و "
nindex.php?page=treesubj&link=28647أصل الإيمان " توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له والإيمان برسله كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1909&ayano=15فوربك لنسألنهم أجمعين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1910&ayano=2عما كانوا يعملون } قال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية :
nindex.php?page=treesubj&link=28767خلتان تسأل العباد يوم القيامة عنهما : عما كانوا يعملون وعما أجابوا الرسل . ولهذا يقرر الله هذين الأصلين في غير موضع من القرآن بل يقدمهما على كل ما سواهما ; لأنهما أصل الأصول : مثلما ذكر في " سورة البقرة " فإنه افتتحها بذكر أصناف الخلق وهم ثلاثة : مؤمن وكافر ومنافق . وهذا التقسيم كان لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة . فإن
مكة لم يكن بها نفاق ; بل إما مؤمن ; وإما كافر . و " البقرة " مدنية من أوائل ما نزل
بالمدينة فأنزل الله أربع آيات في ذكر المؤمنين وآيتين في ذكر الكافرين وبضع عشرة آية في صفة المنافقين . وافتتحها بالإيمان بجميع الكتب والأنبياء ووسطها بذلك وختمها
[ ص: 275 ] بذلك . قال في أولها : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2الم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=2والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } .
والصحيح في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=2والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } أنه والذي قبله صفة لموصوف واحد ; فإنه لا بد من الإيمان بما أنزل إليه وما أنزل من قبله والعطف لتغاير الصفات كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5135&ayano=57هو الأول والآخر والظاهر والباطن } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6037&ayano=87الذي خلق فسوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87والذي قدر فهدى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6039&ayano=87والذي أخرج المرعى } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2697&ayano=23قد أفلح المؤمنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2698&ayano=23الذين هم في صلاتهم خاشعون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2699&ayano=23والذين هم عن اللغو معرضون } - إلى قوله - {
nindex.php?page=tafseer&surano=2706&ayano=23أولئك هم الوارثون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2707&ayano=23الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } . ومن قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2الذين يؤمنون بالغيب } أراد به مشركي العرب وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=2والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } أن المراد به أهل الكتاب : فقد غلط ; فإن مشركي العرب لم يؤمنوا بما أنزل إليه وما أنزل من قبله فلم يكونوا مفلحين . وأهل الكتاب إن لم يؤمنوا بالغيب ويقيموا الصلاة ومما رزقناهم ينفقون لم يكونوا مفلحين ; ولهذا قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } فدل على أنهم صنف واحد .
[ ص: 276 ] وقال في وسط السورة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=145&ayano=2قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } فأمر بالإيمان بكل ما أوتي النبيون من ربهم وقد قال في أثنائها : {
nindex.php?page=tafseer&surano=186&ayano=2ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين } وختمها بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=294&ayano=2آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله } .
ثم إنه بعد تقسيم الخلق قرر أصول الدين . فقرر التوحيد أولا ثم النبوة ثانيا بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=2الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون } ثم قرر النبوة بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=2وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=2فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا } فأخبر أنهم لا يفعلون ذلك كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2134&ayano=17قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } . ثم ذكر الجنة . فقرر التوحيد والنبوة والمعاد . وهذه أصول الإيمان .
[ ص: 277 ] وفي آل عمران قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=298&ayano=2الله لا إله إلا هو الحي القيوم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=299&ayano=3نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل } {
nindex.php?page=tafseer&surano=300&ayano=3من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان } . فذكر التوحيد أولا ثم الإيمان بما جاءت به الرسل ثانيا وذكر أنه أنزل الكتاب والفرقان كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2552&ayano=21ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان } . ولفظ " الفرقان " يتناول ما يفرق بين الحق والباطل مثل الآيات التي بعث بها الأنبياء : كالحية واليد البيضاء وانفلاق البحر . والقرآن فرقان بين هذا الوجه : من جهة أنه آية عظيمة لنبوة
محمد صلى الله عليه وسلم وعلم عظيم . وهو أيضا فرقان باعتبار أنه فرق ببيانه بين الحق والباطل كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2881&ayano=25تبارك الذي نزل الفرقان على عبده } ولهذا فسر جماعة الفرقان هنا به . ولفظ " الفرقان " أيضا يتناول نصر الله لأنبيائه وعباده المؤمنين وإهلاك أعدائهم ; فإنه فرق به بين أوليائه وأعدائه وهو أيضا من الأعلام قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1209&ayano=8إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } .
والآيات التي يجعلها الله دلالة على صدق الأنبياء هي مما ينزله كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=832&ayano=6وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2962&ayano=26إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون } . وبسط هذا له موضع آخر .
