الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون لم يلبثوا كثيرا حتى عادوا إلى ضلالهم القديم الثابت في رؤوسهم؛ ولبدته السنون؛ حتى صار جزءا من تفكيرهم؛ وعبر - سبحانه - عن ذلك بقوله - عز من قائل -: ثم نكسوا على رءوسهم أي: بعد أن جعلتهم الصدمة التي بغتتهم يفكرون ويقدرون؛ نكسوا في تفكيرهم؛ وعبر عن ذلك العلي القدير بقوله - عز من قائل -: نكسوا على رءوسهم أي: قلبت أجسامهم؛ فصارت رؤوسهم في أسفل؛ وأجسامهم في أعلى؛ وهذا كناية عن قلب التفكير من الحق إلى الباطل؛ والرشاد إلى الفساد؛ وكما شبه [ ص: 4889 ] انقلابهم الفكري بالانقلاب الجسدي؛ ليتصور القارئ المتدبر كيف عكس تقديرهم؛ ونكس تفكيرهم؛ والتعبير بـ "ثم "؛ هنا؛ مع أن الأمر لم يتجاوز الخطاب؛ للبعد بين الهداية التي بدرت؛ والضلالة التي سيطرت؛ فكانت "ثم "؛ مصورة لهذا.

                                                          ولما نكسوا على رؤوسهم نكس أيضا قولهم في المجادلة؛ فقالوا: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون مؤكدين أنه يعلم أن هؤلاء التماثيل لا تنطق؛ وليس من شأنها أن تنطق؛ لأنها ليست كائنا حيا؛ فضلا عن أن يكون إنسانا ينطق؛ وأكدوا أنه يعلم ذلك باللام وبـ "قد "؛ وبالنفي بـ "ما "؛ الدالة على النفي بالماضي؛ وهي واقعة على المضارع المصور لعدم نطقهم في الحاضر؛ فهم لا ينطقون في الماضي؛ ولا ينطقون في الحاضر؛ ولا القابل؛ وإن هذا ما نطقوا به؛ معترفين بعجز هذه الأحجار عن النطق في كل الأحوال؛ وأي دليل ينفي ألوهيتهم أكثر من هذا؟! إنها أعجز من الإنسان؛ فكيف يعبدها الإنسان؛ وهي لا تنفع ولا تضر؟! ولذا قال خليل الله:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية