قوله تعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون
[قال ] : قول الله عز وجل: البخاري إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله
دون النساء، بشرائط أخر، هذا قول جمهور العلماء، ومنهم من حكاه إجماعا صلاة الجمعة فريضة من فرائض الأعيان على الرجال كابن المنذر .
وشذ من زعم أنها فرض كفاية من الشافعية، وحكاه بعضهم قولا ، وأنكر ذلك عامة أصحابه حتى قال طائفة منهم: لا تحل حكايته وحكاية للشافعي لذلك عن أكثر العلماء وهم منه، ولعله اشتبه عليه الجمعة بالعيد . وحكي عن بعض المتقدمين: أن الجمعة سنة . الخطابي
وقد روى ، عن ابن وهب ، أن الجمعة سنة . وحملها مالك على أهل القرى المختلف في وجوب الجمعة عليهم [ ص: 432 ] خاصة، دون أهل الأمصار . ابن عبد البر
ونقل ، عن حنبل ، أنه قال: الصلاة - يعني: صلاة الجمعة - فريضة، والسعي إليها تطوع، سنة مؤكدة . وهذا إنما هو توقف عن إطلاق الفرض على إتيان الجمعة، وأما الصلاة نفسها، فقد صرح بأنها فريضة، وهذا يدل على أن ما هو وسيلة إلى الفريضة ولا تتم إلا به لا يطلق عليه اسم الفريضة، لأنه وإن كان مأمورا به فليس مقصودا لنفسه، بل لغيره . أحمد
وتأول كلام القاضي أبو يعلى بما لا يصح . وقد دل على فرضيتها: قول الله عز وجل: أحمد يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون
والمراد بالسعي: شدة الاهتمام بإتيانها والمبادرة إليها، . فهو من سعي القلوب، لا من سعي الأبدان، كذا قال وغيره، وسيأتي بسط ذلك فيما بعد - إن شاء الله سبحانه وتعالى . الحسن
وفي "صحيح " عن مسلم عبد الله بن عمر ، أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد منبره: وأبي هريرة "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين " .
وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث [ ص: 433 ] وابن ماجه أبي الجعد الضمري - وكانت له صحبة -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك الجمعة تهاونا ثلاث مرات طبع على قلبه " .
وقال : حديث حسن . وخرجه الترمذي في "صحيحه " . وروي معناه من وجوه كثيرة . ابن حبان
وفي "صحيح " عن مسلم ، ابن مسعود وقد سبق ذكره . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هم أن يحرق على من يتخلف عن الجمعة بيوتهم .
وخرج بإسناد صحيح، عن أبو داود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: طارق بن شهاب قال "الجمعة حق واجب في جماعة، إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة، أو صبي أو مريض" . : أبو داود رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه شيئا . طارق بن شهاب
قال : وقد وصله بعضهم عن البيهقي طارق، عن . عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس وصله بمحفوظ . أبي موسى الأشعري
وخرج من حديث النسائي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: حفصة "رواح الجمعة واجب على كل محتلم " .
وخرج من حديث ابن ماجه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبهم، فقال في خطبته: جابر بن عبد الله في يومي هذا، في [ ص: 434 ] شهري هذا، من عامي هذا إلى يوم القيامة، فمن تركها في حياتي أو بعدي، وله إمام عادل أو جائر، استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله شمله، ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ولا زكاة له، ولا حج له، ولا صوم له، ولا بركة حتى يتوب، فمن تاب تاب الله عليه " . "إن الله فرض عليكم الجمعة في مقامي هذا،
وفي إسناده ضعف واضطراب واختلاف، قد أشرنا إلى بعضه فيما تقدم في "أبواب الإمامة" .
وفيه: دليل على أن الجمعة إنما فرضت بالمدينة; لأن إنما صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد خطبته جابرا بالمدينة، وهذا قول جمهور العلماء .
ويدل عليه - أيضا -: أن سورة الجمعة مدنية، وأنه لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الجمعة بمكة قبل هجرته .
