وكذلك نصرف الآيات (الآيات) هنا فيما يظهر لنا الآيات القرآنية، والتشبيه في قوله تعالى: وكذلك نصرف أي: مثل هذا التصريف في ذكر الآيات في الخلق والتكوين وتوليد الأحياء، وبيان الوحدانية بأدلتها من خلق الله تعالى، كذلك التصريف في الآيات الدالة على التوحيد - نصرف في الآيات القرآنية، من إيجاز وإطناب، واستفهام وإنكار، وتوكيد للقول، وإرسال في البيان وغير ذلك، ليدركوا مقام القرآن، وقال تعالى: وليقولوا درست وفي قراءة: (دارست)، الواو في قوله تعالى: وليقولوا درست معطوفة على فعل محذوف يؤخذ من سياق القول، كأن يكون التقدير أو كذلك نصرف الآيات لتصلوا إلى ما فيها من إعجاز إن كنتم تعقلون، وليقولوا دارست غيرك أو درست ذلك على غيرك، فقد كان الكافرون يدعون ذلك، واللام هنا ليست للتعليل، ولكنها لام يسمونها لام العاقبة، أي: لتكون العاقبة عند الكافرين أن يقولوا: دارستها مع أهل الكتاب أو درست عليهم وأعانوك، وهذا كما جاء في آيات كثيرة عن افترائهم، كقوله تعالى عنهم: وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا وقوله: وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا وقال الله تعالى: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين وقرئ: (درست) بفتحتين، ومعناها: مضت وتكررت، كقولهم: سمعنا هذا من قبل. وإن الله تعالى أمر نبيه أن يعرض عن المشركين، وإنه يعتبر بحقائق القرآن المؤمنون; ولذا قال تعالى: ولنبينه لقوم يعلمون واللام هنا للتعليل أي: نبين لمن [ ص: 2621 ] ينتفعون بعلمه وعظاته وبيناته، وإن نفع هؤلاء لمؤكد به يوجب بيانه، فمهما يضل الضالون الجاحدون، فإن القرآن لا يزيدهم إلا خسارا، أما المؤمنون فهو شفاء لهم وهداية، كما قال تعالى: وننـزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا
وقوله: لقوم يعلمون أي: لقوم يعلمون علما متجددا بنزول القرآن فهو يزيدهم علما كما يزيد غيرهم خسارا.
إن الأدلة على صدق دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- قائمة لا يماري فيها إلا جحود، وآيات الله تعالى هي البصائر لمن عنده قلب يذعن للحق إذا تبين، وقد قامت دالة على وحدانيته، وإذا كان الجاحدون ينكرون دلالات الوحدانية في العبادة، فلا تلتفت إليهم، وامض لما أمرك الله تعالى؛ ولذا قال تعالى: