أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ؛ قلنا: إن الآية السابقة فيها إيماء إلى أن الحياة الدنيا أمدها قصير بالنسبة للآخرة؛ وإنها لجنة أبدا؛ ولنار أبدا؛ وإن ذلك مع ما سبق يتبين أنه لا بد من البعث؛ وأن حكمة الخلق والإيجاد للإنسان لا تتحقق إلا به؛ ولذا قال (تعالى): أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ؛ الفاء تفيد ترتيب السؤال على ما قبلها؛ وهي مؤخرة عن تقديم؛ لأن أداة الاستفهام لها الصدارة؛ والاستفهام للاستنكار؛ أي: إنكار ما وقع؛ فهم حسبوا ذلك؛ وقالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ؛ و " أنما " ؛ أداة حصر؛ أي: ما خلقناكم إلا عبثا؛ أي: من غير حكمة باهرة ظاهرة؛ و " العبث " ؛ أي: من غير حكمة من الله (تعالى)؛ وعبثا منكم؛ أي خلقناكم لتعبثوا من غير طلب مطلوب منكم؛ ولا غاية تتجهون إليها؛ لتلهوا أو تلعبوا؛ وتقولوا: وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب؛ ولا محاسب يحاسبكم؛ وأنكم إلينا لا ترجعون ؛ الواو عاطفة؛ أي: وحسبتم أنكم إلينا لا ترجعون؛ لتحاسبوا على ما كان منكم من لهو عابث؛ وتقديم الجار والمجرور يدل على الاختصاص والتهديد بالرجوع إليه - سبحانه وتعالى - وحده؛ بحيث لا يكون معهم شفيع يشفع؛ ولا ولي يناصر؛ ولا فدية تعطى؛ بل يؤاخذ كل على ما فعل؛ إن قليلا؛ وإن كثيرا؛ وإن خيرا؛ وإن شرا؛ وأكد - سبحانه وتعالى - رجوعهم إليه؛ بالجملة الاسمية؛ وبتصديرها بـ " إن " ؛ الدال على التحقيق؛ والله - سبحانه وتعالى - أعلم.