إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير
إن الصبر وضبط النفس كريمان متلازمان، بل إن ضبط النفس شعبة من الثلاث: شعب الصبر
الشعبة الأولى: تحمل المشاق النفسية والبدنية، ومن المشاق النفسية المحن والنعم، ويكون تحمل المحن بتلقيها من غير تململ ولا تزلزل، أما النعم فيتلقاها بالشكر والصبر على القيام بحقها.
الشعبة الثانية: تكون بعدم الأنين أو الشكوى والضجر، وهذا هو الصبر الجميل الذي التزمه يعقوب عليه السلام.
الشعبة الثالثة: هي رجاء زوال ما يمتحنه به الله تعالى، فلا ييأس من رحمة الله ولا يكفر بنعمه وألا تغريه نعمة الله بالكبر والبطر. [ ص: 3675 ]
وإن ضبط النفس يكون في مطوي هذه الشعب، فلا تكون نفس الصابر رعناء تبئسها الشدة وتقرها النعمة فيكون في اضطراب مستمر، وهوج في النعم والنقم.
وقد استثنى الله تعالى الصابرين، وذكر في أوصافهم العمل الصالح وعملوا الصالحات أي: عملوا كل شيء فيه صلاح أنفسهم وجماعتهم، وصلاح دينهم الذي هو عصمة أمرهم، وإن اقتران العمل الصالح بالصبر يدل:
أولا: على أن فلا بد أن يكون مستمرا دائما، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: العمل الصالح يقتضي صبرا على الاستمرار ، كما أنه قال: " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " " إن الله يحب الديمة في الأعمال ".
ثانيا: يدل اقتران العمل الصالح بالصبر على أن العمل الصالح يحتاج إلى تحمل بعض المشاق، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له، وليس ذلك لأحد غير المؤمن " .
وقد بين سبحانه وتعالى جزاء الصابرين العاملين فقال: أولئك لهم مغفرة وأجر كبير الإشارة إلى أن الجزاء مغفرة، إذ إن الله يستر ما لهم من أعمال غير مقبولة بغفرانه، لأن الصبر والعمل الصالح يستران بذاتهما العمل غير الصالح بأمر الله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات وبعد هذه المغفرة الساترة يكون الأجر الكبير الذي هو عظيم في ذاته وبلغ قدرا لا يدرك كنهه إلا الله معطيه. [ ص: 3676 ]
وإذا كان للصبر هذه المنزلة، فأولى أوصاف النبيين الصبر، الصبر في سبيل الدعوة والاستمرار في التبليغ، والصبر على الأذى والتحديات الآفنة والمطالب الجائرة والحائرة، ولذلك قال تعالى: