إن تكذيب الساعة أوجد الضلال
قال (تعالى): بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسؤولا
بل كذبوا بالساعة ؛ " بل " ؛ للإضراب الانتقالي الذي يكون بانتقال الكلام من مقام إلى مقام؛ فكان الكلام في بيان تكذيبهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وادعائهم على القرآن أنه إفك افتراه الرسول؛ وقولهم: إنا نريد ملكا معه يكون ردءا له؛ وإنه لا يعيش عيشة الملوك وحاشيتهم؛ فانتقل إلى سبب ذلك كله؛ وهو كفرهم بالساعة؛ ذلك [ ص: 5256 ] أن كفرهم بالبعث والنشور هو سبب ضلالهم; لأنهم لم يؤمنوا بالبعث؛ ولم يؤمنوا بالغيب؛ فكانت حياتهم كلها مادية؛ لا رجاء بعدها؛ فكان منهم الإيمان بالمادة وحدها.
و " الساعة " ؛ هي يوم القيامة؛ وسميت " الساعة " ; لأنها يكون فيها الفصل بين الحق؛ والباطل؛ والحساب الكامل والجزاء الوفاق للعمل؛ بجنة النعيم؛ أو بنار الجحيم؛ وكل ذلك في ساعة؛ وهي الساعة الكاملة لكثرة ما يكون من أحداث تتعلق بمصير البشرية؛ وهي ساعة الفصل؛ فالألف واللام تدل على الكمال؛ أي أنها الساعة الجديرة بأن تسمى " الساعة " .
وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ؛ أي: هيأنا للذين كذبوا بالساعة نارا ملتهبة كبيرة؛ تشتد في لهيبها؛ تفزع وترعب من رآها؛ ويحترق بها من يدخلها؛ " وأعتدنا " ؛ معناها: أعددنا وهيأنا؛ وكررت الساعة وكان الإظهار في موضع الإضمار - أولا - للإفزاع؛ والنكير على من أنكر الساعة؛ وكذب الخبر بها؛ ولبيان أن السبب في السعير هو التكذيب؛ لأنه كفر في ذاته؛ ولأنه أدى إلى الجحود المستمر.