ونص على أن أول جمعة جمعت في الإسلام هي التي جمعت الإمام أحمد بالمدينة مع . وكذا قال مصعب بن عمير عطاء وغيرهما . والأوزاعي
وزعم طائفة من الفقهاء: أن الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة; وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليها بمكة قبل أن يهاجر .
واستدل لذلك: بما خرجه في "كتاب الجمعة" من حديث النسائي المعافى ابن عمران ، عن عن إبراهيم بن طهمان، محمد بن زياد ، عن . قال: إن أول جمعة جمعت - بعد جمعة جمعت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي هريرة بمكة - بجواثاء بالبحرين - قرية لعبد القيس .
وقد خرجه - كما سيأتي في موضعه - من طريق البخاري أبي عامر [ ص: 435 ] العقدي، عن عن إبراهيم بن طهمان، أبي جمرة ، عن ، أن أول جمعة جمعت – بعد جمعة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - في ابن عباس مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين . وكذا رواه ، عن وكيع ولفظه: إن أول جمعة جمعت في الإسلام - بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم بن طهمان، بالمدينة - لجمعة جمعت بجواثاء - قرية من قرى البحرين .
خرجه . أبو داود
وكذا رواه وغيره، عن ابن المبارك فتبين بذلك: أن المعافى وهم في إسناد الحديث ومتنه، والصواب: رواية الجماعة، عن إبراهيم بن طهمان . إبراهيم بن طهمان .
ومعنى الحديث: أن أول مسجد جمع فيه - بعد مسجد المدينة -: مسجد جواثاء، وليس معناه: أن الجمعة التي جمعت بجواثاء كانت في الجمعة الثانية من الجمعة التي جمعت بالمدينة، كما قد يفهم من بعض ألفاظ الروايات; فإن عبد القيس إنما وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، كما ذكره ، عن ابن سعد وغيره . عروة بن الزبير
وليس المراد به - أيضا - أن أول جمعة جمعت في الإسلام في مسجد المدينة، فإن أول جمعة جمعت بالمدينة في نقيع الخضمات، قبل أن يقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وقبل أن يبني مسجده . [ ص: 436 ] يدل على ذلك: حديث ، أنه كان كلما سمع أذان الجمعة استغفر كعب بن مالك لأسعد بن زرارة، فسأله ابنه عن ذلك، فقال: كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة في نقيع الخضمات، في هزم النبيت، من حرة بني بياضة . قيل له: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلا .
خرجه الإمام أحمد وأبو داود - مطولا . وابن ماجه
وروى في "كتاب السير" له، عن أبو إسحاق الفزاري ، عمن حدثه، قال: الأوزاعي بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرشي إلى مصعب بن عمير المدينة، قبل أن يهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "اجمع من بها من المسلمين، ثم انظر اليوم الذي تجمر فيه اليهود لسبتها، فإذا مال النهار عن شطره فقم فيهم، ثم تزلفوا إلى الله بركعتين " . قال: وقال : فجمع بهم الزهري في دار من دور الأنصار، فجمع بهم وهم بضعة عشر . مصعب بن عمير
قال : وهو أول من جمع بالناس . وقد خرج الأوزاعي - أظنه في "أفراده " - من رواية الدارقطني أحمد بن محمد بن غالب الباهلي: نا محمد بن عبد الله أبو زيد المدني: ثنا : ثنا المغيرة بن عبد الرحمن ، عن مالك ، عن الزهري عبيد الله بن عبد الله ، عن ، قال: ابن عباس بمكة ولا يبين لهم، وكتب إلى : "أما بعد، فانظر اليوم الذي تجمر فيه اليهود لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين " . مصعب بن عمير [ ص: 437 ] قال: فهو أول من جمع أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجمعة قبل أن يهاجر، ولم يستطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع ، حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير المدينة، فجمع عند الزوال من الظهر، وأظهر ذلك .
