في ذكر قراءة هؤلاء القراء في هذا الزمان
إن وهي التي أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها ستكون بعده، ونهى عنها، ويقال إن أول ما غني به من القرآن قوله عز وجل مما ابتدع الناس في قراءة القرآن أصوات الغناء، {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} [الكهف: 79] نقلوا ذلك من تغنيهم بقول الشاعر
أما القطاة فإني سوف أنعتها نعتا يوافق عندي بعض ما فيها
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هؤلاء: "مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم" .[ ص: 43 ] وابتدعوا أيضا شيئا سموه الترقيص: وهو أن يروم السكت على الساكن ثم ينفر مع الحركة في عدو وهرولة.
وآخر سموه الترعيد، وهو أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد وألم، وقد يخلط بشيء من ألحان الغناء.
وآخر يسمى التطريب: وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به، فيمد في غير مواضع المد، ويزيد في المد على ما ينبغي لأجل التطريب، فيأتي بما لا تجيزه العربية. كثر هذا الضرب في قراء القرآن.
وآخر يسمى التحزين: وهو أن يترك طباعه وعادته في التلاوة، ويأتي بالتلاوة على وجه آخر، كأنه حزين يكاد يبكي مع خشوع وخضوع، ولا يأخذ الشيوخ بذلك، لما فيه من الرياء.
وآخر أحدثه هؤلاء الذين يجتمعون فيقرؤون كلمة بصوت واحد، فيقولون في نحو قوله:
{أفلا تعقلون} ، [البقرة: 44]: أفل تعقلون، أول يعلمون، فيحذفون الألف، وكذلك يحذفون الواو فيقولون: قال آمنا، والياء فيقولون: يوم الدن في {يوم الدين} . [الفاتحة: 4] ويمدون ما لا يمد، ويحركون السواكن التي لم يجز تحريكها، ليستقيم لهم الطريق التي سلكوها.
وينبغي أن يسمى هذا: التحريف.
[ ص: 44 ] وأما قراءتنا التي نقرأ ونأخذ بها، فهي القراءة السهلة المرتلة العذبة الألفاظ، التي لا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء، على وجه من وجوه القراءات، فنقرأ لكل إمام بما نقل عنه، من مد أو قصر أو همز أو تخفيف همز، أو تشديد أو تخفيف أو إمالة أو فتح أو إشباع أو نحو ذلك.