الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون .

                                                          الحيوانات كلها تسير بإلهام الله تعالى، فأم الحيوان ترضع وليدها، وتحنو عليه وترعاه بفطرتها، وكأنها أم مثل أمهات بني آدم تدفئه وتقيه الحر والبرد.

                                                          وإن ذلك الإلهام يصح أن يسمى وحيا؛ لأنه إلهام من الله تعالى، ولذلك قال تعالى: وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون

                                                          واختص سبحانه وتعالى النحل بتسمية إلهامها وحيا؛ لأنها ألهمت نظاما محكما دقيقا يعجز عنه بعض العقلاء، فهي ألهمت أن يكون لها رئيس وهو يسوسها وهو ينصف بينها ويحكم بالعدل، وينفي القذى حتى إنه لو رميت على إحداها نجاسة قتلها تطهيرا للجماعة، وأن تعيش طهورا، وإذا ظهر فيها رئيس قاتل الأصيل ذلك الرئيس ونصروه عليه، وإنها لتبني بنيانها بإحكام فتجعله على شكل مسدسات لكي يكون البناء محكما، ولكي يكون كل فراغ مسدودا، وتجتمع جموع النحل، تذهب مجتمعة في غدوها ورواحها وفي غذائها وفي ريها حتى إنها تكون ذات منظر بديع يدل على إحكام الاتحاد بحيث لا تنأى عن الجمع واحدة، وهي تراقب نفسها بحيث إذا هلكت إحداها أخرجته، وكأنها تدفعها خارج الأحياء، وهكذا، وفي طبعه النظافة فرجيع النحل يخرجونه خارج الخلية، ويقول الغزالي في الإحياء " لا يأكل من العسل إلا مقدار شبعه، وإذا قل العسل في الخلية قذفه بالماء ليكثر، خوفا على نفسه من نفاده، وإذا نفد النحل أفسد بيوت الملكات، وبيوت الذكور، وربما قتلت ما كان منها هناك ".

                                                          ولهذا التنظيم العجيب الذي يعجز عن بعضه أصحاب العقول، قال الله [ ص: 4214 ] تعالى بالنسبة للنحل، وأوحى ربك إلى النحل وأضاف الإيحاء إلى الرب سبحانه؛ لأن ذلك الوحي فيه فائدة للإنسان، وهو من مقتضى الربوبية، ومن النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده فيما تخرجه من بطونها من شفاء للناس.

                                                          أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون (أن) تفسيرية، وما بعدها تفسير لما قبلها، فالوحي هو أمر الله تعالى لها أن تتخذ من الجبال بيوتا تعيش في كهوفها، وتبيض بيضها فيها، ومن الشجر أي: تأخذ من فروع الأشجار بيوتا تصنع فيها ما يصنعه صاحب البيت فيه، ومما يعرشون أي: مما يعرشون على سقوفهم، ومما يعرشونه لها من خلايا.

                                                          و(من) للتبعيض، أي: يتخذون بعض الجبال وبعض الشجر وبعضا مما يعرشون، وما يخصص لها من خلايا يكون كله لها بهذا التخصيص،

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية