ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا "ويوم نسير الجبال "؛ أي: نحركها من أماكنها؛ ونسيرها كما نسير السحاب؛ كما قال (تعالى): وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ؛ و "يوم "؛ متعلق بفعل محذوف؛ تقديره: "اذكر يوم نسير الجبال "؛ أي: إذ تتغير الدنيا؛ والأرض؛ والسماوات؛ وقد خطر بخاطري أن "نسير "؛ متعلق بـ "خير "؛ محذوفة؛ دلت عليها الآية قبلها؛ أي: "الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا؛ وخير يوم نسير الجبال؛ وترى الأرض... ". [ ص: 4540 ] وتسيير الجبال: تحريكها من أماكنها؛ وتكسيرها؛ فتكون هذه الأوتاد الشامخة متكسرة متفتتة؛ كما قال (تعالى): يوم البعث؛ وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا ؛ وكما قال (تعالى): وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت ؛ وترى الأرض بارزة أي: ترى في هذا الوقت صعيد الأرض بارزا؛ ليس عليه جبال كالأوتاد؛ والأشجار؛ وبرز ما في باطنها من أحجار وفلزات؛ وبرز ما فيها من القبور؛ كما قال (تعالى): إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت
وهكذا ينهي الكون بارئه؛ ويذهب هذه الحياة بانيها؛ ومن بعد ذلك - وقد أبرز كل شيء خالق كل شيء - عندئذ يكون الحشر؛ ولا يغادر منهم أحدا; ولذا قال (تعالى): وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا أي: حشرناهم في ذلك اليوم؛ لا نترك أحدا؛ وعبر - سبحانه - بالماضي؛ لتأكد هذا الحشر؛ واستعمال الماضي في مقام المضارع لتأكد الوقوع؛ وعبر - سبحانه - بالفعل "حشر "؛ للإشارة إلى جمعهم غير مريدين؛ أو مختارين؛ وأنهم جميعا متلاقون؛ الضالون والمضلون؛ وأنهم بعد ذلك يعرضون على ربهم; ولذا قال (تعالى):