[ ص: 278 ] والمقصود هنا : التنبيه . وكذلك في " سورة يونس " قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1376&ayano=10أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1377&ayano=10إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون } وفي سورة " الم السجدة " قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3536&ayano=2الم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3537&ayano=32تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3538&ayano=32أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3539&ayano=32الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4098&ayano=39تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4099&ayano=39إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4100&ayano=39ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } . ومن هذا قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1485&ayano=11كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1486&ayano=11ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1498&ayano=11فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1919&ayano=16ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3342&ayano=28ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون } ثم قال :
[ ص: 279 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=3345&ayano=28ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر بسورتي الإخلاص تارة وتارة قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=145&ayano=2قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم } الآيات . وفي الثانية {
nindex.php?page=tafseer&surano=360&ayano=3قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } .
وهذا باب واسع ; لأن الناس مضطرون إلى هذين الأصلين فلا ينجون من العذاب ولا يسعدون إلا بهما . فعليهم أن يؤمنوا بالأنبياء وما جاءوا به وأصل ما جاءوا به أن لا يعبدوا إلا الله وحده كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2529&ayano=21وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4413&ayano=43واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } .
والأنبياء - صلوات الله عليهم وسلامه - هم وسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ كلامه وأمره ونهيه ووعده ووعيده وأنبائه التي أنبأ بها عن أسمائه وصفاته وملائكته وعرشه وما كان وما يكون وليسوا وسائط في خلقه لعباده ولا في رزقهم وإحيائهم وإماتتهم ولا
[ ص: 280 ] جزائهم بالأعمال وثوابهم وعقابهم ولا في إجابة دعواتهم وإعطاء سؤالهم ; بل هو وحده خالق كل شيء وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه وهو الذي يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن {
nindex.php?page=tafseer&surano=1970&ayano=16وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1968&ayano=16وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1969&ayano=16وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون } كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2102&ayano=17قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3662&ayano=34قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3663&ayano=34ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } .
فبين أن كل
nindex.php?page=treesubj&link=29431ما يدعى من دون الله من الملائكة والأنبياء وغيرهم لا يملكون مثقال ذرة ولا لأحد منهم شرك معه ولا له ظهير منهم فلم يبق إلا الشفاعة {
nindex.php?page=tafseer&surano=3663&ayano=34ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } فالأمر في الشفاعة إليه وحده كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4141&ayano=39قل لله الشفاعة جميعا } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } . وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } استثناء منقطع في أصح القولين .
فانقسم الناس فيهم " ثلاثة أقسام " : قوم أنكروا توسطهم بتبليغ الرسالة فكذبوا بالكتب والرسل : مثل
قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وقوم فرعون وغيرهم ممن يخبر الله أنهم كذبوا المرسلين ; فإنهم كذبوا جنس الرسل ; يؤمنوا ببعضهم دون بعض . ومن هؤلاء منكرو النبوات من
البراهمة وفلاسفة الهند المشركين وغيرهم من المشركين
nindex.php?page=treesubj&link=28746وكل من كذب الرسل لا يكون إلا مشركا وكذلك من كذب ببعضهم دون بعض كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=647&ayano=4إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=648&ayano=4أولئك هم الكافرون حقا } .
فكل من كذب
محمدا أو
المسيح أو
داود أو
سليمان أو غيرهم من الأنبياء الذين بعثوا بعد
موسى : فهو كافر قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=2ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=2وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=2وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين }
والفلاسفة والملاحدة وغيرهم منهم
nindex.php?page=treesubj&link=28746من يجعل النبوات من جنس المنامات ويجعل مقصودها التخييل فقط . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2509&ayano=21بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر } فهؤلاء مكذبون بالنبوات . ومنهم من يجعلهم مخصوصين بعلم ينالونه بقوة قدسية بلا تعلم ; ولا يثبت ملائكة تنزل بالوحي . ولا كلاما لله يتكلم به بل يقولون إنه لا يعلم الجزئيات فلا يعلم لا
موسى ولا
محمدا ولا غيرهما من الرسل ويقولون : خاصية النبي - هذه القوة العلمية القدسية - قوة يؤثر بها في العالم وعنها تكون الخوارق وقوة تخيلية وهو أن تمثل له الحقائق في صور خيالية في نفسه فيرى في نفسه أشكالا نورانية ويسمع في نفسه كلاما . فهذا هو النبي عندهم . وهذه الثلاث توجد لكثير من آحاد العامة الذين غيرهم من النبيين أفضل منهم . وهؤلاء وإن كانوا أقرب من الذين قبلهم فهم من المكذبين للرسل .
