وبعد ذكر الله تعالى الفرائض، أشار سبحانه وتعالى إلى النوافل فقال:
ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا .
من هنا للتبعيض، والفاء عاطفة على فعل محذوف وتقدير الكلام قم جزءا من الليل فتهجد به نافلة عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا أي رجاء أن يبعثك ربك مقاما محمودا، قطع الليل في العبادة وخاصة الصلاة، وقالوا: إنه سلب الهجود أي النوم فمادة تفعل تأتي أحيانا بمعنى سلب الفعل، فالتهجد سلب الهجود وهو النوم والاستراحة كالتأثم سلب الإثم أو إبعاده، والتحرج إبعاد الحرج إلى آخر أمثال هذه الألفاظ. والتهجد معناه
والمقام المحمود هو المقام الذي يحمد قائمه، وهو مقام العبادة، وهو بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم مقام الشفاعة يوم القيامة، فهو المقام الذي يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم لمن يؤمر بالشفاعة، كما قال تعالى: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون
وقوله تعالى: نافلة لك أي هذا التهجد نافلة أي زائدة، أي أن هذا التكليف بالتهجد كنافلة زائدة هو لك أنت، مثل قوله تعالى: [ ص: 4439 ] وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ولقد قدمت هذه النافلة في الذكر عن قراءة الفجر وتأخرت عن صلاة الغسق، وكانت بينهما؛ لأن ولقد قال تعالى في هذه النافلة المطلوبة من النبي صلى الله عليه وسلم -: التهجد ليس فرضا على المؤمنين، يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا