وقد أحسوا بأن القول لا يغني فتيلا، إزاء الشك من أبيهم، وجاءوا على قميصه بدم كذب
أي: بدم مكذوب، ووصف بأنه كذب، أي: أنه دم هو كذب في ذاته; لأن الدم ليس دم يوسف، بل هو دم غيره، من غزال أو نحوه، قالوا في الروايات: إنه عندما أمره على وجهه أحس بكذبهم، وقال: ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا!! أكل ابني، ولم يمزق قميصه. وهكذا كان ما اتخذوه دليلا على [ ص: 3811 ] البراءة كان دليلا على ثبوت الجريمة، فهل يبقى القميص غير ممزق، وقد مزق الجسد وأكل، وهكذا نرى أن المجرم مهما يحاول الإخفاء، فإنه يبين دليل الاتهام من محاولة الإخفاء.
لم يصدق كلامهم قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا و: سولت معناها سهلت، وزينت لكم أمرا خطيرا شديد الخطورة، فالتنكير في (أمرا) لبيان شدته، وبلوغ أقصى قوته، ثم قال: فصبر جميل والصبر الجميل هو الذي يليق بمقام النبوة، والصبر الجميل هو الصبر من غير أنين والشكوى مع الرضا بقدر الله تعالى، وما كتبه الله ورجاء كشف البلاء، ولذلك ما يئس قط من أن يعود إليه ابنه وحبيبه، ولو ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم.
وهو في صبره المرير يتجه إلى الله تعالى ويقول: والله المستعان على ما تصفون أي: لا يستعان إلا وحده في الصبر على ما يصفون من قول، ولم يقل على ما وقع، بل قال على ما وصفتم، للإحساس بأن ما وصفوا غير ما وقع.
والصبر الجميل، لا يمنع الألم المرير، بل إنه لا صبر إلا إذا كان الألم الشديد، ولكن لا يجزع، ولا يفرط منه ما يدل على عدم الرضا بما قدره الله تعالى وكان.
* * *