وكثير من أهل البدع يقر بما جاءوا به إلا في أشياء تخالف رأيه فيقدم رأيه على ما جاءوا به ويعرض عما جاءوا به فيقول : إنه لا يدري ما أرادوا به أو يحرف الكلم عن مواضعه . وهؤلاء موجودون في
أهل الكتاب وفي
أهل القبلة ولهذا ذكر الله في أول البقرة المؤمنين والكافرين ; ثم ذكر المنافقين وبسط القول فيهم .
[ ص: 283 ] وقسم ثان
nindex.php?page=treesubj&link=29431غلوا في الأنبياء والصالحين وفي الملائكة أيضا : فجعلوهم وسائط في العبادة فعبدوهم ليقربوهم إلى الله زلفى وصوروا تماثيلهم وعكفوا على قبورهم . وهذا كثير في
النصارى ومن ضاهاهم من ضلال أهل القبلة ; ولهذا ذكر الله هذا الصنف في القرآن في " آل عمران " وفي " براءة " في ضمن الكلام على
النصارى وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=375&ayano=3ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=376&ayano=3ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1275&ayano=9اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=360&ayano=3قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } . وهذا الذي أمره الله أن يقوله لهم هو الذي كتب إلى هرقل ملك الروم .
وهؤلاء قد يظنون أنهم إذا استشفعوا بهم شفعوا لهم وأن من قصد معظما من الملائكة والأنبياء فاستشفع به شفع له عند الله كما يشفع خواص الملوك عندهم . وقد أبطل الله هذه الشفاعة في غير
[ ص: 284 ] موضع من القرآن وبين الفرق بينه وبين خلقه ; فإن المخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه ويقبل الشفاعة لرغبة أو رهبة أو محبة أو نحو ذلك فيكون الشفيع شريكا للمشفوع إليه . وهذه الشفاعة منتفية في حق الله قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2532&ayano=21ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } .
وهؤلاء يحجون إلى قبورهم ويدعونهم ; وقد يسجدون لهم وينذرون لهم وغير ذلك من أنواع العبادات . وهؤلاء أيضا مشركون . وأكثر المشركين يجمعون بين التكذيب ببعض ما جاءوا به وبين الشرك فيكون فيهم نوع من الشرك بالخالق وتكذيب رسله ومنهم من يجمع بين الشرك والتعطيل . فيعطل الخالق أو بعض ما يستحقه من أسمائه وصفاته .
فأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة ليسوا من هؤلاء ولا من هؤلاء بل يثبتون أنهم وسائط في التبليغ عن الله ويؤمنون بهم ويحبونهم ولا يحجون إلى قبورهم ولا يتخذون قبورهم مساجد . وذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28664تحقيق " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " . فإظهار ذكرهم وما جاءوا به هو من الإيمان بهم وإخفاء قبورهم لئلا يفتتن بها الناس هو من تمام التوحيد وعبادة الله وحده .
والصحابة وأمة
محمد قاموا بهذا .
[ ص: 285 ] ولهذا تجد عند علماء المسلمين من أخبار أهل العلم والدين : من
الصحابة والتابعين ومن بعدهم . من مشايخ العلم والدين والعدل من ولاة الأمور : ما يوجب معرفة ذلك الشخص والثناء عليه والدعاء له وأن يكون له لسان صدق وما ينتفع به : إما كلام له ينتفع به وإما عمل صالح يقتدى به فيه . فإن العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - يقصد الانتفاع بما قالوه وأخبروا به وأمروا به والاقتداء بهم فيما فعلوه - صلوات الله عليهم أجمعين .
وأما أهل الضلال - كالنصارى وأهل البدع - فهم مع غلوهم وتعظيمهم لقبورهم وتماثيلهم والاستشفاع بهم لا تجد عندهم من أخبارهم ما يعرف صدقه من كذبه ; بل قد التبس هذا بهذا ولا يكاد أحد من علمائهم يميز فيما هم عليه من الدين بين ما جاء عن
المسيح وما جاء عن غيره : إما من الأنبياء . وإما من شيوخهم بل قد لبسوا الحق بالباطل .
وكذلك أهل الضلال والبدع من أهل القبلة : تجدهم يعظمون شيخا أو إماما أو غير ذلك ويشركون به ويدعونه من دون الله ويستغيثون به وينذرون له ويحجون إلى قبره . وقد يسجدون له وقد يعبدونه أعظم مما يعبدون الله كما يفعل
النصارى وهم مع ذلك من أجهل الناس بأحواله : ينقلون عنه أخبارا مسيبة ليس لها إسناد
[ ص: 286 ] ولا يعرف صدقها من كذبها ; بل عامة ما يحفظونه ما فيه غلو وشطح للإشراك به . فأهل الإسلام الذين يعرفون دين الإسلام ولا يشوبونه بغيره يعرفون الله ويعبدونه وحده ويعرفون أنبياءه فيقرون بما جاءوا به ويقتدون به ويعرفون أهل العلم والدين وينتفعون بأقوالهم وأفعالهم . وأهل الضلال في ظلمة لا يعرفون الله ولا أنبياءه . ولا أولياءه ولا يميزون بين ما أمر الله به وما نهى عنه وبين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان .
ولا ريب أن في أهل القبلة من يشبه
اليهود والنصارى في بعض الأمور كما في الصحيحين عن
أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32159لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى . قال : فمن } وفي صحيح
البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32159لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها : شبرا بشبر وذراعا بذراع قالوا : يا رسول الله فارس والروم ؟ قال : فمن الناس إلا هؤلاء ؟ .
ومشابهتهم في الشرك بقبور الأنبياء والصالحين هو من مشابهتهم التي حذر منها أمته قبل موته في صحته ومرضه وفي صحيح
مسلم عن
جندب بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 287 ] قبل أن يموت بخمس وهو يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=600090 } إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ; فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك { . وأما لعنه لمن فعل ذلك : ففي الصحيحين عن
عائشة وابن عباس قالا : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك :
nindex.php?page=hadith&LINKID=600091 } لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد { يحذر ما صنعوا . وفي الصحيحين عن
عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=600092لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } قالت
عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره ; غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا وفي لفظ : غير أنه خشي أو خشي . وفي الصحيح أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600093لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } هذا لفظ
مسلم وله
وللبخاري : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600094قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } وفي الصحيحين عن
عائشة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600095أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بأرض الحبشة فيها تصاوير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أولئك إذا مات فيهم [ ص: 288 ] الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة } وفي المسند وصحيح
أبي حاتم عن
ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12190إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد } .
وهذا باب واسع لبسطه موضع آخر . وقد بسط الكلام في هذا الباب في الرد على من هو أفضل من هذا وبين ما خالفوا فيه الكتاب والسنة والإجماع في هذا الباب وفي غيره . ولما كان أولئك أعلم وأفضل كان الرد عليهم بحسبهم . والله أعلم .
و "
nindex.php?page=treesubj&link=28647أَصْلُ الْإِيمَانِ " تَوْحِيدُ اللَّهِ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْإِيمَانُ بِرُسُلِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1909&ayano=15فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1910&ayano=2عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11873أَبُو الْعَالِيَةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28767خِلَّتَانِ تُسْأَلُ الْعِبَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْهُمَا : عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَعَمَّا أَجَابُوا الرُّسُلَ . وَلِهَذَا يُقَرِّرُ اللَّهُ هَذَيْنَ الْأَصْلَيْنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْقُرْآنِ بَلْ يُقَدِّمُهُمَا عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهُمَا ; لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الْأُصُولِ : مِثْلَمَا ذَكَرَ فِي " سُورَةِ الْبَقَرَةِ " فَإِنَّهُ افْتَتَحَهَا بِذِكْرِ أَصْنَافِ الْخَلْقِ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ : مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ وَمُنَافِقٌ . وَهَذَا التَّقْسِيمُ كَانَ لَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
الْمَدِينَةِ . فَإِنَّ
مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا نِفَاقٌ ; بَلْ إمَّا مُؤْمِنٌ ; وَإِمَّا كَافِرٌ . و " الْبَقَرَةُ " مَدَنِيَّةٌ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ
بِالْمَدِينَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَرْبَعَ آيَاتٍ فِي ذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَآيَتَيْنِ فِي ذِكْرِ الْكَافِرِينَ وَبِضْعَ عَشْرَةَ آيَةً فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ . وَافْتَتَحَهَا بِالْإِيمَانِ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَوَسَّطَهَا بِذَلِكَ وَخَتَمَهَا
[ ص: 275 ] بِذَلِكَ . قَالَ فِي أَوَّلِهَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2الم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=2وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=2وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } أَنَّهُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفِ وَاحِدٍ ; فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِهِ وَالْعَطْفُ لِتَغَايُرِ الصِّفَاتِ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5135&ayano=57هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6037&ayano=87الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6039&ayano=87وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2697&ayano=23قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2698&ayano=23الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2699&ayano=23وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } - إلَى قَوْلِهِ - {
nindex.php?page=tafseer&surano=2706&ayano=23أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2707&ayano=23الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . وَمَنْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } أَرَادَ بِهِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=2وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ : فَقَدْ غَلِطَ ; فَإِنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لَمْ يُؤْمِنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِهِ فَلَمْ يَكُونُوا مُفْلِحِينَ . وَأَهْلُ الْكِتَابِ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ لَمْ يَكُونُوا مُفْلِحِينَ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ صِنْفٌ وَاحِدٌ .
