انظر كيف يفترون على الله الكذب
* * *
انظر أيها الرسول أنت ومن معك كيف تطوع لهم نفوسهم أن يدعوا أنهم بأعمالهم القبيحة، وتكذيبهم للرسل، يزكون أنفسهم ويطهرونها، وأنهم بذلك ممدوحون أمام الله تعالى، وأنهم محبوبون منه، وأنه يغفر لهم كل ما يفعلون! انظر إلى هذه الحال وتعجب! وإنهم بهذا يكذبون على الله تعالى قاطعين في هذا الكذب فيحسبون أنهم مقبولون عند الله محبوبون، وهم يعاندون رسوله، ويبالغون ويكيدون له، فهم يفترون الكذب على الله ورسوله والمؤمنين. [ ص: 1713 ] وكفى به إثما مبينا أي كفاهم هذا العمل أن يكون إثما بينا واضحا.
والإثم والآثام الأفعال المبطئة عن الخيرات التي يثاب عليها، وهؤلاء قد ارتكبوا بتزكيتهم أنفسهم بغير الحق الأمر البين الذي يبطئهم عن فعل الخيرات ويوقعهم في السوء; ذلك أن هؤلاء ضلوا وحسبوا ضلالهم هو الخير، ومن كان شأنه كذلك فإنه لا يتجه إلى الخير; لأن الذين يرتكبون الشر ثلاث مراتب: أدناها أنه يقع فيه عن جهل وسفه وحمق، وهذا قريب التوبة والرجوع إلى الحق، وهو من الذين قال الله تعالى فيهم: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب [النساء]. والثانية: أن يرتكب السيئات ويوغل فيها، ولكنه يعلم أنها سيئات لا يمدح فاعلها، بل يذم، وأنها لا تستحق التزكية، بل تستحق اللوم، وهذا ترجى توبته وعودته إلى الله. والثالثة: أن يزين له سوء أعماله، فيفعل الشر، ويفخر به، وهذا يكون في مرتبة تبطئه أو تبعده إبعادا كليا عن الاتجاه إلى الحق وطلبه.
* * *