هذه أيمان الرجل؛ انتهت بالحلف على استحقاقه اللعنة إن كان كاذبا؛ أما المرأة فإنها تكون عرضة للعذاب؛ وهو عقاب الزنا؛ فإذا كان الرجل صادقا وأقرت بالزنا؛ فالعقوبة هي العقوبة المقررة في آيات الزنا؛ ولكنها لم تقر؛ فقال (تعالى):
nindex.php?page=treesubj&link=16263_16359_32374_33376_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=8ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين nindex.php?page=treesubj&link=16263_18526_32374_33070_33376_34147_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=9والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ؛ " ويدرأ " ؛ معناها: يميل عنها؛ أو يدفع؛ وتبرأ ساحتها؛ بأن تحلف أربع مرات بالله إنه لمن الكاذبين؛ وقد تأكد إثباتها لكذبه بما تأكد به إثباته لصدقه؛ بـ " أن " ؛ واللام؛ ودخوله في صفوف الكاذبين؛ والخامسة حلفها باستحقاقها للعذاب بأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين؛ وكونها طلبية أو خبرية؛ وميلنا إلى أنها خبرية شرطية هو ما قلناه في شهادته الإيجابية المثبتة؛ فيقال هنا في النفي ما قيل في الإثبات.
ولا بد هنا من الكلام في أمور؛ الأمر الأول: أن
nindex.php?page=treesubj&link=10465نفي نسب الولد يعد من الرمي؛ بشرط ألا يكون منه إقرار بالنسب؛ ولو ضمنا؛ فلو نفي بسبب الولادة؛ إذا لم يوجد منه ما يدل على رضاه به؛ ونسبته إليه؛ ولو كان وهو جنين في بطن أمه؛ فإن النسب ينتفي؛ ويجب اللعان؛ وإلا حد حد القذف؛ وإذا امتنعت هي عن اللعان سترة بالنفي؛ حدت حد الزنا المقرر في القرآن.
والأمر الثاني: أنه في الآية اشترط رؤية الرجل للزنا؛ وإن اشتراطه قول من لا دليل عنده في هذا؛ بل الدليل قائم على نفي هذا الشرط؛ بدليل اللعان عند نفي نسب الولد؛ وبالدليل جواز
nindex.php?page=treesubj&link=12253اللعان من الأعمى؛ واشتراط علمه بالجس باليد؛ كلام غير جدير بالالتفات.
[ ص: 5151 ] الأمر الثالث: أن
nindex.php?page=treesubj&link=12255الشهادات في اللعان يمين؛ فلا يشترط فيه إلا صلاحية العبادة باليمين؛ بأن يكون بالغا عاقلا؛ أم أنها شهادة وليست يمينا مجردة؛ بل الشهادة جزء من أجزائها؛ فيشترط فيها ما يشترط في الشهادة من أن يكون بالغا عاقلا مسلما حرا.
بالأول أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد؛ ولذا لا يشترط في اللعان أن يكون المتلاعنان مسلمين حرين؛ فلا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=12244اللعان بين الذميين؛ ولا العبيد؛ بل يجب التلاعن في الذميين؛ وغيرهم؛ وذلك القول يجعل الجماعة الإسلامية نزيهة عن قول الباطل؛ وعن سماعه من الذميين؛ والعبيد؛ وهذا القول كما ترى مبني على أن هذه الشهادات أيمان خالصة.
والقول الآخر؛ أنها شهادة فيها يمين؛ وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة؛ وقول عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: فلا لعان عند هؤلاء بين الذميين ولا بين العبيد؛ ولا لعان إذا كان أحد الزوجين ذميا أو عبدا.
