فمن
nindex.php?page=treesubj&link=17918سافر إلى بقعة غير بيوت الله التي يشرع السفر إليها ودعا غير الله فقد جعل نسكه وصلاته لغير الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة وإن كان بيتا من بيوت الله ; إذ لم تكن له خاصية تستحق السفر إليه ولا شرع هو صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء السفر إليه بخلاف الثلاثة فإن كل مسجد منها بناه نبي من الأنبياء ودعا الناس إلى السفر إليه فلها خصائص ليست لغيرها .
فإذا كان السفر إلى بيوت الله غير الثلاثة ليس بمشروع باتفاق الأئمة الأربعة ; بل قد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف بالسفر إلى بيوت المخلوقين الذين تتخذ قبورهم مساجد وأوثانا وأعيادا ويشرك بها وتدعى من دون الله حتى إن كثيرا من معظميها يفضل الحج إليها على الحج إلى
بيت الله فيجعل الشرك وعبادة الأوثان أفضل من التوحيد وعبادة الرحمن كما يفعل ذلك من يفعله من المشركين وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=613&ayano=4إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=614&ayano=4إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=615&ayano=4لعنه الله } وكانت لها شياطين تكلمهم وتتراءى لهم . قال
ابن عباس : في كل
[ ص: 361 ] صنم شيطان يتراءى للسدنة ويكلمهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب : مع كل صنم جنية .
وقد قيل : الإناث هي الموات . وعن
الحسن : كل شيء لا روح فيه كالخشب والحجر فهو إناث . قال
الزجاج : والموات كلها يخبر عنها كما يخبر من المؤنث . فتقول في ذلك : الأحجار تعجبني والدراهم تنفعك . وليس ذلك مختصا بالموات بل كل ما سوى الله . تعالى يجمع بلفظ التأنيث فيقال : الملائكة ويقال لما يعبد من دون الله : آلهة . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=814&ayano=6قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1099&ayano=7وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1100&ayano=7إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1101&ayano=7قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين } هي أوثان وهي مؤنثة قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4135&ayano=39أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون
} فالآلهة المعبودة من دون الله كلها بهذه المثابة وهي
[ ص: 362 ] الأوثان التي تتخذ من دون الله قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=376&ayano=3ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } وقال
يوسف الصديق : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1647&ayano=12يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1648&ayano=12ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } وكل
nindex.php?page=treesubj&link=29437من عبد شيئا من دون الله فإنما يعبد أسماء ما أنزل الله بها من سلطان .
وأيضا فالذين يعبدون الملائكة أو الأنبياء لا يرونهم وإنما يعبدون تماثيل صوروها على مثال صورهم وهي من تراب وحجر وخشب فهم يعبدون الموات . وفي الصحيح - صحيح
مسلم - عن
أبي الهياج الأسدي قال : قال لي
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=83بعثني أن لا أدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1934&ayano=16أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1935&ayano=16وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1936&ayano=16والله يعلم ما تسرون وما تعلنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1937&ayano=16والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1938&ayano=16أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } وجميع الأموات لا يشعرون أيان يبعثون . فلا يعلم بقيام الساعة إلا الله عز وجل . وفي الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600122أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس أبو بكر [ ص: 363 ] الصديق فقال : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت . وقرأ قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=440&ayano=3وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين } وكأن الناس ما سمعوها حتى تلاها أبو بكر } فلا يوجد أحد من الناس إلا وهو يتلوها . والناس تغيب عنهم معاني القرآن عند الحوادث فإذا ذكروا بها عرفوها . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1162&ayano=7إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1163&ayano=7وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون } .
وأما قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4858&ayano=53ألكم الذكر وله الأنثى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4859&ayano=53تلك إذا قسمة ضيزى } أي قسمة جائرة عوجاء إذ تجعلون لكم ما تحبون وهم الذكور وتجعلون لي الإناث وهذا من قولهم : الملائكة بنات الله حيث جعلوا له أولادا إناثا وهم يكرهون أن يكون ولد أحدهم أنثى .
كالنصارى الذين يجعلون لله ولدا ويجلون الراهب الكبير أن يكون له ولد .