وهذا إسناد موضوع، والباهلي هو: غلام خليل، كذاب مشهور بالكذب . وإنما هذا أصله من مراسيل ، وفي هذا السياق ألفاظ منكرة . وخرج الزهري من رواية البيهقي يونس، عن ، قال: بلغنا أن أول ما جمعت الجمعة الزهري بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجمع بالمسلمين . مصعب بن عمير
وروى في "كتابه " عن عبد الرزاق ، عن معمر ، قال: الزهري بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مصعب بن عمير المدينة ليقرئهم القرآن، فاستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بهم، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس يومئذ بأمير . ولكنه انطلق يعلم أهل المدينة .
وذكر ، عن عبد الرزاق ، قال: قلت ابن جريج لعطاء : من أول من جمع قال: رجل من بني عبد الدار - زعموا -، قلت: أفبأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: فمه؟!
وخرجه من رواية الأثرم ، عن ابن عيينة ، وعنده . قال: نعم . فمه؟! قال ابن جريج : سمعت من يقول: هو ابن عيينة . [ ص: 438 ] وكذلك نص مصعب بن عمير في - رواية الإمام أحمد أبي طالب - على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يجمع بهم مصعب بن عمير بالمدينة .
ونص - أيضا - على أن أول جمعة جمعت في الإسلام هي الجمعة التي جمعت أحمد بالمدينة مع . وقد تقدم مثله عن مصعب بن عمير عطاء . فتبين بهذا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإقامة الجمعة والأوزاعي بالمدينة . ولم يقمها بمكة، وهذا يدل على أنه كان قد فرضت عليه الجمعة بمكة .
وممن قال: إن الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة: من الشافعية، والقاضي أبو حامد الإسفراييني في "خلافه الكبير" من أصحابنا، وابن أبو يعلى عقيل في "عمد الأدلة"، وكذلك ذكره طائفة من المالكية، منهم: السهيلي وغيره . وأما كونه لم يفعله بمكة، فيحمل أنه إنما أمر بها أن يقيمها في دار الهجرة، لا في دار الحرب، وكانت مكة إذ ذاك دار حرب، ولم يكن المسلمون يتمكنون فيها من إظهار دينهم، وكانوا خائفين على أنفسهم . ولذلك هاجروا منها إلى المدينة، والجمعة تسقط بأعذار كثيرة منها الخوف على النفس والمال،
وقد أشار بعض المتأخرين من الشافعية إلى معنى آخر في الامتناع من إقامتها بمكة، وهو: أن الجمعة إنما يقصد بإقامتها إظهار شعار الإسلام، وهذا إنما يتمكن منه في دار الإسلام . ولهذا لا تقام الجمعة في السجن، وإن كان فيه أربعون، ولا يعلم في ذلك خلاف بين العلماء، وممن قاله: الحسن، ، وابن سيرين ، والنخعي ، [ ص: 439 ] والثوري ، ومالك ، وأحمد وغيرهم . وإسحاق
وعلى قياس هذا: لو كان الأسارى في بلد المشركين مجتمعين في مكان واحد; فإنهم لا يصلون فيه جمعة، كالمسجونين في دار الإسلام وأولى، لا سيما وأصحابه يرون أن وأبو حنيفة أبدا، ولو أقام المسلم باختياره . فكيف إذا كان أسيرا مقهورا؟ الإقامة في دار الحرب - وإن طالت - حكمها حكم السفر، فتقصر فيها الصلاة
وهذا على قول من يرى اشتراط إذن الإمام لإقامة الجمعة أظهر، فأما على قول من لا يشترط إذن الإمام، فقد قال في الأمراء إذا أخروا الصلاة يوم الجمعة: فيصليها لوقتها ويصليها مع الإمام، فحمله الإمام أحمد في "خلافه " على أنهم يصلونها جمعة لوقتها . القاضي أبو يعلى
وهذا بعيد جدا، وإنما مراده: أنهم يصلون الظهر لوقتها، ثم يشهدون الجمعة مع الأمراء . وكذلك كان السلف الصالح يفعلون عند تأخير بني أمية للجمعة عن وقتها، ومنهم من كان يومئ بالصلاة وهو جالس في المسجد قبل خروج الوقت، ولم يكن أحد منهم يصلي الجمعة لوقتها، وفي ذلك مفاسد كثيرة تسقط الجمعة بخشية بعضها .