[ ص: 276 ] وَقَالَ فِي وَسَطِ السُّورَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=145&ayano=2قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فَأَمَرَ بِالْإِيمَانِ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ وَقَدْ قَالَ فِي أَثْنَائِهَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=186&ayano=2وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=294&ayano=2آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } .
ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ تَقْسِيمِ الْخَلْقِ قَرَّرَ أُصُولَ الدِّينِ . فَقَرَّرَ التَّوْحِيدَ أَوَّلًا ثُمَّ النُّبُوَّةَ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=2الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ثُمَّ قَرَّرَ النُّبُوَّةَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=2وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=2فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا } فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2134&ayano=17قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } . ثُمَّ ذَكَرَ الْجَنَّةَ . فَقَرَّرَ التَّوْحِيدَ وَالنُّبُوَّةَ وَالْمَعَادَ . وَهَذِهِ أُصُولُ الْإِيمَانِ .
[ ص: 277 ] وَفِي آلِ عِمْرَانَ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=298&ayano=2اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=299&ayano=3نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=300&ayano=3مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ } . فَذَكَرَ التَّوْحِيدَ أَوَّلًا ثُمَّ الْإِيمَانَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ ثَانِيًا وَذَكَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2552&ayano=21وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ } . وَلَفْظُ " الْفُرْقَانَ " يَتَنَاوَلُ مَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ مِثْلَ الْآيَاتِ الَّتِي بُعِثَ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ : كَالْحَيَّةِ وَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ وَانْفِلَاقِ الْبَحْرِ . وَالْقُرْآنُ فُرْقَانٌ بَيْنَ هَذَا الْوَجْهِ : مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ آيَةٌ عَظِيمَةٌ لِنُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِلْمٌ عَظِيمٌ . وَهُوَ أَيْضًا فُرْقَانٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فَرَّقَ بِبَيَانِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2881&ayano=25تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ } وَلِهَذَا فَسَّرَ جَمَاعَةٌ الْفُرْقَانَ هُنَا بِهِ . وَلَفْظُ " الْفُرْقَانِ " أَيْضًا يَتَنَاوَلُ نَصْرَ اللَّهِ لِأَنْبِيَائِهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِهْلَاكَ أَعْدَائِهِمْ ; فَإِنَّهُ فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ الْأَعْلَامِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1209&ayano=8إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ } .
وَالْآيَاتُ الَّتِي يَجْعَلُهَا اللَّهُ دِلَالَةً عَلَى صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ هِيَ مِمَّا يُنَزِّلُهُ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=832&ayano=6وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2962&ayano=26إنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } . وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ .
[ ص: 278 ] وَالْمَقْصُودُ هُنَا : التَّنْبِيهُ . وَكَذَلِكَ فِي " سُورَةِ يُونُسَ " قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1376&ayano=10أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1377&ayano=10إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إلَّا مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } وَفِي سُورَةِ " الم السَّجْدَةُ " قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3536&ayano=2الم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3537&ayano=32تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3538&ayano=32أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3539&ayano=32اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4098&ayano=39تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4099&ayano=39إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4100&ayano=39أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } . وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1485&ayano=11كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1486&ayano=11أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1498&ayano=11فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1919&ayano=16يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3342&ayano=28وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } ثُمَّ قَالَ :
[ ص: 279 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=3345&ayano=28وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } .
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِسُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ تَارَةً وَتَارَةً قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=145&ayano=2قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ } الْآيَاتُ . وَفِي الثَّانِيَةِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=360&ayano=3قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } .
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ ; لِأَنَّ النَّاسَ مُضْطَرُّونَ إلَى هَذَيْنَ الْأَصْلَيْنِ فَلَا يَنْجُونَ مِنْ الْعَذَابِ وَلَا يَسْعَدُونَ إلَّا بِهِمَا . فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالْأَنْبِيَاءِ وَمَا جَاءُوا بِهِ وَأَصْلُ مَا جَاءُوا بِهِ أَنْ لَا يَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2529&ayano=21وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4413&ayano=43وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } .
وَالْأَنْبِيَاءُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ - هُمْ وَسَائِطُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي تَبْلِيغِ كَلَامِهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَأَنْبَائِهِ الَّتِي أَنْبَأَ بِهَا عَنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَعَرْشِهِ وَمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَلَيْسُوا وَسَائِطَ فِي خَلْقِهِ لِعِبَادِهِ وَلَا فِي رِزْقِهِمْ وَإِحْيَائِهِمْ وَإِمَاتَتِهِمْ وَلَا
[ ص: 280 ] جَزَائِهِمْ بِالْأَعْمَالِ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ وَلَا فِي إجَابَةِ دَعَوَاتِهِمْ وَإِعْطَاءِ سُؤَالِهِمْ ; بَلْ هُوَ وَحْدَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الَّذِي يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَهُوَ الَّذِي يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1970&ayano=16وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1968&ayano=16وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إنَّمَا هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1969&ayano=16وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ } كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2102&ayano=17قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3662&ayano=34قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3663&ayano=34وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } .
فَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29431مَا يُدْعَى مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَلَا لِأَحَدِ مِنْهُمْ شِرْكٌ مَعَهُ وَلَا لَهُ ظَهِيرٌ مِنْهُمْ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الشَّفَاعَةُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3663&ayano=34وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } فَالْأَمْرُ فِي الشَّفَاعَةِ إلَيْهِ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4141&ayano=39قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ } . وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ .
فَانْقَسَمَ النَّاسُ فِيهِمْ " ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ " : قَوْمٌ أَنْكَرُوا تَوَسُّطَهُمْ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَكَذَّبُوا بِالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ : مِثْلُ
قَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ وَقَوْمِ فِرْعَوْنَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُخْبِرُ اللَّهُ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا الْمُرْسَلِينَ ; فَإِنَّهُمْ كَذَّبُوا جِنْسَ الرُّسُلِ ; يُؤْمِنُوا بِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مُنْكِرُو النُّبُوَّاتِ مِنْ
البراهمة وَفَلَاسِفَةِ الْهِنْدِ الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
nindex.php?page=treesubj&link=28746وَكُلُّ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ لَا يَكُونُ إلَّا مُشْرِكًا وَكَذَلِكَ مَنْ كَذَّبَ بِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=647&ayano=4إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=648&ayano=4أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا } .
فَكُلُّ مَنْ كَذَّبَ
مُحَمَّدًا أَوْ
الْمَسِيحَ أَوْ
داود أَوْ
سُلَيْمَانَ أَوْ غَيْرَهُمْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بُعِثُوا بَعْدَ
مُوسَى : فَهُوَ كَافِرٌ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=2وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=2وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=2وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
وَالْفَلَاسِفَةُ وَالْمَلَاحِدَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=28746مَنْ يَجْعَلُ النُّبُوَّاتِ مَنْ جِنْسِ الْمَنَامَاتِ وَيَجْعَلُ مَقْصُودَهَا التَّخْيِيلَ فَقَطْ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2509&ayano=21بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } فَهَؤُلَاءِ مُكَذِّبُونَ بِالنُّبُوَّاتِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُمْ مَخْصُوصِينَ بِعِلْمِ يَنَالُونَهُ بِقُوَّةِ قُدْسِيَّةٍ بِلَا تَعَلُّمٍ ; وَلَا يُثْبِتُ مَلَائِكَةً تَنْزِلُ بِالْوَحْيِ . وَلَا كَلَامًا لِلَّهِ يَتَكَلَّمُ بِهِ بَلْ يَقُولُونَ إنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ فَلَا يَعْلَمُ لَا
مُوسَى وَلَا
مُحَمَّدًا وَلَا غَيْرَهُمَا مِنْ الرُّسُلِ وَيَقُولُونَ : خَاصِّيَّةُ النَّبِيِّ - هَذِهِ الْقُوَّةُ الْعِلْمِيَّةُ الْقُدْسِيَّةُ - قُوَّةٌ يُؤَثِّرُ بِهَا فِي الْعَالَمِ وَعَنْهَا تَكُونُ الْخَوَارِقُ وَقُوَّةٌ تَخَيُّلِيَّةٌ وَهُوَ أَنْ تُمَثَّلَ لَهُ الْحَقَائِقُ فِي صُوَرٍ خَيَالِيَّةٍ فِي نَفْسِهِ فَيَرَى فِي نَفْسِهِ أَشْكَالًا نُورَانِيَّةً وَيَسْمَعُ فِي نَفْسِهِ كَلَامًا . فَهَذَا هُوَ النَّبِيُّ عِنْدَهُمْ . وَهَذِهِ الثَّلَاثُ تُوجَدُ لِكَثِيرِ مِنْ آحَادِ الْعَامَّةِ الَّذِينَ غَيْرُهُمْ مِنْ النَّبِيِّينَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ . وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ مِنْ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ فَهُمْ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ .
وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ يُقِرُّ بِمَا جَاءُوا بِهِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ تُخَالِفُ رَأْيَهُ فَيُقَدِّمُ رَأْيَهُ عَلَى مَا جَاءُوا بِهِ وَيُعْرِضُ عَمَّا جَاءُوا بِهِ فَيَقُولُ : إنَّهُ لَا يَدْرِي مَا أَرَادُوا بِهِ أَوْ يُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ . وَهَؤُلَاءِ مَوْجُودُونَ فِي
أَهْل الْكِتَابِ وَفِي
أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ ; ثُمَّ ذَكَرَ الْمُنَافِقِينَ وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِيهِمْ .
[ ص: 283 ] وَقِسْمٌ ثَانٍ
nindex.php?page=treesubj&link=29431غَلَوْا فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَفِي الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا : فَجَعَلُوهُمْ وَسَائِطَ فِي الْعِبَادَةِ فَعَبَدُوهُمْ لِيُقَرِّبُوهُمْ إلَى اللَّهِ زُلْفَى وَصَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ وَعَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ . وَهَذَا كَثِيرٌ فِي
النَّصَارَى وَمَنْ ضَاهَاهُمْ مِنْ ضُلَّالِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ; وَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ هَذَا الصِّنْفَ فِي الْقُرْآنِ فِي " آلِ عِمْرَانَ " وَفِي " بَرَاءَةٌ " فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ عَلَى
النَّصَارَى وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=375&ayano=3مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=376&ayano=3وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1275&ayano=9اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=360&ayano=3قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } . وَهَذَا الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ هُوَ الَّذِي كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ مِلْكِ الرُّومِ .
وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إذَا اسْتَشْفَعُوا بِهِمْ شَفَعُوا لَهُمْ وَأَنَّ مَنْ قَصَدَ مُعَظَّمًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ فَاسْتَشْفَعَ بِهِ شَفَعَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ كَمَا يَشْفَعُ خَوَاصُّ الْمُلُوكِ عِنْدَهُمْ . وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ فِي غَيْرِ
[ ص: 284 ] مَوْضِعٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ; فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ يَشْفَعُ عِنْدَ الْمَخْلُوقِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيَقْبَلُ الشَّفَاعَةَ لِرَغْبَةِ أَوْ رَهْبَةٍ أَوْ مَحَبَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَكُونُ الشَّفِيعُ شَرِيكًا لِلْمَشْفُوعِ إلَيْهِ . وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2532&ayano=21وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } .
وَهَؤُلَاءِ يَحُجُّونَ إلَى قُبُورِهِمْ وَيَدْعُونَهُمْ ; وَقَدْ يَسْجُدُونَ لَهُمْ وَيَنْذِرُونَ لَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ . وَهَؤُلَاءِ أَيْضًا مُشْرِكُونَ . وَأَكْثَرُ الْمُشْرِكِينَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ التَّكْذِيبِ بِبَعْضِ مَا جَاءُوا بِهِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ فَيَكُونُ فِيهِمْ نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ بِالْخَالِقِ وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الشِّرْكِ وَالتَّعْطِيلِ . فَيُعَطِّلُ الْخَالِقَ أَوْ بَعْضَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ .
فَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَيْسُوا مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا مِنْ هَؤُلَاءِ بَلْ يُثْبِتُونَ أَنَّهُمْ وَسَائِطُ فِي التَّبْلِيغِ عَنْ اللَّهِ وَيُؤْمِنُونَ بِهِمْ وَيُحِبُّونَهُمْ وَلَا يَحُجُّونَ إلَى قُبُورِهِمْ وَلَا يَتَّخِذُونَ قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ . وَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28664تَحْقِيقُ " شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " . فَإِظْهَارُ ذِكْرِهِمْ وَمَا جَاءُوا بِهِ هُوَ مِنْ الْإِيمَانِ بِهِمْ وَإِخْفَاءُ قُبُورِهِمْ لِئَلَّا يَفْتَتِنَ بِهَا النَّاسُ هُوَ مِنْ تَمَامِ التَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ .
وَالصَّحَابَةُ وَأُمَّةُ
مُحَمَّدٍ قَامُوا بِهَذَا .