وأما اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فلما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4858&ayano=53ألكم الذكر وله الأنثى } فسرها طائفة منهم
الكلبي بأنهم كانوا يقولون : هذه الأصنام بنات الله . وهذا هو الذي ذكره طائفة من المتأخرين .
[ ص: 364 ] وليس كذلك ; فإنهم لم يكونوا يقولون عن هذه الأصنام إنها بنات الله وإنما قالوا ذلك عن الملائكة كما ذكر الله عنهم في قوله تعالى . بعد هذا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4864&ayano=53إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4387&ayano=43وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4385&ayano=43وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم } فإن الولد يماثل أباه وكذلك الشريك يماثل شريكه فهم ضربوا الإناث مثلا وهم جعلوا هذه شركاء لله سبحانه فكانوا يجعلونها أندادا لله والشريك كالأخ فجعلوا له أولادا إناثا وشركاء إناثا فجعلوا له بنات وأخوات وهم لا يحبون أن تكون لأحدهم أنثى لا بنت ولا أخت ; بل إذا كان الأب يكره أن تكون له بنت فالأخت أشد كراهة له منها . ولم يكونوا يورثون البنات والأخوات . فتبين فرط جهلهم وظلمهم إذ جعلوا لله ما لا يرضونه لأنفسهم فكانت أنفسهم عندهم أعظم من الله سبحانه .
وهذا كما ضرب لهم مثلا فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1973&ayano=16ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1974&ayano=16ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1977&ayano=16للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3467&ayano=30ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون } . فهم لا يرضون أن يكون مملوك أحدهم شريكه وقد جعلوا مملوكي الرب شركاء له فجعلوا لله ما لا يرضونه لأنفسهم من الشركاء ومن الأولاد : لا يرضون مملوكيهم أن يكونوا شركاء وقد جعلوهم لله شركاء ولا يرضون من الأولاد بالإناث فلا يرضونها ولدا ولا نظيرا وهم جعلوا الإناث لله أولادا ونظراء .
والنكتة أن الله أجل وأعظم وأعلى وأكبر من كل شيء وهم قد جعلوا لله ما لا يرضونه لأنفسهم .
وهذا يتناول كل من وصف الله بصفة ينزه عنها المخلوق كالذين قالوا : إنه فقير وإنه بخيل . والذين قالوا : إنه لا يوصف إلا بالسلوب أو لا يوصف لا بسلب ولا إثبات . والذين جعلوا بعض المخلوقات مماثلة له في شيء من الأشياء في عبادة له أو دعاء له أو توكل عليه أو حبها مثل حبه والذين قالوا : يفعل لا لحكمة ; بل عبثا . والذين قالوا : إنه يجوز أن يضع الأشياء في غير مواضعها فيعاقب خيار الناس ويكرم شرارهم . والذين قالوا : لا يقدر أن يتكلم بمشيئته . والذين قالوا : إنه لا يسمع ولا يبصر . والذين قالوا : إنه يجوز أن يحب غيره كما يحب هو ويدعى ويسأل فجعلوا مملوكه ندا له . ونظائر ذلك كثيرة .
[ ص: 366 ] والقرآن ملآن من
nindex.php?page=treesubj&link=28655توحيد الله تعالى وأنه ليس كمثله شيء . فلا يمثل به شيء من المخلوقات في شيء من الأشياء إذ ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا فيما يستحقه من العبادة والمحبة والتوكل والطاعة والدعاء وسائر حقوقه . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2334&ayano=19رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا } فلا أحد يساميه . ولا يستحق أن يسمى بما يختص به من الأسماء ولا يساويه في معنى شيء من الأسماء لا في معنى الحي ولا العليم ولا القدير ولا غير ذلك من الأسماء ولا في معنى الذات والموجود ونحو ذلك من الأسماء العامة ولا يكون إلها ولا ربا ولا خالقا . فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6334&ayano=112قل هو الله أحد } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6335&ayano=112الله الصمد } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6336&ayano=112لم يلد ولم يولد } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6337&ayano=112ولم يكن له كفوا أحد } فلم يكن أحد يكافيه في شيء من الأشياء : فلا يساويه شيء ولا يماثله شيء ولا يعادله شيء . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=796&ayano=6الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3052&ayano=26فكبكبوا فيها هم والغاوون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3053&ayano=26وجنود إبليس أجمعون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3054&ayano=26قالوا وهم فيها يختصمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3055&ayano=26تالله إن كنا لفي ضلال مبين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3056&ayano=26إذ نسويكم برب العالمين } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1990&ayano=16ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1991&ayano=16فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون } .
