضه ومصلحة عياله الذي يرضى الله منه ويريده منه أم لا ؟ وهل إصراره على ذلك موجب لمقت الله تعالى حيث يلقي نفسه إلى التهلكة بشيء لم يجب عليه ؟ وإن كان مشروعا في السنة : فهل هو مشروع مطلقا لكل أحد ؟ أم هو مخصوص بمن لا يتضرر به ؟ يسأل كشف هذه المسألة وحلها . فقد أعيا هذا الشخص الأطباء وأحزن العقلاء لدخوله في السلوك بالجهل غافلا عن مراد ربه ونسأل تقييد الجواب وإعضاده بالكتاب والسنة ليصل إلى قلبه ذلك آجركم الله تعالى ومتع المسلمين بطول بقاكم وصلى الله على سيدنا محمد وسلم . ورضي الله عن أصحابه أجمعين .
[ ص: 272 ]