وقد
nindex.php?page=treesubj&link=28750_19862_19864ميز الله بين حقه وحق الرسول في مثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2867&ayano=24ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه } فالطاعة لله والرسول والخشية لله وحده والتقوى لله وحده لا يخشى مخلوق ولا يتقى مخلوق لا ملك ولا نبي ولا غيرهما . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1968&ayano=16وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1969&ayano=16وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1262&ayano=9إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=718&ayano=5فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } .
وكذلك ميز بين النوعين في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون } ففي الإيتاء قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9آتاهم الله ورسوله } لأن الرسول هو الواسطة بيننا وبين الله في تبليغ أمره ونهيه وتحليله وتحريمه ووعده ووعيده . فالحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5192&ayano=59وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } فلهذا قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله } ولم يقل هنا : " ورسوله " ; لأن الله وحده حسب جميع عباده المؤمنين كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1232&ayano=8يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } أي هو حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين .
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1157&ayano=7إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين } ذكر هذا بعد قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1155&ayano=7إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } - إلى قوله - {
nindex.php?page=tafseer&surano=1156&ayano=7قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1157&ayano=7إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين } .
عن
ابن عباس قال : هم الذين لا يعدلون بالله فيتولاهم وينصرهم ولا تضرهم عداوة من عاداهم . كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4224&ayano=40إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } . ثم قال تعالى مما يأمرهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون } فأمرهم أن
[ ص: 430 ] يجعلوا الرغبة لله وحده كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6191&ayano=94فإذا فرغت فانصب } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6192&ayano=94وإلى ربك فارغب } وهذا لأن المخلوق لا يملك للمخلوق نفعا ولا ضرا . وهذا عام في أهل السموات وأهل الأرض قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2102&ayano=17قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } .
قال طائفة من
السلف ابن عباس وغيره : هذه الآية في الذين عبدوا الملائكة والأنبياء
كالمسيح وعزير . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : كان قوم من الإنس يعبدون قوما من الجن فأسلم الجن وبقي أولئك على عبادتهم . فالآية تتناول كل من دعا من دون الله من هو صالح عند الله من الملائكة والإنس والجن قال تعالى : هؤلاء الذين دعوتموهم {
nindex.php?page=tafseer&surano=2102&ayano=17فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } قال
أبو محمد عبد الحق بن عطية في تفسيره : أخبر الله تعالى أن هؤلاء المعبودين يطلبون التقرب إليه والتزلف إليه وأن هذه حقيقة حالهم . والضمير في ( ربهم للمبتغين أو للجميع . و ( الوسيلة هي القربة وسبب الوصول إلى البغية وتوسل الرجل إذا طلب الدنو والنيل لأمر ما ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 431 ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600179من سأل الله لي الوسيلة } الحديث . وهذا الذي ذكره ذكر سائر المفسرين [ نحوه إلا أنه ] برز به على غيره فقال : و {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=3أيهم } ابتداء وخبره {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=2أقرب } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=2أولئك } يراد بهم المعبودون وهو ابتداء وخبره {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=5يبتغون } . والضمير في {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=2يدعون } للكفار وفي {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=5يبتغون } للمعبودين . والتقدير نظرهم وذكرهم {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=4أيهم أقرب } . وهذا كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث الراية
بخيبر : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها أي يتبارون في طلب القرب . قال رحمه الله وطفف
الزجاج في هذا الموضع فتأمله .
ولقد صدق في ذلك فإن
الزجاج ذكر في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=4أيهم أقرب } وجهين كلاهما في غاية الفساد . وقد ذكر ذلك عنه
ابن الجوزي وغيره وتابعه
المهدوي والبغوي وغيرهما . ولكن
Multitarajem.php?tid=13365,13366ابن عطية كان أقعد بالعربية والمعاني من هؤلاء وأخبر بمذهب
سيبويه والبصريين فعرف تطفيف
الزجاج مع علمه رحمه الله بالعربية وسبقه ومعرفته بما يعرفه من المعاني والبيان . وأولئك لهم براعة وفضيلة في أمور يبرزون فيها على
Multitarajem.php?tid=13365,13366ابن عطية . لكن دلالة الألفاظ من جهة العربية هو بها أخبر وإن كانوا هم أخبر بشيء آخر من المنقولات أو غيرها .
وقد بين سبحانه وتعالى أن
المسيح وإن كان رسولا كريما فإنه عبد الله فمن عبده فقد عبد ما لا ينفعه ولا يضره قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=746&ayano=5لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } {
nindex.php?page=tafseer&surano=747&ayano=5لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=748&ayano=5أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=749&ayano=5ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=750&ayano=5قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم } .
وقد أمر تعالى أفضل الخلق أن يقول إنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا يملك لغيره ضرا ولا رشدا فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1149&ayano=7قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5540&ayano=72قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5541&ayano=72قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5542&ayano=72إلا بلاغا من الله ورسالاته } يقول : لن يجيرني من الله أحد إن عصيته كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=810&ayano=6قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5541&ayano=72ولن أجد من دونه ملتحدا } أي ملجأ ألجأ إليه . {
nindex.php?page=tafseer&surano=5542&ayano=72إلا بلاغا من الله ورسالاته } أي لا يجيرني منه أحد إلا طاعته أن أبلغ ما أرسلت به إليكم فبذلك تحصل الإجارة والأمن . وقيل أيضا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5540&ayano=72لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } لا أملك إلا تبليغ ما أرسلت به منه . ومثل هذا في القرآن كثير .
فتبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=29675الأمن من عذاب الله وحصول السعادة إنما هو بطاعته تعالى لقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=644&ayano=4ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2957&ayano=25قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم } أي لو لم تدعوه كما أمر فتطيعوه فتعبدوه وتطيعوا رسله فإنه لا يعبأ بكم شيئا .
وهذه
nindex.php?page=treesubj&link=28701الوسيلة التي أمر الله أن تبتغى إليه فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=709&ayano=5يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة } قال عامة المفسرين
كابن عباس ومجاهد وعطاء والفراء : الوسيلة القربة . قال
قتادة : تقربوا إلى الله بما يرضيه . قال
أبو عبيدة : توسلت إليه أي تقربت . وقال
عبد الرحمن بن زيد : تحببوا إلى الله . والتحبب والتقرب إليه إنما هو بطاعة رسوله . فالإيمان بالرسول وطاعته هو وسيلة الخلق إلى الله ليس لهم وسيلة يتوسلون بها ألبتة إلا الإيمان برسوله وطاعته . وليس لأحد من الخلق وسيلة إلى الله تبارك وتعالى إلا بوسيلة الإيمان بهذا الرسول الكريم وطاعته . وهذه يؤمر بها الإنسان حيث كان من الأمكنة وفي كل وقت . وما خص من العبادات بمكان كالحج أو زمان كالصوم والجمعة فكل في مكانه وزمانه . وليس لنفس الحجرة من داخل - فضلا عن جدارها من خارج - اختصاص بشيء في شرع
[ ص: 434 ] العبادات ولا فعل شيء منها . فالقرب من الله أفضل منه بالبعد منه باتفاق المسلمين . والمسجد خص بالفضيلة في حياته صلى الله عليه وسلم قبل وجود القبر فلم تكن فضيلة مسجده لذلك ولا استحب هو صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ولا علماء أمته أن يجاور أحد عند قبر ولا يعكف عليه لا قبره المكرم ولا قبر غيره ولا أن يقصد السكنى قريبا من قبر أي قبر كان .
وسكنى
المدينة النبوية هو أفضل في حق من تتكرر طاعته لله ورسوله فيها أكثر . كما كان الأمر لما كان الناس مأمورين بالهجرة إليها . فكانت الهجرة إليها والمقام بها أفضل من جميع البقاع
مكة وغيرها . بل كان ذلك واجبا من أعظم الواجبات . فلما فتحت
مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600180لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية } وكان من أتى من
أهل مكة وغيرهم ليهاجر ويسكن
المدينة يأمره أن يرجع إلى مدينته ولا يأمره بسكناها . كما كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر الناس عقب الحج أن يذهبوا إلى بلادهم لئلا يضيقوا على
أهل مكة . وكان يأمر كثيرا من أصحابه وقت الهجرة أن يخرجوا إلى أماكن أخر لولاية مكان وغيره وكانت طاعة الرسول بالسفر إلى غير
المدينة أفضل من المقام عنده
بالمدينة حين كانت دار الهجرة فكيف بها بعد ذلك ؟
[ ص: 435 ] إذ كان الذي ينفع الناس طاعة الله ورسوله . وأما ما سوى ذلك فإنه لا ينفعهم لا قرابة ولا مجاورة ولا غير ذلك كما ثبت عنه في الحديث الصحيح أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=89023يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا . يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا } . قال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600181إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين } . وقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600182إن أوليائي المتقون حيث كانوا ومن كانوا } .
وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2655&ayano=22إن الله يدافع عن الذين آمنوا } فهو تبارك وتعالى يدافع عن المؤمنين حيث كانوا . فالله هو الدافع والسبب هو الإيمان . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22290من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا } قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=566&ayano=4ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28695ما يظنه بعض الناس من أن البلاء يندفع عن أهل بلد أو إقليم بمن هو مدفون عندهم من الأنبياء والصالحين كما يظن بعض الناس أنه يندفع عن
أهل بغداد البلاء لقبور ثلاثة :
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وبشر الحافي nindex.php?page=showalam&ids=17158ومنصور بن عمار ويظن بعضهم أنه يندفع البلاء عن
[ ص: 436 ] أهل الشام بمن عندهم من قبور الأنبياء
الخليل وغيره عليهم السلام . وبعضهم يظن أنه يندفع البلاء عن
أهل مصر nindex.php?page=showalam&ids=12329بنفيسة أو غيرها . أو يندفع عن
أهل الحجاز بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وأهل البقيع أو غيرهم . فكل هذا غلو مخالف لدين الإسلام مخالف للكتاب والسنة والإجماع .