[ ص: 367 ] وهذا الذي ذكرنا من أن السفر إلى الأماكن المعظمة - القبور وغيرها - عند أصحابه كالحج عند المسلمين هو أمر معروف عند المتقدمين والمتأخرين لفظا ومعنى فإنهم يقصدون من دعاء المخلوق والخضوع له والتضرع إليه نظير ما يقصده المسلمون من دعاء الله تعالى والخضوع له والتضرع إليه ; لكن كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=174&ayano=2ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } وهم يسمون ذلك حجا إليها وهذا معروف عند متقدميهم ومتأخريهم . وكذلك أهل البدع والضلال من المسلمين
كالرافضة وغيرهم يحجون إلى المشاهد وقبور شيوخهم وأئمتهم ويسمون ذلك حجا . ويقول داعيتهم : السفر إلى الحج الأكبر ويظهرون علما للحج إليه ومعه مناد ينادي إليه كما يرفع المسلمون علما للحج لكن داعي أهل البدع ينادي : السفر إلى الحج الأكبر علانية في مثل
بغداد يعني السفر إلى مشهد من المشاهد فيجعلون السفر إلى قبر بعض المخلوقين هو الحج الأكبر والحج إلى
بيت الله عندهم الأصغر . وقد ذكر ذلك أئمتهم في مصنفاتهم . ومن جهال الناس من يقول : وحق النبي الذي تحج المطايا إليه .
فلما كان المشركون يصلون ويدعون المخلوق ويحجون إلى قبره قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=956&ayano=6قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=957&ayano=6قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=958&ayano=6لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=28ولا تدع مع الله إلها آخر } . وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=957&ayano=6ونسكي } قد ذكروا في تفسيره : الذبح لله والحج إلى
بيت الله . وذكروا أن لفظ النسك يتناول العبادة مطلقا . والله سبحانه قد بين في القرآن أن الذبح والحج كلاهما منسك : قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2651&ayano=22ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } وقال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36370من ذبح بعد الصلاة فقد أصاب النسك ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو شاة لحم عجلها لأهله ليس من النسك في شيء } . وقال تعالى عن
إبراهيم وإسماعيل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=136&ayano=2ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=137&ayano=2ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم } فأرى الله
إبراهيم وابنه
إسماعيل المواضع التي تقصد في الحج والأفعال التي تفعل هناك : كالطواف والسعي والوقوف والرمي كما ذكر ذلك غير واحد من
السلف .
والصلاة تتناول الدعاء الذي هو بمعنى العبادة والذي هو بمعنى السؤال . فالصلاة تجمع هذا وهذا قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4233&ayano=40وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } فقد فسر دعاؤه بسؤاله فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره الله أن يقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=957&ayano=6قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } فأمره تعالى أن يكون الدعاء لله والصلاة لله ولا تبنى المساجد إلا لله ; لا تبنى على قبر مخلوق ولا من أجله ولا يسافر إلى بيوت المخلوقين . وقد نهى أن يحج ويسافر إلى بيوت الله التي ليست لها تلك الخصائص .
وهذا ونحوه يعرف من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وسنة خلفائه الراشدين وما كان عليه الصحابة من بعده والتابعون لهم بإحسان وما ذكره أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم . ولهذا لا يقدر أحد أن ينقل عن إمام من أئمة المسلمين أنه يستحب السفر إلى زيارة قبر نبي أو رجل صالح . ومن نقل ذلك فليخرج نقله .
وإذا كان الأمر كذلك وليس في الفتيا إلا ما ذكره أئمة المسلمين وعلماؤهم فالمخالف لذلك مخالف لدين المسلمين وشرعهم ولسنة نبيهم ; وسنة خلفائه الراشدين ولما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه من توحيده وعبادته وحده لا شريك له وأنه إنما يعبد بما شرعه من واجب ومستحب لا يعبد بما نهى عنه ولم يشرعه . والله سبحانه بعث
محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا . فبعثه بدين الإسلام الذي بعث به جميع الأنبياء فإن الدين عند الله الإسلام {
nindex.php?page=tafseer&surano=381&ayano=3ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } لا من الأولين ولا من الآخرين .
[ ص: 370 ] nindex.php?page=treesubj&link=28639وجميع الأنبياء كانوا على دين الإسلام كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69377إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد الأنبياء إخوة لعلات } . وقد أخبر تعالى في القرآن عن
نوح وإبراهيم وإسرائيل وأتباع
موسى والمسيح وغيرهم أنهم كانوا مسلمين متفقين على عبادة الله وحده لا شريك له وأن يعبد بما أمر هو سبحانه وتعالى فلا يعبد غيره ولا يعبد هو بدين لم يشرعه . فلما أمر أن يصلي في أول الإسلام إلى
بيت المقدس كان ذلك من دين الإسلام . ثم لما نسخ ذلك وأمر باستقبال
البيت الحرام كان هذا من دين الإسلام . وذلك المنسوخ ليس من دين الإسلام . وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=722&ayano=5لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } فللتوراة شرعة وللإنجيل شرعة وللقرآن شرعة . فمن كان متبعا لشرع التوراة أو الإنجيل الذي لم يبدل ولم ينسخ فهو على دين الإسلام كالذين كانوا على شريعة التوراة بلا تبديل قبل مبعث
المسيح عليه السلام والذين كانوا على شريعة الإنجيل بلا تبديل قبل مبعث
محمد صلى الله عليه وسلم .
فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=17918سَافَرَ إلَى بُقْعَةٍ غَيْرِ بُيُوتِ اللَّهِ الَّتِي يُشْرَعُ السَّفَرُ إلَيْهَا وَدَعَا غَيْرَ اللَّهِ فَقَدْ جَعَلَ نُسُكَهُ وَصَلَاتَهُ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّفَرِ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ ; إذْ لَمْ تَكُنْ لَهُ خَاصِّيَّةٌ تَسْتَحِقُّ السَّفَرَ إلَيْهِ وَلَا شَرَعَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ السَّفَرَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ مِنْهَا بَنَاهُ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَدَعَا النَّاسَ إلَى السَّفَرِ إلَيْهِ فَلَهَا خَصَائِصُ لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا .
فَإِذَا كَانَ السَّفَرُ إلَى بُيُوتِ اللَّهِ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ بِمَشْرُوعِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ; بَلْ قَدْ نَهَى عَنْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ بِالسَّفَرِ إلَى بُيُوتِ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِينَ تُتَّخَذُ قُبُورُهُمْ مَسَاجِدُ وَأَوْثَانًا وَأَعْيَادًا وَيُشْرَكُ بِهَا وَتُدْعَى مِنْ دُونِ اللَّهِ حَتَّى إنَّ كَثِيرًا مِنْ مُعَظِّمِيهَا يُفَضِّلُ الْحَجَّ إلَيْهَا عَلَى الْحَجِّ إلَى
بَيْتِ اللَّهِ فَيَجْعَلُ الشِّرْكَ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ أَفْضَلَ مِنْ التَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ يَفْعَلُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=613&ayano=4إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=614&ayano=4إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلَّا إنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=615&ayano=4لَعَنَهُ اللَّهُ } وَكَانَتْ لَهَا شَيَاطِينُ تُكَلِّمُهُمْ وَتَتَرَاءَى لَهُمْ . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : فِي كُلِّ
[ ص: 361 ] صَنَمٍ شَيْطَانٌ يَتَرَاءَى لِلسَّدَنَةِ وَيُكَلِّمُهُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بْنُ كَعْبٍ : مَعَ كُلِّ صَنَمٍ جِنِّيَّةٌ .