الأمر الرابع: أن الثقة دعامة العلاقة بين الزوجين؛ فإذا عرض لها ما يزعزعها انفصمت العلاقة الزوجية؛ وأصبح الزواج حراما؛ وبينهما اللعان؛ ويفرق بينهما؛ وهي فرقة أبدية؛ لا يحل له أن يتزوجها؛ وتكون كحرمة المشركة والمشرك؛ وعلى هذا جمهور الفقهاء.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة: إنها تحرم عليه إلى أن يكذب نفسه؛ فإذا كذب نفسه حلت له؛ وحد حد القذف؛ فله أن يتزوجها من جديد؛ وتقوم بينهما عشرة زوجية بعقد ومهر جديدين؛ وإن هذا الرأي أرفق بالناس؛ وفي هذا الموضوع كلام فارجع إليه في كتاب الفقه؛ وإن اللعان فضل من الله (تعالى) على عباده؛ وقبل أن نترك الكلام في طريقته نقول: إنه عبر عن اللعنة في جانب الرجال; لأنهم أقوى جلدا وإدراكا لمعنى الطرد؛ ولا يؤثر فيهم الغضب؛ بمقدار ما يؤثر الطرد الحسي؛ لا مجرد الغضب النفسي؛ وفي جانب النساء عبر بالغضب; لأنه يؤثر في نفوسهن؛ ومجرد الإعراض يؤثر في نفوسهن.
هَذِهِ أَيْمَانُ الرَّجُلِ؛ انْتَهَتْ بِالْحَلِفِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ اللَّعْنَةَ إِنْ كَانَ كَاذِبًا؛ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تَكُونُ عُرْضَةً لِلْعَذَابِ؛ وَهُوَ عِقَابُ الزِّنَا؛ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَادِقًا وَأَقَرَّتْ بِالزِّنَا؛ فَالْعُقُوبَةُ هِيَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي آيَاتٍ الزِّنَا؛ وَلَكِنَّهَا لَمْ تُقَرَّ؛ فَقَالَ (تَعَالَى):
nindex.php?page=treesubj&link=16263_16359_32374_33376_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=8وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ nindex.php?page=treesubj&link=16263_18526_32374_33070_33376_34147_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=9وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ؛ " وَيَدْرَأُ " ؛ مَعْنَاهَا: يَمِيلُ عَنْهَا؛ أَوْ يَدْفَعُ؛ وَتُبَرَّأُ سَاحَتُهَا؛ بِأَنْ تَحْلِفَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ؛ وَقَدْ تَأَكَّدَ إِثْبَاتُهَا لِكَذِبِهِ بِمَا تَأَكَّدَ بِهِ إِثْبَاتُهُ لِصِدْقِهِ؛ بِـ " أَنَّ " ؛ وَاللَّامِ؛ وَدُخُولِهِ فِي صُفُوفِ الْكَاذِبِينَ؛ وَالْخَامِسَةُ حَلِفُهَا بِاسْتِحْقَاقِهَا لِلْعَذَابِ بِأَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ؛ وَكَوْنُهَا طَلَبِيَّةً أَوْ خَبَرِيَّةً؛ وَمَيْلُنَا إِلَى أَنَّهَا خَبَرِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ هُوَ مَا قُلْنَاهُ فِي شَهَادَتِهِ الْإِيجَابِيَّةِ الْمُثْبِتَةِ؛ فَيُقَالُ هُنَا فِي النَّفْيِ مَا قِيلَ فِي الْإِثْبَاتِ.
وَلَا بُدَّ هُنَا مِنَ الْكَلَامِ فِي أُمُورٍ؛ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10465نَفْيَ نَسَبِ الْوَلَدِ يُعَدُّ مِنَ الرَّمْيِ؛ بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ مِنْهُ إِقْرَارٌ بِالنَّسَبِ؛ وَلَوْ ضِمْنًا؛ فَلَوْ نُفِيَ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ؛ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ؛ وَنِسْبَتِهِ إِلَيْهِ؛ وَلَوْ كَانَ وَهُوَ جَنِينٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ؛ فَإِنَّ النَّسَبَ يَنْتَفِي؛ وَيَجِبُ اللِّعَانُ؛ وَإِلَّا حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ؛ وَإِذَا امْتَنَعَتْ هِيَ عَنِ اللِّعَانِ سُتْرَةً بِالنَّفْيِ؛ حُدَّتْ حَدَّ الزِّنَا الْمُقَرَّرِ فِي الْقُرْآنِ.
وَالْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّهُ فِي الْآيَةِ اشْتَرَطَ رُؤْيَةَ الرَّجُلِ لِلزِّنَا؛ وَإِنَّ اشْتِرَاطَهُ قَوْلُ مَنْ لَا دَلِيلَ عِنْدَهُ فِي هَذَا؛ بَلِ الدَّلِيلُ قَائِمٌ عَلَى نَفْيِ هَذَا الشَّرْطِ؛ بِدَلِيلِ اللِّعَانِ عِنْدَ نَفْيِ نَسَبِ الْوَلَدِ؛ وَبِالدَّلِيلِ جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=12253اللِّعَانِ مِنَ الْأَعْمَى؛ وَاشْتِرَاطُ عِلْمِهِ بِالْجَسِّ بِالْيَدِ؛ كَلَامٌ غَيْرُ جَدِيرٍ بِالِالْتِفَاتِ.
[ ص: 5151 ] الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12255الشَّهَادَاتِ فِي اللِّعَانِ يَمِينٌ؛ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إِلَّا صَلَاحِيَةُ الْعِبَادَةِ بِالْيَمِينِ؛ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا؛ أَمْ أَنَّهَا شَهَادَةٌ وَلَيْسَتْ يَمِينًا مُجَرَّدَةً؛ بَلِ الشَّهَادَةُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا؛ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا حُرًّا.
بِالْأَوَّلِ أَخَذَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ؛ وَلِذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَلَاعِنَانِ مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ؛ فَلَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=12244اللِّعَانُ بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ؛ وَلَا الْعَبِيدِ؛ بَلْ يَجِبُ التَّلَاعُنُ فِي الذِّمِّيِّينَ؛ وَغَيْرِهِمْ؛ وَذَلِكَ الْقَوْلُ يَجْعَلُ الْجَمَاعَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ نَزِيهَةً عَنْ قَوْلِ الْبَاطِلِ؛ وَعَنْ سَمَاعِهِ مِنَ الذِّمِّيِّينَ؛ وَالْعَبِيدِ؛ وَهَذَا الْقَوْلُ كَمَا تَرَى مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَاتِ أَيْمَانٌ خَالِصَةٌ.
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ؛ أَنَّهَا شَهَادَةٌ فِيهَا يَمِينٌ؛ وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ؛ وَقَوْلٌ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ: فَلَا لِعَانَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ وَلَا بَيْنَ الْعَبِيدِ؛ وَلَا لِعَانَ إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا.
اَلْأَمْرُ الرَّابِعُ: أَنَّ الثِّقَةَ دِعَامَةُ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ فَإِذَا عَرَضَ لَهَا مَا يُزَعْزِعُهَا انْفَصَمَتِ الْعَلَاقَةُ الزَّوْجِيَّةُ؛ وَأَصْبَحَ الزَّوَاجُ حَرَامًا؛ وَبَيْنَهُمَا اللِّعَانُ؛ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ وَهِيَ فُرْقَةٌ أَبَدِيَّةٌ؛ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ وَتَكُونُ كَحُرْمَةِ الْمُشْرِكَةِ وَالْمُشْرِكِ؛ وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ؛ فَإِذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ حَلَّتْ لَهُ؛ وَحُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ؛ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ جَدِيدٍ؛ وَتَقُومَ بَيْنَهُمَا عِشْرَةٌ زَوْجِيَّةٌ بِعَقْدٍ وَمَهْرٍ جَدِيدَيْنِ؛ وَإِنَّ هَذَا الرَّأْيَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ؛ وَفِي هَذَا الْمَوْضُوعِ كَلَامٌ فَارْجِعْ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الْفِقْهِ؛ وَإِنَّ اللِّعَانَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ (تَعَالَى) عَلَى عِبَادِهِ؛ وَقَبْلَ أَنْ نَتْرُكَ الْكَلَامَ فِي طَرِيقَتِهِ نَقُولُ: إِنَّهُ عَبَّرَ عَنِ اللَّعْنَةِ فِي جَانِبِ الرِّجَالِ; لِأَنَّهُمْ أَقْوَى جَلَدًا وَإِدْرَاكًا لِمَعْنَى الطَّرْدِ؛ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِمُ الْغَضَبُ؛ بِمِقْدَارِ مَا يُؤَثِّرُ الطَّرْدُ الْحِسِّيُّ؛ لَا مُجَرَّدُ الْغَضَبُ النَّفْسِيُّ؛ وَفِي جَانِبِ النِّسَاءِ عَبَّرَ بِالْغَضَبِ; لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي نُفُوسِهِنَّ؛ وَمُجَرَّدُ الْإِعْرَاضِ يُؤَثِّرُ فِي نُفُوسِهِنَّ.