فالبيت المقدس كان عنده من قبور الأنبياء والصالحين ما شاء الله فلما عصوا الأنبياء وخالفوا ما أمر الله به ورسله سلط عليهم من انتقم منهم . والرسل الموتى ما عليهم إلا البلاغ المبين وقد بلغوا رسالة ربهم . وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى في حقه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4362&ayano=42إن عليك إلا البلاغ } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2869&ayano=24وما على الرسول إلا البلاغ المبين } .
وقد ضمن الله لكل من أطاع الرسول أن يهديه وينصره . فمن خالف أمر الرسول استحق العذاب ولم يغن عنه أحد من الله شيئا . كما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600183قال النبي صلى الله عليه وسلم يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا . يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا يا فاطمة بنت رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا } . وقال صلى الله عليه وسلم لمن ولاه من أصحابه : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29825لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك } وكان
أهل المدينة في خلافة
[ ص: 437 ] أبي بكر وعمر وصدر من خلافة
عثمان على أفضل أمور الدنيا والآخرة لتمسكهم بطاعة الرسول . ثم تغيروا بعض التغير بقتل
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه وخرجت الخلافة النبوية من عندهم وصاروا رعية لغيرهم . ثم تغيروا بعض التغير فجرى عليهم عام الحرة من القتل والنهب وغير ذلك من المصائب ما لم يجر عليهم قبل ذلك . والذي فعل بهم ذلك وإن كان ظالما معتديا فليس هو أظلم ممن فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما فعل وقد قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=461&ayano=3أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون مدفونين
بالمدينة .
وكذلك
الشام كانوا في أول الإسلام في سعادة الدنيا والدين ثم جرت فتن وخرج الملك من أيديهم ثم سلط عليهم المنافقون الملاحدة
والنصارى بذنوبهم واستولوا على
بيت المقدس وقبر
الخليل وفتحوا البناء الذي كان عليه وجعلوه كنيسة . ثم صلح دينهم فأعزهم الله ونصرهم على عدوهم لما أطاعوا الله ورسوله واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم . فطاعة الله ورسوله قطب السعادة وعليها تدور {
nindex.php?page=tafseer&surano=566&ayano=4ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22290من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فلا يضر إلا [ ص: 438 ] نفسه ولا يضر الله شيئا } .
ومكة نفسها لا يدفع البلاء عن أهلها ويجلب لهم الرزق إلا بطاعتهم لله ورسوله . كما قال
الخليل عليه السلام {
nindex.php?page=tafseer&surano=1801&ayano=14ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } .
وكانوا في الجاهلية يعظمون حرمة الحرم ويحجون ويطوفون
بالبيت وكانوا خيرا من غيرهم من المشركين . والله لا يظلم مثقال ذرة . وكانوا يكرمون ما لا يكرم غيرهم ويؤتون ما لا يؤتاه غيرهم لكونهم كانوا متمسكين بدين
إبراهيم بأعظم مما تمسك به غيرهم . وهم في الإسلام إن كانوا أفضل من غيرهم كان جزاؤهم بحسب فضلهم وإن كانوا أسوأ عملا من غيرهم كان جزاؤهم بحسب سيئاتهم . فالمساجد والمشاعر إنما ينفع فضلها لمن عمل فيها بطاعة الله عز وجل . وإلا فمجرد البقاع لا يحصل بها ثواب ولا عقاب وإنما الثواب والعقاب على الأعمال المأمور بها والمنهي عنها . وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين
سلمان الفارسي nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء وكان
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء بدمشق وسلمان الفارسي بالعراق فكتب
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء إلى
سلمان : هلم إلى الأرض المقدسة . فكتب إليه
سلمان : إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس الرجل عمله .
والمقام بالثغور للجهاد أفضل من سكنى الحرمان باتفاق العلماء .
[ ص: 439 ] ولهذا كان سكنى
الصحابة بالمدينة أفضل للهجرة والجهاد .
والله تعالى : هو الذي خلق الخلق . وهو الذي يهديهم ويرزقهم وينصرهم . وكل من سواه لا يملك شيئا من ذلك كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3662&ayano=34قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3663&ayano=34ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } وقد فسروها بأنه يؤذن للشافع والمشفوع له جميعا فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28768_28753سيد الشفعاء يوم القيامة محمدا صلى الله عليه وسلم إذا أراد الشفاعة قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600184فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا وأحمده بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن فيقال لي : ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع . قال فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة } . وكذلك ذكر في المرة الثانية والثالثة .
ولهذا قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } فأخبر أنه لا يملكها أحد دون الله . وقوله : " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " استثناء منقطع أي من شهد بالحق وهم يعلمون هم أصحاب الشفاعة منهم الشافع ومنهم المشفوع له . وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=86171أنه سأله nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة فقال : من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله ؟ فقال : يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك [ ص: 440 ] لما رأيت من حرصك على الحديث . أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه } . رواه
البخاري فجعل أسعد الناس بشفاعته أكملهم إخلاصا . وقال في الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10143إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون ذلك العبد فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة } . فالجزاء من جنس العمل فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا . ومن سأل الله له الوسيلة حلت عليه شفاعته يوم القيامة " . ولم يقل كان أسعد الناس بشفاعتي بل قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=86171أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه } .
فعلم أن ما يحصل للعبد بالتوحيد والإخلاص من شفاعة الرسول وغيرها لا يحصل بغيره من الأعمال وإن كان صالحا كسؤاله الوسيلة للرسول فكيف بما لم يأمر به من الأعمال بل نهى عنه ؟ فذاك لا ينال به خيرا لا في الدنيا ولا في الآخرة مثل غلو
النصارى في
المسيح عليه السلام فإنه يضرهم ولا ينفعهم . ونظير هذا ما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600185إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك [ ص: 441 ] بالله شيئا } . وكذلك في أحاديث الشفاعة كلها إنما يشفع في أهل التوحيد فبحسب توحيد العبد لله وإخلاصه دينه لله يستحق كرامة الشفاعة وغيرها .
وهو سبحانه علق الوعد والوعيد والثواب والعقاب والحمد والذم بالإيمان به وتوحيده وطاعته فمن كان أكمل في ذلك كان أحق بتولي الله له بخير الدنيا والآخرة . ثم جميع عباده مسلمهم وكافرهم هو الذي يرزقهم وهو الذي يدفع عنهم المكاره وهو الذي يقصدونه في النوائب . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1970&ayano=16وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2546&ayano=21قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن } أي بدلا عن الرحمن . هذا أصح القولين كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4428&ayano=43ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون } أي لجعلنا بدلا منكم كما قاله عامة المفسرين ومنه قول الشاعر :
فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على الطهيان
أي بدلا من ماء
زمزم . فلا يكلأ الخلق بالليل والنهار فيحفظهم ويدفع عنهم المكاره إلا الله . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5328&ayano=67أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5329&ayano=67أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور } .
[ ص: 442 ] ومن
nindex.php?page=treesubj&link=28695_28691ظن أن أرضا معينة تدفع عن أهلها البلاء مطلقا لخصوصها أو لكونها فيها قبور الأنبياء والصالحين فهو غالط . فأفضل البقاع
مكة وقد عذب الله أهلها عذابا عظيما فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2029&ayano=16وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2030&ayano=16ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون } .
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=28750_19862_19864مَيَّزَ اللَّهُ بَيْنَ حَقِّهِ وَحَقِّ الرَّسُولِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2867&ayano=24وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ } فَالطَّاعَةُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَالْخَشْيَةُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا يُخْشَى مَخْلُوقٌ وَلَا يُتَّقَى مَخْلُوقٌ لَا مَلَكٌ وَلَا نَبِيٌّ وَلَا غَيْرُهُمَا . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1968&ayano=16وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إنَّمَا هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1969&ayano=16وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1262&ayano=9إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=718&ayano=5فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } .
وَكَذَلِكَ مَيَّزَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } فَفِي الْإِيتَاءِ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } لِأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ فِي تَبْلِيغِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَتَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ . فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5192&ayano=59وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ } وَلَمْ يَقُلْ هُنَا : " وَرَسُولُهُ " ; لِأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ حَسْبُ جَمِيعِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1232&ayano=8يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ هُوَ حَسْبُك وَحَسْبُ مَنْ اتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ .
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1157&ayano=7إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } ذَكَرَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1155&ayano=7إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } - إلَى قَوْلِهِ - {
nindex.php?page=tafseer&surano=1156&ayano=7قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1157&ayano=7إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } .
عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : هُمْ الَّذِينَ لَا يَعْدِلُونَ بِاَللَّهِ فَيَتَوَلَّاهُمْ وَيَنْصُرُهُمْ وَلَا تَضُرُّهُمْ عَدَاوَةُ مَنْ عَادَاهُمْ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4224&ayano=40إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مِمَّا يَأْمُرُهُمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } فَأَمَرَهُمْ أَنْ
[ ص: 430 ] يَجْعَلُوا الرَّغْبَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6191&ayano=94فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6192&ayano=94وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } وَهَذَا لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَمْلِكُ لِلْمَخْلُوقِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا . وَهَذَا عَامٌّ فِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2102&ayano=17قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } .
قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ
السَّلَفِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ : هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ
كَالْمَسِيحِ وَعُزَيْرَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : كَانَ قَوْمٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ قَوْمًا مِنْ الْجِنِّ فَأَسْلَمَ الْجِنُّ وَبَقِيَ أُولَئِكَ عَلَى عِبَادَتِهِمْ . فَالْآيَةُ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ دَعَا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ هُوَ صَالِحٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ قَالَ تَعَالَى : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ دَعَوْتُمُوهُمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2102&ayano=17فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ : أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَعْبُودِينَ يَطْلُبُونَ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ وَالتَّزَلُّفَ إلَيْهِ وَأَنَّ هَذِهِ حَقِيقَةُ حَالِهِمْ . وَالضَّمِيرُ فِي ( رَبِّهِمْ لِلْمُبْتَغِينَ أَوْ لِلْجَمِيعِ . و ( الْوَسِيلَةُ هِيَ الْقُرْبَةُ وَسَبَبُ الْوُصُولِ إلَى الْبُغْيَةِ وَتَوَسَّلَ الرَّجُلُ إذَا طَلَبَ الدُّنُوَّ وَالنَّيْلَ لِأَمْرِ مَا وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 431 ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600179مَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ } الْحَدِيثُ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ذَكَرَ سَائِرَ الْمُفَسِّرِينَ [ نَحْوَهُ إلَّا أَنَّهُ ] بَرَزَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَقَالَ : و {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=3أَيُّهُمْ } ابْتِدَاءٌ وَخَبَرُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=2أَقْرَبُ } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=2أُولَئِكَ } يُرَادُ بِهِمْ الْمَعْبُودُونَ وَهُوَ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=5يَبْتَغُونَ } . وَالضَّمِيرُ فِي {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=2يَدْعُونَ } لِلْكُفَّارِ وَفِي {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=5يَبْتَغُونَ } لِلْمَعْبُودِينَ . وَالتَّقْدِيرُ نَظَرُهُمْ وَذِكْرُهُمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=4أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } . وَهَذَا كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الرَّايَةِ
بِخَيْبَرِ : فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا أَيْ يَتَبَارَوْنَ فِي طَلَبِ الْقُرْبِ . قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَطَفَّفَ
الزَّجَّاجُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَتَأَمَّلْهُ .
وَلَقَدْ صَدَقَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ
الزَّجَّاجَ ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=4أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } وَجْهَيْنِ كِلَاهُمَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ . وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ وَتَابَعَهُ
المهدوي والبغوي وَغَيْرُهُمَا . وَلَكِنَّ
Multitarajem.php?tid=13365,13366ابْنَ عَطِيَّةَ كَانَ أَقْعَدَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْمَعَانِي مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَخْبَرَ بِمَذْهَبِ
سِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيِّينَ فَعَرَفَ تَطْفِيفَ
الزَّجَّاجِ مَعَ عِلْمِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَسَبْقِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا يَعْرِفُهُ مِنْ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ . وَأُولَئِكَ لَهُمْ بَرَاعَةٌ وَفَضِيلَةٌ فِي أُمُورٍ يَبْرُزُونَ فِيهَا عَلَى
Multitarajem.php?tid=13365,13366ابْنِ عَطِيَّةَ . لَكِنَّ دِلَالَةَ الْأَلْفَاظِ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ هُوَ بِهَا أَخْبَرُ وَإِنْ كَانُوا هُمْ أَخْبَرَ بِشَيْءِ آخَرَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ أَوْ غَيْرِهَا .
وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ
الْمَسِيحَ وَإِنْ كَانَ رَسُولًا كَرِيمًا فَإِنَّهُ عَبَدَ اللَّهَ فَمَنْ عَبَدَهُ فَقَدْ عَبَدَ مَا لَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=746&ayano=5لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=747&ayano=5لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إلَهٍ إلَّا إلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=748&ayano=5أَفَلَا يَتُوبُونَ إلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=749&ayano=5مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=750&ayano=5قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
وَقَدْ أَمَرَ تَعَالَى أَفْضَلَ الْخَلْقِ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُ لِغَيْرِهِ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1149&ayano=7قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5540&ayano=72قُلْ إنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5541&ayano=72قُلْ إنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5542&ayano=72إلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ } يَقُولُ : لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ إنْ عَصَيْته كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=810&ayano=6قُلْ إنِّي أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5541&ayano=72وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا } أَيْ مَلْجَأً أَلْجَأُ إلَيْهِ . {
nindex.php?page=tafseer&surano=5542&ayano=72إلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ } أَيْ لَا يُجِيرُنِي مِنْهُ أَحَدٌ إلَّا طَاعَتُهُ أَنْ أُبَلِّغَ مَا أُرْسِلْت بِهِ إلَيْكُمْ فَبِذَلِكَ تَحْصُلُ الْإِجَارَةُ وَالْأَمْنُ . وَقِيلَ أَيْضًا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5540&ayano=72لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا } لَا أَمْلِكُ إلَّا تَبْلِيغَ مَا أُرْسِلْت بِهِ مِنْهُ . وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ .
فَتَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29675الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَحُصُولَ السَّعَادَةِ إنَّمَا هُوَ بِطَاعَتِهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=644&ayano=4مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2957&ayano=25قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ } أَيْ لَوْ لَمْ تَدْعُوهُ كَمَا أَمَرَ فَتُطِيعُوهُ فَتَعْبُدُوهُ وَتُطِيعُوا رُسُلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْبَأُ بِكُمْ شَيْئًا .
وَهَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=28701الْوَسِيلَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُبْتَغَى إلَيْهِ فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=709&ayano=5يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ
كَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَالْفَرَّاءِ : الْوَسِيلَةُ الْقُرْبَةُ . قَالَ
قتادة : تَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ بِمَا يُرْضِيهِ . قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : تَوَسَّلْت إلَيْهِ أَيْ تَقَرَّبْت . وَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ : تَحَبَّبُوا إلَى اللَّهِ . وَالتَّحَبُّبُ وَالتَّقَرُّبُ إلَيْهِ إنَّمَا هُوَ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ . فَالْإِيمَانُ بِالرَّسُولِ وَطَاعَتُهُ هُوَ وَسِيلَةُ الْخَلْقِ إلَى اللَّهِ لَيْسَ لَهُمْ وَسِيلَةٌ يَتَوَسَّلُونَ بِهَا أَلْبَتَّةَ إلَّا الْإِيمَانُ بِرَسُولِهِ وَطَاعَتُهُ . وَلَيْسَ لِأَحَدِ مِنْ الْخَلْقِ وَسِيلَةٌ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَّا بِوَسِيلَةِ الْإِيمَانِ بِهَذَا الرَّسُولِ الْكَرِيمِ وَطَاعَتِهِ . وَهَذِهِ يُؤْمَرُ بِهَا الْإِنْسَانُ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ . وَمَا خُصَّ مِنْ الْعِبَادَاتِ بِمَكَانِ كَالْحَجِّ أَوْ زَمَانٍ كَالصَّوْمِ وَالْجُمْعَةِ فَكُلٌّ فِي مَكَانِهِ وَزَمَانِهِ . وَلَيْسَ لِنَفْسِ الْحُجْرَةِ مِنْ دَاخِلٍ - فَضْلًا عَنْ جِدَارِهَا مِنْ خَارِجٍ - اخْتِصَاصٌ بِشَيْءِ فِي شَرْعِ
[ ص: 434 ] الْعِبَادَاتِ وَلَا فِعْلِ شَيْءٍ مِنْهَا . فَالْقُرْبُ مِنْ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِالْبُعْدِ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَالْمَسْجِدُ خُصَّ بِالْفَضِيلَةِ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وُجُودِ الْقَبْرِ فَلَمْ تَكُنْ فَضِيلَةُ مَسْجِدِهِ لِذَلِكَ وَلَا اسْتَحَبَّ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا عُلَمَاءِ أُمَّتِهِ أَنْ يُجَاوِرَ أَحَدٌ عِنْدَ قَبْرٍ وَلَا يَعْكُفَ عَلَيْهِ لَا قَبْرِهِ الْمُكَرَّمِ وَلَا قَبْرِ غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَقْصِدَ السُّكْنَى قَرِيبًا مِنْ قَبْرٍ أَيَّ قَبْرٍ كَانَ .
وَسُكْنَى
الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ هُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ تَتَكَرَّرُ طَاعَتُهُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِيهَا أَكْثَرُ . كَمَا كَانَ الْأَمْرُ لَمَّا كَانَ النَّاس مَأْمُورِينَ بِالْهِجْرَةِ إلَيْهَا . فَكَانَتْ الْهِجْرَةُ إلَيْهَا وَالْمُقَامُ بِهَا أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ الْبِقَاعِ
مَكَّةَ وَغَيْرِهَا . بَلْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ . فَلَمَّا فُتِحَتْ
مَكَّةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600180لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ } وَكَانَ مَنْ أَتَى مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ لِيُهَاجِرَ وَيَسْكُنَ
الْمَدِينَةَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَدِينَتِهِ وَلَا يَأْمُرُهُ بِسُكْنَاهَا . كَمَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْمُرُ النَّاسَ عَقِبَ الْحَجِّ أَنْ يَذْهَبُوا إلَى بِلَادِهِمْ لِئَلَّا يُضَيِّقُوا عَلَى
أَهْلِ مَكَّةَ . وَكَانَ يَأْمُرُ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَقْتَ الْهِجْرَةِ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى أَمَاكِنَ أُخَرَ لِوِلَايَةِ مَكَانٍ وَغَيْرِهِ وَكَانَتْ طَاعَةُ الرَّسُولِ بِالسَّفَرِ إلَى غَيْرِ
الْمَدِينَةِ أَفْضَلَ مِنْ الْمُقَامِ عِنْدَهُ
بِالْمَدِينَةِ حِينَ كَانَتْ دَارَ الْهِجْرَةِ فَكَيْفَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ؟
[ ص: 435 ] إذْ كَانَ الَّذِي يَنْفَعُ النَّاسَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ لَا قَرَابَةٌ وَلَا مُجَاوَرَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=89023يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا . يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا } . قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600181إنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بأولياء إنَّمَا وَلِيِّي اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600182إنَّ أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ حَيْثُ كَانُوا وَمَنْ كَانُوا } .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2655&ayano=22إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا } فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُدَافِعُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ كَانُوا . فَاَللَّهُ هُوَ الدَّافِعُ وَالسَّبَبُ هُوَ الْإِيمَانُ . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22290مِنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ وَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا } قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=566&ayano=4وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28695مَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ الْبَلَاءَ يَنْدَفِعُ عَنْ أَهْلِ بَلَدٍ أَوْ إقْلِيمٍ بِمَنْ هُوَ مَدْفُونٌ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَمَا يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ عَنْ
أَهْلِ بَغْدَادَ الْبَلَاءُ لِقُبُورِ ثَلَاثَةٍ :
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَبِشْرٍ الْحَافِي nindex.php?page=showalam&ids=17158وَمَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ وَيَظُنُّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ الْبَلَاءُ عَنْ
[ ص: 436 ] أَهْلِ الشَّامِ بِمَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ
الْخَلِيلِ وَغَيْرِهِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ . وَبَعْضُهُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ الْبَلَاءُ عَنْ
أَهْلِ مِصْرَ nindex.php?page=showalam&ids=12329بِنَفِيسَةَ أَوْ غَيْرِهَا . أَوْ يَنْدَفِعُ عَنْ
أَهْلِ الْحِجَازِ بِقَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ الْبَقِيعِ أَوْ غَيْرِهِمْ . فَكُلُّ هَذَا غُلُوٌّ مُخَالِفٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
فَالْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَلَمَّا عَصَوْا الْأَنْبِيَاءَ وَخَالَفُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرُسُلُهُ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ انْتَقَمَ مِنْهُمْ . وَالرُّسُلُ الْمَوْتَى مَا عَلَيْهِمْ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ وَقَدْ بَلَّغُوا رِسَالَةَ رَبِّهِمْ . وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4362&ayano=42إنْ عَلَيْكَ إلَّا الْبَلَاغُ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2869&ayano=24وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } .
وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ لِكُلِّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ أَنْ يَهْدِيَهُ وَيَنْصُرَهُ . فَمَنْ خَالَفَ أَمْرَ الرَّسُولِ اسْتَحَقَّ الْعَذَابَ وَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا . كَمَا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600183قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا . يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا } . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ وَلَّاهُ مِنْ أَصْحَابِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29825لَا ألفين أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي . فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك } وَكَانَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ
[ ص: 437 ] أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَصَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ
عُثْمَانَ عَلَى أَفْضَلِ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِتَمَسُّكِهِمْ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ . ثُمَّ تَغَيَّرُوا بَعْضَ التَّغَيُّرِ بِقَتْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَخَرَجَتْ الْخِلَافَةُ النَّبَوِيَّةُ مِنْ عِنْدِهِمْ وَصَارُوا رَعِيَّةً لِغَيْرِهِمْ . ثُمَّ تَغَيَّرُوا بَعْضَ التَّغَيُّرِ فَجَرَى عَلَيْهِمْ عَامَ الْحَرَّةِ مِنْ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَائِبِ مَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ . وَاَلَّذِي فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا فَلَيْسَ هُوَ أَظْلَمَ مِمَّنْ فَعَلَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مَا فَعَلَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=461&ayano=3أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مَدْفُونِينَ
بِالْمَدِينَةِ .
وَكَذَلِكَ
الشَّامُ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ ثُمَّ جَرَتْ فِتَنٌ وَخَرَجَ الْمُلْكُ مِنْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ الْمُنَافِقُونَ الْمَلَاحِدَةُ
وَالنَّصَارَى بِذُنُوبِهِمْ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَبْرِ
الْخَلِيلِ وَفَتَحُوا الْبِنَاءَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَجَعَلُوهُ كَنِيسَةً . ثُمَّ صَلَحَ دِينُهُمْ فَأَعَزَّهُمْ اللَّهُ وَنَصَرَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ لَمَّا أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاتَّبَعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ . فَطَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ قُطْبُ السَّعَادَةِ وَعَلَيْهَا تَدُورُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=566&ayano=4وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22290مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَلَا يَضُرُّ إلَّا [ ص: 438 ] نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا } .
وَمَكَّةُ نَفْسُهَا لَا يُدْفَعُ الْبَلَاءُ عَنْ أَهْلِهَا وَيُجْلَبُ لَهُمْ الرِّزْقُ إلَّا بِطَاعَتِهِمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ . كَمَا قَالَ
الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1801&ayano=14رَبَّنَا إنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } .
وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَ حُرْمَةَ الْحَرَمِ وَيَحُجُّونَ وَيَطُوفُونَ
بِالْبَيْتِ وَكَانُوا خَيْرًا مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَاَللَّهُ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ . وَكَانُوا يُكْرَمُونَ مَا لَا يُكْرَمُ غَيْرُهُمْ وَيُؤْتَوْنَ مَا لَا يُؤْتَاهُ غَيْرُهُمْ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ
إبْرَاهِيمَ بِأَعْظَمَ مِمَّا تَمَسَّكَ بِهِ غَيْرُهُمْ . وَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إنْ كَانُوا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِمْ كَانَ جَزَاؤُهُمْ بِحَسَبِ فَضْلِهِمْ وَإِنْ كَانُوا أَسْوَأَ عَمَلًا مِنْ غَيْرِهِمْ كَانَ جَزَاؤُهُمْ بِحَسَبِ سَيِّئَاتِهِمْ . فَالْمَسَاجِدُ وَالْمَشَاعِرُ إنَّمَا يَنْفَعُ فَضْلُهَا لِمَنْ عَمِلَ فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْبِقَاعِ لَا يَحْصُلُ بِهَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ وَإِنَّمَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَالْمَنْهِيِّ عَنْهَا . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ nindex.php?page=showalam&ids=4وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبُو الدَّرْدَاءِ بِدِمَشْقَ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ بِالْعِرَاقِ فَكَتَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى
سَلْمَانَ : هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ . فَكَتَبَ إلَيْهِ
سَلْمَانُ : إنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الرَّجُلَ عَمَلُهُ .