وَقَدْ قِيلَ : الْإِنَاثُ هِيَ الْمَوَاتُ . وَعَنْ
الْحَسَنِ : كُلُّ شَيْءٍ لَا رُوحَ فِيهِ كَالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ فَهُوَ إنَاثٌ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَالْمَوَاتُ كُلُّهَا يُخْبَرُ عَنْهَا كَمَا يُخْبَرُ مِنْ الْمُؤَنَّثِ . فَتَقُولُ فِي ذَلِكَ : الْأَحْجَارُ تُعْجِبُنِي وَالدَّرَاهِمُ تَنْفَعُك . وَلَيْسَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِالْمَوَاتِ بَلْ كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ . تَعَالَى يُجْمَعُ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ فَيُقَالُ : الْمَلَائِكَةُ وَيُقَالُ لِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ : آلِهَةٌ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=814&ayano=6قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إنَّمَا هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1099&ayano=7وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1100&ayano=7إنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1101&ayano=7قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } هِيَ أَوْثَانٌ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4135&ayano=39أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ
} فَالْآلِهَةُ الْمَعْبُودَةُ مَنْ دُونِ اللَّهِ كُلُّهَا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَهِيَ
[ ص: 362 ] الْأَوْثَانُ الَّتِي تُتَّخَذُ مَنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=376&ayano=3وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } وَقَالَ
يُوسُفُ الصِّدِّيقُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1647&ayano=12يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1648&ayano=12مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } وَكُلُّ
nindex.php?page=treesubj&link=29437مَنْ عَبَدَ شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنَّمَا يَعْبُدُ أَسْمَاءً مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ .
وَأَيْضًا فَاَلَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ أَوْ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَرَوْنَهُمْ وَإِنَّمَا يَعْبُدُونَ تَمَاثِيلَ صَوَّرُوهَا عَلَى مِثَالِ صُوَرِهِمْ وَهِيَ مِنْ تُرَابٍ وَحَجَرٍ وَخَشَبٍ فَهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَوَاتَ . وَفِي الصَّحِيحِ - صَحِيحِ
مُسْلِمٍ - عَنْ
أَبِي الهياج الأسدي قَالَ : قَالَ لِي
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَلَا أَبْعَثُك عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=83بَعَثَنِي أَنْ لَا أَدَعَ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْته وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْته } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1934&ayano=16أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1935&ayano=16وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1936&ayano=16وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1937&ayano=16وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1938&ayano=16أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } وَجَمِيعُ الْأَمْوَاتِ لَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ . فَلَا يَعْلَمُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . وَفِي الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600122أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ أَبُو بَكْرٍ [ ص: 363 ] الصَّدِيقُ فَقَالَ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ . وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=440&ayano=3وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } وَكَأَنَّ النَّاسَ مَا سَمِعُوهَا حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ } فَلَا يُوجَدُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إلَّا وَهُوَ يَتْلُوهَا . وَالنَّاسُ تَغِيبُ عَنْهُمْ مَعَانِي الْقُرْآنِ عِنْدَ الْحَوَادِثِ فَإِذَا ذُكِّرُوا بِهَا عَرَفُوهَا . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1162&ayano=7إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1163&ayano=7وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4858&ayano=53أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4859&ayano=53تِلْكَ إذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى } أَيْ قِسْمَةٌ جَائِرَةٌ عَوْجَاءُ إذْ تَجْعَلُونَ لَكُمْ مَا تُحِبُّونَ وَهُمْ الذُّكُورُ وَتَجْعَلُونَ لِي الْإِنَاثَ وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ : الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ حَيْثُ جَعَلُوا لَهُ أَوْلَادًا إنَاثًا وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يَكُونَ وَلَدُ أَحَدِهِمْ أُنْثَى .
كَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ وَلَدًا وَيُجِلُّونَ الرَّاهِبَ الْكَبِيرَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ .
وَأَمَّا اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَمَنَاةُ الثَّالِثَةُ الْأُخْرَى فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4858&ayano=53أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى } فَسَّرَهَا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ
الْكَلْبِيُّ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : هَذِهِ الْأَصْنَامُ بَنَاتُ اللَّهِ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ .
[ ص: 364 ] وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَ عَنْ هَذِهِ الْأَصْنَامِ إنَّهَا بَنَاتُ اللَّهِ وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ عَنْ الْمَلَائِكَةِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى . بَعْدَ هَذَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4864&ayano=53إنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4387&ayano=43وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4385&ayano=43وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ } فَإِنَّ الْوَلَدَ يُمَاثِلُ أَبَاهُ وَكَذَلِكَ الشَّرِيكُ يُمَاثِلُ شَرِيكَهُ فَهُمْ ضَرَبُوا الْإِنَاثَ مَثَلًا وَهُمْ جَعَلُوا هَذِهِ شُرَكَاءَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فَكَانُوا يَجْعَلُونَهَا أَنْدَادًا لِلَّهِ وَالشَّرِيكُ كَالْأَخِ فَجَعَلُوا لَهُ أَوْلَادًا إنَاثًا وَشُرَكَاءَ إنَاثًا فَجَعَلُوا لَهُ بَنَاتٍ وَأَخَوَاتٍ وَهُمْ لَا يُحِبُّونَ أَنْ تَكُونَ لِأَحَدِهِمْ أُنْثَى لَا بِنْتٌ وَلَا أُخْتٌ ; بَلْ إذَا كَانَ الْأَبُ يَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ لَهُ بِنْتٌ فَالْأُخْتُ أَشَدُّ كَرَاهَةً لَهُ مِنْهَا . وَلَمْ يَكُونُوا يُورِثُونَ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ . فَتَبَيَّنَ فَرْطُ جَهْلِهِمْ وَظُلْمِهِمْ إذْ جَعَلُوا لِلَّهِ مَا لَا يَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِهِمْ فَكَانَتْ أَنْفُسُهُمْ عِنْدَهُمْ أَعْظَمَ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ .
وَهَذَا كَمَا ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1973&ayano=16وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1974&ayano=16وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1977&ayano=16لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3467&ayano=30ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } . فَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكُ أَحَدِهِمْ شَرِيكَهُ وَقَدْ جَعَلُوا مَمْلُوكِي الرَّبِّ شُرَكَاءَ لَهُ فَجَعَلُوا لِلَّهِ مَا لَا يَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَمِنْ الْأَوْلَادِ : لَا يَرْضَوْنَ مَمْلُوكِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ وَقَدْ جَعَلُوهُمْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ وَلَا يَرْضَوْنَ مِنْ الْأَوْلَادِ بِالْإِنَاثِ فَلَا يَرْضَوْنَهَا وَلَدًا وَلَا نَظِيرًا وَهُمْ جَعَلُوا الْإِنَاثَ لِلَّهِ أَوْلَادًا وَنُظَرَاءَ .
وَالنُّكْتَةُ أَنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ وَأَعْلَى وَأَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُمْ قَدْ جَعَلُوا لِلَّهِ مَا لَا يَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِهِمْ .
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِصِفَةِ يُنَزَّهُ عَنْهَا الْمَخْلُوقُ كَاَلَّذِينَ قَالُوا : إنَّهُ فَقِيرٌ وَإِنَّهُ بَخِيلٌ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا : إنَّهُ لَا يُوصَفُ إلَّا بِالسُّلُوبِ أَوْ لَا يُوصَفُ لَا بِسَلْبِ وَلَا إثْبَاتٍ . وَاَلَّذِينَ جَعَلُوا بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ مُمَاثِلَةً لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ فِي عِبَادَةٍ لَهُ أَوْ دُعَاءٍ لَهُ أَوْ تَوَكُّلٍ عَلَيْهِ أَوْ حُبِّهَا مِثْلَ حُبِّهِ وَاَلَّذِينَ قَالُوا : يَفْعَلُ لَا لِحِكْمَةِ ; بَلْ عَبَثًا . وَاَلَّذِينَ قَالُوا : إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ الْأَشْيَاءُ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا فَيُعَاقِبُ خِيَارَ النَّاسِ وَيُكْرِمُ شِرَارَهُمْ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا : لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَشِيئَتِهِ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا : إنَّهُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا : إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحَبَّ غَيْرُهُ كَمَا يُحَبُّ هُوَ وَيُدْعَى وَيَسْأَلُ فَجَعَلُوا مَمْلُوكَهُ نِدًّا لَهُ . وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ .
[ ص: 366 ] وَالْقُرْآنُ مَلْآنُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28655تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ . فَلَا يُمَثَّلُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَلَا فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالتَّوَكُّلِ وَالطَّاعَةِ وَالدُّعَاءِ وَسَائِرِ حُقُوقِهِ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2334&ayano=19رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } فَلَا أَحَدَ يُسَامِيهِ . وَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَلَا يُسَاوِيهِ فِي مَعْنَى شَيْءٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ لَا فِي مَعْنَى الْحَيِّ وَلَا الْعَلِيمِ وَلَا الْقَدِيرِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَلَا فِي مَعْنَى الذَّاتِ وَالْمَوْجُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعَامَّةِ وَلَا يَكُونُ إلَهًا وَلَا رَبًّا وَلَا خَالِقًا . فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6334&ayano=112قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6335&ayano=112اللَّهُ الصَّمَدُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6336&ayano=112لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6337&ayano=112وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يكافيه فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ : فَلَا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ وَلَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ وَلَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=796&ayano=6الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3052&ayano=26فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3053&ayano=26وَجُنُودُ إبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3054&ayano=26قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3055&ayano=26تَاللَّهِ إنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3056&ayano=26إذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1990&ayano=16وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1991&ayano=16فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } .
[ ص: 367 ] وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ السَّفَرَ إلَى الْأَمَاكِنِ الْمُعَظَّمَةِ - الْقُبُورِ وَغَيْرِهَا - عِنْدَ أَصْحَابِهِ كَالْحَجِّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ والمتأخرين لَفْظًا وَمَعْنًى فَإِنَّهُمْ يَقْصِدُونَ مِنْ دُعَاءِ الْمَخْلُوقِ وَالْخُضُوعِ لَهُ وَالتَّضَرُّعِ إلَيْهِ نَظِيرَ مَا يَقْصِدُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دُعَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخُضُوعِ لَهُ وَالتَّضَرُّعِ إلَيْهِ ; لَكِنْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=174&ayano=2وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } وَهُمْ يُسَمُّونَ ذَلِكَ حَجًّا إلَيْهَا وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ مُتَقَدِّمِيهِمْ وَمُتَأَخِّرِيهِمْ . وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
كَالرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ يَحُجُّونَ إلَى الْمَشَاهِدِ وَقُبُورِ شُيُوخِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ حَجًّا . وَيَقُولُ دَاعِيَتُهُمْ : السَّفَرُ إلَى الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَيُظْهِرُونَ عَلَمًا لِلْحَجِّ إلَيْهِ وَمَعَهُ مُنَادٍ يُنَادِي إلَيْهِ كَمَا يَرْفَعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَمًا لِلْحَجِّ لَكِنَّ دَاعِيَ أَهْلِ الْبِدَعِ يُنَادِي : السَّفَرُ إلَى الْحَجِّ الْأَكْبَرِ عَلَانِيَةً فِي مِثْلِ
بَغْدَادَ يَعْنِي السَّفَرَ إلَى مَشْهَدٍ مِنْ الْمَشَاهِدِ فَيَجْعَلُونَ السَّفَرَ إلَى قَبْرِ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ هُوَ الْحَجَّ الْأَكْبَرَ وَالْحَجَّ إلَى
بَيْتِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ الْأَصْغَرُ . وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَئِمَّتُهُمْ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ . وَمِنْ جُهَّالِ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : وَحَقُّ النَّبِيِّ الَّذِي تَحُجُّ الْمَطَايَا إلَيْهِ .
فَلَمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُصَلُّونَ وَيَدْعُونَ الْمَخْلُوقَ وَيَحُجُّونَ إلَى قَبْرِهِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=956&ayano=6قُلْ إنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=957&ayano=6قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=958&ayano=6لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3368&ayano=28وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ } . وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=957&ayano=6وَنُسُكِي } قَدْ ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِهِ : الذَّبْحَ لِلَّهِ وَالْحَجَّ إلَى
بَيْتِ اللَّهِ . وَذَكَرُوا أَنَّ لَفْظَ النُّسُكِ يَتَنَاوَلُ الْعِبَادَةَ مُطْلَقًا . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ بَيَّنَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ الذَّبْحَ وَالْحَجَّ كِلَاهُمَا مَنْسَكٌ : قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2651&ayano=22وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36370مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ شَاةُ لَحْمٍ عَجَّلَهَا لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ } . وَقَالَ تَعَالَى عَنْ
إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=136&ayano=2رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=137&ayano=2رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } فَأَرَى اللَّهُ
إبْرَاهِيمَ وَابْنَهُ
إسْمَاعِيلَ الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُقْصَدُ فِي الْحَجِّ وَالْأَفْعَالَ الَّتِي تُفْعَلُ هُنَاكَ : كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
السَّلَفِ .
