قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين (106) فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين (107) ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين
وقد دل القرآن على في قوله تعالى: استحلاف الشهود عند الارتياب بشهادتهم في الوصية في السفر يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم [ ص: 464 ] الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إلى قوله: فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله
وهذه الآية لم ينسخ العمل بها عند جمهور السلف، وقد عمل بها ، أبو موسى ، وأفتى بها وابن مسعود علي، ، وهو مذهب وابن عباس شريح ، والنخعي وابن أبي ليلى ، وسفيان والأوزاعي وأحمد وغيرهم . قالوا: تقبل وأبي عبيد ويستحلفان مع شهادتهما . وهل يمينهما من باب تكميل الشهادة، فلا يحكم بشهادتهما بدون يمين، أم من باب الاستظهار عند الريبة؟ وهذا محتمل، وأصحابنا جعلوها شرطا، وهو ظاهر ما روي عن شهادة الكفار في وصية المسلمين في السفر، وغيره . وقد ذهب طائفة من السلف إلى أن أبي موسى هو من باب الاستظهار، فإن رأى اليمين مع الشاهد الواحد الاكتفاء بالشاهد الواحد، لبروز عدالته، وظهور صدقه اكتفى بشهادته بدون يمين الطالب . الحاكم
وقوله تعالى: فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما يدل على أنه إذا ظهر خلل في شهادة الكفار، حلف أولياء الميت على خيانتهما وكذبهما، واستحقوا ما حلفوا عليه . وهذا قول وغيره من السلف . مجاهد
ووجه ذلك: أن اليمين في جانب أقوى المتداعيين، وقد قويت هاهنا دعوى الورثة بظهور كذب الشهود الكفار، فترد اليمين على المدعين . ويحلفون مع اللوث ويستحقون ما ادعوه، كما يحلف الأولياء في القسامة مع اللوث، ويستحقون بذلك الدية والدم - أيضا - عند مالك وغيرهما . [ ص: 465 ] وقضى وأحمد في رجل مسلم حضره الموت فأوصى إلى رجلين مسلمين معه، وسلمهما ما معه من المال، وأشهد على وصيته كفارا، ثم قدم الوصيان، فدفعا بعض المال إلى الورثة، وكتما بعضه، ثم قدم الكفار فشهدوا عليهم بما كتموه من المال، فدعا الوصيين المسلمين، فاستحلفهما: ما دفع إليهما أكثر مما دفعاه، ثم دعا الكفار، فشهدوا وحلفوا على شهادتهم، ثم أمر أولياء الميت أن يحلفوا أن ما شهدت به اليهود والنصارى حق فحلفوا، فقضى على الوصيين بما حلفوا عليه، وكان ذلك في خلافة ابن مسعود ، وتأول عثمان الآية على ذلك، فكأنه قابل بين يمين الأوصياء والشهود الكفار فأسقطهما، وبقي مع الورثة شهادة الكفار، فحلفوا معها، واستحقوا، لأن جانبهم ترجح بشهادة الكفار لهم، فجعل اليمين مع أقوى المتداعيين، وقضى بها . ابن مسعود