[ ص: 502 ] وقال : فصل وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28698_28697قصد الصلاة والدعاء والعبادة في مكان لم يقصد الأنبياء فيه الصلاة والعبادة بل روي أنهم مروا به ونزلوا فيه أو سكنوه : فهذا كما تقدم لم يكن
ابن عمر ولا غيره يفعله ; فإنه ليس فيه متابعتهم لا في عمل عملوه ولا قصد قصدوه ومعلوم أن الأمكنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحل فيها : إما في سفره وإما في مقامه : مثل طرقه في حجه وغزواته ومنازله في أسفاره ومثل بيوته التي كان يسكنها والبيوت التي كان يأتي إليها أحيانا من {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24621فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك } .
فهذه نصوصه الصريحة توجب
nindex.php?page=treesubj&link=28697تحريم اتخاذ قبورهم مساجد مع أنهم مدفونون فيها وهم أحياء في قبورهم ويستحب إتيان قبورهم للسلام عليهم ومع هذا يحرم إتيانها للصلاة عندها واتخاذها مساجد .
ومعلوم أن هذا إنما نهى عنه لأنه ذريعة إلى الشرك وأراد أن
[ ص: 503 ] تكون المساجد خالصة لله تعالى تبنى لأجل عبادته فقط لا يشركه في ذلك مخلوق فإذا بني المسجد لأجل ميت كان حراما فكذلك إذا كان لأثر آخر فإن الشرك في الموضعين حاصل . ولهذا كانت
النصارى يبنون الكنائس على قبر النبي والرجل الصالح وعلى أثره وباسمه . وهذا الذي خاف
عمر رضي الله عنه أن يقع فيه المسلمون وهو الذي قصد النبي صلى الله عليه وسلم منع أمته منه كما قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5537&ayano=72وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=990&ayano=7قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1261&ayano=9ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1262&ayano=9إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين
} ولو كان هذا مستحبا لكان يستحب
للصحابة والتابعين أن يصلوا في جميع حجر أزواجه وفي كل مكان نزل فيه في غزواته أو أسفاره . ولكان يستحب أن يبنوا هناك مساجد ولم يفعل السلف شيئا من ذلك .
ولم يشرع الله تعالى للمسلمين مكانا يقصد للصلاة إلا المسجد . ولا مكانا يقصد للعبادة إلا المشاعر . فمشاعر الحج
كعرفة ومزدلفة ومنى [ ص: 504 ] تقصد بالذكر والدعاء والتكبير لا الصلاة بخلاف المساجد فإنها هي التي تقصد للصلاة وما ثم مكان يقصد بعينه إلا المساجد والمشاعر وفيها الصلاة والنسك قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=957&ayano=6قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=958&ayano=6لا شريك له وبذلك أمرت } وما سوى ذلك من البقاع فإنه لا يستحب قصد بقعة بعينها للصلاة ولا الدعاء ولا الذكر إذ لم يأت في شرع الله ورسوله قصدها لذلك وإن كان مسكنا لنبي أو منزلا أو ممرا .
فإن الدين أصله متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وموافقته بفعل ما أمرنا به وشرعه لنا وسنه لنا
nindex.php?page=treesubj&link=28750ونقتدي به في أفعاله التي شرع لنا الاقتداء به فيها بخلاف ما كان من خصائصه .
فأما الفعل الذي لم يشرعه هو لنا ولا أمرنا به ولا فعله فعلا سن لنا أن نتأسى به فيه فهذا ليس من العبادات والقرب فاتخاذ هذا قربة مخالفة له صلى الله عليه وسلم . وما فعله من المباحات على غير وجه التعبد يجوز لنا أن نفعله مباحا كما فعله مباحا ; ولكن هل يشرع لنا أن نجعله عبادة وقربة ؟ فيه قولان كما تقدم . وأكثر
السلف والعلماء على أنا لا نجعله عبادة وقربة بل نتبعه فيه ; فإن فعله مباحا فعلناه مباحا وإن فعله قربة فعلناه قربة . ومن جعله عبادة رأى أن ذلك من تمام التأسي به والتشبه به ورأى أن في ذلك بركة لكونه مختصا به نوع اختصاص .
[ ص: 502 ] وَقَالَ : فَصْلٌ وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28698_28697قَصْدُ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالْعِبَادَةِ فِي مَكَانٍ لَمْ يَقْصِدْ الْأَنْبِيَاءُ فِيهِ الصَّلَاةَ وَالْعِبَادَةَ بَلْ رُوِيَ أَنَّهُمْ مَرُّوا بِهِ وَنَزَلُوا فِيهِ أَوْ سَكَنُوهُ : فَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ لَمْ يَكُنْ
ابْنُ عُمَرَ وَلَا غَيْرُهُ يَفْعَلُهُ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُتَابَعَتُهُمْ لَا فِي عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا قَصْدٍ قَصَدُوهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْكِنَةَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحِلُّ فِيهَا : إمَّا فِي سَفَرِهِ وَإِمَّا فِي مُقَامِهِ : مِثْلَ طُرُقِهِ فِي حَجِّهِ وَغَزَوَاتِهِ وَمَنَازِلِهِ فِي أَسْفَارِهِ وَمِثْلَ بُيُوتِهِ الَّتِي كَانَ يَسْكُنُهَا وَالْبُيُوتِ الَّتِي كَانَ يَأْتِي إلَيْهَا أَحْيَانًا مِنْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24621فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } .
فَهَذِهِ نُصُوصُهُ الصَّرِيحَةُ تُوجِبُ
nindex.php?page=treesubj&link=28697تَحْرِيمَ اتِّخَاذِ قُبُورِهِمْ مَسَاجِدَ مَعَ أَنَّهُمْ مَدْفُونُونَ فِيهَا وَهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ وَيُسْتَحَبُّ إتْيَانُ قُبُورِهِمْ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَمَعَ هَذَا يَحْرُمُ إتْيَانُهَا لِلصَّلَاةِ عِنْدَهَا وَاِتِّخَاذُهَا مَسَاجِدَ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ وَأَرَادَ أَنْ
[ ص: 503 ] تَكُونَ الْمَسَاجِدُ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى تُبْنَى لِأَجْلِ عِبَادَتِهِ فَقَطْ لَا يُشْرِكُهُ فِي ذَلِكَ مَخْلُوقٌ فَإِذَا بُنِيَ الْمَسْجِدُ لِأَجْلِ مَيِّتٍ كَانَ حَرَامًا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لِأَثَرِ آخَرَ فَإِنَّ الشِّرْكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَاصِلٌ . وَلِهَذَا كَانَتْ
النَّصَارَى يَبْنُونَ الْكَنَائِسَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ وَالرَّجُلِ الصَّالِحِ وَعَلَى أَثَرِهِ وَبِاسْمِهِ . وَهَذَا الَّذِي خَافَ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ الَّذِي قَصَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْعَ أُمَّتِهِ مِنْهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5537&ayano=72وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=990&ayano=7قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1261&ayano=9مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1262&ayano=9إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ
} وَلَوْ كَانَ هَذَا مُسْتَحَبًّا لَكَانَ يُسْتَحَبُّ
لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنْ يُصَلُّوا فِي جَمِيعِ حُجَرِ أَزْوَاجِهِ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ نَزَلَ فِيهِ فِي غَزَوَاتِهِ أَوْ أَسْفَارِهِ . وَلَكَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْنُوا هُنَاكَ مَسَاجِدَ وَلَمْ يَفْعَلْ السَّلَفُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ .
وَلَمْ يَشْرَعْ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ مَكَانًا يُقْصَدُ لِلصَّلَاةِ إلَّا الْمَسْجِدَ . وَلَا مَكَانًا يُقْصَدُ لِلْعِبَادَةِ إلَّا الْمَشَاعِرَ . فَمَشَاعِرُ الْحَجِّ
كَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى [ ص: 504 ] تُقْصَدُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّكْبِيرِ لَا الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي تُقْصَدُ لِلصَّلَاةِ وَمَا ثَمَّ مَكَانٌ يُقْصَدُ بِعَيْنِهِ إلَّا الْمَسَاجِدُ وَالْمَشَاعِرُ وَفِيهَا الصَّلَاةُ وَالنُّسُكُ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=957&ayano=6قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=958&ayano=6لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ } وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَصْدُ بُقْعَةٍ بِعَيْنِهَا لِلصَّلَاةِ وَلَا الدُّعَاءِ وَلَا الذِّكْرِ إذْ لَمْ يَأْتِ فِي شَرْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَصْدُهَا لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَسْكَنًا لِنَبِيِّ أَوْ مَنْزِلًا أَوْ مَمَرًّا .
فَإِنَّ الدِّينَ أَصْلُهُ مُتَابَعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوَافَقَتُهُ بِفِعْلِ مَا أَمَرَنَا بِهِ وَشَرَعَهُ لَنَا وَسَنَّهُ لَنَا
nindex.php?page=treesubj&link=28750وَنَقْتَدِي بِهِ فِي أَفْعَالِهِ الَّتِي شَرَعَ لَنَا الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ .
فَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي لَمْ يَشْرَعْهُ هُوَ لَنَا وَلَا أَمَرَنَا بِهِ وَلَا فَعَلَهُ فِعْلًا سُنَّ لَنَا أَنَّ نَتَأَسَّى بِهِ فِيهِ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرَبِ فَاِتِّخَاذُ هَذَا قُرْبَةً مُخَالَفَةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَا فَعَلَهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّعَبُّدِ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَفْعَلَهُ مُبَاحًا كَمَا فَعَلَهُ مُبَاحًا ; وَلَكِنْ هَلْ يُشْرَعُ لَنَا أَنْ نَجْعَلَهُ عِبَادَةً وَقُرْبَةً ؟ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَأَكْثَرُ
السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّا لَا نَجْعَلُهُ عِبَادَةً وَقُرْبَةً بَلْ نَتَّبِعُهُ فِيهِ ; فَإِنْ فَعَلَهُ مُبَاحًا فَعَلْنَاهُ مُبَاحًا وَإِنْ فَعَلَهُ قُرْبَةً فَعَلْنَاهُ قُرْبَةً . وَمَنْ جَعَلَهُ عِبَادَةً رَأَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ التَّأَسِّي بِهِ وَالتَّشَبُّهِ بِهِ وَرَأَى أَنَّ فِي ذَلِكَ بَرَكَةً لِكَوْنِهِ مُخْتَصًّا بِهِ نَوْعَ اخْتِصَاصٍ .