قال فما بال القرون الأولى فأجابه موسى الحكيم الكليم: قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى [ ص: 4735 ] قال فرعون: فما بال القرون الأولى أي: حالها؛ ومآلها؛ وما صنع بها؟ والفاء هنا للإفصاح؛ والسؤال - قال بعض المفسرين - ليصرفه عن الحديث عن الله (تعالى)؛ وهو لا يريد السماع عن إله غيره؛ وإني أرى أن السؤال كان عن أمر ديني عند المصريين القدماء؛ إذ إن الديانة المصرية كانت تؤمن بالبعث؛ ولذا عنوا بالتحنيط؛ لتبقى الأجسام كما هي؛ وتبعث كما هي؛ ولهم في ذلك أقوال بينة؛ حتى إن الكتاب المقدس لديهم هو "كتاب الموتى "؛ يضعونه في قبر الميت الذي يموت؛ وهو كتاب يشتمل على فضائل الأخلاق؛ وعلى ما تلقنه الروح لتحسن الإجابة أمام محكمة الحساب في اليوم الآخر عندهم؛ وهو يعد الكتاب الأعلى عند قدماء المصريين؛ ويتعبدون بقراءته أحياء؛ ويوضع في قبورهم عند موتهم.
وعلى ذلك؛ إن سؤال فرعون لموسى عن حال القرون - أي: الأجيال - سؤال نابع من مذهبهم في الموتى؛ وإذا كان العرب يفضلون المصريين بأنهم في جاهليتهم كانوا يعرفون الله الخالق المنزه عن المشابهة للحوادث؛ ولكنهم يعبدون الأوثان معه؛ فالمصريون القدماء عرفوا البعث والحساب؛ الأمر الذي كان يجهله العرب؛ ويقولون: أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد
أجاب فرعون إجابة المفوض أموره لله (تعالى):