وصف الشعر والإدلال به
581- ومما هو في غاية الندرة من هذا الباب ما صنعه بقول نصيب : الجاحظ
ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
حين نثره فقال ، وكتب به إلى ابن الزيات : " نحن أعزك الله نسحر بالبيان ونموه بالقول ، والناس ينظرون إلى الحال ويقضون بالعيان ، فأثر في أمرنا أثرا ينطق إذا سكتنا، فإن المدعي بغير بينة متعرض للتكذيب " .
قول الشعراء في وصف الشعر
582- وهذه جملة من وصفهم الشعر وعمله، وإدلالهم به :
أبو حية النميري :
إن القصائد قد علمن بأنني صنع اللسان بهن لا أتنحل
وإذا ابتدأت عروض نسج ريض جعلت تذل لما أريد وتسهل
[ ص: 512 ]
حتى تطاوعني ولو يرتاضها غيري لحاول صعبة لا تقبل
583- تميم بن مقبل :
إذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى لها قائلا بعدي أطب وأشعرا
وأكثر بيتا سائرا ضربت له حزون جبال الشعر حتى تيسرا
أغر غريبا يمسح الناس وجهه كما تمسح الأيدي الأغر المشهرا
584- عدي بن الرقاع :
وقصيدة قد بت أجمع بينها حتى أقوم ميلها وسنادها
نظر المثقف في كعوب قناته حتى يقيم ثقافه منآدها
585- كعب بن زهير :
فمن للقوافي شانها من يحوكها إذا ما ثوى كعب وفوز جرول
يقومها حتى تلين متونها فيقصر عنها كل ما يتمثل
586- : بشار
عميت جنينا والذكاء من العمى فجئت عجيب الظن للعلم موئلا
[ ص: 513 ]
وغاص ضياء العين للعلم رافدا لقلب إذا ما ضيع الناس حصلا
وشعر كنور الروض لاءمت بينه بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا
587- وله :
زور ملوك عليه أبهة يغرف من شعره ومن خطبه
لله ما راح في جوانحه من لؤلؤ لا ينام عن طلبه
يخرج من فيه للندي كما يخرج ضوء السراج من لهبه
588- أبو شريح العمير :
فإن أهلك فقد أبقيت بعدي قوافي تعجب المتمثلينا
لذيذات المقاطع محكمات لو ان الشعر يلبس لارتدينا
589- : الفرزدق
بلغن الشمس حين تكون شرقا ومسقط قرنها من حيث غابا
[ ص: 514 ]
بكل ثنية وبكل ثغر غرائبهن تنتسب انتسابا
590- ابن ميادة :
فجرنا ينابيع الكلام وبحره فأصبح فيه ذو الرواية يسبح
وما الشعر إلا شعر قيس وخندف وشعر سواهم كلفة وتملح
591- وقال عقال بن هشام القيني يرد عليه :
ألا أبلغ الرماح نقض مقالة بها خطل الرماح أو كان يمزح
لئن كان في قيس وخندف ألسن طوال وشعر سائر ليس يقدح
لقد خرق الحي اليمانون قبلهم بحور الكلام تستقى وهي طفح
وهم علموا من بعدهم فتعلموا وهم أعربوا هذا الكلام وأوضحوا
فللسابقين الفضل لا يجحدونه وليس لمسبوق عليهم تبجح
592- : أبو تمام
كشفت قناع الشعر عن حر وجهه وطيرته عن وكره وهو واقع
بغر يراها من يراها بسمعه ويدنو إليها ذو الحجى وهو شاسع
[ ص: 515 ]
يود ودادا أن أعضاء جسمه إذا أنشدت شوقا إليها مسامع
593- وله :
حذاء تملأ كل أذن حكمة وبلاغة وتدر كل وريد
كالدر والمرجان ألف نظمه بالشذر في عنق الفتاة الرود
كشقيقة البرد المنمنم وشيه في أرض مهرة أو بلاد تزيد
يعطي بها البشرى الكريم ويرتدي بردائها في المحفل المشهود
بشرى الغني أبي البنات تتابعت بشراؤه بالفارس المولود
594- وله :
جاءتك من نظم اللسان قلادة سمطان فيها اللؤلؤ المكنون
أحذاكها صنع الضمير يمده جفر إذا نضب الكلام معين
595- أخذ لفظ " الصنع " من قول أبي حية :
" بأنني صنع اللسان بهن لا أتنحل "
ونقله إلى الضمير . وقد جعل أيضا اللسان " صنعا " وذلك في قوله : حسان
أهدى لهم مدحا قلب مؤازره فيما أحب لسان حائك صنع
[ ص: 516 ]
596- : ولأبي تمام
إليك أرحنا عازب الشعر بعدما تمهل في روض المعاني العجائب
غرائب لاقت في فنائك أنسها من المجد فهي الآن غير غرائب
ولو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت
حياضك منه في السنين الذواهب
ولكنه صوب العقول إذا انجلت سحائب منه أعقبت بسحائب
597- : البحتري
ألست الموالي فيك نظم قصائد هي الأنجم اقتادت مع الليل أنجما
ثناء كأن الروض منه منورا ضحى وكأن الوشي منه منمنما
وله :
أحسن أبا حسن بالشعر إذ جعلت عليك أنجمه بالمدح تنتثر
فقد أتتك القوافي غب فائدة كما تفتح غب الوابل الزهر
599- وله :
إليك القوافي نازعات قواصدا يسير ضاحي وشيها وينمنم
ومشرقة في النظم غر يزينها بهاء وحسنا أنها فيك تنظم
[ ص: 517 ]
600- وله :
بمنقوشة نقش الدنانير ينتقى لها اللفظ مختارا كما ينتقى التبر
601- وله :
أيذهب هذا الدهر لم ير موضعي ولم يدر ما مقدار حلي ولا عقدي
ويكسد مثلي وهو تاجر سؤدد يبيع ثمينات المكارم والمجد
سوائر شعر جامع بدد العلى تعلقن من قبلي وأتعبن من بعدي
يقدر فيها صانع متعمل لإحكامها تقدير داود في السرد
602- وله :
تالله يسهر في مديحك ليله متململا وتنام دون ثوابه
يقظان ينتخل الكلام كأنه جيش لديه يريد أن يلقى به
فأتى به كالسيف رقرق صيقل ما بين قائم سنخه وذبابه
603- ومن نادر وصفه للبلاغة قوله :
في نظام من البلاغة ما شك امرؤ أنه نظام فريد
وبديع كأنه الزهر الضاحك في رونق الربيع الجديد