[ ص: 4792 ] الجزاء في الآخرة.. وعلم القرآن في الدنيا
ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما وكذلك أنـزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما
بعد أن ذكر الله - سبحانه وتعالى - وحالهم عندما يظهر لهم البعث؛ ويرونه عيانا؛ وقد أنكروه من قبل؛ وشددوا في إنكاره؛ حتى حسبوه غير معقول؛ ذكر لهم حال الذين آمنوا به وصدقوه: جزاء الأشرار؛ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ومن يعمل من الصالحات أي: فلا يخضع إلا له؛ ويقوم بالعبادة التي كلفه إياها؛ وبنفع الناس؛ استجابة لأمر ربه؛ ويحب نفعهم؛ ويكون كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من يقوم بالعمل الصالح في علاقته بربه؛ "أن يحب الشيء لا يحبه إلا لله "؛ فيكون في عبادة دائمة؛ حتى في مأكله؛ ومشربه؛ وملبسه؛ وفي بضعه؛ إذ يفعل ذلك استجابة لله (تعالى)؛ وقال (تعالى): "وهو مؤمن "؛ الواو واو الحال؛ أي: والحال أنه مؤمن؛ لأن معطي الجزاء هو الله (تعالى)؛ والإيمان هو الإيمان بالله؛ وكيف يثاب من الله (تعالى) من لا يؤمن بالله (تعالى)؛ إنه حائر بائر ليس له مقصد في عمله؛ ولا نية يرتجى الخير بها؛ وقد قال - في الذين كفروا؛ وفعلوا بعض الأمور النافعة في الدين -: فالعمل الصالح لا يعطى حقه من الجزاء إلا مع الإيمان؛ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون [ ص: 4793 ] وقوله (تعالى): فلا يخاف ظلما ولا هضما هذا جواب الشرط؛ ومعناه: يعطون أجرهم موفورا غير منقوص؛ فلا يخاف ظلما ولا هضما الظلم: النقص من العمل؛ أو ثوابه؛ و "الهضم "؛ معناه: الكسر؛ وقد خاض المفسرون في الفرق بينهما؛ وحيثما اجتمعا وجب ذكر الفرق; لأنه يجب أن يكون لكل معنى خاصا به؛ مؤسسا عليه؛ والتأسيس أولى من التأكيد؛ ونقرب الفرق بينهما؛ فنقول: إن الظلم هنا هو النقص من الأعمال التي يستحق عليها الثواب؛ والزيادة من السيئات انتقاص من الأعمال الصالحة؛ وأما الهضم فهو ألا تعطى الأعمال حقها؛ فتكسر؛ كما يكسر الطعام في قلب الهضيم؛ والله أعلم.
بعد ذلك ذكر الله (تعالى) القرآن الكريم في مقام بيان الحق والهداية في الحياة الدنيا؛ وكيف بقي محفوظا إلى يوم الدين؛ قال (تعالى):