وَالصَّلَاةُ تَتَنَاوَلُ الدُّعَاءَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ وَاَلَّذِي هُوَ بِمَعْنَى السُّؤَالِ . فَالصَّلَاةُ تَجْمَعُ هَذَا وَهَذَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4233&ayano=40وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } فَقَدْ فُسِّرَ دُعَاؤُهُ بِسُؤَالِهِ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=957&ayano=6قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فَأَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ لِلَّهِ وَلَا تُبْنَى الْمَسَاجِدُ إلَّا لِلَّهِ ; لَا تُبْنَى عَلَى قَبْرِ مَخْلُوقٍ وَلَا مِنْ أَجْلِهِ وَلَا يُسَافَرُ إلَى بُيُوتِ الْمَخْلُوقِينَ . وَقَدْ نَهَى أَنْ يُحَجَّ وَيُسَافَرَ إلَى بُيُوتِ اللَّهِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا تِلْكَ الْخَصَائِصُ .
وَهَذَا وَنَحْوُهُ يُعْرَفُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَمَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ . وَلِهَذَا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ السَّفَرَ إلَى زِيَارَةِ قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ . وَمَنْ نَقَلَ ذَلِكَ فَلْيُخَرِّجْ نَقْلَهُ .
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ فِي الْفُتْيَا إلَّا مَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاؤُهُمْ فَالْمُخَالِفُ لِذَلِكَ مُخَالِفٌ لِدِينِ الْمُسْلِمِينَ وَشَرْعِهِمْ وَلِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ; وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَلِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّهُ إنَّمَا يُعْبَدُ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ لَا يُعْبَدُ بِمَا نَهَى عَنْهُ وَلَمْ يَشْرَعْهُ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعَثَ
مُحَمَّدًا بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا . فَبَعَثَهُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=381&ayano=3وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } لَا مِنْ الْأَوَّلِينَ وَلَا مِنْ الآخرين .
[ ص: 370 ] nindex.php?page=treesubj&link=28639وَجَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ كَانُوا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69377إنَّا مَعَاشِرُ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ الْأَنْبِيَاءُ إخْوَةٌ لِعَلَّاتِ } . وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ عَنْ
نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَأَتْبَاعِ
مُوسَى وَالْمَسِيحِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ مُتَّفِقِينَ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ يُعْبَدَ بِمَا أَمَرَ هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا يُعْبَدُ غَيْرُهُ وَلَا يُعْبَدُ هُوَ بِدِينِ لَمْ يَشْرَعْهُ . فَلَمَّا أُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ . ثُمَّ لَمَّا نُسِخَ ذَلِكَ وَأُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ
الْبَيْتِ الْحَرَامِ كَانَ هَذَا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ . وَذَلِكَ الْمَنْسُوخُ لَيْسَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=722&ayano=5لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } فَلِلتَّوْرَاةِ شِرْعَةٌ وَلِلْإِنْجِيلِ شِرْعَةٌ وَلِلْقُرْآنِ شِرْعَةٌ . فَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِشَرْعِ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ الَّذِي لَمْ يُبَدَّلْ وَلَمْ يُنْسَخْ فَهُوَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ كَاَلَّذِينَ كَانُوا عَلَى شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ بِلَا تَبْدِيلٍ قَبْلَ مَبْعَثِ
الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاَلَّذِينَ كَانُوا عَلَى شَرِيعَةِ الْإِنْجِيلِ بِلَا تَبْدِيلٍ قَبْلَ مَبْعَثِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .