فجعل اللفظ واحدا، ثم قال: (وما هم بمؤمنين) فجعل اللفظ جميعا، وذلك أن : (من) اللفظ بها لفظ واحد، ويكون جميعا في المعنى، ويكون اثنين. فإن لفظت بفعله على معناه؛ فهو صحيح. وإن جعلت فعله على لفظه واحدا؛ فهو صحيح. مما جاء من ذلك قوله: (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
[ ص: 37 ] وقال: (ومنهم من يستمعون إليك) وقال: (ومنهم من ينظر إليك) وقال: (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين) فقال: (يقنت) فجعله على اللفظ؛ لأن اللفظ في : (من) مذكر وجعل : (تعمل) و : (نؤتها) على المعنى. وقد قال بعضهم : (ويعمل) ، فجعله على اللفظ؛ لأن لفظ : (من) مذكر. وقد قال بعضهم : (ومن تقنت) فجعله على المعنى؛ لأنه يعني امرأة. وهي حجة على من قال: لا يكون اللفظ في "من" على المعنى إلا أن تكون : (من) في معنى : (الذي). فأما المجازاة والاستفهام فلا يكون اللفظ في : (من) على المعنى.
وقولهم: "من هذا؟" خطأ؛ لأن هذا الموضع الذي فيه : (ومن تقنت) مجازاة.
وقد قالت العرب "ما جاءت حاجتك" فأنثوا "جاءت"؛ لأنها لـ "ما"، وإنما أنثوا لأن معنى "ما" هو الحاجة. وقد قالت العرب أو بعضهم: "من كانت أمك" فنصب، وقال الشاعر [ ] : الفرزدق
(19) لعنتم فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
[ ص: 38 ] ويروى : (تعال فإن)وقد جعل : (من) بمنزلة "رجل". قال الشاعر [ سويد بن أبي كاهل ] :
(20) رب من أنضجت غيظا صدره قد تمنى لي شرا لم يطع
وكذلك (ما) تكون نكرة، إلا أنها بمنزلة "شيء". ويقال: إن قوله: (هذا ما لدي عتيد) على هذا. جعل (ما) بمنزلة "شيء" ولم يجعلها بمنزلة "الذي"؛ فقال: "ذا شيء لدي عتيد". وقال الشاعر [ أمية بن أبي الصلت ] :
(21) رب ما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال
وقد يكون : (هذا ما لدي عتيد) على وجه آخر، أخبر عنهما خبرا واحدا كما تقول: "هذا أحمر أخضر". وذلك أن قوما من العرب يقولون: "هذا عبد الله مقبل". وفي قراءة : (وهذا بعلي شيخ) كأنه أخبر عنهما خبرا واحدا، أو يكون كأنه رفعه على التفسير؛ كأنه إذا قال: ابن مسعود (هذا ما لدي) .
[ ص: 39 ] قيل: "ما هو"؟ أو علم أنه يراد ذلك منه فقال: (عتيد) أي ما عندي عتيد. وكذلك : (وهذا بعلي شيخ) وقال الراجز [ ] : رؤبة
(22) من يك ذا بت فهذا بتي مقيظ مصيف مشتي
ومما جاء على المعنى قوله: (كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) [17] لأن "الذي" يكون للجميع، كما قال: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) .