وَالْمُقَامُ بِالثُّغُورِ لِلْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ سُكْنَى الْحَرَمَانِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ .
[ ص: 439 ] وَلِهَذَا كَانَ سُكْنَى
الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلَ لِلْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ .
وَاَللَّهُ تَعَالَى : هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ . وَهُوَ الَّذِي يَهْدِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ وَيَنْصُرُهُمْ . وَكُلُّ مَنْ سِوَاهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3662&ayano=34قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3663&ayano=34وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } وَقَدْ فَسَّرُوهَا بِأَنَّهُ يُؤْذَنُ لِلشَّافِعِ وَالْمَشْفُوعِ لَهُ جَمِيعًا فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28768_28753سَيِّدَ الشُّفَعَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ الشَّفَاعَةَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600184فَإِذَا رَأَيْت رَبِّي خَرَرْت لَهُ سَاجِدًا وَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ يَفْتَحُهَا عَلَيَّ لَا أُحْسِنُهَا الْآنَ فَيُقَالُ لِي : ارْفَعْ رَأْسَك وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . قَالَ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ } . وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ .
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4454&ayano=43وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ دُونَ اللَّهِ . وَقَوْلُهُ : " إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ هُمْ أَصْحَابُ الشَّفَاعَةِ مِنْهُمْ الشَّافِعُ وَمِنْهُمْ الْمَشْفُوعُ لَهُ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=86171أَنَّهُ سَأَلَهُ nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ : مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِك يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : يَا nindex.php?page=showalam&ids=3أَبَا هُرَيْرَةَ لَقَدْ ظَنَنْت أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْك [ ص: 440 ] لِمَا رَأَيْت مِنْ حِرْصِك عَلَى الْحَدِيثِ . أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ } . رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ فَجَعَلَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ أَكْمَلَهُمْ إخْلَاصًا . وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10143إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ ذَلِكَ الْعَبْدَ فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا . وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لَهُ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . وَلَمْ يَقُلْ كَانَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي بَلْ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=86171أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ } .
فَعُلِمَ أَنَّ مَا يَحْصُلُ لِلْعَبْدِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ مِنْ شَفَاعَةِ الرَّسُولِ وَغَيْرِهَا لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا كَسُؤَالِهِ الْوَسِيلَةَ لِلرَّسُولِ فَكَيْفَ بِمَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ بَلْ نَهَى عَنْهُ ؟ فَذَاكَ لَا يَنَالُ بِهِ خَيْرًا لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ غُلُوِّ
النَّصَارَى فِي
الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ . وَنَظِيرُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600185إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً وَإِنِّي اخْتَبَأْت دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ [ ص: 441 ] بِاَللَّهِ شَيْئًا } . وَكَذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ كُلِّهَا إنَّمَا يَشْفَعُ فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ فَبِحَسَبِ تَوْحِيدِ الْعَبْدِ لِلَّهِ وَإِخْلَاصِهِ دِينَهُ لِلَّهِ يَسْتَحِقُّ كَرَامَةَ الشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا .
وَهُوَ سُبْحَانَهُ عَلَّقَ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَالْحَمْدَ وَالذَّمَّ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ فَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ فِي ذَلِكَ كَانَ أَحَقَّ بِتَوَلِّي اللَّهِ لَهُ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . ثُمَّ جَمِيعُ عِبَادِهِ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ هُوَ الَّذِي يَرْزُقُهُمْ وَهُوَ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُمْ الْمَكَارِهَ وَهُوَ الَّذِي يَقْصِدُونَهُ فِي النَّوَائِبِ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1970&ayano=16وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2546&ayano=21قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ } أَيْ بَدَلًا عَنْ الرَّحْمَنِ . هَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4428&ayano=43وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ } أَيْ لَجَعَلْنَا بَدَلًا مِنْكُمْ كَمَا قَالَهُ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
فَلَيْتَ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ شَرْبَةً مُبَرَّدَةً بَاتَتْ عَلَى الطَّهَيَانِ
أَيْ بَدَلًا مِنْ مَاءِ
زَمْزَمَ . فَلَا يَكْلَأُ الْخَلْقَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَيَحْفَظُهُمْ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ الْمَكَارِهَ إلَّا اللَّهُ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5328&ayano=67أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إنِ الْكَافِرُونَ إلَّا فِي غُرُورٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5329&ayano=67أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } .
[ ص: 442 ] وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28695_28691ظَنَّ أَنَّ أَرْضًا مُعَيَّنَةً تَدْفَعُ عَنْ أَهْلِهَا الْبَلَاءَ مُطْلَقًا لِخُصُوصِهَا أَوْ لِكَوْنِهَا فِيهَا قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَهُوَ غالط . فَأَفْضَلُ الْبِقَاعِ
مَكَّةُ وَقَدْ عَذَّبَ اللَّهُ أَهْلَهَا عَذَابًا عَظِيمًا فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2029&ayano=16وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2030&ayano=16وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } .