مقدسات البيت الحرام
nindex.php?page=treesubj&link=28723_34370_34375_3582_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ( 158
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم
* * *
[ ص: 476 ] ما زالت النصوص القرآنية الشريفة السامية تتكلم حول
الكعبة من ناحية كونها قبلة ، وأن الصلاة لا تصح من غير الاتجاه إلى
البيت الحرام ، وإنه مما حول
البيت والصفا والمروة ، وهما جبلان مجاوران
للكعبة ، قيل إن
هاجر أم إسماعيل كانت تتردد بينهما عندما أصابهما الجوع والعطش وهي تناجي ربها أن يمن عليها بالغوث فأنبع الله تعالى لها
زمزم ، وقيل كانت لها طعم وغذاء وشفاء للعلة من عطشها ، وقد قال تعالى فيها :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما
والشعائر جمع شعيرة ، وهي المتعبد الذي يكون فيه عبادة الله تعالى والقيام بحق الطاعة ، وفي هذا النص تقرير بأن
الصفا والمروة موضعا تعبد لله تعالى ، وقد قال بعض العلماء : إن ذكر أنهما من شعائر الله دليل على طلب السعي بينهما ، ولكن
ابن جزى الكلبي الفقيه المالكي ضعف هذا ، ولكنا لا نجد فيه ما يسوغ التضعيف لأن كونهما متعبدا يدل على طلب التعبد عندهما ، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - التعبد فيهما بطلب السعي بينهما فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=934804كتب عليكم السعي فاسعوا " وإنه - صلى الله عليه وسلم - في حجه واعتماره سعى والناس بين يديه وهو وراءهم ، لأنه كان راكبا ، فهو منسك من مناسك الحج والعمرة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=19176لتأخذوا عني مناسككم " .
ويقول تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فمن حج البيت أو اعتمر فمن قصد
البيت حاجا أو معتمرا فلا جناح عليه أن يطوف بهما
nindex.php?page=treesubj&link=3392والحج هو المعرف بأركانه وركنه الأكبر الوقوف
بعرفات ، ومن مناسكه النحر ورمي الجمار ، والوقوف
بالمزدلفة ، أما
nindex.php?page=treesubj&link=3959العمرة فهي زيارة
البيت والطواف حوله ،
nindex.php?page=treesubj&link=3582والسعي بين الصفا والمروة ، وقد سعى فيهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
[ ص: 477 ] ولكن كان النص في هذه الآية ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فلا جناح عليه أن يطوف بهما ونتكلم هنا في ثلاثة أمور :
أولها : إن نفي الجناح - والجناح هو الميل إلى الإثم - يقتضي نفي الإثم لا الوجوب ; لأن نفي الإثم يؤدي إلى معنى الجواز لا الوجوب ، أو الطلب فرضا أو سنة ، فمن أين جاء الطلب ؟ نقول إن الطلب جاء من كلمة " شعائر " أولا ، وقد بينا ذلك ، ومن بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن بين أن السعي كتب علينا ، ومن مداومته - صلى الله عليه وسلم - على السعي في عمرته وحجه ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : إن السعي فرض ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : واجب وهو مرتبة بين السنة المؤكدة والفرض ، ويعرفونه بأنه ما ثبت طلبه الحتمي اللازم بدليل ظني فيه شبهة .
الثاني : لماذا عبر سبحانه بنفي الجناح ، ولم يعبر بالطلب ولا شك أنه كان ثمة موجب لنفي الإثم ، وجعله أساس القول ، ولقد قيل في هذا كلام فرددته بعض كتب التفسير قالوا : إنه كان على
الصفا صنم اسمه إساف ، وعلى
المروة صنم اسمه نائلة ، وقد تحرج بعض المسلمين من السعي بينهما لمكان هذين الصنمين اللذين كان أهل الجاهلية يعبدونهما ، ولأن الوحدانية طردت الوثنية من القلوب ، فنفى الله تعالى الإثم لهذا ، ولا يمنع نفي الإثم من الوجوب أو الطلب بشكل عام ، وقيل إن بعض الأنصار لم يجدوا النص على السعي في القرآن فتحرجوا من أن يفعلوا ما كان يفعله الجاهليون من غير نص ، فبين أنه لا إثم ، ودل على الطلب بالنص الذي صدر به القول فيهما وبعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله .
الأمر الثالث : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158أن يطوف بهما أصل يطوف يتطوف قلبت التاء طاء وأدغمت الطاء في الطاء قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29وليطوفوا بالبيت العتيق والتطوف المبالغة في الطواف بأن يعددوه ، ولا يكتفوا بواحدة ، ولكن
الصفا والمروة لا يطوف حولهما ولكن يسعى بينهما ، والمشابهة بينهما ليست بعيدة ; لأن السعي سير على الأرض بينهما وتكرار ذلك سبع مرات ، فكان كالطواف في الأرض
[ ص: 478 ] التي بينهما والله سبحانه وتعالى هو مبين مناسك الحج بالقرآن والسنة النبوية المبينة للقرآن .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم التطوع المبالغة في الطاعة فيما أمر الله تعالى به من فرض وواجب ومندوب ، فهي المبالغة في أصل الطاعة ، وإطلاقها على النفل غير المفروض والمندوبات ونحو ذلك هو من قبيل الاصطلاح الفقهي باعتبار أن النوافل والمندوبات مكملات للفرائض التي هي أصل الطاعات ، و ( خيرا ) وصف لمصدر محذوف وهو مفعول مطلق ، والوصف يقوم فيه أحيانا مقام المصدر كما في قوله تعالى : ( واذكروا الله كثيرا .
والخير كل ما يكون فيه نفع للناس ، وأداء لما أمر الله ، وقيام بالواجبات الاجتماعية والإنسانية والدينية ، ووصف طاعات الله أو المبالغة في الأداء بأنها خير ; لأنها في ذاتها خير ، ولا يكون ما يأمر الله تعالى به إلا خيرا خالصا ، ونافعا خالصا ، فكل أمر من الله تعالى فهو خير نافع لا ينفع سواه .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158ومن تطوع خيرا فعل شرط جزاؤه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فإن الله شاكر عليم وهذه الجملة السامية هي دالة على الجزاء ، متضمنة له ; لأن تقدير الجواب فله أجر يكافئ ما فعل ; لأن الله شاكر عليم ، أي مجاز جزاء حسنا على ما فعل ; لأن الله شاكر ، والتعبير بالشكر في هذا ، وهو أعظم من أن يشكر عبدا له فالكل منه وإليه ، وقد وصف نفسه بأنه غفور شكور ، فكيف يشكر المنعم من أنعم عليه ؟ ! وكل ما يقدم العبد من طاعات هو شكر للمنعم جل جلاله ، وشكر المنعم واجب بالعقل والنقل ، فكيف يكون الله شاكرا لأنعمه ; ولكن عبر بذلك ، تكميلا لنعمه وتفضله أولا ، كما يشكر من يقوم بالواجب تفضلا ، ولتحريض العبد على كمال الطاعة ثانيا ، ولتعليم العبد شكر النعم ثالثا ، ولإثبات رضوان الله تعالى رضوانا كاملا ، فإن الشكر زيادة في الرضوان ، والرضوان الجزاء .
وقد وصف الله سبحانه وتعالى نفسه مع الشكر الدال على الرضا بقوله : " عليم " أي وصف نفسه بالعلم ; للدلالة على أنه عالم بمن يقوم بالطاعات فيجازيه ،
[ ص: 479 ] ومن يعمل بالمعصية ، فيجزيه بالسوء سوءا ، فهو إشعار للطائع بأنه يعمل تحت رعاية الله تعالى ، تحت سمعه وبصره ، وهو القائم بكل ما في الوجود ، وهو القادر على مكافأة كل بما يعمل إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
وإن الله تعالى من أول قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم كان كلامه في بني إسرائيل ، وكفرهم بنعم الله تعالى ومخالفتهم لشرائع النبيين الجامعة لرسائل الله تعالى إلى خلقه ، وما تخلل ذلك من استقبال القبلة كان ردا على سفاهتهم وغيهم ، ثم ما كان يومئ إليه تحويل القبلة من إيذان بفتح
مكة ، وأن ذلك يحتاج إلى جهاد ، فبين سبحانه أن عدة الجهاد الصبر والصلاة ، وجاء ذكر
الصفا والمروة تبعا لذكر
الكعبة وما حولها .
ويختم الله تعالى الكلام في أهل الكتاب ببيان أقبح ما كانوا يعملون ، وهو كتمان آياته ، ويكتبون بدلها بأيديهم ما يسمونه كتاب الله على أنه من عنده سبحانه ، وما هو من عنده فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى البينات الأخبار البينة ، والأحكام المبينة في الكتاب بعد بيانها ، وقد أنزلها الله تعالى في كتبه التي كانت للنبيين السابقين ، والهدى هو ما بينه سبحانه من أوامر ومنهيات ، فمن كتم البينات الدالة على الرسالات ، والأخبار الصادقة عن النبيين ، والأحكام الهادية إلى الصراط ، فقد كتم علم الله ، والكتمان للعلم ، إنما يكون حيث تكون الحاجة إلى البيان من قبل أن يكون المقام مقام بيان وتوجيه وإرشاد ، فيكون ممن عنده علم كما أنكر اليهود والنصارى ما عندهم من علم بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
ومكة وما حولها ،
وإبراهيم وأولاده ، وكما ينكر العلم من يسأل عنه فلا يجيب ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=675096من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار " .
والآية موضوعها كل كتمان لعلم أو هداية ، وقالوا إنها نزلت في اليهود ، ولكن حكمها عام يشمل كل كتمان لعلم فيه هداية للناس ، فيشمل الذين يعلمون رسالة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يبلغونها للناس ، ومن لا يبينون الشرع الإسلامي لأهله ،
[ ص: 480 ] قربوا أو بعدوا ، ولمن يجهله ، فإنه كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه : لا يسأل الجهلاء لم لم يتعلموا ، حتى يسأل العلماء لم لم يعلموا .
وقد حكم الله تعالى على الذين يكتمون العلم بقوله تعالت كلماته :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون اللعن الإبعاد والطرد ، والنبذ من جماعة الخير ، وجماعة الحق ، وأولئك إشارة إلى الذين يكتمون العلم ، والإشارة إلى موصوف بوصف ، إشارة إلى أن الوصف علة الحكم ، فكتمان العلم علة للإبعاد عن رحمة الله تعالى ، ونبذه من الناس ، ولعن الوجود كله ، واللاعنون تشمل الملائكة والجن والإنس ، وكل من يسبح بحمد الله تعالى .
ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
إن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء والطير في الهواء " وهذا إذا بين العلم وذكره للناس وهدى من ليس عنده علم ، فإذا كتمه لعنه كل شيء لعنته الملائكة ، ولعنه الناس ، ولعنه كل شيء حتى الحوت في الماء والطير في الهواء ، فاللعن عند الكتمان جزاء ، هو نظير الاستغفار عند البيان .
وقد استثنى من هؤلاء الملعونين الذين يبينون من بعد الكتمان ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا التوبة هي الإقلاع عن الذنب ، والشعور بالندم ، والعزم المؤكد على ألا يعود إليه من بعد ، وإذا كان الذنب بالترك عمل ، وإذا كان الذنب بالعمل ترك ، فذنب الكاتمين كان بترك البيان والتبليغ فتكون التوبة بالبيان والتبليغ ; ولذلك قال تعالى " وبينوا " أي أكدوا بفعل نقيض ما ارتكبوا .
وقوله " وأصلحوا " ، أي تركوا الإفساد واتجهوا إلى الإصلاح ، وعمارة الوجود ، ونشر الخير بين الناس وإرشادهم إلى أقوم السبل في هذه الحياة ، وفي ذلك إشارة إلى أمرين جليلين :
[ ص: 481 ] أولهما - أن
nindex.php?page=treesubj&link=27962كتمان العلم فيه فساد في الأرض ; لأنه يجعل الناس في متاهة من الباطل فتنقلب الأوضاع ، ويختلط الحق بالباطل ، ولا يعرف الناس سبيلا للهداية ، وتسد مسالك الخير ; إذ لا هادي إلا أن يرحم الله عباده بها ، ويرشدهم إليها .
ثانيهما - أن بيان الخير والحق هو الإصلاح في هذا الوجود فلا سلامة يسكت فيها الحق ، وينطق فيها الباطل ، وقد لعن بنو إسرائيل لسكوتهم عن البيان في وقت الحاجة إليه ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون وكما قالت الحكمة : السكوت عن الحق نطق بالباطل ، والساكت عن الحق ناطق بالباطل .
وقد جزى الله تعالى التائبين العاملين المؤكدين لتوبتهم بالبيان للحق والإصلاح بأنه يقبل توبتهم ، فقال تعالت كلماته :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم
هنا التفات من الإخبار إلى التكلم ، فالله تعالى أخبر عنهم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات إلى آخر الآية ، ثم التفت من الإخبار إلى التكلم عند الجزاء ، وكذلك الأمر في أكثر البيان يكون ذكر المعاصي والتوبة منها بالإخبار أو الخطاب ; ويكون الجزاء من الله تعالى بضمير المتكلم تربية للمهابة ، والإشراق في النفس ، والإشعار بالرضا ، وإن قبول التوبة أحب إلى العاصي التائب من كل ما في الوجود ، وهو رفع له من ذلة الذنب وخسته إلى رفعة الحق وعزته ; ولذا قال عز من قائل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160فأولئك أتوب عليهم الإشارة إلى الموصوفين بالتوبة الذين بينوا ما كتموا وأقاموا الإصلاح مكان الإفساد ، وكما قلنا وكررنا الإشارة إلى الموصوف بيان أن العلة هي الوصف ، فقبول التوبة سببه التوبة النصوح ، والعمل على نقيض المعصية وما ترتب عليها ، و " أتوب عليهم " معناها أرجع عليهم
[ ص: 482 ] بالقبول والجزاء ، فكما أنهم رجعوا إلي من تيه المعصية أرجع بقبول التوبة وغفران الذنوب ، ثم قال عز من قائل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160وأنا التواب الرحيم أي كثير قبول التوبة لأني رحيم بعبادي ، وإن كان الناس لا يذنبون أتيت بمن يذنب لأقبل توبته كما ورد في معنى الأثر .
وإن هاتين الآيتين تدلان على وجوب بيان الهادي إلى الرشاد ، كما ورد في الأثر ، وإن تبليغ العلم يجب أن يكون على علم بسياسة البيان بأن يبين للناس ما يطيقون ، ويتدرج من اليسير ، حتى يكون العسير سهلا يسيرا ، ولقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "
حدث الناس بما يفهمون ; أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟ ! " .
ويجب بيان الحق الذي لا زيغ فيه ، ولقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "
لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم ولا تضعوها في غير أهلها ، فتظلموها " وقال عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى : "
لا تعلقوا الدر في أعناق الخنازير " . وفق الله العلماء للنطق بالحق وألا يفتحوا باب التأويل لذوي السلطان حتى لا يضعوا الدر في أعناق الخنازير .
* * *
مُقَدَّسَاتُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ
nindex.php?page=treesubj&link=28723_34370_34375_3582_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ( 158
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
* * *
[ ص: 476 ] مَا زَالَتِ النُّصُوصُ الْقُرْآنِيَّةُ الشَّرِيفَةُ السَّامِيَةُ تَتَكَلَّمُ حَوْلَ
الْكَعْبَةِ مِنْ نَاحِيَةِ كَوْنِهَا قِبْلَةً ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الِاتِّجَاهِ إِلَى
الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، وَإِنَّهُ مِمَّا حَوْلَ
الْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَهُمَا جَبَلَانِ مُجَاوِرَانِ
لِلْكَعْبَةِ ، قِيلَ إِنَّ
هَاجَرَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ كَانَتْ تَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا عِنْدَمَا أَصَابَهُمَا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَهِيَ تُنَاجِي رَبَّهَا أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهَا بِالْغَوْثِ فَأَنْبَعَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا
زَمْزَمَ ، وَقِيلَ كَانَتْ لَهَا طُعْمٌ وَغِذَاءٌ وَشِفَاءٌ لِلْعِلَّةِ مِنْ عَطَشِهَا ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا
وَالشَّعَائِرُ جَمْعُ شَعِيرَةٍ ، وَهِيَ الْمُتَعَبَّدُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ عِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقِيَامُ بِحَقِّ الطَّاعَةِ ، وَفِي هَذَا النَّصِّ تَقْرِيرٌ بِأَنَّ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مَوْضِعَا تَعَبُّدٍ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ ذِكْرَ أَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا ، وَلَكِنَّ
ابْنَ جَزَى الْكَلْبِيَّ الْفَقِيهَ الْمَالِكِيَّ ضَعَّفَ هَذَا ، وَلَكِنَّا لَا نَجِدُ فِيهِ مَا يُسَوِّغُ التَّضْعِيفَ لِأَنَّ كَوْنَهُمَا مُتَعَبَّدًا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ التَّعَبُّدِ عِنْدَهُمَا ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّعَبُّدَ فِيهِمَا بِطَلَبِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=934804كُتِبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيُ فَاسْعَوْا " وَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجِّهِ وَاعْتِمَارِهِ سَعَى وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ وَرَاءَهُمْ ، لِأَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا ، فَهُوَ مَنْسَكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=19176لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " .
وَيَقُولُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَمَنْ قَصَدَ
الْبَيْتَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَفَ بِهِمَا
nindex.php?page=treesubj&link=3392وَالْحَجُّ هُوَ الْمُعَرَّفُ بِأَرْكَانِهِ وَرُكْنُهُ الْأَكْبَرُ الْوُقُوفُ
بِعَرَفَاتٍ ، وَمِنْ مَنَاسِكِهِ النَّحْرُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ ، وَالْوُقُوفُ
بِالْمُزْدَلِفَةِ ، أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=3959الْعُمْرَةُ فَهِيَ زِيَارَةُ
الْبَيْتِ وَالطَّوَافُ حَوْلَهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=3582وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَقَدْ سَعَى فِيهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
[ ص: 477 ] وَلَكِنْ كَانَ النَّصُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَنَتَكَلَّمُ هُنَا فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ :
أَوَّلُهَا : إِنَّ نَفْيَ الْجُنَاحِ - وَالْجُنَاحُ هُوَ الْمَيْلُ إِلَى الْإِثْمِ - يَقْتَضِي نَفْيَ الْإِثْمِ لَا الْوُجُوبَ ; لِأَنَّ نَفْيَ الْإِثْمِ يُؤَدِّي إِلَى مَعْنَى الْجَوَازِ لَا الْوُجُوبِ ، أَوِ الطَّلَبِ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً ، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ الطَّلَبُ ؟ نَقُولُ إِنَّ الطَّلَبَ جَاءَ مِنْ كَلِمَةِ " شَعَائِرَ " أَوَّلًا ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ ، وَمِنْ بَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ بَيَّنَ أَنَّ السَّعْيَ كُتِبَ عَلَيْنَا ، وَمِنْ مُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّعْيِ فِي عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : إِنَّ السَّعْيَ فَرْضٌ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : وَاجِبٌ وَهُوَ مَرْتَبَةٌ بَيْنَ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَالْفَرْضِ ، وَيُعَرِّفُونَهُ بِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ طَلَبُهُ الْحَتْمِيُّ اللَّازِمُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ فِيهِ شُبْهَةٌ .
الثَّانِي : لِمَاذَا عَبَّرَ سُبْحَانَهُ بِنَفْيِ الْجُنَاحِ ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالطَّلَبِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ ثَمَّةَ مُوجَبٌ لِنَفْيِ الْإِثْمِ ، وَجَعْلِهِ أَسَاسَ الْقَوْلِ ، وَلَقَدْ قِيلَ فِي هَذَا كَلَامٌ فَرَدَّدَتْهُ بَعْضُ كُتُبِ التَّفْسِيرِ قَالُوا : إِنَّهُ كَانَ عَلَى
الصَّفَا صَنَمٌ اسْمُهُ إِسَافٌ ، وَعَلَى
الْمَرْوَةِ صَنَمٌ اسْمُهُ نَائِلَةُ ، وَقَدْ تَحَرَّجَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا لِمَكَانِ هَذَيْنِ الصَّنَمَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَهُمَا ، وَلِأَنَّ الْوَحْدَانِيَّةَ طَرَدَتِ الْوَثَنِيَّةَ مِنَ الْقُلُوبِ ، فَنَفَى اللَّهُ تَعَالَى الْإِثْمَ لِهَذَا ، وَلَا يَمْنَعُ نَفْيُ الْإِثْمِ مِنَ الْوُجُوبِ أَوِ الطَّلَبِ بِشَكْلٍ عَامٍّ ، وَقِيلَ إِنَّ بَعْضَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَجِدُوا النَّصَّ عَلَى السَّعْيِ فِي الْقُرْآنِ فَتَحَرَّجُوا مِنْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيُّونَ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا إِثْمَ ، وَدَلَّ عَلَى الطَّلَبِ بِالنَّصِّ الَّذِي صُدِّرَ بِهِ الْقَوْلُ فِيهِمَا وَبِعَمَلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلِهِ .
الْأَمْرُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا أَصْلُ يَطَّوَّفُ يَتَطَوَّفُ قُلِبَتِ التَّاءُ طَاءً وَأُدْغِمَتِ الطَّاءُ فِي الطَّاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَالتَّطَوُّفُ الْمُبَالَغَةُ فِي الطَّوَافِ بِأَنْ يُعَدِّدُوهُ ، وَلَا يَكْتَفُوا بِوَاحِدَةٍ ، وَلَكِنَّ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ لَا يُطَّوَّفُ حَوْلَهُمَا وَلَكِنْ يُسْعَى بَيْنَهُمَا ، وَالْمُشَابَهَةُ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ بَعِيدَةً ; لِأَنَّ السَّعْيَ سَيْرٌ عَلَى الْأَرْضِ بَيْنَهُمَا وَتَكْرَارُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، فَكَانَ كَالطَّوَافِ فِي الْأَرْضِ
[ ص: 478 ] الَّتِي بَيْنَهُمَا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ مُبَيِّنُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْقُرْآنِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ التَّطَوُّعُ الْمُبَالَغَةُ فِي الطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ ، فَهِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي أَصْلِ الطَّاعَةِ ، وَإِطْلَاقُهَا عَلَى النَّفْلِ غَيْرِ الْمَفْرُوضِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ النَّوَافِلَ وَالْمَنْدُوبَاتِ مُكَمِّلَاتٌ لِلْفَرَائِضِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الطَّاعَاتِ ، وَ ( خَيْرًا ) وَصْفٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ ، وَالْوَصْفُ يَقُومُ فِيهِ أَحْيَانًا مَقَامَ الْمَصْدَرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا .
وَالْخَيْرُ كُلُّ مَا يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ لِلنَّاسِ ، وَأَدَاءٌ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ ، وَقِيَامٌ بِالْوَاجِبَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ ، وَوَصْفُ طَاعَاتِ اللَّهِ أَوِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْأَدَاءِ بِأَنَّهَا خَيْرٌ ; لِأَنَّهَا فِي ذَاتِهَا خَيْرٌ ، وَلَا يَكُونُ مَا يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إِلَّا خَيْرًا خَالِصًا ، وَنَافِعًا خَالِصًا ، فَكُلُّ أَمْرٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ خَيْرٌ نَافِعٌ لَا يَنْفَعُ سِوَاهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فِعْلُ شَرْطٍ جَزَاؤُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ السَّامِيَةُ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْجَزَاءِ ، مُتَضَمِّنَةٌ لَهُ ; لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْجَوَابِ فَلَهُ أَجْرٌ يُكَافِئُ مَا فَعَلَ ; لِأَنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ، أَيْ مُجَازٍ جَزَاءً حَسَنًا عَلَى مَا فَعَلَ ; لِأَنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ ، وَالتَّعْبِيرُ بِالشُّكْرِ فِي هَذَا ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَشْكُرَ عَبْدًا لَهُ فَالْكُلُّ مِنْهُ وَإِلَيْهِ ، وَقَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ، فَكَيْفَ يَشْكُرُ الْمُنْعِمُ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ ؟ ! وَكُلُّ مَا يُقَدِّمُ الْعَبْدُ مِنْ طَاعَاتٍ هُوَ شُكْرٌ لِلْمُنْعِمِ جَلَّ جَلَالُهُ ، وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ اللَّهُ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ ; وَلَكِنْ عَبَّرَ بِذَلِكَ ، تَكْمِيلًا لِنِعَمِهِ وَتَفَضُّلِهِ أَوَّلًا ، كَمَا يَشْكُرُ مَنْ يَقُومُ بِالْوَاجِبِ تَفَضُّلًا ، وَلِتَحْرِيضِ الْعَبْدِ عَلَى كَمَالِ الطَّاعَةِ ثَانِيًا ، وَلِتَعْلِيمِ الْعَبْدِ شُكْرَ النِّعَمِ ثَالِثًا ، وَلِإِثْبَاتِ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى رِضْوَانًا كَامِلًا ، فَإِنَّ الشُّكْرَ زِيَادَةٌ فِي الرِّضْوَانِ ، وَالرِّضْوَانُ الْجَزَاءُ .
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفْسَهُ مَعَ الشُّكْرِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا بِقَوْلِهِ : " عَلِيمٌ " أَيْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالْعِلْمِ ; لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ عَالِمٌ بِمَنْ يَقُومُ بِالطَّاعَاتِ فَيُجَازِيهِ ،
[ ص: 479 ] وَمَنْ يَعْمَلُ بِالْمَعْصِيَةِ ، فَيَجْزِيهِ بِالسُّوءِ سُوءًا ، فَهُوَ إِشْعَارٌ لِلطَّائِعِ بِأَنَّهُ يَعْمَلُ تَحْتَ رِعَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، تَحْتَ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِكُلِّ مَا فِي الْوُجُودِ ، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى مُكَافَأَةِ كُلٍّ بِمَا يَعْمَلُ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ .
وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَوَّلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ كَانَ كَلَامُهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَكُفْرِهِمْ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَالَفَتِهِمْ لِشَرَائِعِ النَّبِيِّينَ الْجَامِعَةِ لِرَسَائِلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى خَلْقِهِ ، وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ كَانَ رَدًّا عَلَى سَفَاهَتِهِمْ وَغَيِّهِمْ ، ثُمَّ مَا كَانَ يُومِئُ إِلَيْهِ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ مِنْ إِيذَانٍ بِفَتْحِ
مَكَّةَ ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى جِهَادٍ ، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ عِدَّةَ الْجِهَادِ الصَّبْرُ وَالصَّلَاةُ ، وَجَاءَ ذِكْرُ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَبَعًا لِذِكْرِ
الْكَعْبَةِ وَمَا حَوْلَهَا .
وَيَخْتِمُ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلَامَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ بِبَيَانِ أَقْبَحِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، وَهُوَ كِتْمَانُ آيَاتِهِ ، وَيَكْتُبُونَ بَدَلَهَا بِأَيْدِيهِمْ مَا يُسَمُّونَهُ كِتَابَ اللَّهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ سُبْحَانَهُ ، وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى الْبَيِّنَاتُ الْأَخْبَارُ الْبَيِّنَةُ ، وَالْأَحْكَامُ الْمُبَيِّنَةُ فِي الْكِتَابِ بَعْدَ بَيَانِهَا ، وَقَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كُتُبِهِ الَّتِي كَانَتْ لِلنَّبِيِّينَ السَّابِقِينَ ، وَالْهُدَى هُوَ مَا بَيَّنَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ أَوَامِرَ وَمَنْهِيَّاتٍ ، فَمَنْ كَتَمَ الْبَيِّنَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى الرِّسَالَاتِ ، وَالْأَخْبَارَ الصَّادِقَةَ عَنِ النَّبِيِّينَ ، وَالْأَحْكَامَ الْهَادِيَةَ إِلَى الصِّرَاطِ ، فَقَدْ كَتَمَ عِلْمَ اللَّهِ ، وَالْكِتْمَانُ لِلْعِلْمِ ، إِنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ تَكُونُ الْحَاجَةُ إِلَى الْبَيَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَكُونَ الْمَقَامُ مَقَامَ بَيَانٍ وَتَوْجِيهٍ وَإِرْشَادٍ ، فَيَكُونُ مِمَّنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ كَمَا أَنْكَرَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مَا عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمٍ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا ،
وَإِبْرَاهِيمَ وَأَوْلَادِهِ ، وَكَمَا يُنْكِرُ الْعِلْمَ مَنْ يُسْأَلُ عَنْهُ فَلَا يُجِيبُ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=675096مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ " .
وَالْآيَةُ مَوْضُوعُهَا كُلُّ كِتْمَانٍ لِعِلْمٍ أَوْ هِدَايَةٍ ، وَقَالُوا إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ ، وَلَكِنَّ حُكْمَهَا عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ كِتْمَانٍ لِعِلْمٍ فِيهِ هِدَايَةٌ لِلنَّاسِ ، فَيَشْمَلُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ رِسَالَةَ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَا يُبَلِّغُونَهَا لِلنَّاسِ ، وَمَنْ لَا يُبَيِّنُونَ الشَّرْعَ الْإِسْلَامِيَّ لِأَهْلِهِ ،
[ ص: 480 ] قَرُبُوا أَوْ بَعُدُوا ، وَلِمَنْ يَجْهَلُهُ ، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ : لَا يُسْأَلُ الْجُهَلَاءُ لِمَ لَمْ يَتَعَلَّمُوا ، حَتَّى يُسْأَلَ الْعُلَمَاءُ لِمَ لَمْ يُعَلِّمُوا .
وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الَّذِينَ يَكْتُمُونَ الْعِلْمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ اللَّعْنُ الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ ، وَالنَّبْذُ مِنْ جَمَاعَةِ الْخَيْرِ ، وَجَمَاعَةِ الْحَقِّ ، وَأُولَئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الَّذِينَ يَكْتُمُونَ الْعِلْمَ ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَوْصُوفٍ بِوَصْفٍ ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَصْفَ عِلَّةُ الْحُكْمِ ، فَكِتْمَانُ الْعِلْمِ عِلَّةٌ لِلْإِبْعَادِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَنَبْذِهِ مِنَ النَّاسِ ، وَلَعْنِ الْوُجُودِ كُلِّهِ ، وَاللَّاعِنُونَ تَشْمَلُ الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ ، وَكُلَّ مَنْ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَلَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
إِنَّ الْعَالِمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحُوتُ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ " وَهَذَا إِذَا بَيَّنَ الْعِلْمَ وَذَكَرَهُ لِلنَّاسِ وَهَدَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ ، فَإِذَا كَتَمَهُ لَعَنَهُ كُلُّ شَيْءٍ لَعَنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ، وَلَعَنَهُ النَّاسُ ، وَلَعَنَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحُوتُ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ ، فَاللَّعْنُ عِنْدَ الْكِتْمَانِ جَزَاءً ، هُوَ نَظِيرُ الِاسْتِغْفَارِ عِنْدَ الْبَيَانِ .
وَقَدِ اسْتَثْنَى مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَلْعُونِينَ الَّذِينَ يُبَيِّنُونَ مِنْ بَعْدِ الْكِتْمَانِ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا التَّوْبَةُ هِيَ الْإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ ، وَالشُّعُورُ بِالنَّدَمِ ، وَالْعَزْمُ الْمُؤَكَّدِ عَلَى أَلَّا يَعُودَ إِلَيْهِ مِنْ بَعْدُ ، وَإِذَا كَانَ الذَّنَبُ بِالتَّرْكِ عَمِلَ ، وَإِذَا كَانَ الذَّنْبُ بِالْعَمَلِ تَرَكَ ، فَذَنْبُ الْكَاتِمِينَ كَانَ بِتَرْكِ الْبَيَانِ وَالتَّبْلِيغِ فَتَكُونُ التَّوْبَةُ بِالْبَيَانِ وَالتَّبْلِيغِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى " وَبَيَّنُوا " أَيْ أَكَّدُوا بِفِعْلِ نَقِيضِ مَا ارْتَكَبُوا .
وَقَوْلُهُ " وَأَصْلَحُوا " ، أَيْ تَرَكُوا الْإِفْسَادَ وَاتَّجَهُوا إِلَى الْإِصْلَاحِ ، وَعِمَارَةِ الْوُجُودِ ، وَنَشْرِ الْخَيْرِ بَيْنَ النَّاسِ وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى أَقْوَمِ السُّبُلِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ ، وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَمْرَيْنِ جَلِيلَيْنِ :
[ ص: 481 ] أَوَّلُهُمَا - أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27962كِتْمَانَ الْعِلْمِ فِيهِ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ ; لِأَنَّهُ يَجْعَلُ النَّاسَ فِي مَتَاهَةٍ مِنَ الْبَاطِلِ فَتَنْقَلِبُ الْأَوْضَاعُ ، وَيَخْتَلِطُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ ، وَلَا يَعْرِفُ النَّاسُ سَبِيلًا لِلْهِدَايَةِ ، وَتُسَدُّ مَسَالِكُ الْخَيْرِ ; إِذْ لَا هَادِيَ إِلَّا أَنْ يَرْحَمَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِهَا ، وَيُرْشِدَهُمْ إِلَيْهَا .
ثَانِيهِمَا - أَنَّ بَيَانَ الْخَيْرِ وَالْحَقِّ هُوَ الْإِصْلَاحُ فِي هَذَا الْوُجُودِ فَلَا سَلَامَةَ يَسْكُتُ فِيهَا الْحَقُّ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الْبَاطِلُ ، وَقَدْ لُعِنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِسُكُوتِهِمْ عَنِ الْبَيَانِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَكَمَا قَالَتِ الْحِكْمَةُ : السُّكُوتُ عَنِ الْحَقِّ نُطْقٌ بِالْبَاطِلِ ، وَالسَّاكِتُ عَنِ الْحَقِّ نَاطِقٌ بِالْبَاطِلِ .
وَقَدْ جَزَى اللَّهُ تَعَالَى التَّائِبِينَ الْعَامِلِينَ الْمُؤَكِّدِينَ لِتَوْبَتِهِمْ بِالْبَيَانِ لِلْحَقِّ وَالْإِصْلَاحِ بِأَنَّهُ يَقْبَلُ تَوْبَتَهُمْ ، فَقَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
هُنَا الْتِفَاتٌ مِنَ الْإِخْبَارِ إِلَى التَّكَلُّمِ ، فَاللَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، ثُمَّ الْتَفَتَ مِنَ الْإِخْبَارِ إِلَى التَّكَلُّمِ عِنْدَ الْجَزَاءِ ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي أَكْثَرِ الْبَيَانِ يَكُونُ ذِكْرُ الْمَعَاصِي وَالتَّوْبَةِ مِنْهَا بِالْإِخْبَارِ أَوِ الْخِطَابِ ; وَيَكُونُ الْجَزَاءُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ تَرْبِيَةً لِلْمَهَابَةِ ، وَالْإِشْرَاقِ فِي النَّفْسِ ، وَالْإِشْعَارِ بِالرِّضَا ، وَإِنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ أَحَبُّ إِلَى الْعَاصِي التَّائِبِ مِنْ كُلِّ مَا فِي الْوُجُودِ ، وَهُوَ رَفْعٌ لَهُ مِنْ ذِلَّةِ الذَّنْبِ وَخِسَّتِهِ إِلَى رِفْعَةِ الْحَقِّ وَعِزَّتِهِ ; وَلِذَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَوْصُوفِينَ بِالتَّوْبَةِ الَّذِينَ بَيَّنُوا مَا كَتَمُوا وَأَقَامُوا الْإِصْلَاحَ مَكَانَ الْإِفْسَادِ ، وَكَمَا قُلْنَا وَكَرَّرْنَا الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَوْصُوفِ بَيَانُ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَصْفُ ، فَقَبُولُ التَّوْبَةِ سَبَبُهُ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ ، وَالْعَمَلُ عَلَى نَقِيضِ الْمَعْصِيَةِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا ، وَ " أَتُوبُ عَلَيْهِمْ " مَعْنَاهَا أَرْجِعُ عَلَيْهِمْ
[ ص: 482 ] بِالْقَبُولِ وَالْجَزَاءِ ، فَكَمَا أَنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَيَّ مِنْ تِيهِ الْمَعْصِيَةِ أَرْجِعُ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ وَغُفْرَانِ الذُّنُوبِ ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ أَيْ كَثِيرُ قَبُولِ التَّوْبَةِ لِأَنِّي رَحِيمٌ بِعِبَادِي ، وَإِنْ كَانَ النَّاسُ لَا يُذْنِبُونَ أَتَيْتُ بِمَنْ يُذْنِبُ لِأَقْبَلَ تَوْبَتَهُ كَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَى الْأَثَرِ .
وَإِنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ تَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ بَيَانِ الْهَادِي إِلَى الرَّشَادِ ، كَمَا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ ، وَإِنَّ تَبْلِيغَ الْعِلْمِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى عِلْمٍ بِسِيَاسَةِ الْبَيَانِ بِأَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا يُطِيقُونَ ، وَيَتَدَرَّجَ مِنَ الْيَسِيرِ ، حَتَّى يَكُونَ الْعَسِيرُ سَهْلًا يَسِيرًا ، وَلَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
حَدِّثِ النَّاسَ بِمَا يَفْهَمُونَ ; أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؟ ! " .
وَيَجِبُ بَيَانُ الْحَقِّ الَّذِي لَا زَيْغَ فِيهِ ، وَلَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
لَا تَمْنَعُوا الْحِكْمَةَ أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ وَلَا تَضَعُوهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا ، فَتَظْلِمُوهَا " وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي هَذَا الْمَعْنَى : "
لَا تُعَلِّقُوا الدُّرَّ فِي أَعْنَاقِ الْخَنَازِيرِ " . وَفَّقَ اللَّهُ الْعُلَمَاءَ لِلنُّطْقِ بِالْحَقِّ وَأَلَّا يَفْتَحُوا بَابَ التَّأْوِيلِ لِذَوِي السُّلْطَانِ حَتَّى لَا يَضَعُوا الدُّرَّ فِي أَعْنَاقِ الْخَنَازِيرِ .
* * *