[ ص: 285 ] وَلِهَذَا تَجِدُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَخْبَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ : مِنْ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ . مِنْ مَشَايِخِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْعَدْلِ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ : مَا يُوجِبُ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءَ لَهُ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ وَمَا يَنْتَفِعُ بِهِ : إمَّا كَلَامٌ لَهُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِمَّا عَمَلٌ صَالِحٌ يُقْتَدَى بِهِ فِيهِ . فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَنْبِيَاءُ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - يُقْصَدُ الِانْتِفَاعُ بِمَا قَالُوهُ وَأَخْبَرُوا بِهِ وَأَمَرُوا بِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِيمَا فَعَلُوهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
وَأَمَّا أَهْلُ الضَّلَالِ - كَالنَّصَارَى وَأَهْلِ الْبِدَعِ - فَهُمْ مَعَ غُلُوِّهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ لِقُبُورِهِمْ وَتَمَاثِيلِهِمْ وَالِاسْتِشْفَاعِ بِهِمْ لَا تَجِدُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَخْبَارِهِمْ مَا يُعْرَفُ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِهِ ; بَلْ قَدْ الْتَبَسَ هَذَا بِهَذَا وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ يُمَيِّزُ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الدِّينِ بَيْنَ مَا جَاءَ عَنْ
الْمَسِيحِ وَمَا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ : إمَّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ . وَإِمَّا مِنْ شُيُوخِهِمْ بَلْ قَدْ لَبَسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ .
وَكَذَلِكَ أَهْلُ الضَّلَالِ وَالْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ : تَجِدُهُمْ يُعَظِّمُونَ شَيْخًا أَوْ إمَامًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ وَيَدْعُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَسْتَغِيثُونَ بِهِ وَيَنْذِرُونَ لَهُ وَيَحُجُّونَ إلَى قَبْرِهِ . وَقَدْ يَسْجُدُونَ لَهُ وَقَدْ يَعْبُدُونَهُ أَعْظَمَ مِمَّا يَعْبُدُونَ اللَّهَ كَمَا يَفْعَلُ
النَّصَارَى وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِهِ : يَنْقُلُونَ عَنْهُ أَخْبَارًا مُسَيَّبَةً لَيْسَ لَهَا إسْنَادٌ
[ ص: 286 ] وَلَا يُعْرَفُ صِدْقُهَا مَنْ كَذِبِهَا ; بَلْ عَامَّةُ مَا يَحْفَظُونَهُ مَا فِيهِ غُلُوٌّ وَشَطْحٌ لِلْإِشْرَاكِ بِهِ . فَأَهْلُ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ وَلَا يَشُوبُونَهُ بِغَيْرِهِ يَعْرِفُونَ اللَّهَ وَيَعْبُدُونَهُ وَحْدَهُ وَيَعْرِفُونَ أَنْبِيَاءَهُ فَيُقِرُّونَ بِمَا جَاءُوا بِهِ وَيَقْتَدُونَ بِهِ وَيَعْرِفُونَ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَيَنْتَفِعُونَ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ . وَأَهْلُ الضَّلَالِ فِي ظُلْمَةٍ لَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ وَلَا أَنْبِيَاءَهُ . وَلَا أَوْلِيَاءَهُ وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ وَبَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ مَنْ يُشْبِهُ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي بَعْضِ الْأُمُورِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الخدري عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32159لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى . قَالَ : فَمَنْ } وَفِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32159لَتَأْخُذَنَّ أُمَّتِي مَأْخَذَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا : شِبْرًا بِشِبْرِ وَذِرَاعًا بِذِرَاعِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَارِسُ وَالرُّومُ ؟ قَالَ : فَمَنْ النَّاسُ إلَّا هَؤُلَاءِ ؟ .
وَمُشَابَهَتُهُمْ فِي الشِّرْكِ بِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ هُوَ مِنْ مُشَابَهَتِهِمْ الَّتِي حَذَّرَ مِنْهَا أُمَّتَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 287 ] قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسِ وَهُوَ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=600090 } إنِّي أَبْرَأُ إلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ ; فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلَوْ كُنْت مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاِتَّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِد فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ { . وَأَمَّا لَعْنُهُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ : فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا : لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=600091 } لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ { يَحْذَرُ مَا صَنَعُوا . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=600092لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } قَالَتْ
عَائِشَةُ : وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ ; غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا وَفِي لَفْظٍ : غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَوْ خُشِيَ . وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600093لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } هَذَا لَفْظُ
مُسْلِمٍ وَلَهُ
وَلِلْبُخَارِيِّ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600094قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عَائِشَةَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600095أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أُولَئِكَ إذَا مَاتَ فِيهِمْ [ ص: 288 ] الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَفِي الْمُسْنَدِ وَصَحِيحِ
أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12190إنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءُ وَاَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ } .
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ لِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ . وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا وَبُيِّنَ مَا خَالَفُوا فِيهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي غَيْرِهِ . وَلَمَّا كَانَ أُولَئِكَ أَعْلَمَ وَأَفْضَلَ كَانَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِهِمْ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .