ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى آتى الله (تعالى) موسى تسع آيات بينات؛ كما قال (تعالى): ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ؛ وذلك لرسوخ فكان لا بد من قوارع جسيمة تقرع حسهم؛ لتخرجهم من كفرهم الذي كثفته السنون المتوالية؛ وتكثف بالحضارة المستمكنة؛ والعلم المادي الذي كانوا عليه؛ ولقد بدأهم الكفر في نفس فرعون وقومه؛ موسى بالعصا؛ واليد البيضاء؛ من غير سوء؛ ثم توالت الآيات: الجراد والقمل والضفادع والدم؛ آيات مفصلات؛ والرجز؛ وكل ذلك لم يجد في القلب الجاسي المتصلب؛ والقلوب الخائفة التي تحسب أن الخنوع للفراعنة دين يتبع؛ ولذا قال: ولقد أريناه آياتنا كلها وهذا النص يفيد أن الآيات كلها خوطب بها كل واحدة في ميقاتها؛ وعند الحاجة إليها؛ والوعد بالإيمان إذا رفعها الله؛ كما وعدوا بالإيمان إذا رفع الله الرجز عنهم؛ ولكنه رفعه؛ "فبغوا "؛ وقبل أن نتكلم في أمر نذكر أمرين؛ أولهما أنه - سبحانه وتعالى - أكد أنه أبي؛ وقد أعطاه الآيات كلها مبينا لها؛ واحدة بعد الأخرى؛ مع أنه لم يبين هنا إلا آية واحدة؛ وهي العصا؛ والجواب عن ذلك أن هذا النص الحكيم حكم عام على إبائه وتجبره واستكباره؛ وقد جاءته الآيات كلها؛ والإباء ختام لما قدمه المعجزة الأولى؛ وهي العصا؛ موسى؛ فقد أكد الله (تعالى) أنه بين له الآيات كلها؛ باللام؛ و "قد "؛ والتأكيد بكل ذلك حق لا ريب فيه؛ ولكنه اختص أولى الآيات; لأنها التي كانت بها الصدمة الأولى. [ ص: 4741 ] الأمر الثاني: لماذا اختص الله - سبحانه وتعالى - فرعون بالذكر؛ ولم يذكر قومه إلا تابعين؛ ففي قصة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كان يذكر المشركون؛ ويشار إلى زعمائهم؛ أما هنا فيذكر فرعون بالأصالة؛ وربما يذكر قومه بالإشارة؛ عندما يكون رجز يعم؛ ولا يخص؟ والجواب عن ذلك أن قريشا كانوا أحرارا في تفكيرهم؛ ولو باطلا؛ فلم يكن فيهم ملك؛ أو طاغية يفرض رأيه؛ ويقول لهم: ما أريكم إلا ما أرى وأما أهل مصر فقد رضوا أن تندغم إرادتهم في إرادته؛ حتى ساغ له أن يقول: "أنا مصر؛ ومصر أنا "؛ وتلك خاصته فيهم؛ وقد رأينا بعضها الآن في عهد طاغية مضى.
عندما قدم موسى أول آية؛ ومعها الحجج التي أفحمت فرعون؛ ونقول: أرهبت الجبار عندما ذكر له أن العذاب على من كذب وتولى؛ وذكر آيته الباهرة في الخلق والتكوين؛ وخص بالذكر ما يتعلق بالزراعة والنيل؛ عندئذ تقرر أنه إذا كانت فكرة الإيمان قد راودته؛ ففكرة السلطان قد عاودته؛ ولا يتخلى ملك - ولو كان غير فرعون - عن سلطانه طوعا؛ واختيارا؛ فلا بد من مقاومته؛ وقد خشي أن يتسرب الفكر من المؤمن إلى قومه؛ فجاء المصريين من ناحية ما يحرصون عليه؛ وهو حرصهم على سلامة أرضهم؛ وأن يكون الحاكم فيهم؛ منهم؛ ولو كان فرعون؛ فقال: