لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسؤولا ؛ الضمير في لهم ؛ يعود إلى المتقين ما يشاءون ؛ أي: ما يحبون؛ ويريدون؛ من ملاذ؛ ومن متع أعلى مما في هذه الحياة؛ ففيها كل ما يحبون; ما لا عين رأت؛ ولا أذن سمعت؛ وإن الإحساس بالقدرة على تحقيق كل رغباتهم من نعمة؛ هو في ذاته نعمة؛ مع ما يتضمن من نعم أخرى ينالها؛ فالملاذ نعمة؛ والقدرة المستمرة عليها نعمة أخرى؛ نعمة التمكين؛ وهناك نعمة ثالثة تحف بهم؛ وهي نعمة الخلود والدوام؛ فهي نعم غير مقطوعة؛ ولا ممنوعة ساعة من زمان؛ وقد أكد - سبحانه وتعالى - وعده بها؛ وأنه - سبحانه - كتبها على نفسه؛ بقوله: كان على ربك وعدا مسؤولا ؛ أي: كان ذلك الوعد الذي كتبه على نفسه مسؤولا؛ أي: حقيقا بأن يسأله؛ ويطلب فضلا من ربك ورحمة؛ فقد ألزم نفسه به؛ ولم يلذ به غيره؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؛ فهو قد كتبه على ذاته العلية.
والتعبير بقوله (تعالى): كان على ربك وعدا مسؤولا ؛ يشير إلى أنه من فضل الربوبية ورحمة المنعم القادر على كل شيء؛ فالمسؤولية ليست مسؤولية إلزام؛ إنما [ ص: 5259 ] هي مسؤولية إنعام؛ نسألها؛ كقوله (تعالى) - كما أمرنا -: ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ؛ وكما يسأل الملائكة لعباد الله المؤمنين فيقولون: ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم