[ ص: 3285 ] ثم قال تعالى فيما وصل إليهم الأحبار والرهبان من مفاسد بعد أن أباحوا لأنفسهم أن يحلوا ما شاءوا وأن يحرموا ما شاءوا بلا رقيب ولا حسيب، فقال سبحانه وتعالى في أعمالهم التي يريدون بها إطفاء نور الحق:
nindex.php?page=treesubj&link=29677_30549_32423_32431_34190_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
إن المشركين واليهود والنصارى بالتمويهات الباطلة التي لا تدركها العقول المستقيمة، وهم ينطقونها بأفواههم ولا تتصورها عقولهم; لأنها غير قابلة للتصور - هؤلاء يريدون أن يطفئوا نور الله، وهو الحقائق الثابتة الدالة على أن الله خالق السماوات والأرض ومن فيهن، والحق الذي جاء به
محمد - صلى الله عليه وسلم - والمعجزة الكبرى وهي القرآن الكريم، والهدى العظيم، يريدون بهذه الأوهام أن يطفئوا ذلك النور.
وقد شبه الله تعالى محاولاتهم وتضليلهم بحال من يحاول إطفاء الشمس في علاها، والقمر في بزوغه، فمن يحاول طمس الحقائق الظاهرة ضال مبطل في محاولاته كمن يحاول إطفاء الشمس.
وأضاف النور إلى الله تعالى تشريفا لهذه الحقائق، وتنويها بشأنها; لأنها مضافة إلى العلي القدير، نور هذا الوجود، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم [ ص: 3286 ] أولئك من مشركين وكتابيين يريدون إطفاء نور الله، فهم يعاندون الله، والله تعالى غالب عليهم، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32ويأبى الله إلا أن يتم نوره وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32يريدون أن يطفئوا في مقابلة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32ويأبى الله إلا أن يتم نوره هم يريدون والله تعالى يأبى عليهم، ويأبى عليهم كل أهوائهم، وعلى ذلك فمعنى (يأبى) لا يريد الله، والاستثناء حينئذ مفرغ، والاستثناء المفرغ لا يكون إلا في حال النفي، مثل: لا يقوم إلا
أحمد ، ولا يهدي إلا
محمد ، ولا معجز إلا القرآن.
فكيف يكون قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32ويأبى الله إلا أن يتم نوره استثناء مفرغا، ونقول: إن (يأبى) متضمنة معنى (لا يريد) في مقابل
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم فهم يريدون الإطفاء والله لا يريد إلا أن يتم نوره، ويعم الوجود الإنساني، وإرادة الله هي النافذة؛ لأن إرادتهم ظلمة، والنور كاشف الظلمة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32ولو كره الكافرون لأن ستر الحقائق والتمويه والتضليل لا يدوم مهما بطل الزمان،
[ ص: 3285 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِيمَا وَصَّلَ إِلَيْهِمُ الْأَحْبَارُ وَالرُّهْبَانُ مِنْ مَفَاسِدَ بَعْدَ أَنْ أَبَاحُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يُحِلُّوا مَا شَاءُوا وَأَنْ يُحَرِّمُوا مَا شَاءُوا بِلَا رَقِيبٍ وَلَا حَسِيبٍ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يُرِيدُونَ بِهَا إِطْفَاءَ نُورِ الْحَقِّ:
nindex.php?page=treesubj&link=29677_30549_32423_32431_34190_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
إِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالتَّمْوِيهَاتِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا تُدْرِكُهَا الْعُقُولُ الْمُسْتَقِيمَةُ، وَهُمْ يَنْطِقُونَهَا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَا تَتَصَوَّرُهَا عُقُولُهُمْ; لِأَنَّهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّصَوُّرِ - هَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ، وَهُوَ الْحَقَائِقُ الثَّابِتَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَالْحَقُّ الَّذِي جَاءَ بِهِ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُعْجِزَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، وَالْهُدَى الْعَظِيمُ، يُرِيدُونَ بِهَذِهِ الْأَوْهَامِ أَنْ يُطْفِئُوا ذَلِكَ النُّورَ.
وَقَدْ شَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَاوَلَاتِهِمْ وَتَضْلِيلِهِمْ بِحَالِ مَنْ يُحَاوِلُ إِطْفَاءَ الشَّمْسِ فِي عُلَاهَا، وَالْقَمَرِ فِي بُزُوغِهِ، فَمَنْ يُحَاوِلُ طَمْسَ الْحَقَائِقِ الظَّاهِرَةِ ضَالٌّ مُبْطِلٌ فِي مُحَاوَلَاتِهِ كَمَنْ يُحَاوِلُ إِطْفَاءَ الشَّمْسِ.
وَأَضَافَ النُّورَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَشْرِيفًا لِهَذِهِ الْحَقَائِقِ، وَتَنْوِيهًا بِشَأْنِهَا; لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إِلَى الْعَلِيِّ الْقَدِيرِ، نُورِ هَذَا الْوُجُودِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ ص: 3286 ] أُولَئِكَ مِنْ مُشْرِكِينَ وَكِتَابِيِّينَ يُرِيدُونَ إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ، فَهُمْ يُعَانِدُونَ اللَّهَ، وَاللَّهُ تَعَالَى غَالِبٌ عَلَيْهِمْ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا فِي مُقَابَلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ هُمْ يُرِيدُونَ وَاللَّهُ تَعَالَى يَأْبَى عَلَيْهِمْ، وَيَأْبَى عَلَيْهِمْ كُلَّ أَهْوَائِهِمْ، وَعَلَى ذَلِكَ فَمَعْنَى (يَأْبَى) لَا يُرِيدُ اللَّهُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مُفَرَّغٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُفَرَّغُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَالِ النَّفْيِ، مِثْلُ: لَا يَقُومُ إِلَّا
أَحْمَدُ ، وَلَا يَهْدِي إِلَّا
مُحَمَّدٌ ، وَلَا مُعْجِزَ إِلَّا الْقُرْآنُ.
فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ اسْتِثْنَاءً مُفَرَّغًا، وَنَقُولُ: إِنَّ (يَأْبَى) مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى (لَا يُرِيدُ) فِي مُقَابِلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ فَهُمْ يُرِيدُونَ الْإِطْفَاءَ وَاللَّهُ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ، وَيَعُمَّ الْوُجُودَ الْإِنْسَانِيَّ، وَإِرَادَةُ اللَّهِ هِيَ النَّافِذَةُ؛ لِأَنَّ إِرَادَتَهُمْ ظُلْمَةٌ، وَالنُّورُ كَاشِفُ الظَّلَمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لِأَنَّ سَتْرَ الْحَقَائِقِ وَالتَّمْوِيهَ وَالتَّضْلِيلَ لَا يَدُومُ مَهْمَا بَطُلَ الزَّمَانُ،